الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

webmaster@saotaliassar.org  للمراسلة  

 
 

 

 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تموز والساقط والمسقوط من العمليات السياسية في العراق !

 جمال محمد تقي

مثلما حصل في العراق بعد احتلاله من قبل القوات البريطانية قبيل واثناء انداع الحرب العالمية الاولى  من قيام عملية سياسية هندسها المستعمر البريطاني وجند لها المنفذون وقادت البلاد نحو التبعية والاحلاف الاستعمارية ، ومثلما كان المحتل البريطاني مجبرا احيانا على تعديل مسارات عمليته السياسية لامتصاص النقمة الداخلية ، كما حدث بعد هبوب رياح ثورة العشرين الوطنية الكبرى ، حيث اقام البريطانيون حكما ملكيا مواليا ومقادا من قبلهم  ، حصل الشيء نفسه بعد احتلال العراق امريكيا عام 2003 ، وليس خافيا على احد كون البريطانيين انفسهم كانوا شركاءً وخبراءً للمحتلين الامريكان في غزوهم واحتلالهم للعراق ، فبلير ومن قبله تاتشر ومن بينهما ، كانوا اشد حماسة حتى من بعض اعضاء ادارة بوش من اجل التحرك وفبركة الادلة للانقضاض على العراق ودولته .

لقد وضع الانكليز كل معارفهم السابقة بتضاريس العراق السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحت تصرف اشقائهم بالرضاعة الاحتلالية ، وفعلا عمل الامريكان بالنصيحة البريطانية ، فركزوا على تشغيل عملية سياسية محلية تكون واجهة وستار لتوجهاتهم ، وبما يضمن لهم تحقيق جوهر الاهداف المطلوبة بشكل مباشر اوغير مباشر ، ومن خلالها ربطوا العراق بمعاهدتين متلازمتين  واحدة امنية طويلة الامد واخرى اطارية بابعاد استراتيجية شاملة ، عمليا اصبح العراق ووفق منطوق السطور وما بينها ، تابعا مشلول الارادة ، كما كانت الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها قد جعلت من العراق وقتها ولاية كومنويلثية تدار من الهند حيانا ، وحينا اخر من لندن ، حتى انتقلت القيادة كاملة للسفارة البريطانية في بغداد !

اليوم تجثم على ضفاف دجلة وعلى خاصرة بغداد اكبر سفارة امريكية في العالم ، ومثل بثور الجدري على الوجه تنتشر القواعد العسكرية والجوية الامريكية على وجه ارض كل العراق ، ليس التمركز الحيوي لها كما كان ايام "ابو ناجي "  في الشعيبة والحبانية ، وانما في الناصرية والبصرة وبلد وكركوك والموصل وبغداد والكوت ، مع العشرات من مراكز الاستطلاع والاسناد المتحركة والتي تشكل شبكة متصلة ببعضها يعينها على تنفيذ المهمات القذرة جيش يقدر تعداده بحوالي 30 الف مرتزق من الذين يعملون تحت تصرف شركات الحماية الخاصة الامريكية في العراق !

بحسب المعاهدة الامنية وما تعلنه الادارة الامريكية فان الانسحاب الامريكي من العراق سيتواصل متدرجا لغاية نهاية العام القادم ، لكن بقاء عشرات الالاف من الجنود الامريكان سيكون امرا محتما حتى بعد استنفاذ المواعيد المحددة ، فالامريكان وبحسب المعاهدتين ذاتهما سيواصلون تواجدهم العسكري لحماية امن السماء العراقية حتى يتم تاهيل القوة الجوية العراقية ، وسيكون التدريب على الاسلحة الامريكية التي اشتراها العراق منها مؤخرا مع مهمات اخرى متعلقة بالجوانب الاستخبارية والفنية التى ما زال العراق يعتمد بها تماما على الجانب الامريكي ، ناهيك عن بقاء شركات الحماية الخاصة بعملها الذي يتم بتعاقدات باطنية بين الجهات العراقية وتلك الشركات ، وايضا وجود جهاز مخابراتي مدني متغلغل في كل المفاصل الحساسة بالدولة بصفة خبراء ومستشارين وشركات استثمار خاصة ، فاذا افترضنا جدلا بان عدد موظفي السفارة الامريكية وحدها من غير القنصليات المنتشرة في شمال ووسط وجنوب العراق ، حوالي 1500 موظف ، فان عدد افراد حمايتهم سيكون ضعفين على اقل تقدير ، وعليه من الصعب التسليم بان انسحاب كامل للقوات القتالية يعني انسحاب كامل للوجود العسكري الامريكي من العراق فبقاء خمسة عشر الف او ثلاثين الف عسكري كقوى نوعية تسليحيا وبمهمات خاصة مسنودة بشبكة مخابراتية وسياسية نافذة قادرة على فعل الكثير بعد ان مهدت دروب العراق استراتيجيا امامها !

سيبقى العراق تحت الرحمة الامريكية شبه الكاملة ما دام هو وبحسب بنود الامم المتحدة يخضع لمفردات البند السابع ، ومابقي يتعامل مع نفسه بانه عبارة عن شركة من مجموعة مكونات لها نسب ثابتة واسهم محددة الارباح في الحكم وفي الموارد ، ومادام ضامنها الاول للتواصل هو مهندس العراق الجديد ومحرره من لحمته الوطنية ، المحتل الامريكي نفسه !

ثورة 14 تموز 1958 اسقطت العملية السياسية البريطانية ، كما اسقطت حلف بغداد ، وكما اخرجت العراق من التبعية النقدية لمنطقة الجنيه الاسترليني ، واستردت السيادة الكاملة على قواعد ومعسكرات الجيش ، وحرمت الاحتكارات النفطية من امتياز التنقيب والاستثمار في 98 بالمئة من الارض العراقية " قانون رقم 80 " ووضعت اسس الصناعة الوطنية للاستثمار النفطي ، وعملت على مركزة الصناعات والخدمات الاستراتيجية والثقيلة بيد القطاع العام .

اقامت الثورة عملية سياسية وطنية عبثت بها صراعات السلطة ، والتزمتات الايديولوجية والشعبوية للقوى والاحزاب الفاعلة فيها ، الى جانب اشتداد استقطابات الصراعات الدولية وانعكاسها السيء على تجارب الدول الفتية ، ثم التأمر المباشر من قبل الاحتكارات النفطية ، ودول الجوار المتضررة من نجاح تجربة الثورة العراقية ، وفوق كل هذا ضيق افق القيادات العسكرية التي تمسكت بالسلطة واجهضت نموها الطبيعي الى حكم مدني دستوري يعتبر الانتخابات البرلمانية اساسا للحكم !

لعبت الامواج بالثورة وعمليتها السياسية غير المؤطرة حتى مرت بانقلابات دموية ، وتحولات دراماتيكية ، ثم توفرت فرصة جديدة لها وذلك بفتح صفحة جديدة مستفيدة من دروس الماضي ، وخاصة بعد تأميم النفط واقامة نظام جبهوي وازدياد معدلات النمو الشامل ، ولكن الاستئثار بالسلطة والفردية التي طغت على الحكم والتي حولته الى سلطة مطلقة بيد حزب واحد ثم جناح واحد في هذا الحزب ففرد واحد في وعلى البلاد كلها ، مما ادى الى اجترار النكبات وانحسار المشروع الوطني برمته !

ورغم ذلك كانت مديات الصراع تؤشر الى امكانية جديدة لتصحيح المسار وايقاف هذا الاستنزاف الداخلي وهذا السير الخطر ، لان المكاسب والتواصل بها لا تتم قسريا وعلى طول الخط ، فالقسر الاعمى يؤدي حتما الى حرمان اوسع القطاعات الشعبية منها ، ان اعتماد نهجا نضاليا وطنيا ديمقراطيا حازما وواعيا ومرنا كان كفيلا بستأصال ورم الحكم الفردي ومن دون ان يؤدي ذلك لخراب المشروع الوطني برمته او التضحية به ، كما فعلت احزاب تحرير العراق امريكيا !

جاء الاحتلال الثاني ليجهض امكانية التصحيح والسير به الى القمة ، الى حيث الثبات والتحفيز والندية العاقلة ، جاء ليسترد ما انتزعته منه الثورة الاولى وتحولاتها المتلاحقة التي كانت تحير اصحاب مشروع الاحتلال نفسه وتستفزهم .

اقام المحتل الامريكي عمليته السياسية ، التي تميزت عن عملية الانكليز بميزتين هما التفكيك والتصكيك ، تفكيك لحمة الدولة والمجتمع ، ومن ثم تصكيك ما فككه من اجزاء ، كلا على حدة او كلا بمعزل عن الاخر ، بل كلا بالضد من الاخر ، ليكون قادرا على تحريك طرف ضد اخر وابقاء الجميع بحالة استنفار يكون هو سيده وعامل التوازن فيه ، وبذلك يتم له السيطرة على الجميع ، كحلال لمشاكل المفككين اصلا ، والتي لاتنتهي ، انه ضمن لنفسه مكانة المرشد الفعلي والروحي لدى المفككين المصكوكين على تفككهم !

اليوم يحضرنا مثال مجسد لهذا الدور ، انها زيارة جو بايدن لبغداد التي ستفتي بحلحلة الانسداد القائم في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة ، وكما قلنا سابقا فان الجميع كان بانتظار "جو"  وهذا هو "جو"  قد جاء ، علاوي او المالكي او عبد المهدي ليس هذا هو المهم عنده ، عنده ان يبقى الجميع بحاجة اليه ، وهذا هو المطلوب امريكيا !

 كان لانكليز ولدوافع مصلحية تخص نفط العراق قد عملوا وبتعمد لتصكيك البلاد بدولة مصكوكة يسهل التعامل معها كعملة سارية المفعول ، ومن ثم وضعوا على طريقها ما يلبكها وعلى مديات بعيدة كما في حالة خلقهم لحواف من النزاعات المجاورة ، كي يبقى العراق ، وتبقى عمليته السياسية بمرهونية دائمية لحمايتهم وبالتالي وصايتهم  .

تموز يستعد لاستعادة نفسه بنفسه ، هو يسخن نفسه بنفسه ، ففي هذه السنة كانت ثورة الكهرباء وفي القادمات ثورات لا يخلو منها جوف العراق وهو حر ، فكيف اذا كان مقيد وعلى راسه من يزيد فيه حرارة الطقس بحرارة المشاعر الوثابة ؟

تموز كسر شوكة عمليتهم السياسية الاولى وجعلها اسيرة المتاحف وكتب التاريخ ، وهوسيسقط عمليتهم السياسية الثانية لا محالة ، ربما سيكلف آب اللهاب باستكمال المهمة وربما ولظروف طارئة سيرحل المهمة الى اذار او نيسان ، نعم ربما في نيسان وفي نفس يوم دخولهم بغداد ليجعلهم في حيرة من امرهم ، يحتفلون ام يعلنون الحداد ؟

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم .

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي