الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 

 

 

 

 

 

 

 

   

تفاقم الصراع الكردي الداخلي : خلافات حول الماضي والحاضر والمستقبل.

علاء اللامي*

مع التحذير الذي أطلقه السيد مسعود البرزاني الذي يتقلد منصب رئيس إقليم كردستان /العراق، والذي مفاده أنه لن يسمح باندلاع اقتتال كردي كردي، ومع سقوط أول ضحية من أنصار قائمة " كوران " أي التغيير الكردية المنشقة عن حزب الطالباني برصاص الاغتيال في مدينة السليمانية، يكون الصراع الكردي الداخلي قد بلغ طورا جديدا يتميز بالخطورة المتفاقمة والوضوح الشديد.

لقد تكرس واقع الانقسام السياسي الكردي الداخلي، وخصوصا في صفوف حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يقوده السيد الطالباني، وتحول هذا الحزب القديم، والمنشق بدوره عن "البارتي" أي الديموقراطي الكردساني/ في عهد البرزاني الأب، إلى كيانين سياسيين منفصلين وكتلتين برلمانيتين متخاصمتين. وبهذا التطور الفارق يكون احتكار التمثيل الكردي من قبل التحالف الكردستاني المؤلف من حزبي السيدين الطالباني والبرزاني قد كُسِرَ إلى غير رجعة بفعل الأداء الجيد لقائمة التغيير بقيادة نوشروان مصطفى في الانتخابات المحلية الأخيرة في الإقليم، واستعداداتها المستمرة والجادة لأداء تطمح لأن يكون متميزا ومهما في الانتخابات التشريعية العراقية القادمة.

 ومع يأس الطالباني من استعادة الوحدة التنظيمية المفقودة لحزبه، واسترجاع احتكار التمثيل المنتهي، ومع قلقه البالغ من نتائج الانتخابات القادمة والتي قد لا تكون لصالحه كما يعتقد مراقبون كثر، وكما تشير استطلاعات رأيٍّ عديدة، لجأ الطالباني شخصيا، و عدد من عناصر قيادة حزبه معه، إلى أساليب أخرى لمواجهة هذه المخاوف والأخطار. من ذلك مثلا، لجوؤه إلى خوض سجالات صحفية مع نوشروان مصطفى، كشف فيها عن العديد من أسرار رفقتهما الطويلة والتي فاقت الأربعة عقود. وقد اتهم الطالباني رفيقه القديم خلال تلك السجالات العلنية  بارتكاب مخالفات بل و جرائم قتل وقيادة حملات اغتيالات وتصفيات جسدية في العقود الماضية ضد من وصفهم الطالباني  بـ "مواطنين أكراد أبرياء"  ودون علمه كزعيم للحزب ودون علم مكتبه السياسي. كما اتهم الطالباني رفيقه السابق نوشروان بأنه كان متواطئا مع نظام صدام حسين في ارتكاب حملات إبادة الأكراد المسماة " عمليات الأنفال " وقد رد نوشروان على الطالباني بالطريقة الصحفية العلنية ذاتها على اتهامات خصمه متهما إياه بدوره بتشكيلة متنوعة أخرى من المخالفات والجرائم والتجاوزات، وهكذا، وبعد أيام قليلة، انجر قياديون وكوادر من الحزبين للمشاركة في تلك السجالات التي بلغت ذروتها مع سقوط أول ضحية بالرصاص كما قلنا، وبصدور تحذير البرزاني سابق الذكر ومن ثم إعلان قراره بمنع تلك المساجلات . فما البواعث الخفية لهذا الصراع المتفاقم بضراوة وما آفاقه ؟

ليس من العسير رد هذا الصراع وتلك السجالات إلى السبب الانتخابي والتنافس بكل الوسائل على أصوات الناخبين في الشمال العراقي، خصوصا وإن سلطات الحزبين المتحالفين الحاكمين غارقة في الفساد المالي والإداري الذي صار شبه علني يتندر المواطنون به وعليه، غير أن هذا التفسير لوحده غير كاف لإماطة اللثام عن جذور هذا الصراع. فتلك الجذور تنغرس عميقا في أزمة حركة التحرر الكردية المعاصرة والتي قارب عمرها القرن من السنوات، والتي من أبرز مآلاتها فشل القيادات الكردية في تحقيق أي هدف ذي قيمة حقيقية من الأهداف التي يتضمنها برنامج التحرر المعهود لحركات التحرر القومية في الدول متعددة القوميات،أو في نسج أية علاقات تضامنية عميقة وراسخة مع شعوب المنطقة بل وتخريب الموجود من تلك العلاقات عبر المجازر المرتكبة من قبل المليشيات الكردية وسنذكر إحداها بعد قليل أو عبر التحالف مع الغزاة الأمريكان أعداء الشعوب والدخول في علاقات وتحالفات سياسية واقتصادية سرية مع دولة إسرائيل. وثانيا فشل تلك القيادات الكردية التقليدية، رغم تشدق بعضها بالنظريات والمصطلحات الثورية الكلاسيكية كالماركسية، في تقديم فهم علمي صحيح يوازن ويربط  علميا وعمليا بين مقتضيات الاندماج الوطني في المجتمع العراقي ضمن الدولة العراقية المعاصرة قبل الاحتلال، هذا الفشل الذي زاده فاعلية القمع الدموي الشديد الذي جابه به الحكم الشمولي في بغداد كافة معارضيه ومخالفيه من كرد وغير كرد،  وبين ضرورة المحافظة على الحقوق القومية المشروعة للمكون الكردي في العراق. فالقيادات الكردية تحاول دون نجاح يذكر، وحتى دون وعي منها أحيانا، السير على حبلين زلقين: الأول هو حبل الظهور كممثل أوحد لمكون قومي يسعى لتحقيق أهدافه حتى بالتحالف مع قوى أجنبية إقليمية مجاورة ومعادية للعراق "كما في  حالة تحالف البرزاني الأب مع شاه إيران في سبعينات القرن الماضي" أو مع قوات أجنبية إمبريالية غازية للبد " كما في حالة الاحتلال الأمريكي المستمر في أيامنا "، والحبل الثاني هو الظهور بمظهر الجزء الكردي من الكل العراقي المطالب بحصصه كاملة من الثروة الوطنية " و زيادة أحيانا تبلغ 4% من الدخل الوطني العراقي ينظر إليها البعض كنوع من الخاوة " الإتاوة" السياسية " إضافة إلى حصصه من الحكم والمنصب والسيادة المنقوصة أصلا. هذه المحاولة للسير على هذين الحبلين لن تكون سهلة، وقد تكون نهايتها مأساوية، خصوصا بعد رحيل وانكفاء قوات الاحتلال الأجنبي، غير أن الصراعات الكردية الداخلية التي تفاقمت مؤخرا منذرة بحدوث اقتتال أهلي واسع النطاق لن تكون في منأى عن تلك المآلات المأساوية ولا عن تلك الجذور السببية التي تطرقنا إليها بعجالة.

بالعودة إلى سجالات الطالباني ونوشروان يمكننا القول إن تلك السجالات التي كشفت الكثير من أسرار الماضي الدموية والتي لا تختلف - إلا في الدرجة - عن أسرار جميع الحركات السرية المسلحة في القرن العشرين،  وخلافات الحاضر الشديدة على كل شيء تقريبا، لم تستثنِ المستقبل ولكنها لم تطل الوقوف عند تفاصيله، لسبب بسيط هو أن الطرفين يتقاسمان الأخطاء ذاتها في  طريقة النظر إليه والتعامل معه. فلم يقدم حزب السيد نوشروان، ورغم النبرة الهادئة التي اتسم بها خطابه وسجالاته على عكس نبرة خصمه الطالباني المتشنجة والمهينة أحينا،  أي جديد على صعيد مستقبل المكون الكردي في العراق وعلاقته بالدولة والمجتمع العراقيين ولا بطرح تصور مشروع ومتكامل في النظر لحل مشكلة الأمة الكردية ككل والمجزأة في أربع دول في الشرق الأوسط،  بل كرر الشعارات والبرامج التقليدية ذاتها التي كان وما يزال يطرحها خصمه التنظيمي والسياسي. ومع أن الطالباني ونوشروان خاضا في العديد من شؤون وشجون ماضيهما وحاضرهما  وماضي وحاضر حزبهما ولكنهما التزما الصمت المطبق كلاهما بصدد مجزرة "بشت آشان " التي ارتكبتها مليشيات حزب الطالباني بحق العشرات من الشيوعيين العراقيين من غير الأكراد وقتل الأسرى والأسيرات على أساس الانتماء القومي حيث أطلق سراح الشيوعيين الكرد وقتل الشيوعيين والشيوعيات العرب فقط. السبب وراء ذلك الصمت هو أن الطالباني وفي آخر تصريحات له حول هذه المجزرة الشنيعة التي اقترفتها مليشياته ضد مَن جاءوا للقتال دفاعا عن الشعب الكردي آنذاك تحت شعارات التضامن الوطني و الأممي ضد "دولتهم" العراقية يعتبرها انتصارا كبيرا من انتصارات حزبه العسكرية، وحين طولب بالاعتذار عنها لذوي الشهداء طالب هو باعتذار متبادل، وهذه قد تكون  المرة الأولى في التاريخ التي يُسْمَع فيها عن مطالبة كهذه، يطالب فيها الجلاد ضحاياه بالاعتذار له.  أما صمت نوشروان عن تلك المجزرة فمرده الوحيد هو انه كان القائد العسكري المنفذ لأوامر الطالباني خلال ارتكابها.

إجمالا يمكن وصف مأزق الأحزاب الكردية الحاكمة والمعارضة لها و المنشقة عنها، بأنها أزمة داخلية عميقة وقديمة ومن طبيعة واحدة، تتأثر إضافة إلى ذلك بأزمة أكبر منها هي أزمة الاحتلال الأجنبي للعراق و نظام الحكم الذي ولد في ظله والذي تعتبر تلك الأحزاب جزءا عضويا من منظومته السياسية والاقتصادية والأمنية  وهي بالتالي جزء عضوي من أزمته المركبة الشاملة ستنفتح يقينا على احتمالات دراماتيكية لن تكون في صالح الأكراد العراقيين وغير العراقيين.

 

* كاتب عراقي

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي