الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

webmaster@saotaliassar.org  للمراسلة  

 
 

 

 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اليسار العربي ومطبات النيوليبراليين

 

جمال محمد تقي

 

لم تكن تراودني فكرة المساهمة المباشرة بالحوارات الجارية على صفحات العديد من المواقع الالكترونية والصحف العربية والتي يسعى من يدفع بها للواجهة الى جر قوى اليسار العربي لمواقف تصادم مع الفكر والتراث الاسلامي بواسطة سحب المواقف النقدية الموجهة للتشدد والتطرف والتعصب الديني عند بعض تيارات الاسلام السياسي ، على الاسلام ككل ، كدين وتراث وتاريخ وهوية ثقافية ، حتى غدت تتواتر اصوات التطاول هذه وتعلو بشحن وغلو قل نظيره في التجني على تاريخنا ومعتقداتنا ومحاكمتها بشكل مجحف تماهيا مع الحملة المنظمة لتشويه الحقائق والتلاعب بمعطياتها والهجوم المنظم على الخيارات الحرة لشعوبنا ، ثم تزايد دعواتها الصريحة لتبني مواقف الدوائر الاستخبارية الصهيونية والغربية بخصوص قضايانا المصيرية ، ولا اجد بد هنا مني ومن غيري من الكتاب اليساريين الا بالرد ، وقول ما يجب ان يقال !

 ان انفتاح اليسارعلى التحالف مع العلمانيين والليبراليين الوطنيين يفرض عليه مهمة تمييز نفسه عن المتلبسين بالعلمانية والليبرالية والذين هم بالحقيقة ادوات للتبشير بالتغريب وبقدرية التبعية لاجندات الهيمنة للعولمة الامريكية كخارطة طريق لابد منها للنجاة من الواقع المتردي الذي تعيشه شعوبنا ، انهم يوعدونا بالفناء ان نرفض دخول بيت طاعتهم !

هنا مناقشة مع المدافعين عن طروحات د. وفاء سلطان والذين يستغربون من امتعاض اليساريين منها ودحضهم لدعواتها !

عندما كتب ابو حامد الغزالي كتابه الشهير تهافت الفلسفة لم تكن الفلسلفة المقصودة بطبيعة الحال الفلسفة  الماركسية وانما فلسفة ابن رشد "العقلانية " وعندما رد عليه ابن رشد بكتابه ـ تهافت التهافت ـ  لم يكن يقصد بطبيعة الحال ايضا الاسلام كخامة فكرية بكرية لانها حمالة اوجه ولانها تشكل في سياقها التاريخي نقلة نوعية في تطور الظاهرة الايديولوجية في المجتمعات ذات التراكم الطبقي الصاعد ، وربما نتفق ايضا على ان موقف الغزالي من الفلسفة ليس نهائيا كما تبين ذلك تناقضاته الفكرية في وقبل وبعد كتابته لتهافت الفلسفة ، وقبلهم كان المعتزلة في فلسفتهم ، التوحيد والتنزيه ، لم يخرجوا على الاسلام وانما اجتهدوا في تاويله وجعله اكثر اتساقا مع المعرفة ، والاشعرية خرجت منها او عليها هروبا للغيب وخدمة لايديولوجية السلطة وقتها !

 

لقد عرف ماركس جوهر فلسفته المادية التاريخية قائلا : " ان الناس اثناء الانتاج الاجتماعي لمعيشتهم يدخلون في علاقات معينة ضرورية ومستقلة عن ارادتهم وعلاقات الانتاج هذه تطابق مرحلة معينة في تطور قواهم المنتجة المادية ومجموع علاقات الانتاج هذه يؤلف بناء المجتمع الاقتصادي ، اي الاساس الحقيقي الذي يقوم عليه بناءا اعلى حقوقيا وسياسيا يطابق اشكالا معينة من الوعي الاجتماعي والعقلي بوجه عام ، فليس وعي الناس هو الذي يقرر كيانهم بل على العكس ان كيانهم الاجتماعي هو الذي يقرر وعيهم " .

عليه فان عبارة نقد الدين اساس النقد هي عبارة مسحوبة من سياقها ، فالسياق الماركسي هو ديدن التحول من المجتمعات الطبقية الى المجتمعات غير الطبقية وهي بجوهرها النظري التاريخي  تفسير لنشوء الظاهرة الراسمالية وتسليط الضوء على خصائصها كونها ضرورة حتمية للعبور الى الشيوعية ، فهل ياترى الدين هنا هو من يقف في طريقها ام الراسمالية كتشكيلة ؟

الدين كمظهر اجتماعي تاريخي طبقي يستخدم في الصراع الفكري بين الطبقات اي هو اداة من الادوات ولكنه ليس الفيصل ، فمثلما قال ماركس مثلا في سياق وصفه لدور الكنيسة وتاثيرها لمصلحة الطبقات السائدة في اوروبا " دينها افيون للشعوب " قال فريدريك انجلز  برسالة بعث بها الى رفيقه كارل ماركس متناولا فيها هوامش من تاريخ الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام : " من البديهي ان اجلاء الاحباش ـ عن اليمن ـ الذي تم قبل 40 سنة من ظهور محمد كان اول فصل في يقضة الوعي القومي العربي التي استنفرتها غزوات الفرس من الشمال تلك الغزوات التي اندفعت حتى كادت تصل الى مكة "

يقال تجاوزا وعلى سبيل المثال ان عيسى المسيح هو اول شيوعي في التاريخ لمواقفه الجريئة من سيطرة الصيارفة وتجار الدين على حياة العامة وكونه ثائرا ضد الهة الارض ، ونفس الشيء ينطبق على محمد وموقفه من الارستقراطية القريشية وكذا مواقف علي ونزاهته وهو القائل ما اغتنى غني الا بفقر فقير وابو ذر الغفاري القائل الجوع ابو الكفار ، اذن في احكام اي دين او في ممارسات ايا من رجالاته هناك وجوه مختلفة تنسجم مع سياقها التاريخي !

فحركات الاسلام السياسي التي تعادي حركات اليسار وعموم حركات التحرر الاجتماعي والاقتصادي هي في جوهرها تستخدم الدين بما يفيد بقاء الحال على ماهو عليه وعرقلة مسيرة التحولات الاقتصادية التي توفر الارضية المناسبة للتحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية ، من هذا المنطلق وقف الاخوان ومرجعيات النجف مواقف تنسجم تماما مع الغرب بالضد من اليسار في العراق ومصر مثلا !

اي ليس هناك عداء متاصل بين الاسلام كدين والفكر اليساري ، لاننسى مثلا تجربة الاهوت الثوري في امريكا اللاتينية وكيف كان هناك انسجاما وتنسيقا بين حركة اليسار ـ فيدل كاسترو والحكم الثوري في  نيكاراغوا وغيرها ـ مع انشطة الكنائس ومواقفها ضد النهب الامبريالي الامريكي الذي لا يتعامل مع بلدان امريكا اللاتينية الا كحديقة خلفية للولايات المتحدة !

هناك رجال دين متنورين ومتحررين عملوا في صفوف اليسار ، الايمان بالغيب لا يفسد للود قضية اذا كانت الحركة تتسع للجميع بانشغالاتها البناءة والمتحضرة والانسانية !

موقف اليسار من الدين المسيس يحتاج الى تفصيل بل وتفصيل التفصيل ايضا ، اي لا يجب ان نتعامل مع العبارات على طريقة ولا تقربوا الصلاة ، فان السياق هنا ملح جدا وجدا !

اذا كان نقد الالهة والانبياء والاديان والمقدسات يفيد قضية الشيوعية في الصراع مع الراسمالية فان الشيوعية حتما تفعل ذلك ولكن اذا كانت كل هذه المسميات هي تاريخ غير مسيس في الحاضر فلماذا تسيسه الشيوعية ؟ ثم للنقد منهج اساسه معرفي ومنطقي وموضوعي ، اي ليس نقدا انتقائيا وتجزيئيا وسطحيا ، نقد العادات البالية والتقاليد المتخلفة والخرافات المنتعشة في اجواء الاختلالات والتشوهات والاحتلالات المباشرة وغير المباشرة ، لابد من التصدي لها حتى لو تلبست لباس الدين وبكل الوسائل المتاحة اعلاميا وتعليميا وقبل كل ذلك بمعالجة اسبابها اي اسباب التخلف الاجتماعي والفكري الكامنة بتخلف قوى الانتاج وعلاقاتها ـ اعطني مجتمعا يملك اقتصادا منتجا اعطيك مجتمعا متمدنا ـ اما لماذا لسنا بمجتمع منتج فادرس تاريخ مجتمعاتنا واقرأ آليات السوق الراسمالية وخاصة في مراحلها العليا ستعرف السبب اي ليس لديننا علاقة حاسمة بالموضوع ، فليست كل افريقيا مسلمة ولا كل اسيا ولا امريكا اللاتينية ولا اوروبا الشرقية ، بل ان ظهور بنى استهلاكية ريعية بعد ظهور البترول ساهم سلبا في تكريس التشوه والتبعية !

افغانستان وطالبان مثال حي : اليساريين الافغان وبمعونة السوفيات اقاموا نظاما مدنيا تقدميا يحترم الاديان وطقوسها ، فشهدت افغانستان نهضة تعليمية وتنموية ، كهرباء وماء وجمعيات تعاونية زراعية ، طرق وجسور مدارس ومستشفيات وسينمات ومسارح وتمتعت المرأة بقوانين تحررية واخذت تعمل وتدرس ، لكن التحالف الامريكي الباكستاني والرجعي العربي ، جيش الجيوش وحرض الناس ودرب المجاهدين وكان ومازال للبترو دولار دورا فاعلا فيما يجري هناك ، وكان الاعلام الامريكي يذرف الدموع على الاسلام الضائع في افغانستان ، والنتيجة معروفة خراب بخراب ومخدرات ثم انقلاب السحر على الساحر ، اليس هذا مثال حي على الدور القذر للقوى المهيمنة عالميا بالتحالف مع اشد القوى رجعية والمتخفية باسم الاسلام لابقاء شعوبنا تتخبط بتخلفها ، هل كان دور حزب الشعب الافغاني اليساري هو كدور كرزاي ؟ هل احتلال افغانستان امريكيا ارجع الى افغانستان اسلامها  ؟ وهل الاسلام غادر افغانستان اصلا ؟

هناك موجة من خلط الاوراق تحركها مؤسسات ودوائر لها مصلحة في زيادة تخلخل وتفكك وتوهان مجتمعاتنا واشتدت هذه الموجة منذ حكم بوش الابن وخاصة بعد حادثة البرجين ، وقبل ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، فلم يكن سرا ان تعلن امريكا ان الشرق الاوسط كله منطقة مصالح حيوية لها وهو جسرها الذي يجب ان يكون امنا للسيطرة على العالم وبقاء النفط  وريعه في قبضتها هو ضمانة كافلة لبقاء دولارها كمعادل نقدي عالمي ، من اجل ذلك كله فهي لا تتورع عن فعل اي شيء للمحافظة على سيطرتها بل وتعزيزها كليا !

نعم حركة التحرر العربية تلقت ضربة هائلة بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي وضعف مبادرتها وتخبط اطرافها وازمة قيادتها ومكوناتها كلها عوامل ذاتية ساعدت على ترك زمام المبادرة لقوى الاسلام السياسي التي نجح الغرب في تكريسها من خلال دعمه لانظمة الحكم الفاسدة ، حتى اختلت الموازين ونجحت حركات اسلامية متطرفة بكسب فئات واسعة من الشارع العربي والاسلامي لسببين رئيسيين اولهما اليأس وثانيهما الاعتقاد بتميزها بنظافة اليد !

