الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
---|
مقالات مختارة |
|
|
---|
عمال "العصر الحجري" في العراق !
جمال محمد تقي
التهديد المبطن الذي اورده اوباما في سياق حملته بأمكانية استخدام السلاح النووي في المواجهات المحتملة مع كوريا الشمالية وايران ، والذي اورده اثناء خطابه الناعم على هامش استضافته للمؤتمر الدولي للامان النووي الذي عقد مؤخرا في واشنطن ، والذي جاء بصيغة استثناء البلدين من الالتزام الامريكي الدولي بعدم استخدام السلاح النووي ضد البلدان التي لا تملكه ، يفضح حقيقة العقيدة الامريكية في ادارة الصراعات وتحديدا المتعلقة باستراتيجيات الهيمنة وتقاسم الادوار ، عقيدة احتكار التفوق واستخدام كل الوسائل المتاحة لمنع انتشاره ، وان انتشر فهي تقفز نحو تفوق اكبر بنفس الوقت الذي تحاصر فيه المتطلعين من اجل افراغ تفوقهم من محتواه ، هذا التهديد لا يختلف بنيويا عن تهديد كولن باول الموجه للعراق قبل انطلاق الجحافل الامريكية لاحتلاله ، عندما قال : سنقوم بأرجاع العراق للعصور الحجرية اذا استخدم النظام العراقي اي من الاسلحة غير التقليدية في المواجهات القادمة !
امريكا لم تتغير ، امريكا هي ذاتها امريكا ، ليس لديها ما يمنعها من استخدام كل الوسائل لفرض سيطرتها وضمان مصالحها ، المانع الوحيد هي قوة الخصوم التي تجعلها تفكر مليا بالخسائرالمحتملة في قواها ، امريكا قذفت هيروشيما ونكازاكي بالقنابل الذرية لتدشن بها مرحلة الامبراطوريات النووية ، وهي ذاتها التي جارت الردع السوفياتي ، فقفزت على ردعه باتجاه حرب النجوم ، امريكا نفسها التي عوضت عدم اطلاق يدها في الاستخدام النووي اثناء الحرب الفيتنامية ، بالاستخدام المفرط للاسلحة المحرمة الاخرى ـ النابالم ، والقنابل العنقودية والفسفورية ـ وذلك تكيفا منها مع استحقاقات الردع النووي المتوفرة لدى حلفاء الفيتناميين في بكين وموسكو .
العراق لم يستخدم اي سلاح غير تقليدي في كل المواجهات التي حصلت مع دول التحالف في حرب الخليج الثانية ، وايضا اثناء مجريات حرب الخليج الثالثة ، التي توجت باحتلاله تحت ذريعة باطلة وملفقة ـ نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية ـ الطامة الكبرى ان الامريكان وحلفاؤهم قد استخدموا اثناء حربهم "لنزع الاسلحة اياها" مئات الاطنان من قذائف وقنابل الدمار الشامل المشبعة بالمشعات المهلكة ـ اليورانيوم المنضب ـ الحارقة الخارقة والمارقة ، والتي تبقى اثارها المدمرة مستمرة ، لانها تعلق بالبيئة المحيطة ، مشعة موجاتها العابرة للاجسام والمصدات والجينات ، والتي لا تنقطع بمرور الاجيال والازمان الا بعمليات شبه مستحيلة من المطاردة الطمرية غير المضمونة العواقب والمكلفة بما لا يقاس لانها ليست محصورة بمكان محدد !
لقد لوثوا العراق بالاشعاعات القاتلة كما لوثوه بالخراب والتدمير والفساد والفتن الطائفية والعرقية ، اكثر من مليون ونصف ضحية بين عسكري ومدني ، ملايين من المهجرين والنازحين والايتام والارامل والمعوقين والمشوهين والمسرطنين ، مئات الالوف من الذين تعرضوا وما زالوا للاعتقال والتعذيب والمطاردة والابعاد ، تدمير شبه كامل للبنية التحتية الصناعية والزراعية والحيوانية والتعليمية والصحية ، اهدار للثروات وسرقة منظمة للعوائد والمساعدات ، اكثر من 30 بالمئة من السكان تحت خط الفقر !
الحرب على العرق قد ابتدأت منذ ان فرض الحصار المجرم عليه بحيث حرم من اية امكانية لتجديد قواه واستفادته من عوائد النفط لتلبية الاحتياجات الضرورية لصيانة واستدامة وتطوير البنى التحتية التي تهالكت .
اذا كان الاحتلال البريطاني المباشر للعراق في مطلع القرن العشرين " 1914 ـ 1917 " والذي تحول الى احتلال غير مباشر بعد نيل العراق اعتراف عصبة الامم به كدولة مستقلة 1932 ، قد اسهم وبشكل كبير في الزيادة الكمية والنوعية ، لشرائح العمال الاجراء في العراق بعد ان كانوا باعداد ضئيلة ومهارات محدودة زمن الحكم العثماني ـ في ورش لتصليح المراكب النهرية ، معاصر عرق السوس والسمسم ، دباغة الجلود ، مكابس التمور ، مطابع صغيرة ، معمل العبخانة للغزل والنسيج التابع للولاية ، عدد قليل من معامل الثلج والطابوق ـ وذلك لسد احتياجات وجوده العسكري المباشر ، وايضا لاقامة المشاريع المرتبطة باستثمارات شركاته المتزايدة ، والعاملة في مجالات الاستيراد والتصدير ، وشق وتعبيد طرق المواصلات ، واستكشاف المعادن وتحديدا النفط ، بحيث قامت في عهده مشاريع اسطول النقل النهري ، وتطوير ميناء البصرة ، و خطوط السكك الحديدية ، والمطارات ، وقام بتشجيع الاستثمار المحلي ببعض الصناعات التحويلية والتخزينية التي تنشط حركة التجارة ـ تصديرا واستيرادا ـ بواسطة الشركات الانكليزية التي كانت تركز على التعامل مع الخامات الزراعية والحيوانية ، مثل المغاسل الالية للصوف والجلود ، ومكابس ومعاصر التمور ، والمطاحن والسايلوات ، والمشروبات الغازية ، فان الاحتلال الامريكي المباشر للعراق 2003 والذي مهد له بالحصار الشامل على البلاد وبوصاية انتدابية دولية قد اسهم وبشكل ملحوظ في التدهور الكمي والنوعي لاعداد ومؤهلات شرائح الطبقة العاملة العراقية ، بعد ان شهدت هذا الطبقة وبكل فئاتها نهضة جبارة في العدة والعدد والتي تفاعلت خميرتها منذ قيام مجلس الاعمار ايام العهد الملكي عام 1954 مرورا بانجازات ثورة 14 تموز 1958 وتتويجا لها بعد قرار تاميم النفط الشجاع 1972 الذي فتح الباب على مصراعيه للتنمية الشاملة ـ زراعيا وصناعيا وخدميا ، في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات والكهرباء والماء الصالح للشرب ، فلم تكن هناك محافظة واحدة دون مشاريع متنوعة ، ووفق خطط تكاملية لا تميز بين شمال وجنوب ـ الخط الاستراتيجي لتصدير النفط ، النهر الثالث كمبزل حيوي ، مشاريع الري الكبرى في الثرثار والموصل ، شبكة مواصلات حديثة ، تطوير اعمال ومجالات شركة النفط الوطنية ، اقامة مصافي حديثة للنفط شمالا وجنوبا وفي الوسط ، مصنع الحديد في البصرة ، مصانع الاسمنت في الشمال والوسط والجنوب ، تطوير شبكة مصانع النسيج في بغداد والكوت ، معامل البترو كمياويات ، تطوير مصانع الاسكندرية للتجميع والتصنيع المتوسط ، مصنع الاخشاب في نينوى ، مصنع الزجاج في الرمادي ، مصنع السجائر في السليمانية ، مصنع التعليب في كربلاء ، مصنع الزيوت النباتية في بغداد ، تطوير مرافق الانتاج النفطي في كركوك ، تطوير مصنع قصب السكر في العمارة ، معامل الالبان ، شركة عملاقة للمقاولات الانشائية بفروع عاملة في كافة المحافظات ، اسطول مكيف ومجهز للنقل البري ، بناء اضخم ميناء عائم في الخليج ، اكبر شبكة مخازن ومعارض تغطي كل انحاء البلاد ، محطات كبرى وصغرى لتوليد الطاقة الكهربائية وتنقية المياه ، ووو ، حتى بلغ عدد العمال الثابتين في القطاع العام عدد مليوني وبمهارات متدرجة ودورات تدريبية متواصلة ، الى ان جاء الانتقام الشامل الذي حاصر واحتل ، وكان هدفه الاساسي ليس كما يدعي من اكاذيب نزع الاسلحة او نشر الديمقراطية ، وانما لتخريب النهضة المتدفقة ، ووئد التجربة العامرة للعراق الحر ، والسيطرة على امكاناته اوطمرها بواسطة تقسيمه .
الان العراق يقارب العصور الحجرية فعلا ، بلاد تعتاش على ما تبيعه من بقايا نفطها المنهوب والمهدور ، لا تنتج شيئا ، تشتري كل شيء حتى البنزين والسكاير والخيوط بل حتى الماء ، وحتى ما تبقى من انتاجها الزراعي والحيواني يدفع دفعا نحو العطالة بسبب غرق الاسواق بالبضائع المستوردة ذات الاسعار التنافسية التي لا تراعي اي نوع من الحماية للمنتج الوطني ، بلاد عمالها اما مسرحون او يعيشون كغيرهم من شرائح المجتمع ، ظروف البطالة المقنعة !
العزاء في ان عمال العراق ما زالوا يدركون ورغم كل الاغبرة المثارة حقيقة ما يجري ، وهم الذين رأوا الافق وسينالونه حتما بمقاومتهم للجرب السائد .
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي