قصة قصيرة / حمزة اللامي
محبوبتي والكرة
استلقيتُ يوما على أرجوحتي المعلقة بين شجرتيَّ
السدر وكان احد حبالها متهرئا وضعيف، تحت أشعة الشمس اغتناما لبعض
الدفء والسكينة
وأغمضت عيني .. واستسلمت لاسترخاء تأملي
ورحت أتذكر أيام الدراسة في المعهد،، وكيف كانت لي
محبوبة تحبني وأحبها
وأتذكر يوما إنها قالت لي .. إنها تحب الشخص
الرياضي!
وأشارت بيدها الجميلة إلى بعض الطلبة وهم يلعبون
كرة القدم .. وأخذت تنظر لهم وأسبلت عينيها الصفراوين وانغمست معهم
.. ما أثار حفيظتي وأشعل فتيل غيظي!
فقلت لها .. الم تسمعي الخبر الجديد؟
فقالت .. لا ،، لم اسمع
فقلت .. اختاروني لقيادة فريق كرة قدم المعهد ..
"وكانت هذه كذبتي الأولى معها،، والطريق الممهد لباقي كذباتي
الخجولة"
فقالت .. حقا؟
فقلت .. حقا
فقالت ما أسعدني بك يا عزيزي .. وابتسمت لي ابتسامة
جميلة وعذبة
وذهبنا للمحاضرة ..
وأنا محتار بأمري؟؟
ياربي .. كيف سأحقق هذه الأمنية أو بالأحرى هذه
الكذبة؟
وتنصلت عن المحاضرة لأرتق الفتق الذي أحدثته،،
وقصدت مبنى القاعة الرياضية، لمفاتحة مدرب الفريق، وعرضت عليه
خدماتي، فبادرني إن النصاب قد اكتمل منذ الأسبوع الفائت .. فحاولت
أن أتوسل به فلم تفلح توسلاتي،، وخرجت منه مطرق الرأس مكسور الخاطر
،، أفكر بما سأقوله لحبيبتي؟
وعند الباب .. ناداني، ماذا تحب أن تلعب؟
فقلت .. وقد علتني ابتسامة عريضة كالابتسامة التي
نُخرجها عندما نلتقط صورة تذكارية مع حسناء جميلة .. وقلت له أحب
أن أكون قائدا للفريق!
قائد للفريق دفعة واحدة؟؟ وضحك
فقلت .. بلى
فقال .. لا يمكنك ذلك، ولكن هنالك شخصا بدينا لا
يستطيع الجري ومواصلة اللعب أكثر من شوط واحد وبمقدورك أن تأخذ
مكانه في الشوط الثاني،، عسى أن تستطيع ارتداء ملابسه الفضفاضة ..
وراح يضحك
وبصراحة من شدة الفرح والسرور الذي ساورني أردت أن
أزغرد فرحا وسرورا بيد إن الغرف كانت قريبة عن بعضها البعض
واستحييت من أن يسمعنا سامع .. وقبل أن أغادر قال لي،، تهيأ يوم غد
فلدينا موعد مع فريق قوي!
وشكرته وركضت ..
وحمدا لله لم يشطر بابه الحديدي رأسي نصفين!
وأكملت ركضتي نحو حبيبتي ..
وأعلمتها إن يوم غد سأخوض مباراة مهمة .. وسأريها
مهاراتي وقدراتي الفنية في كرة القدم .. فقالت سنرى ذلك؟
وجاء الغد ..
وبدأت اللعبة، وحمي الوطيس بين الفريقين، وتجمعت
الجماهير للتشجيع، واحتلت حبيبتي موقعا استراتيجيا في المعلب فقد
جلست في منتصف الملعب حتى تراني بوضوح تام"هكذا أخبرتني" ومن بين
اللاعبين أبصرت صاحبنا السمين ينوء من فرط سمنه،، وفي إحدى المرات
مر بالقرب مني وهو يهرول فشعرت إن الأرض تهتز تحتي!
وأنهى الحكم شوطه الأول من دون أهداف .. وغادر
الفريقان الملعب للاستراحة،، وجاءني السمين وهو يلهث والعرق يتصبب
منه كمن أفواه القرب
وخلع ملابسه أمامي ..
ورأيت طبقات شحمه المبارك متكدسة في كل مكان من
جسمه ..
ولبست ملابسه .. وغرقت بها!
ولبست حذاءه ..لكنه بدا اكبر مما أتصور! وشددت حبل
الحذاء بقوة لكن من دون فائدة فهو كبير واسع .. فجاءتني فكرة
جهنمية وارتديته بالمقلوب اليمين باليسار واليسار باليمين كما
يلبسه الأطفال .. فثبُت بقدمي، فحمدت الله على ذلك
وأعلن المدرب إن الاستراحة قد انتهت ،، هيا للملعب
..
وتوجهنا للمدرج .. وأنا الهج بالحمد والإخلاص!!!
فهذه مرتي الأولى التي ادخل فيها ملعبا محفوفا
بالجماهير والمشجعين وعلى رأسهم محبوبتي الأنيقة
واصطفينا لالتقاط صورة تذكارية .. ولك ان تتخيلني
عزيزي القارئ الكريم وانا بتلك الملابس لالتقط صورة، فالفانيلا
اكبر مني بمرتين ونصف والكم قد وصل الرسخ والسروال قد بلغ الكعبين،
والحذاء المقلوب خبره عندك؟
وانتشرنا على بركة الله
حينها لقنني المدرب وأعطاني جملة ملاحظات، بيد إني
لم أحفظ منها شيئا من شدة توتري وقلقي وارتباكي!
ونزلنا الملعب .. وكانت الأرض زلقة والسماء بدأت
تمطر مطرا خفيفا
وما أن وقفت بوسط الملعب حتى رأيت محبوبتي وهي تلوح
لي بكلتا يديها .. فبادلتها التلويح بيد واحدة واليد الأخرى ممسكة
بسروالي الذي يكبر بطني بمرة ونص!
وفي منتصف الملعب، اقترب اللاعبون من الحكم ..
فلحقتهم .. حتى تدرك محبوبتي إني قائد الفريق
وإذا بالحكم يصفر بصفارته على حين غرة .. فأفزعني
.. واصفر لوني!!!
وبدأت اللعبة .. وانطلق المنطلقون على الكرة ..
فقلت بسري لابد لي من اثبت وجودي أمام محبوبتي ولابد لي من اظهر
أفضل ما لدي فهي فرصتي الأخيرة
وركضت نحو الكرة .. فظهرت لي أول مشكلة!
عندما اركض ينزلق سروالي .. فأضطر لمسكه بإحدى
يديَّ، مثلا امسكه من الجانب الأيمن فينزلق من الجهة الشمال،،
وهكذا
وحرت بأمري ..
وأخيرا أمسكت بسروالي بكلتا يدي ،، وبدأت اركض وراء
الذين يركضون .. واذكر إني دست على مؤخرة حذاء لاعب من نفس فريقي
ما أدى إلى خلع حذائه وسقوطه على انفه وهو ينظر لي مذهولاً من
تصرفي هذا!
وتابعت الركض ..
وحقك .. جبت الملعب برمته راكضا لأكثر من ثلاث مرات
.. من دون أن المس الكرة أو حتى أراها ..
وواصلت الركض بروح قتالية قل نظيرها ،، بيد إن
الفريق الآخر فريق قوي .. لا يقهر .. فقررت أن أعرقل الشخص الذي
بحوزته الكرة حتى تكون من نصيبي وحتى تراني محبوبتي ليزداد حبها لي
..
وعقدت النية على عرقلة اللاعب .. وكان في منطقة
جزاء الخصم
وأمسكت بسروالي جيدا وهجمت نحوه بحذائي الكبير ..
واقتربت منه وفي نيتي أن أسدد له ضربة قوية جدا على ساقه الأيمن
ليتذكرني كلما رأى مباراة .. وعند اقترابي منه جمعت كل قوتي وأنا
انوي تسديد ضربتي وصحت بصوت عال ياااااااااا .. عندها تزحلقت في
بقعة طين وسقطت على راسي .. عندها بان بياض أردافي!
وأطلق الحكم صفارته .. معلنا إنها ضربة جزاء
وما هي إلا ثوان ٍ حتى ضج الجمهور بالتصفيق
والصفير والتشجيع
ما أسعدني بتلك اللحظة .. وحبيبتي ترمقني بنظرات
ملؤها الحب والود
وقررت أن أنفذ ضربة الجزاء بنفسي أنا .. فأذعنوا
لقولي على مضض
ووقفت أمام الكرة ..
وعدلتها لمرتين ..
ورجعت للخلف عدة خطوات .. ورمقت حبيبتي بنظرة ..
وإذا بها تزيد من حماستي بتشجيعها الجميل .. وبقبلاتها التي تنثرها
في الهواء
فابتسمت لها .. وغمزتها غمزة حب وحنان
وأطلق الحكم صفارته .. مشيرا لي بالبدء
فرمقت حارس المرمى بنظرة أردت من خلالها أن أخيفه!
وأوصل له رسالة مفادها إياك وان تمسك الكرة!
وأغمضت عيني .. طلبت من الله والولاة الأطهار أن
يسددوا رميتي،، ورحت اردد ..
"ما رميت إذ رميت لكن الله رمى"
وتقدمت نحو الكرة وسددت بكل ما أوتيت من قوة ..
وإذا بهتاف عال وصياح وصراخ وصفير
ففتحت عيني .. ورأيت الشبكة وهي تهتز!
فرفعت راسي الكريم للسماء وحمدت الله سبحانه وتعالى
على هذه النعمة .. وقررت أن اسجد لله شكرا وطاعة ،، فأخفضت راسي ..
وإذا بالكرة لم تتحرك من مكانها!!!
ونظرت إلى المرمى فرأيت إن حذائي قد استقر بقلب
المرمى!
وضحك الفريقين عليَّ ..
وأعاد الحكم الضربة من جديد،، على أن شخصا آخر
يتولى المهمة
فأحمر لوني .. وسخنت الدماء في وجهي
تباً لحذاء البدين ..!!
وأضاع صاحبنا ضربة الجزاء ..
واشتدت الوطيس مرة أخرى وانا بينهم اركض مع
الراكضون واضرب مع الضاربون .. وبينما نحن نتصارع على الكرة وكنا
ما يقرب من عشرة لاعبين لا ترى منهم إلا الأقدام اللاهثة وراء
الكرة .. بينما نحن كذلك إذ سنحت لي الفرصة أن تكون الكرة بالقرب
مني ولا تحتاج مني إلا ضربة مركزة نحو الهدف .. فنظرت للهدف فإذا
به واضح القوائم والمعالم
فسددت على بركة الله ..
صاح الآخرون هدف هدف ..
ولك عزيزي القارئ ان تتصورني بتلك اللحظة وانا احرز
الهدف الاول!
وركضت نحو حبيبتي رافعا كلتا يديَّ عاليا ماجعل
سروالي ينزلق! ليظهر المخفي والمستور .. وامسكته وتابعت نحو حبيبتي
وفي نيتي انا الف الملعب لمرتين او اكثر .. بيد ان صيحات اللاعبين
من فريقي كانت سلبية .. فقلت لهم مابالكم لمَ اراكم غير فرحين
فقالوا: يا ابله انت سددت نحو هدفنا !!؟؟
ياويحي .. احرزت هدفا على فريقي سهوا وعفوا!!
وآ أسفي
ورجعنا للركض خلف الكرة مرة أخرى .. فأردت أن اظهر
لحبيبتي والجميع، إنني قادر على إرجاح الكفة لصالح فريقنا
وتوكلت على الكريم ..
ولحقت بالآخرين .. وأنا اسمع المدرب وهو يقول عليك
الالتزام بمكانك في الجناح الأيسر .. وقسما بلحيتك إني في تلك
الساعة اجهل ما هو أيسر وما هو أيمن
ومضيت خلفهم ..
وقررت أن أحطم كل من يقف في طريقي من اجل أن استحوذ
على الكرة .. وان أسجل هدفا أو أكثر .. وجريت بكل قوة ووصلت إلى من
بحوزته الكرة فمددت له قدمي فتعثر وسقط وأخذت منه الكرة وتبين
لاحقا انه من فريقي وليس من الخصم .. وبقيت الكرة معي وان أتعثر
بها وأنا مازلت ممسكا بسروالي وبالكاد أسير بحذائي المقلوب ،،
وارتأيت أن أتخلص من الكرة قبل أن أدوس عليها وأقع .. علما إني
اجهل الاتجاه الذي سأرمي به الكرة!
فضربتها بقوة .. وإذا بها تنطلق لتستقر بوجه الحكم!
الذي شهر بوجهي بطاقته الصفراء .. فلم اكترث لفعلته
.. وبقيت النتيجة على حالها لاشيء للاشيء
وعند الدقائق الأخيرة ..
تقدم فريق الخصم بالكرة ليكون الاشتباك الأكبر
والأعظم في ساحتنا،، فتراجع الجميع إلا أنا لم ارجع، لان الإرهاق
أصابني والتعب اخذ مني مأخذ عظيما ،، وقسما بطهارة قلبك عزيزي
القارئ إني ركضتُ أكثر من الجميع
فمضيت نحو حارس مرمى الخصم لاستجدي منه بعض الماء
لأبلل به ريقي .. فطلبت من الرجل الماء فانحنى على قنينة الماء،
وناولني إياها .. فرحت اشرب واشرب واشرب ،، فأبصرت الكرة متجهة
نحوي .. وحدها .. بلا مطارد!!!
وقفزت نحوها .. واستحوذت عليها بسهولة
وبدأت أتعثر بها من جديد ..
واقتربت نحو المرمى وسددت الكرة بقوة نحو الهدف ..
وأخذت الجماهير تهتف وتصرخ .. وأخذت الكرة تدنو من الهدف ..
وإذا حبل الأرجوحة المتهرئ ينقطع واسقط منها إلى
الأرض .. لأستفيق من حلم جميل!