اليسار لا يؤمن بصراع الحضارات وانما بصراع الطبقات ، فليس الاسلام في حالة صراع مع المسيحية او اليهودية او الغرب او البوذية ، هذه كلها مشتتات وملهيات وان وجدت بعض ما يشجع عليها من ظواهر ، فالمشكلة الكلية هي بين نظام راسمالي امبراطوري متغول يستغل تقدمه لمزيد من النهب والاستغلال وخاصة لشعوبنا المقهورة ، وعلى كل قوى اليسار الاصيل والقوى الديمقراطية والليبرالية الوطنية والعلمانية غير التابعة وكل الاحرار المتدينين وغير المتدينين من اقامة اوسع تحالف اجتماعي سياسي يعتمد على شغيلة الفكر واليد والفلاحين والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة للنضال في سبيل التغيير الديمقراطي لمجتمعاتنا ، ولاقامة انظمة تحارب الفساد والتبعية !

كان نداء لينين الى شعوب الشرق بعد نجاح ثورة اكتوبرالبلشفية 1917 للثورة على النظام الكولونيالي العالمي  ، ثم فضح الثورة لوثائق اتفاقيات سايكس بيكو اكبر معين لشعوبنا وطلائعها لتلمس طريق الخلاص ، وحصلت فعلا مراسلات بين رجالات التحرر في ايران والعراق وفلسطين ومصر مع قادة الثورة ، حتى الامامة في اليمن قد اعترفت بالثورة وجرت بينهما اتصالات ، ثورة العشرين في العراق وثورة سوريا وغيرها من التحركات كانت مشحونة بدفع الثورة البلشفية ، حتى ان كلمة بلاشفة نجدها شاخصة في اشعار الرصافي وادباء ايران وفلسطين !

الثورة وقفت ضد الكنيسة الروسية التي ايدت الثورة المضادة بقيادة المنشفيك ، ووقفت ضد كل قوى الاقطاع المدعوم خارجيا والذي كان يستخدم الدين سلاحا بوجه الثورة ، في الجمهوريات الاسيوية وقف العديد من شيوخ الدين المسلمين الى جانب رجالات الثورة المضادة وبهذا عرضوا انفسهم للمواجهات والملاحقات ، وانحسر المد الديني المسيحي او الاسلامي !

ونفس شيء بالنسبة للثورة الصينية ، القضية لم تكن قط قضية عداء مع الاسلام او المسيحية او اليهودية بل هو عداء مع الخط السياسي الذي اختارته بعض واجهات هذه الديانات بدلالة وجود الجوامع والكنائس والمعابد وبدلالة حريتهم في ممارسة طقوسهم الدينية !

صحيح هناك ممارسات خاطئة مورست وذهب ضحيتها ابرياء ، وصحيح ايضا هناك نهجا كان متطرفا في تحسسه من اي معتقدات روحية لا تتوافق مع السياق البلشفي لكنها لم تكن قط اجتثاثية بدوافع تفضيل دين على اخر او بدافع تحريم اي دين من الاديان !

يقول ستالين : " ان كل نظام اجتماعي وكل حركة اجتماعية في التاريخ يجب ان لا يحكم عليها من ـ العدل الازلي ـ او من ناحية فكرة ما مقررة سلفا كما يفعل المؤرخون في الغالب بل ينبغي الحكم عليها من حيث الاوضاع التي انشأت ذلك النظام او تلك الحركة الاجتماعية والتي يرتبطان بها " !

بندلي صليبا الجوزي مسيحي فلسطيني درس في روسيا منذ ايام القيصرية ونال الدكتوراه عام 1899 من جامعة قازان وكان موضوعها عن المعتزلة وعمل استاذا في نفس الجامعة وبعد ثورة اكتوبر عين استاذا للادب العربي في جامعة باكو ولم تنقطع صلة جوزي بوطنه الاصلي وترجع اهمية بندلي جوزي في تاريخ الفكر العربي الى كونه صاحب الريادة في النظر الى التاريخ الاسلامي على ضوء التفسير المادي للتاريخ ، وقد رفد المكتبة الروسية والعربية بالعديد من القواميس والبحوث والدراسات القيمة عن خصائص الحضارة العربية الاسلامية ومكانتها الراقية ، يقول بندلي في معرض حديثه عن النبي محمد : " من فضل النبي العربي على امته واكبر الادلة على عبقريته وقوة ارادته انه اول من وفق في تاريخ هذه الامة على ما نعلم الى جمع شتاتها وتوحيد كلمتها وجعلها شعبا واحدا اوامة واحدة . . "

من كتابه دراسات في اللغة والتاريخ الاقتصادي عند العرب !

من البداهة انه اذا اعد احدهم نفسه اعدادا جيدا لتقديم برنامج ما او مسلسل ما او للعمل في الترويج والتعبئة لفكرة ما فانه وعلى مرالسنين سيكون من المفوهين واصحاب الكفاءة في مجاله هذا ، فكيف بشخص كالسيدة وفاء وهي عالية التعليم وذكية وتتوفر لديها الارادة والرغبة والدوافع الكامنة درجة التطرف لتاكيد ذاتها لاسيما وان كل سبل النجاح مفتوحة امامها ودون خسائر حقيقية بل بمكاسب ملموسة لانجاز رسالتها واهمها المناخ المشجع والمتناسق مع التيار السائد في الوطن البديل ـ امريكا ـ

 الخلاف جذري مع طروحاتها والتي اجدها مجندة لاهداف سياسية مغرضة تتجاوز الدعوة لنبذ الخرافات والترهات والتعصب والعدوانية التي اقحمها على الدين من يتاجر به ، عندي وعند الغلبة الغالبة  من اليساريين ، فطروحاتها تمتاز باحادية النظرة والانتقائية واحيانا بالسطحية لانها تتوقف عند وصف الظواهر دون تحليلها وهي تعتبر ان الافكار المسبقة هي التي تلد الحقائق على الارض في حين ان واقع اسلوب المعاش كما يقول ابن خلدون هو الذي يفرز موضوعيا نوعية تلك الحقائق ، اعتقد ان اللا موضوعية تدفع صاحبها تلقائيا ودون ان يشعر للتعصب والتطرف وهكذا اجد السيدة الدكتورة وفاء مع شديد احترامي لشخصها واجتهادها !

نعم تطرح بعض الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان ولكنها مجتزئة من سياقها ، فتكون حقائق عوراء ،

فشتان مابين القراءات النقدية البناءة للدكتورة نوال السعداوي وبين القراءة الاجتثاثية والاقصائية وبأثر رجعي وتظليمي لكل المسيرة التاريخية الاسلامية دون مراعاة لما هو موضوعي وذاتي وما هو حتمي وطاريء وما هو نوعي وكمي وما هو بفعل نواميس داخلية وخارجية !

قراءات نوال السعداوي لا تخلط الحابل بالنابل وهي تتعامل مع الظواهر ضمن سياق الحركة العامة فالاسلام لا يعيش بجزيرة منفصلة منذ 1400 سنة انه متفاعل مع مؤثرات المحيط والبيئة ، لقد اخذ واعطى ، والان وفي عصر العولمة الراسمالية حيث كل شيء يستخدم في سوق المنافسة ، كل شيء يمكن ان يتحول الى سلعة حتى الايديولوجيات بل حتى الاحلام وحتى الازمنة الماضي والحاضر والمسقبل وهذا ما يجعل العالم لا يطاق جشعا ونهما وابتزازا واستهلاكا والمسؤول الاول والاخير هم الهة الراسمال ودينهم ـ دنانيرهم ـ !

يقول الكاتب اليساري البارز د. اميل توما : " من السخف ان نحكم على العصور الغابرة بمقاييس عصرنا وان نتحدث عن قيم اجتماعية وسياسية هي من مظاهر قاعدة اقتصادية معينة ومجتمع تسوده علاقات اقتصادية معينة " ، فمثلا لا نستطيع ان نحاكم محمدا من جهة علاقاته بالنساء دون ان نضع تلك العلاقة في سياقها التاريخي ، وكذلك بالنسبة لموضوعة الحرب وما يترتب عليها من سبي وغنائم وهكذا ، لكننا نقف وبقوة بوجه دعاة التقليد والرجوع الى الوراء فالذي حدث حدث وليست لنا اية مسؤولية تاريخية عليه ولكننا نتحمل كامل المسؤولية الان في الحاضر لجعل الحداثة والمدنية وحقوق الانسان هي المعيار ونبذ كل الموروث الذي يتصادم معها ونحن لا نعتقد ان الاسلام غير المسيس الاسلام الروحاني يتصادم معها اذا توفرت الشروط الملائمة لمجتمعات الحداثة واعظمها البنية الاقتصادية وعلاقاتها المتطورة !

من يطلع على الكتابات الماركسية واليسارية التي تناولت التاريخ الاسلامي ومحركاته وايضا اسباب قوته وضعفه ككتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية لحسين مروة ، واليمين واليسار في الاسلام لاحمد عباس صالح ، والحركات الاجتماعية في الاسلام د. اميل توما ، ودراسات في اللغة والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي عند العرب لبندلي صليبا الجوزي ، وتراثيات الباحث العراقي المعروف هادي العلوي ، وكتابات البروفسور ادوارد سعيد التي تتعلق بالاستشراق ونوازعه ، واخيرا الاسلام لروجيه غارودي ، وغيرهم الكثير ، سيجد رصانة وحصافة وتفسيرعلمي ومعرفي لهذا التاريخ بما يخدم قضايا الشعوب العربية والاسلامية باتجاه التحرر والتقدم والوحدة ، فاشد القوى محاربة للطائفية الدينية هم قوى اليسار ، واشد الداعين لوحدة مجتمعاتنا على اساس هوية المواطنة بمعزل عن الهوية الدينية او القومية هم اليساريين !

قوى اليسار تنازل وتواجه التخلف في عقر داره وهي حركات لا اشخاص انها تصارع من اجل الحياة الاجمل والاعدل وهي تقدم الشهداء في طريقها وقد تنتكس لكنها تنهض من جديد ، اما امثال السيدة وفاء سلطان من المصابين بامراض الاغتراب الجذعي ، لا يستطيعون التاثير عموديا في الناس مهما فعلوا ، لان الذي يكرروه على مسامعهم هو اشبه بدور لقطات الاثارة والدهشة في الافلام السينمائية ، فهي تثير الانتباه ثم تتلاشى كالفقاعة ، ومن يتحمس لها هو اصلا مستاء ويريد تنفيسا ما لكنه يبقى تنفيسا من النوع الذي لا يدوم !

من يريد الخير حقا لمجتمعاتنا العربية والاسلامية عليه المساهمة الفعلية في النضال الحقيقي لاقامة انظمة ديمقراطية تبني الاسس لنهضة اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية منتجة وتعليم حديث في دولة المواطنة المدنية ـ دولة لا دينية ولا عسكرية ولا وكيلة لمستعمر يلعب بالبيض والحجر ـ دولة القانون والمؤسسات التي تضمن حرية التدين والتي تفصله بقوة القانون عن السياسة !

نعم اليسار ضد كل اشكال التعصب الديني وضد كل استغلال للانسان وطرق حياته وتحت اي مسمى كان اليسار الحقيقي ليس بالانتهازي الذي يجامل المتشددين الاسلاميين اذا كانوا اقوياء او يحالف الامريكان اذا احس برزق من ورائهم ، اليسار الحقيقي يقول للاعوج انت اعوج دون ان يشتمه او يهينه اويحتقره ولكنه يعمل لوضعه في مكانه الملائم !

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي