<%@ Language=JavaScript %>  حمزة الحسن  نرطن بلسان عراقي لكن الحنجرة أمريكية

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 نرطن بلسان عراقي لكن الحنجرة أمريكية

 

  حمزة الحسن

 

 

 

هل صحيح ان السياسي العراقي في السلطة اليوم يفكر بمعنى التفكير المستقل؟ وهل التحليل السياسي خارج السلطة هو تحليل مستقل أيضا وبعيد عن القاموس الأمريكي الذي أعد ونجر واشتق وقطِّر على مدى سنوات أمام الجميع ولكن في متاهة ودوامة؟ أم أننا معتقلون كالسجناء داخل منظومة لغوية محكمة الاغلاق ونفكر من خلال القاموس الأمريكي؟

 

ان التفكير السياسي هو تفكير بمفاهيم ومصطلحات اولا، وثانيا، ان هذا التفكير مؤسسي اي قائم على مؤسسات سياسية وادارية وأمنية واقتصادية. فما هي هذه المفاهيم الأمريكية التي نفكر من خلالها؟ وما هي المؤسسات التي نتوجه اليها؟ منذ الاحتلال تم تعيين المفاهيم والمصطلحات والأسس اللغوية للعمل السياسي في العراق وأبعد من ذلك تمت عملية بناء مؤسسات قائمة على هذه المفاهيم ولم يعد الكلام والتحليل والرفض والقبول خارج هذا القاموس الامريكي الذي يتداول علناً حتى من قبل أعداء الاحتلال ومن غيرهم.

 

ان مفاهيم مثل التوافق والمشاركة السياسية حسب الفهم الامريكي والمحاصصة والبرلمان ونسبة الحضور ومفهوم الأغلبية والمصالحة الوطنية والارهاب والاعتدال والسيادة والأمن والاستقلال والانسحاب والقانون والدستور واللامركزية والقوميات والانتخابات والاستحقاق الجماهيري ونجاح العملية ومفاهيم الانهيار الأمني العام او الجزئي وتوزيع الصلاحيات ـ لغرض تشتيت السلطة وخلق مراكز قوى للعب على الجميع ـ وفشل أو نجاح العملية السياسية وحلول وسطية وتنازلات وانتكاسات وعرقية وأثنية ومرحلة عبور ومنعطف سياسي وتحول حرج ودولة شراكة ومأزق سياسي وتدخلات خارجية وحكومة وحدة وطنية وعقلية مذهبية وقتل الناس في البيوت والشوارع على انه خطأ عسكري أو نيران صديقة أو تقاطع نيران ولعبة سياسية وتوازنات وديمقراطية فتية والعراق يحتاج الى وقت لعبور مرحلة الدكتاتورية ومخلفات الماضي الشماعة المزمنة ونجاح أمني والخ وهلم جرا، كل هذه المفاهيم وغيرها الكثير ما يشكل القاموس الامريكي الذي يتكلم به ساسة العراق في الحكم وبعضهم خارج الحكم.

 

ان اللسان وحده هو العراقي وربما الرغبة والأمنية ولكن القاموس المدجج بالمفاهيم والتصورات والأفكار هو السجن الذي لا يقل وحشية عن سجون الاحتلال مع فارق انه سجن عقلي لغوي متجول وغير مرئي أو لشدة سطوعه لا يكاد أن يرى كما يقول علماء الاجتماع عن الحقائق المشعة الاجتماعية التي لشدة وضوحها لا ترى كظاهرة الشمس في دول الشرق والتقاليد المتخلفة والعادات واشكال التدين الغريبة في بعض دول العالم.

 

اننا في واقع الحال لا نتكلم حين نتكلم بل نرطن ونردد مفاهيم القاموس الامريكي الأشد خطرا من الاحتلال المسلح لأن الاحتلال العقلي والفكري والسياسي والثقافي واللغوي يخلق وهم الحرية ووهم الديمقراطية وحيل التفكير المستقل وخدعة الاستقلالية الفكرية: على سبيل المثال صار الحلم العراقي اليوم والأمل المنشود هو تشكيل حكومة لا أكثر ولا أقل بصرف النظر عن شكل ونوع هذه الحكومة مع ان القاموس الأمريكي المدجج بالقوة المسلحة الداعمة والأتباع في الداخل قد حدد، بالقاموس وشبكة المفاهيم والمؤسسات، شكل ونوع الحكومة القادمة، في حين ان الحلم الأساسي ليس تشكيل الحكومة بل اعادة بناء السلطة الوطنية. أمثلة كثيرة عن أهداف وهمية وضعت في الطريق لكي تصبح أهدافا كبرى وتتلاشى في الوقت نفسه الأهداف الحقيقية.

 

إن هذا القاموس بحكم التأليف والغرض والنشاة والظروف والأهداف هو قاموس مغلق على المصلحة الوطنية العراقية ومفتوح على المصالح الامريكية لذلك تكون دوامة اليوم ومتاهة اليوم هي واحدة من ثمرات القاموس الاحتلالي الدائري المغلق أيضا.

 

لا يحتاج الاحتلال اليوم الى التدخل في كل صغيرة وكبيرة سوى انه ترك الهوامش للهوامش وترك التفاصيل الصغيرة كفتح حنفية ماء أو تبليط شارع أو رفع نفايات للسلطة لخلق وهم الحرية والسيادة والحفاظ على الهيبة والمظهر الخارجي وتعميق الخديعة الكبرى وهي ان القضايا الوطنية الكبرى كالسيادة والحرية والديمقراطية وموقف الشعب والثروة والقانون والاقتصاد والمستقبل وغيرها ملجومة بالقاموس الأمريكي الذي يعتقل الجميع ويلجم الجميع ويصادر الجميع لكن هذه المرة تحت شعور وهمي، في الظاهر العقلي والعياني، بأنهم طلقاء وأحرار لكنها حرية الحبال الطويلة التي لا يشعر المربوط فيها ان هذه الحرية كذبة وهذه الحوارت خديعة رغم الفشل المتكرر لأنها تدار بقاموس غير عراقي وغير وطني.

 

ان هذا الفشل المتكرر في الوصول الى حل لما يسمى في القاموس الأمريكي أزمة الحكم ـ وهي في الحقيقة أزمة احتلال في المفاهيم المنطقية السوية ـ يعمق الوهم ويجعل محاولة التكرار وهماً اضافياً بالاستقلالية الفكرية والسياسية خاصة وان أحداً لا يرى أو لا يفكر في أن يرى أن القاموس الامريكي مغلق والسباحة فيه كالسباحة في وحل لزج، والحلول لما يسمى المأزق السياسي أو الأزمة السياسية لا يمكن بل من المستحيل أن تمر خارج هذا القاموس المتداول مجاناً ويغرد به ساسة العراق كل يوم كبديل عن النشيد الوطني ومن خلفهم جوقة واسعة من المنشدين الابرياء والمخدوعين والمعتادين على السجون الصلبة والقضبان المرئية مع ان أخطر المعتقلات هي معتقلات الداخل ـ معتقلات القاموس الأمريكي.

 

فكروا وحللوا ليل نهار وفككوا وقوضوا وتشاتموا وتشاورا وزوروا دول الجوار وابحثوا عن حل ما شاء لكم الهوى والوقت والرغبة والطموح ولكن النتيجة واحدة: ان قاموس المفاهيم الأمريكي قد حدد، مسبقا، وسلفا، الأزمات والمشاكل والمعضلات وحدد الحلول لها، واي حل من خارج جهاز المفاهيم الأمريكي لن يرى النور أبداً: لهذه الاسباب يجب أن تكون هناك مطالبة جدية وملحة لاطلاق سراح العقل العراقي السياسي من معتقلات القاموس الأمريكي الذي جعل العقل السياسي يزغرد و يطالب ويتكلم بلسان عراقي لكن بحناجر أمريكية.

hamzaalhassan@hotmail.no

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

مقالات الكاتب والروائي

حمزة الحسن

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال