صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                      مقالة للكاتب جمال محمد تقي      

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

  

 

 

 

 

 

هذيان الحالة العراقية !

 

 

جمال محمد تقي

 

حالة يرثى لها ، انها اشد وطئة من بدايات الاصابة بمرض الاحتلال نفسه ، فكل محتويات صيدلية العملية السياسية التي يشرف عليها مختصون امريكان بالالتهابات القيحية والقرحية والمفصلية والنخاعية قد جربت ، وقبلهم جرب الجراحون المنتدبون من عيادات البنتاغون والسي اي اية بعمليات استأصالية واجتثاثية صاحبتها عمليات معاكسة لزراعة اعضاء بديلة تحت مفعول المخدر المورفيني " بناء عراق جديد "  ولم يحصلوا على النتيجة التي يريدوها ، اي ما زال جسد الدولة الذي اصيب بالتسمم الدموي والغذائي والاشعاعي والعصبي والنفسي ، يرفض تقبل العلاج الذي يجعله متطبعا ومتقبلا لما حصل ويحصل عليه وفيه وحوله من تشويهات قسرية ، فجهاز المناعة مازال يرفض ويقاوم مازرع في حاضنته  ، وهكذا بين مسكنات جراحي العملية السياسية ومعالجي التهاباتها دخلت الدولة المحطمة بغيبوبة شبه دائمة ، تفيق احيانا وتغيب في غالب الاحيان ، وحتى لو افاقت ، فانها تهذي !

لقد اقرت حكومة الهذيان بدفع 400 مليون دولار كتعويض لاكثر من مائتي امريكي كانوا يعملون في العراق ، بسبب رفعهم دعاوى تعويض عن حالة "الهلع " التي اصيبوا بها اثناء احتجازهم عام 90 كرهائن في البيوت المخصصة لهم ، ويذكر البعض منا كيف انهم لم يتعرضوا لاي اذى حقيقي وان صدام حسين نفسه كان قد زارهم وطمأنهم ، مرددا عليهم القول بان حالة اقامتهم الجبرية هي حالة مؤقتة ستنتهي قريبا ، وكان يتلاطف معهم ، وقدم لهم بيديه هدايا كانت عبارة عن مأكولات عراقية ، اي لم يتعرضوا لاي نوع من الاهانة او الاذى الفعلي ، فحالتهم لم تكن كحالة رهائن السفارة الامريكية في طهران مثلا ، وفعلا جرى السماح لهم بالسفر وترك العراق بعد اشهر من احتجازهم ، وذلك قبل بداية العمليات العسكرية لحرب الخليج الثانية !

الان يطالب اعضاء في الكونغرس الامريكي الحكومة العراقية ، ومن بغداد ، بدفع تعويضات للجيش الامريكي عن ضحاياه وعن خسائره جراء حرب " تحرير العراق " ، ولم يكن هناك اي امكانية للتغاضي عن هكذا طلب معلن وصريح ، والذي احرج حكومة الدمى في بغداد ، فسارعت الاخيرة للطلب من السفارة الامريكية بضرورة عدم استمرار الوفد بزيارته لانها ستتسبب للجميع بردود افعال لا يتمنوها ، وللتغطية على الاستفزاز الامريكي الوقح لمشاعر الشعب العراقي ، حاولت حكومة المالكي المريضة اصلا بداء الاحتلال الظهور بمظهر المنتفض ، فاعلنت بانها طردت الوفد الامريكي ، وظهر الناطق باسمها علي الدباغ مفبركا حقيقة الصورة كلها ، بالضبط كما فبرك قبيلها مع هاشم عطا قضية  ـ اعترافات زفة التاجي ـ وقضية التهم الكاذبة الموجهة لاربعة من نشطاء اعتصام ساحة التحرير في بغداد وكما يفبرك المالكي نفسه حاليا موضوعة نتائج مهلة المئة يوم ، التي انتهت من دون اي نتيجة تذكر على صعيد اداء حكومته المتردي وعلى كافة الاصعدة ومنذ ستة سنوات متتالية وليست مائة يوم ، لانه عمليا هو المسؤول عن هذا التردي فهو الكل في الكل لمئات ومئات من الايام طيلة الفترة الماضية ، وان من اضيف لتشكيلة حكومته الجديدة ليس مسؤولا بالضرورة عن اداء سيء دام 2190 يوما من رئاسته للحكومة قبل وبعد الانتخابات الاخيرة !

ان من يطالب قوات الاحتلال بالبقاء عليه ان يدفع لها ، ومن هذا المنطلق "القانوني " فان الامريكان يصرون على ضرورة اصدار قرار رسمي من البرلمان العراقي او من الحكومة العراقية يطالب فيه القوات الامريكية بتمديد بقائها في العراق على ضوء حاجات عراقية لهذا التمديد وليست حاجات امريكية بالضبط كما كان يحصل سابقا عندما كانت تتقدم الحكومات العراقية المتعاقبة لمجلس الامن بطلب كل ستة اشهر لاخذ موافقته على تمديد ابقاء القوات الامريكية في العراق لمدد متعاقبة ، بمعنى ان وجودهم هو خدمة للعراقيين ، وهذه الخدمة تقتضي بالضرورة ما يقابلها من خدمات وتعويضات !

بمعنى ان للامريكان الحق القانوني بمطالبة الحكومة العراقية بتعويضات ، لان تلك الحكومة تريد الخدمة الامريكية وهي بحاجة لها كما تعلن ذلك دائما بصيغة " عدم جاهزية القوات العراقية لسد فراغ الانسحاب الامريكي " ، والشيء الذي يحزن حتى هؤلاء الذين قد يبادرون للقول بان مجلس الامن نفسه قد صنف الدخول الامريكي للعراق احتلالا وعليه فان دولة الاحتلال هي من مطالب بتعويض من وقع عليه فعل الاحتلال وليس العكس ، ان هذه الفترة لم تكن طويلة بعرف "القانون" المفبرك ، من 9  نيسان 2003 الى 28 حزيران 2004 ، حيث سلم بريمر السلطة والسيادة الى الرئيس العراقي غازي الياور والى اياد علاوي رئيس وزراء العراق المنتدب من مجلس الحكم الذي شكله بريمر بنفسه ، وعلى عجل فاضح ومفرك ايضا  ، ومنذ ذلك الوقت اعتبر الوجود الامريكي في العراق بناءا على حاجة عراقية صرفة !

هناك فضيحتان في هذا السرد الذي لا يستطيع احد انكاره ، الاولى ان القائمين على الحكم في العراق يعتبرون الامريكان محررين وليسوا بمحتلين ، بمعنى انهم قاموا بعمل يخدم الشعب العراقي ، وهنا سيقول الامريكان بان هذه الخدمة ليست مجانية وبالتالي فهم يستحقون التعويض ، ولو غير هؤلاء اقوالهم تناغما مع قرار مجلس الامن باعتبار العراق قد وقع تحت الاحتلال ، فانهم سيكونون محاصرين بالزمن القصير للفترة المشمولة بقرار مجلس الامن ، والحقيقة ان بريمر وضع اسسا للخراب سارت عليها وحققتها بابداع قوى مجلس الحكم في فترة مابعد بريمر ، اي ان تعملق الخراب الفعلي قد حصل بعد "الاحتلال المعترف به في مجلس الامن " ، الفضيحة الثانية ان طالبت قوى مجلس الحكم حاليا ، وهي ممثلة بحكومة المالكي ومن معها من جماعة علاوي والبرزاني والطالباني والحكيم بالتمديد لبقاء القوات الامريكية بناءا على مرونة الاتفاقية الامنية بين الحكومتين العراقية والامريكية فان ذلك عمليا يعطي الامريكان الحق بالمطالبة بالمقابل التعويضي ، وان لم توافق فانها ستخسر الدعم الامريكي لها بل ستعرض نفسها لانتقام امريكي متعدد الاوجه وهي بالتاكيد غير مؤهلة لا فكريا ولا قيميا ولا ماديا ولا شعبيا للخوض بمثل هذا الاحتمال ، فواقع الحال يشير الى ان امريكا وسفارتها في بغداد قادرة على اعادة الوضع برمته الى المربع صفر ، وعليه ليس امام مجلس الحكم برئاسة المالكي سوى السير خلف المخطط البريمري الى نهايته ، اما القوى العراقية المقاومة والثائرة والمنتفضة حقا على هذا الواقع فلها قول اخر ، انه التصدي للمحتلين واعوانهم وطردهم من العراق واقامة حكم وطني متحرر من اي وصاية امريكية ، حكم لا يشعر بالدونية وهو يقارع الامريكان لانتزاع الحق الشرعي بتعويض العراق وشعبه عن جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية باسلحة محرمة دوليا ، وفتح ملفات لاكبر عملية نصب واحتيال في التاريخ قامت بها امريكا ونفذتها على العراق وشعبه منذ عام 1991 يوم فرض الحصار الشامل والجائر ومن ثم المتاجرة ببرنامج النفط مقابل الغذاء ، والذي توج باحتلال العراق وتحطيم دولته الوطنية وحتى الان .

لا طائل من ترقيعات العملية السياسية القائمة ولا من المراهنة على قيام صحوة وطنية فيها ، لان مصير هكذا صحوات بات معروفا ، المراهنة الوحيدة اليوم تتكاثف حول مشروع التحول من المقاومة للثورة الشعبية ، فالشعب يريد اسقاط النظام وتصفية الاحتلال ومقاضاته .

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany