<%@ Language=JavaScript %>  حمزة الحسن سردشت ولجنة كافكا

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

سردشت ولجنة كافكا

" الحكومة بطبيعتها بلا ضمير واحيانا يكون لها سياسة"

ـ البير كامو

 

 حمزة الحسن 

 

لم نكن نعرف ان سردشت عثمان قد خدعنا جميعا إلا قبل أيام حين انتهت لجنة التحقيق الكافكوية من اكتشاف لغز الالغاز وهو ان السيد سردشت كان عضوا أو مرشحا في منظمة ارهابية سرية مسلحة كما لو أن عصابة الملاّ الشيخ ليست منظمة ارهابية علنية ومسلحة بقوة الأمر الواقع والسياسة والحلفاء والمال والسطو على الثورة والثروة وسوء الحظ والغفلة وعنفصة التاريخ في ساعات المنعطف.

 

اذا كان تقرير اللجنة صحيحاً، فهذا يعني اننا جميعاً، أي كل من تضامن مع هذا الارهابي المتنكر برسائل غرام الى ابنة رئيس العصابة، سنكون مطاردين وملاحقين ومطلوبين للعدالة كإرهابيين، رغماً عنا، سواء بالتخفي والتنكر أو في أحسن الظن بالغفلة، ولا يستبعد أن تصدر بحقنا مذكرات توقيف قرمزية في هذا العالم المقلوب الذي فقد صوابه، ولا يستبعد كذلك أن أكون أنا أيضا عضواً، في النيّة أو في التوقع، في تنظيم ارهابي، داخل نصوص سردية روائية أو في الواقع، وأنقل السلاح من النرويج الى المقاومة في حالة تسرنم (وعلى العراقيين كافة جمع التواقيع للسلطات النرويجية للقبض عليه بتهمة نقل السلاح الى المقاومة... والخ الخ)كما كتب أحدهم عنا مباشرة بعد حملة التضامن الواسعة مع سردشت مما لا يدعو للعجب بل التأمل والفرح أيضا في كون عصابة الملاّ لم تجد غير سقط المتاع ليقوم بدور الأداة ويعكس كذلك مستوى العزلة والخناق والحصار الذي تضربه النخبة الوطنية المثقفة النجيبة حول رقبة هذه العصابة التي لم يعد لها من بين نخب الثقافة من يدافع عنها غير الحثالات.

 

لم تجد عصابة الملاّ سببا للتهرب من هذه الجريمة غير التبرير التقليدي المعروف الموجه الى الخارج وليس الى الداخل لأن الصفاقة بلغت درجة الاحتقار لكل ما هو داخل الوطن ولأنها لا وطن لها في الداخل وهي لا تحكم سوى الأسرى والمكبلين والمذعورين والواقفين في طابور الهدايا والعطايا والمكرمات والمسروقي الحلم والثورة والجبل والمال والأمل: وطن العصابة هو المخابرات الأجنبية، والمصارف، والعقارات المسروقة من عرق كادحي الجبال وحمالي الاسواق، ودموع الأرامل والايتام والمغدورين في السجون بتهمة معارضة الملاّ والشيخ والخ.

 

اذا كان قرار(اللجنة) الكافكوية نسبة الى رواية(المحاكمة) لكافكا حيث البطل يحاكم بتهمة لا يعرفها ويعدم بقرار صادر من لجنة أيضا لا يعرفها، قد عرّف نفسه في تبرير لاحق بأنه قرار أولي، فلأن لجنة العصابة رمت القرار من باب التوجس وجس النبض وقياس ردود الافعال وبلع الطعم، وعكس ذلك هناك وسائل قتل كثيرة لسردشت من قبل اللجنة الكافكوية كالقول مثلا إن سردشت مازوخي وقد خطف مجموعة من حراس الملاّ الى مكان مجهول من الحرم الجامعي وهناك وتحت تهديد السلاح أو الاغراء بالمال طلب منهم تمزيقه على مراحل، بل ان سردشت، كما يقول الشهود والفحص الطبي، طلب اطلاق النار على فمه في نوع من الغرام المثلي الجنسي المنحرف بالرصاص، وان المخطوفين الضحايا نفذوا الأمر تحت الابتزاز أو الرأفة.

 

ليس غريبا أيضا أن تقول اللجنة في بيان لاحق( وقد كررتها أبواق الملاّ مرات) ان سردشت يعاني من خلل عقلي ونفسي وسلوكه غير متوازن( كل من يعترض الملاّ والاحزاب والسلط المتعاقبة غير متوازن) خاصة في الأيام الأخيرة مثل كثير من أبناء الفلاحين الذين صدمتهم حداثة الملاّ والشيخ الباهرة وفشلوا في بناء مساحة من الوعي بين حداثة مداهِمة وبين قيم تقليدية، ومن المحتمل أن يكون قد رأى في الليل طائرة تحط في مطار أربيل هو الجبلي البسيط وأصيب بنوبة فزع، وربما يكون قد شرب لبناً سحرياً من عرّافة أو بائعة فستق وسقط صريع غرام جعله يفقد سلامة الاتجاه ويكتب رسائل حب وغزل أو يحاول الصعود الى شرفة الملاّ في الفجر، كما كان يفعل أبو ذر الغفاري وهو،حسب اللجنة، كردي منفي الى الصحراء، ويردد كل فجر:( الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بعذاب أليم) وينغص على الملاّ نومه الهادئ ويعرقل شوؤن الرعية ـ أو الرعاة؟

 

المسافة بين السفالة وموت الضمير معدومة تماما باعتراف أطباء التشريح وليس الحكماء أو الفلاسفة أو خبرة الشعوب، والضمير يموت من قلة أو عدم الاستعمال كأي عضو جسدي آخر ويضمر مع الوقت ويصبح الطريق مفتوحاً لكل الأفعال والأقوال. حين يموت الضمير تضيع البوصلة كليّا ولا يبقى من الانسان سوى الشكل الخارجي وهو شكل المرائي، وتحت هوس الكذب وهو علامة الموت العضوي للضمير، تلغى كل المسافات أيضا بين الصدق والكذب وبين الحقيقة والخيال وبين الشرف وعدم الشرف، بين الشجاعة وبين الجبن، وتتساوى كل الأفعال والأقوال ويصبح القول يشبه البول، وتُرتجل الاكاذيب، صلياً، خلال الكلام، لضياع الميزان والبوصلة وحس الضمير، ويكون القاتل ضحيةً، والقتيل مجرماً، والنبيل لصاً واللص نبيلاً، والارهابي قاضياً والخ وهلم جرا.

 

قضية سردشت هي صراع على الدم والسلطة والحرية والأمل وشرف الكلمة والكرامة الانسانية وليس سهلاً أبدا لا اليوم ولا في الغد ولا في المستقبل الهروب من هذه القضية أو تشويهها في زمن صار التشويه أخلاقاً لمن لا أخلاق له، أو من مصلحته لكي يضيع في حفل البشاعة العام،زمن صار فيه السلاح هو قانون العصابة وبالعكس، لكننا لا نفرط في الأمل والاشراق والمثالية لأن في عالمنا العراقي هناك من يشتري هذه البضاعة المغشوشة، والذين أخرجوا سيناريو سردشت الارهابي يعرفون جيداً ان هناك رغم كل شيء من سيبلع الطعم وإن لم يفعل هناك وسائل بلع وتسهيل ومشهيات ومحفزات ومنابر مستعدة في كل لحظة للترويج لهذه البضاعة القاتلة، ومن لا يصدق، بل من يرفض، فاللجنة موجودة، ومن يدري قد نجد انفسنا يوما في غوانتنامو بتهم لا تعرفها الا اللجنة ـ لجنة الملاّ ومرتزقته.

 

حين فشلت دعوات ومهرجانات واحتفالات وهدايا الملاّ لبعض الكتاب والمأجورين وموتى الضمير في تسويق مشروع الشيخ والسلطة والعائلة والقبيلة، تكفل المسدس في حل مأزق الخوف من الحرية أو من وعي الحرية، وسردشت عثمان لم يكن مطلوباً كهدف نهائي بل كان عبرة ودرساً ونموذجاً لمن يتطاول على سلطة الملاّ ويبسط يده فوق يده لأن يد الشيخ والملاّ طويلة وأذرعه طويلة، ومن لا يموت برشقة رصاص، يُغتال برشقة تهم  وقرارات على طريقة قرارات اللجنة: هذه هي عقلية المافيا السياسية الأكثر خطرا من المافيا التقليدية لأن الأخيرة تضع مفهوم الشرف، حسب مفهوم العصابة، والحفاظ على الواجهة والسمعة في المقدمة قبل الاقدام على عمل كبير لكي لا تفقد مصداقيتها أمام عصابة معادية وتفقد البيئة والوسط الحاضن ـ ومن لا يصدق عليه قراءة( كامورا) رواية الكاتب الايطالي ألبرتو سيفيانو الموثقة بالتواريخ والاسماء والحوادث والشهود والوثائق الرسمية والصحف.

 

لا حاجة للعجب في عراق اليوم. كل شيء محتمل. لا يستبعد أن يجد أحدنا نفسه مطلوباً بتهمة نقل السلاح للمقاومة أو للارهابيين هنا أو هناك، والمصيبة ان الملاّ كريكار زعيم تنظيم أنصار الاسلام السابق الذي يقول قرار اللجنة إن سردشت عضو فيها، يعيش معي هنا في النرويج( زعيم التنظيم المسلح والروائي المسالم هاربان من تهمة واحدة في بلد واحد؟ كيف يُفسّر هذا؟) ومن يدري قد أكون عضواً في التنظيم في واحدة من الأحلام أو الكوابيس أو في نص سردي؟ ليس مهما أن نعلم كيف وأين ومتى لأن اللجنة وحدها تعلم.

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

مقالات الكاتب والروائي

حمزة الحسن

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال