صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                      مقالة للكاتب جمال محمد تقي      

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

  

 

 

 

 

 

 

صيف عراقي مكيف !

 

 

جمال محمد تقي

 

لم اقصد بالتكييف ، تخفيض دراجات حرارة الجو العراقي اللهاب في تموز وآب ، لان طاقة التيار الكهربائي في العراق لا يمكنها تحمل عبأ مثل هذا التكييف وبأي درجة من درجاته الدنيا !

المقصود هو التكييف السياسي للاجواء العامة في البلد ، كي تصل الى حالة معلومة من الطبخ والنفخ والاستواء المحسوب سلفا ، والمبرمج على استيعاب هوامش الانفعالات وتوابلها الطارئة والاصيلة ، حتى تلامس الذروة القابلة لجميع الاحتمالات المفتوحة نظريا ، والمغلقة عمليا بواقع التأثير الحاسم للعامل الخارجي وادواته الداخلية ، والمتمثل بالثقل الامريكي الذي مازال يحتل القرار العراقي ويتلاعب به ، بحكم كونه الضامن المشترك الاعظم للمتحاصصين الذين اجلسهم على دست السلطة في العراق الجديد .

 ليتكيف الوضع برمته مع استحقاق يراد الدفع باتجاه الالتفاف على تحقيقه ،  ومن اجل تمرير ما يجب تمريره تشعل فتائل الازمات ويصب الزيت على نار الفتن والمشاكل المزمنة والمختلقة ، وينشغل الاعلام بملاسنات وتجاوزات مصطنعة تغطي حتى على التجاوزات الفعلية ، كلام ثقيل ، مرة بين البارزاني والجعفري ، واخر بين المالكي وعلاوي ، ثم اخبار التفجيرات المفاجئة والمروعة ، ومناوشات ساحة التحرير ، كلها تتلاقى في نتائج تراكمات مردوداتها السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية مع المشاكل الدائمة كفساد الدولة وتشرذمها وتخبط ادائها الامني والخدمي ناهيك عن ادائها الاقتصادي والقانوني ، لتحقق في النتيجة حالة احتقان يستثمر بها المتحكمون بالشأن العراقي .

الاستحقاق المعني هو انسحاب جميع القوات الامريكية من العراق نهاية هذا العام ، وذلك بحسب الاتفاقية الامنية الموقعة بين حكومتي العراق والولايات المتحدة في عام 2008 ، وما تريده امريكا حاليا هو الالتفاف على هذا الاستحقاق ، وذلك بتمديد بقاء قواتها في العراق ، لضمان ادامة وصايتها عليه من جهة ، وايضا لتنجز ما لم تنجزه بعد من مهمات تعيق اي نهوض عراقي جديد ، علاوة على ان ترك العراق دون قواعد عسكرية امريكية ثابتة فيه ، سيفقدها موقعا استراتيجيا من الصعب تعويضه في هذه الظروف التي يتعسكر فيها محور "الاعتدال" العربي مع اسرائيل لمواجهة القوة الايرانية المتنامية في المنطقة ومن ضمنها العراق الذي سيكون جسرا كبيرا لها باتجاه شرق المتوسط ، وهذا ما لا تريده امريكا واسرائيل ، وقبلهم لايريده شعب العراق ايضا ، لكن شعب العراق لا يفاضل بين وصايتين خارجيتين عليه ، ولا يحتمي بمحتله الامريكي من توغل ايراني متوقع ، فهو قادر على حماية نفسه بنفسه ، وايران تدرك قبل غيرها هذه الحقيقة التي لن تتآكل برغم جراح العراق وضعف امكاناته العسكرية التي حطمها المحتل الامريكي بنفسه ، الشعب يريد خروجا كاملا للامريكان من العراق ، وبعد ذلك سيعرف العراقيون كيف يوقفون ايران عند حدها .

دولة القانون والعراقية ، علاوي والمالكي ، الاثنان شركاء في العملية السياسية القائمة تحت الوصاية الامريكية من الفها الى يائها ، والاثنان مع تمديد البقاء الامريكي في العراق ، لكنهما يدركان ما تريده الاكثرية الساحقة من الشعب العراقي ، لذلك يحاول كلا منهما رمي مسؤولية التجاوب مع الرغبة الامريكية على الاخر !

لقد تم تجميع حزمة ضخمة من الاشكالات في هذا الصيف لتزيده سخونة على سخونة ، من اجل توتير كل الاجواء واشاعة مخاوف الانفلات والفوضى الامنية ، لاجهاد الناس وترويضهم ، وجعلهم يقبلون ولو على مضض بالسيء ، تفاديا للاسوء ، لتطرح بعدها حزمة حلول تجد من يضمنها لجميع الشركاء المتنازعين على حصصهم ، وضمن هذه الحزمة سيكون ، اتفاق الكتل على تمرير تمديد البقاء الامريكي في البرلمان وقبله الحكومة !

قال جيمس جيفري السفير الامريكي في بغداد : ان اغلبية النواب العراقيين وافقوا على بقاء القوات الامريكية في العراق ، عدا طرف واحد يتباهى بقتل الجنود الامريكان !

هذا تصريح علني امام وسائل الاعلام العراقية ، ولم يكذبه احد ، وبالتاكيد فان السفير يعني ما يقول ، فنواب حزب الدعوة مع التمديد ، ونواب العراقية كذلك ، ومثلهم نواب الحكيم ، وفي المقدمة من كل هؤلاء نواب البارزاني والطالباني ، فقط نواب التيار الصدري هم من اعلنوا رفضهم للتمديد من بين كل قوى العملية السياسية القائمة !

سيمرر قانون تميد بقاء القوات الامريكية في البرلمان العراقي وبنفس الطريقة التي مررت بها الاتفاقية ذاتها ، حيث سبقها تكييف تراوح بين الترغيب والترهيب ، وكلنا يذكر ما قيل عن ايجابيات تمرير الاتفاقية ، كخروج العراق من البند السابع ، وعن مشاركة امريكا باعادة اعمار العراق ، وعن تسليح وتدريب الجيش العراقي ليكمل جاهزيته ، اما الترهيب فكان شاملا ومفصلا ، فمن  التخويف بالخطر الايراني والارهابي والبعثي ، الى التهديد بحجز اموال العراق ، واخضاعه للوصاية الدولية الكاملة ، الى التهديد بشل العملية السياسية القائمة ، واثارة حرب اهلية تؤدي لتقسيم العراق  ، نفس مفردات الترهيب والترغيب ستستخدم وبقوة هذا الصيف ليتم في الخريف تمرير التمديد ايضا ، مما يعني عدم تحقق اي من المبررات المعلنة سابقا لتمرير الاتفاقية ، وبالتالي بقاء العراق اسيرا لحالة دوران عقيمة حول مشاكله ، التي تريدها امريكا سببا دائميا لوجودها فيه .

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany