<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن عزيزي الملاّ كريكار: السلاح مقابل السرد

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

عزيزي الملاّ كريكار:

 

السلاح مقابل السرد

 

 

 

حمزة الحسن

لم أجد أحداً أخاطبه هذا المساء غيرك ونحن كما ربما تعرف شركاء في المنفى والوطن والثلج والمصيبة وشركاء في الريح وفي المطار والضمان الاجتماعي والسكن المجاني والطبيب ونشرة أخبار المساء التي كثيرا ما نقلت لنا أخبارك الأخيرة، وشركاء أيضا في البوليس واللغة الجديدة وتاريخ القراصنة ـ الفيكينغ، وفي المطر الذي لا ينقطع، في الأمل المستمر، في العدالة، في مصابيح الشوارع في الليل التي تعمق مشاعر النفي واليتم والحنين، شركاء في مصاطب المحطات، تحت الثلج، في انتظار الحافلة، في انتظار القطار، في انتظار النهار، نهاية الحكاية، نهاية الاستجواب، بداية المحكمة، نهاية القرار، بداية الغسق، وظهور نجمة المساء في السماء القطبية.

 

نحن، اذن، في الهوى سواء، من كان يحمل السلاح ومن كان يحمل الكلمات، من كان يحارب بالرصاص عن مبادئ وقناعات وأحلام بصرف النظر عن طبيعتها وليست هذه فرصة مناسبة لمناقشتها وحتى لو حدث ذلك لن يقود الى نتيجة، ومن كان يحارب بالكلمات عن مبادئ وقناعات وأحلام بصرف النظر عن طبيعتها أيضا: ليست هذه لحظة محاكمة بل لحظة للسلام والأمل والتأمل: كلانا ضحية تاريخ مغلق وثقافة مسدودة وقانون غائب في الأرض الأولى ومن يعلم قد تكون أنت ضحية فكرة ان السلاح وحده يغير الأحوال، وقد أكون أنا ضحية فكرة تقول ان الكلمات والسرد قد يغير الأحوال، لكننا، كما في قارب غارق، انتهينا الى ساحل واحد، ومن الطريف ان المنقذين قراصنة أعطوك أنت الحقوق نفسها التي لي ولمواطنيهم، ووقفت مع بوليسهم وسياسييهم على قدم المساواة في المحاكم على مدى سنوات بأكثر من ثلاثين تهمة، ولأن العدالة جمال رفضت المحكمة هنا قبول طردك من البلاد وخسر المدعي والمواطن الدعوى وربحت أنت اذا كنا نستطيع أن نسمي البقاء في المنفى ربحاً.

 

لماذا لا نجلس ونتحاور اذا كنا نزعم جميعا ان أهدافنا في النهاية من أجل الانسانية والخير والسلام ونلغي بل نهدم الانساق والحواجز والعناوين لأن الله نفسه حاور ابليس وأرسل نبياً للّوطيين لسماع طلباتهم؟ قد نكتشف أننا جميعا في قارب واحد مشرف على الغرق بل الموت وحوار العقائد في مركب الهلاك هو نوع من العمى والهذيان لأن الهدف الأول هو انقاذ أرواح الناس. لماذا يجلس اليساري في أمريكا اللاتينية مع الراهب والروائي والمثقف الشيوعي والسريالي والمفكر الليبرالي الوطني في مكان واحد أو تجمع واحد من أجل انقاذ بلدانهم في (لاهوت الثورة) الذي يقوده الشاعر والراهب الثوري والصوفي و( المتآمر) القس الأحمر المسلح الهارب في الحمسينات في محاولة الاطاحة بالدكتاتور سوموزا، وأول وزير ثقافة في الجبهة الساندنية في نيكاراغوا أرنستو كاردينال ـ مرشح لجائزة نوبل عدة مرات ـ وأشد المكروهين للمخابرات الأمريكية في تلك القارة، في حين "نتحاصص" نحن على طريقتنا الخاصة على العقائد والافكار واحتكار الحقائق رغم كوننا على الهامش وفي الغرق والكارثة في عقلية لا تختلف في البنية والأداء  والنشأة والجذور والخلفية عن مؤسسة الحكم اليوم؟

 

 أقول لك بكل صراحة، كما كنت سأقول لك في جلسة شاي في حديقة عائلية يوما، إنني مبهور بالنتيجة والتشابه والخاتمة التي وصلناها معاً مع اختلاف الطرق والرؤى والأدوات: كيف يمكن لزعيم منظمة مسلحة أن يعيش في بلد واحد تحت قانون واحد مع روائي أعزل من كل سلاح حتى من الأظافر ويتشاركون في المحطة والمطر والسكون والثلج والقانون والأمن والعدالة والطرق والنقود والصحف والبوليس والحقول؟ كيف سيكون الحال لو كنا نعيش في الوطن؟ ذاك الوطن الأول هل كان سيتحملنا لكي نعيش معاً في شراكة الطريق والقانون والأمل والحرية والحديقة ومدارس الاطفال التي يذهب لها أطفالنا هنا بكل هناءة وبسرور النوارس وضحك الينابيع؟

 

لم يطلب أحد منا هنا أن نلغي هويتنا ولا ذاكرتنا أو أفكارنا بل على العكس كتبت أنت كتابا باللغة النرويجية( ملاّ كريكار: بكلماته) ونشرته دار النشر النرويجية الشهيرة آسكهاوغ وهي الدار نفسها التي نشرت ترجمة كتاب سلمان رشدي المعروف وتعرض صاحبها الاديب وليام نيكورد الى الاغتيال في الشارع في أوسلو 1993 وعاش بمعجزة في وحدة العناية المركزة، ومع ذلك عاد الناشر الشجاع ليقول لمواطنيه إن من حق ملاّ كريكار أن يقول ما يريد أن يقول ما دامت الكتابة نفسها فعل سلام ومن حقنا أن نسمع منه وننشر ما يكتب ومن حقكم جميعاً مناقشة أفكاره لأن هذه البلاد تجاوزت عقلية المصادرة والفوضى وحيازة الحقيقة والسلطة والحرية،والكرامة الانسانية أهم من الحقيقة: من حسن حظ الكاتب والمثقف والشخصية الادبية الأوروبية المحترمة وليام نيكورد كونه لم يعش عقلية حبس الناس في خزائن ومواقف وأقوال وخانات وقفلها الى الأبد وهي خاصية العقل المتخلف واعتقال حريتهم في النسيان والتغيير والاعتداء على حقهم في البدء من جديد كما تربت أجيال عراقية سياسية وثقافية على هذه العاهات.

 

تحدثت في كتابك في كل ما تحب وتريد وتعتقد، من الطفولة الى المنفى، من الباب الى المحراب، من السلاح الى الثلج، ولأول مرة أعرف انك شاعر أيضا وأحد دواوينك يحمل عنوان( ألم الولادة) ولادة شعبك من قلب المحنة والألم وولادتك أنت كحالم  وهي ولادة مستمرة لأننا، اسمح لي نجم الدين فرج أحمد، نولد خطأً أحياناً ونموت خطأً أحياناً، وليس الطلق علامة ولادة دائماً ـ هناك طلق بلا ميلاد وأنين بلا دم ووجع بلا حمل كما هي صورة البلاد اليوم: بلادنا القديمة.

 

لا أدري لماذا طردتنا تلك البلاد عزيزي نجم الدين وجمعتنا هذه البلاد؟ أين نجد الفارق بين هذا الوطن وذاك الوطن؟ ليس في الثروة لأن ذاك الوطن أغنى، ليس في الحضارة لأن هذا الوطن القطبي يفاخر بأنه بلا تاريخ عدا تاريخ القراصنة المتوحشين الذين كانوا ينزلون سواحل أوروبا بالبلطات والسكاكين ويباشرون الذبح من الرمل الى البيوت حتى سميت تلك الحقبة المرعبة في أوروبا بحقبة الفيكينغ وانتهت في القرن الحادي عشر، ليس في عدد السكان ولا في الوعي، بل الفارق في جوهر السلطة: هم حسموا قضية السلطة والحكم والثروة والقانون والشراكة منذ عشرات السنين، ونحن لم نحسم سلطة العصابات المتعاقبة، وكل عصابة تقتل أخرى وتحتفل بجثث أفرادها لكي تؤسس سلطة الموت: وقد تكون مفارقة دالة أن هذا الوطن ـ البديل، قد كتب تاريخه المسلم إبن فضلان 921.م. حين خطفه القراصنة الى اسكندنافيا وعاش معهم بسلام وهو التاريخ الوحيد المكتوب عن هذه البلاد عن تلك الفترة.

 

ماذا تريد تلك البلاد القديمة؟ لا تريد الشاعر ولا تريد العاشق؟ لا تريد المقاوم ولا تريد المسالم؟ لا تريد الاشتراكي ولا تريد الحرامي؟ لا تريد المؤمن ولا تريد الملحد؟ لا تريد من يحمل السلاح ولا من يحمل الورد؟ لا تريد رسائل عشق سردشت ولا رسائل الزرقاوي؟ اذن، كيف جمعنا الوطن البديل تحت قانون واحد وثلج واحد وحياة مشتركة واحدة؟

 

انت تصورت انك عن طريق السلاح وحده ستغير الحال وانا تصورت عن طريق السرد وحده سأغير الحال، لكن الحال لم يتغير بهذا أو ذاك، وقد يكون الأمر متعلقاً بنوع طرق التغيير، ولكن من الواضح أن تلك العصابات كانت تختصر الطريق ليس لأن الطريق طويل ومعقد بل لأننا لا نرى غير طرق واحدة للتغيير، وحين تغلق هذه نجلس، كما اليوم، في محطة حافلات، تحت الثلج، نتسلى بمرور البجع الاسكندنافي الاشقر وهو يمر مرور القطا لا ريث ولا عجل، متحدياً السلاح والسرد، الخوف والتوقع، الريح والقلق، بجع يبرق في العتمة بلا مصابيح، كما نعتم نحن في النهار ونزداد عتمة تحت الضوء لأن النور لا ينعكس من المصابيح بل من الطمأنينة والعدالة والوضوح: العدالة تضوي كما يعتم الظلم ويشوه حتى جمال الطبيعة وتصبح أجمل الأزهار والحدائق والأشجار أمكنة للتربص والتلصص والمراقبة.

 

من المحتمل أنك تعبت من السلاح، ومن المحتمل أن أكون قد تعبت من السرد فلماذا لا نتقايض: السلاح مقابل السرد؟ المنظمة المسلحة مقابل الرواية؟ انت مع الوقت والضيق والحصار تتحول في الشكل أو المضمون الى رجل مسالم، وانا أمام هذه الاستباحة العامة والمذبحة المفتوحة لهذه الامبريالية المتوحشة أتحول الى مرجل مشتعل مع ملايين المستلبين علناً، ولن يمر وقت طويل، في هذه الوحشية والجنون وشهوة القتل، حتى ينتقل أصحاب الحكمة واليسار والرهبان ورجال ونساء دور العبادة وباعة الطيور والعشاق من دور الندب والكتابة وتسوِّل السلام والحرية الى الخروج الى الشوارع بكل شيء في اليد لأنهم لم يبقوا لهم شيئاً للخسارة غير السقم.

 

ليس تفكيك أو قتل الانسان الآخر غير الشبيه بالسلاح هو الحل (الا اذا كان عدواً معتدياً ينتهك الأرض) وليس تفكيك الانسان في السرد هو الحل ايضاً لأن الحرية قضية معقدة جداً لا تحسمها حفنة بنادق وشراويل وكرزات وشاي وبغل وكيس تبغ، ولا تحلها تقنيات السرد الروائي أو قصيدة النثر ولا عدة كؤوس نبيذ وطاولة كتابة وصدر أهدل:سأكون سعيداً اذا وصل جوابك عاجلاً ولو عن طريق المحكمة أو البوليس أو البريد العادي وسيكون لطفا منك السرعة لأن الأيام مثل السحاب قبل أن تجمعنا الأقدار يوماً في حديقة عامة أو حفل موسيقي للاطفال، أو...في غوانتنامو.

 

ـ البريد الالكتروني السابق مخرّب منذ اسبوع وننصح بعدم التعامل معه وهذا هو البريد الجديد: hamzaalhassan@hotmail.no

 

2/10/2010

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

مقالات الكاتب والروائي

حمزة الحسن

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال