<%@ Language=JavaScript %> عناد عبد الصعب  عــراقيون - أبجد هّوز ن – نوفل عبد المجيد الخياط

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

عــراقيون - أبجد هّوز

 

ن – نوفل عبد المجيد الخياط

 

 

هذه شهاداتي لعراقيين و احداث عراقية شهدتها و عشتها

 واسعى لتدوينها و روايتها كما حدثت او كما عرفتهم.

عناد عبد الصعب 

 

 تعرفت على نوفل في 1975 عندما كنت ناشطا في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية عندما بدأت الدراسة الجامعية.  كنت غالبا ما التقيه في نادي كلية الهندسة في الباب المعظم.  كان الفقيد ممتلئ الجسم طويله ذو شعر فاحم.  كان طالبا في قسم هندسة النفط.  غالبا ما كنت اجده مع مجموعة من الطلاب و الطالبات من مختلف المشارب و الاتجاهات اما في نقاشات عامة او احيانا سياسية.  بسبب طبيعته الاجتماعية و شخصيته المؤثرة لم يكن هناك ما يدل على استهدافه من الفاشيين او صبيانهم في الاتحاد الوطني.

كان نوفل يحب النقاش و الخوض في مواضيع مختلفة دون انغلاق فكري او ترديد العبارات الجاهزة.  اسلوبه المرح في النقاش و الحديث يجعل المقابل مستمعا بالجدال حتى لو اختلف معه في الرأي.  طبيعته المتفائلة و روحه المرحة اكسبته الكثير من الاصدقاء.  ما زلت اذكر احدى زياراتي لنادي كلية الهندسة و كان نوفل في مكانه المفضل على الجانب الايسر من قاعة النادي المطل على الحديقة الامامية و معه مجموعة من الطلاب و الطالبات.  بعد ان انفض الحشد انتقلت الى مجلسه و اخبرني ضاحكا انه بدأ الحركة اللالاءية تشبها بالدادائية... في بداية السبعينات نشر علي الشوك كتابا تعريفيا بالحركة الفنية/الفكرية الدادائية و كان الكتاب غريبا في شكله و حجمه نال اعجاب المتمردين و العبثيين.  كان نوفل يقصد بلالائيته الاعتراض على قرار الحزب الشيوعي العراقي حل المنظمات المهنية (اتحاد الطلبة العام و منظمة الشبيبة الديمقراطية و رابطة المرأة العراقية) استجابة لضغط الحليف الغادر.  بعد اقل من اسبوع على هذا اللقاء اخبرني الزميل المنظم في اتحاد الطلبة بمنع ترويج كتاب الدادائية بين زملاء الاتحاد و طلب مني تقليل الالتقاء بنوفل في الاماكن العامة!!  بعد ذلك في اول لقاء لي مع نوفل بادرته بالسؤال "هاي انته شمسوي بيهم؟" ضحك نوفل و اطلق سبابته بالهواء في قوس صاعد "راح اخبلّهم .."

في احدى المرات زرت دارهم و في غرفته كانت هناك صور معلقة لماركس و لينين و جيفارا و صورة لحسناء مقتطعة من مجلة اجنبية.  بادر نوفل بتفسير ذلك ان ماركس يمثل الفكر العلمي التقدمي و لينين يمثل التطبيق الخلاق للنظرية و جيفارا الثورية الجياشة اما المرأة فهي رمز جمال الحياة.

كانت حفلة رأس السنة في 1978 آخر لقائي به و عائلته. والداه نجحا في انشاء عائلة من الطيبين و الكفاءات الواعدة و كانت علاقتهما بابنائهما و بناتهما قائمة على الصدق و الثقة و المحبة المتبادلة.  كان بيت عبد المجيد الخياط يمثل كل ما استهدفه البعثيون: اذ مثّل عبد المجيد فشل مجايليه من البعثيين رغم ما توفرت لهم من امتيازات لا يستحقونها بينما نجح هو و زوجته رغم العثرات و الانتكاسات. 

بعد خروجي من التوقيف و في خريف 1979 كنت امشي في الجانب الغربي من شارع الرشيد متجها جنوبا و قرب منطقة السنك لمحت شقيقة نوفل الوحيدة التي نجت من الاعتقال و الابادة.  التقت نظراتنا لثانية و ابتعدنا لا نلوي عن شئ.  لم تكن قد مضت اسابيع على اطلاق سراحي و كنت قد سمعت بمقتل بيت عبد المجيد و نجاة احدى شقيقاته و خشيت ان اكون مراقبا او ان تكون هي مطاردة.

فاجعة بيت عبد المجيد لا تخصهم و اقاربهم لوحدهم بل تمثل جوهر الثقافة الاقصائية اياً كان لونها.  الاحرى برفاق نوفل و اصدقائه التحري عن المخبرين الذين كتبوا تقاريرهم عنهم و ما التهمة التي وجهت لهم و ماهي مداولات المحكمة و من اصدر قرار الاعدام شنقا و اي قاض اصدر حكم الاعدام بقاصر ما ان تبلغ (صمود شقيقة نوفل).  كشف هذه التفاصيل و توثيقها شاهد للتحذير من تكررها في العراق الفوضى المدمرة.

البعث كانت فاجعة العرب و نكبتهم.  المآسي و الويلات التي جرتها الحركة العنصرية العربية على العرب و الشعوب القاطنة معهم تجعل الامبريالية و الصهيونية تبدوان ملائكة الرحمة.  الامبريالية سعت لتقوية شوكة البعث العنصري لتمكين الصهيونية ترويج الادعاء ان اليهود في اسرائيل يحيط بهم عرب اشرار.  و يكفي ان ننظر اليوم الى الواقع المزري الذي جرنا البعث اليه.

لم تكن فاجعة بيت عبد المجيد الخياط الوحيدة التي عرفتها.  في خدمتي العسكرية كنت في وحدة قرب مطار المثنى ببغداد.  تم استدعائي للاستخبارات لغرض التحقيق بسبب علاقتي السابقة بالحزب الشيوعي العراقي.  ذهبت الى قلم الوحدة لاستلام كتاب الاستدعاء فنظر آمر حظيرة الامن الي شزرا و صاح متسائلا"سلام كاظم جواد؟" فاجبته بالنفي .  دفع الي بالمظروف الثاني الذي كان في يده.  عرفت حينها اني لست "المشبوه" الوحيد في وحدتي العسكرية.  بينما كنت انتظر المواصلات للذهاب الى مقرالاستخبارات رأيت جنديا يخرج من قلم الوحدة و معه كتاب الاستدعاء فعرفت انه سلام.  بعد ما يقرب من 3 أشهر من ذلك سمعت ان سلام انتحر بينما كان في وجبة خفارة في يوم الجمعة.  تخلف عن الغداء اثناء الخفارة و عاد الى موضعه و وضع فوهة الكلاشينكوف في فمه و اطلق صلية لم تكتمل.  يقال انه ترك رسالة الى ضابط امن الدورة يقول فيها لن اكون مخبرا لكم.. او شئ من هذا القبيل.  علمت بعدها ان والده كان عسكريا متقاعدا في الوحدة ذاتها مع خير الله طلفاح و انه توسط لديه ان يبقي ابنه سلام بعيدا عن الخطوط الامامية في الحرب مع ايران.  لكن ذلك فتح شهية الامن و الاستخبارات لاسقاطه سياسيا و نفسيا ليصبح مخبرا لهم.  روى زملائه في الوحدة انه كان منطويا و مهموما في الايام التي سبقت الانتحار.  و روا عن عائلته انه قضى اسبوعه الاخير يحضن بنته الصغيرة بقوة كمن لا يريد فراقها و يحبس دموعا في عينيه.  لم تنته مأساة كاظم جواد بفقدان ابنه سلام فبعد دفنه في النجف ذهبت ارملته و بنته و امه و ابوه لزيارة قبره.  كان ابوه قد اتفق مع مقاول ان يبني شاهداً على قبر ابنه.  حدث ان تشاجر الرجلان و أهوى المقاول بفأس البناء على رأس ابي سلام فأرداه قتيلاً.  عادت الاناث الثلاث ارملتين و يتيمة و ثكلى.

الدمار الذي الحقه البعثيون بالعراق يفوق التصور.  تسلل الى تفاصيل حياتنا اليومية و علاقاتنا العائلية و لن نبرأ منه الا بعد زمن طويل.  الانكى من كل ذلك ان البعث قد اطلق الشر الكامن في النفس البشرية و اتى بكل منكر و منبوذ.  

 

 

عناد عبد الصعب   

14 شباط 2012

enadabdulsaab@yahoo.com 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا