<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن لجان قمبيز المفقودة

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

 

لجان قمبيز المفقودة

 

 

حمزة الحسن 

 

قمبيز هو ابن الملك الفارسي قورش الذي اسقط بابل لكن الابن قمبيز ارسل جيشا الى مصر لتدمير  معبد في واحة سيوة سنة 525 ق. م، لكن أحدا لا يعرف حتى اليوم ماذا حل بالجيش أو مصيره ويرجّح المؤرخ الاغريقي هيرودوس ان تكون عاصفة كثبان رملية مباغتة قد طمرت هذا الجيش خلال فترة الغداء ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يجري البحث عن هذا الجيش من قبل علماء اثار وخبراء جيولوجيا وحتى من قبل كتاب وروائيين واخرهم الروائي بول سوسمان في روايته المثيرة للحيرة" جيش قمبيز المفقود" مؤلف رواية" آخر أسرار الهيكل" وفي هذه الرواية يحاول سوسمان اقتفاء اثر  ذلك الجيش في محاولة لاعادة صياغة تاريخ المنطقة،روائيا، بما فيها من حروب وحضارات وشعر وطبيعة وعنف ومقدس وارهاب واستعمار وآمال مطمورة كذاك الجيش المختفي اليوم في مكان ما من الصحراء كما لو ان الجنود رغم  كل تلك القرون لم ينتهوا الان من تناول وجبة الغداء الشهيرة تلك أمام أفق رمادي اسود مزمجر وعاصف يقترب.

 

لكن لجان قمبيز العراقية هذه السنوات هي الأكثر حيرة من ذوبان وضياع ذلك الجيش الغازي الذي لم يقترب من أسوار طيبة ولم يعد الى بلاده: بعد كل تلك الاعداد الهائلة من القتلى والمسروقين والمخطوفين، وكل تلك اللجان الباحثة والمدققة، والوقت،لم تصدر لجنة واحدة تقريرها النهائي عن مصير الضحايا الذين تجاوزوا جيش قمبيز الاصلي الذين وصل عدده حسب هيرودس الى خمسين الف جندي ضاعوا في الرمل العاصف او في طريق اخر، وأما ضحايا لجان قمبيز العراقية فقد ضاعوا بين الملفات والصفقات والتسويات والروتين ومن نظرة معروفة في السنوات الاخيرة تحسب القتل بالحساب الرقمي وليس بالنظرة الانسانية حيث يكون قتل الواحد هو المبدأ وليس الرقم: بموجب الحساب الرقمي يضيع المليون آدمي والمليون دولار لأن مثل هذه الارقام سقطت في معارك وانظمة وحروب سابقة وجيوب سابقة، ومثل هذا( النقد المقارن) هو انجاز عراقي ثمين ونادر في تاريخ الشعوب مثل اشياء كثيرة غريبة.

 

المشكلة ليست في لجان قمبيز التحقيقية التي تُشكَّل أصلا للفرجة والتخدير ومعالجة الاحتجاجات العامة ولكن المشكلة هي في العقل الاجتماعي وفي النظم السياسية وفي المؤسسات المعنية بحقوق الانسان وفي الجهاز القضائي وفي الصحافة والافراد وفي عوائل الضحايا أو الباقي منهم وفي العقل السياسي الحاكم او المعارض وفي مؤسسات أخرى  ينتهي واجبها( اذا كان قد بدأ فعلا) عند تشكيل هذه اللجان ثم يطمر النسيان والرمل والعواصف هذه اللجان في نظام تتابعي للفواجع يجعل كل فاجعة أفدح من السابقة حتى صار البحث عن مصير هذه اللجان وليس عن الضحايا والاموال هو الهدف والغاية والسؤال: ماذا حل بتلك اللجان؟ وليس السؤال: كيف كانت نتيجة التحقيقات في هذه القضية او تلك؟ في الأزمنة المقلوبة تنقلب الاسئلة والرؤوس والمقاييس والمعاني.

 

في عام 1972 قامت وحدة من الموساد باغتيال العامل المغربي في النرويج أحمد بوشكي الذي كل جريمته انه يشبه ابو الحسن سلامة قائد جهاز الامن الفلسطيني( قوة 17) الملقب بالفهد الاحمر لكن زوجة القتيل وهي سيدة نرويجية لم ترضخ وتتنازل وتصمت وجعلت القضية حية في وسائل الاعلام والقضاء والرأي العام وأجبرت اسرائيل، لأول وآخر مرة، على الاعتراف بتلك الجريمة والتعويض المالي والاعتراف المعنوي الرسمي والاعتذار عام 1996 بل قاد التحقيق الى دهاليز داخل مؤسسات نرويجية محلية وسقطت الكثير من الرؤوس الكبيرة في مقرات أمنية ومخابراتية.

 

القضية في لجان التحقيق في عالمنا العربي عموما ترتبط بقضية اكبر هي معنى وفلسفة النظر الى الانسان نفسه كمواطن بصرف النظر عن الحالة الاقتصادية والعرقية والصحية والمالية والوظيفية وهو التجريد الديمقراطي السائد في الدول الديمقراطية، وهذه النظرة سواء من قبل لجان التحقيق أو لجان المراقبة أو لجان المتابعة لا ترى في الانتهاك الجسدي والمالي والاخلاقي والسياسي والقانوني والاقتصادي على انه جريمة عامة موجهة نحو المجتمع بل تقرأ هذه الانتهاكات كافعال معزولة وغير متسقة في نظام مختل وخارج النظام العام.

 

هناك اليوم لجان تحقيق من مؤسسة الاثار المصرية تضم علماءً وخبراءً للبحث، مجدداً، عن مصير جيش قمبيز لأن مصيره يتعلق بجانب مخفي من التاريخ المصري ايضا وتاريخ شعوب المنطقة: سيتم البحث عن عظام ووديان وشعاب وأودية وحراب قديمة صدئة وخوذ وبقايا خيول ونقود، لذلك نقترح على الاخوة المصريين البحث في طريقهم عن لجان قمبيز العراقية التي ذهبت للتحقيق في مصير ضحايا لم يجف دمهم بعد ولكنها لم تعد حتى اليوم ولا ندري هل طمرتها عاصفة رمل أم عاصفة مال أم عاصفة اهمال أم نتيجة النقد المقارن الجديد الذي يرى في الالف قتيل رقماً لا يستحق العناء مقارنة مع رقم سابق أكبر في عالم الارقام الحمراء الدامية؟

hamzaalhassan@hotmail.no

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

مقالة للكاتب والروائي

حمزة الحسن

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال