الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة

 

 

 

 

 

 

 

 

   

ترهات حسن العلوي " أبو طاسة " الفكرية وسذاجة تحليله للظاهرة الطائفية في العراق

 

علاء اللامي

 

ينشط حسن العلوي ( المكنى بأبو طاسة من قبل زملائه أيام زمان في المعارضة العراقية لنظام صدام حسين نسبة إلى الطاسة التي يُرمَزُ بها إلى الشحاذة والكدية التي كان يقوم بها لدى حكام الخليج وخصوصا السعوديين الذين مازالوا يملأون طاسته بالنقود حتى اليوم، والمرشح أخيرا على قائمة إياد علاوي الانتخابية  ) ينشط هذا الشخص منذ فترة وبالتزامن مع اقتراب موسم الانتخابات التشريعية، في شتى وسائل الإعلام، ويفتعل معارك يريد لها أن تكون ذات صدى وضجيج، كتلك المعركة التي افتعلها حين سرَّب عن طريق نائبة في البرلمان خبرا يقول إنه سينضم إلى القائمة الانتخابية التي يقودها رفيقه السابق في حزب البعث ورئيس وزراء أو حكومة شكلها المحتلون الأمريكان أياد علاوي، فأصدر بيانا مدويا لا يتناسب مع حجم الخبر ينفيه فيه. وقد نشرت وكالة أورنيوز تقريرا لمراسلها من بيروت عن هذه الحادثة وردت  فيه على الخصوص المعطيات والتقييمات التالية :

-   يقول تقرير الوكالة  جاء نفي العلوي ردا على ما قالته عالية نصيف جاسم النائبة عن القائمة العراقية، ونقل موقع القادسيتين عن العلوي قوله:بلغني أن سيدة تدعى (علية نصيف) قد ورد اسمي على لسانها وأعلنت أنني من المنضمين إلى قائمتها.. أرجو من الأستاذ رئيس التحرير أن يسعفني بمعلومات عن هذه المتحدثة وعن إي قائمة تتحدث وعن أي طلب قدم إليها للانضمام إلى قائمتها وبسبب من حرصي على شيوخ الكلام وصانعي الحروف وعلى سلامة المؤسسة الإعلامية العراقية أن لا تسمح بالحديث لمن لا يرى لا القليل ولا الكثير عن تاريخ هذا البلد ورجال معارفه الكبرى ممن تركوا بصمات على تاريخه السياسي منذ نصف قرن املا من الزملاء أن يقدموا لهذه السيدة درسا في التاريخ الذي أصبح في وضع من تمثله سيدة لا تعرف رجاله الأحياء فكيف لها أن تكتشف عمقه الحضاري ونضاله الدامي ومجاهل منافيه.. لرجال نذروا أعمارهم لان يروا قبة البرلمان عامرة بالشيخ محمد رضا الشبيبي وحسين جميل ومحمد مهدي كبة وعبد الرزاق الشيخلي.)

-   واضح ان حسن علوي يحشر اسمه بين أسماء عراقية كبيرة في عطائها وقيمها وأخلاقياتها ومواقفها والسبب في غضب حسن علوي على السيدة عالية ناصيف كما يوضح التقرير ناسبا كلامه إلى من يسمه " أحد الخبثاء" هو التالي حرفيا : إن العلوي المعروف بنرجسيته العالية استاء عندما ورد اسمه في تصريح عالية نصيف بعد اللاعبين أحمد راضي وحسين سعيد، في حين أنه يرى نفسه أفضل وأشهر من أياد علاوي رئيس القائمة العراقية نفسه.

-   لم يستبعد التقرير أن يتمسح ( العلوي بعلاوي سعيا وراء الحصول على منصب وزير، وهو السعي الذي خاب في بداية الاحتلال عندما أصدر العلوي جريدة (سومر) بتمويل كويتي كانت توزعها في الشوارع الدبابات الاميركية لكن هذه الجريدة فشلت تماماً لمعرفة العراقيين بأغراضها الدنيئة الواضحة من التمويل الكويتي والتوزيع الأميركي)

-   ويذكرنا تقرير أورونيوز بأن ( العلوي حاول التقرب كثيراً من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عندما كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة في سبعينات القرن الماضي، أملا في تحقيق حلمه بأن يصبح وزيراً، وتوسل من أجل أن يرافقه في إحدى جولاته للكتابة عنها، وفعلا اصطحبه ومجموعة من الصحفيين في جولته في أهوار العراق، ومن بركات تلك الجولة يطبل الآن بأنه كان مقرباً من صدام حسين وأنه كان صديقه الشخصي، ولما لم يحصل العلوي على منصب الوزارة الذي تآمر على كثيرين بسببه، خرج من العراق ليعلن أنه يعارض النظام الوطني في العراق ولم يعد إلا على ظهور الدبابات الاميركية)

-   وفي مسعاه الحثيث للحصول على كرسي الوزارة في العراق الجديد، يكتب حسن العلوي إلى (نائب رئيس الجمهورية) عادل عبد المهدي برقية تهنئة بمناسبة إعلان الائتلاف الجديدونقل بيان تلقته بعض الصحف عن العلوي المقيم حالياً في بيروت والذي واجه دعوى قضائية أقامها عليه عبد المهدي في دمشق قبل أسابيع قوله في البرقية (والعلوي قلم صحفي ممتاز ولكنه يمكن أن يشتريه كل من له غرض كما فعلت السعودية وأمرته بتأليف كتب طائفية ونشرها.)

-   الجديد في موضوع ترشح حسن علوي أبو طاسة على قائمة علاوي والمطلك هو انه كذَّب نفسه بنفسه وحضر عرس الإعلان عن قائمة "العراقية " كواحد من المرشحين فها للانتخابات التشريعية القادمة وظهر أن ما سربته عالية ناصيف كان صحيحا وأن تبرؤ حسن علوي أبو طاسة كان كذبا في كذب .ويمكن اعتبار حضور هذا الشخص في هذه القائمة الى جانب طارق الهاشمي وظافر العاني وعالية ناصيف نوعا من الترضية لعلاوي الذي أصر على قبول ترشيح حسن العلوي لكي لا يكون مجرد قطعة من الديكور الطائفي الشيعي في قائمة لا تختلف عن سائر القوائم الطائفية المعلنة والتي تقوم على هيكل عظمي من طائفة معينة ليجري تزينها بعدد ن الأسماء من طوائف أخرى مع رش كمية كبيرة من البهارات الوطنية على شعاراتها.

-   إن حسن علوي الذي انفردت وسائل إعلام مليشيات"  مجاهدي خلق" الإيرانية بوصفه بالمفكر البارز / لاحظ الرابط في نهاية المقال، لن يكون في أحسن أحواله إلا مصداقا ملموسا للمثل العربي السائر : إن الطيور على أشكالها تقع !

-   وهناك أيضا تلك المعركة البائسة التي خاضها حسن علوي مع عادل عبد المهدي حين وجه لهذا الأخير كومة من الاتهامات بالفساد في كتاب جدد له، وما إن هدده عبد المهدي بأنه سيرفع عليه دعوى قضائية في سوريا نفسها حتى ظهر حسن علوي مذعورا على إحدى شاشات التلفزيون العراقية " الفيحاء" واعتذر عدة مرات عن كل ما قاله بحق عبد المهدي ملقيا اللوم في ما حدث على شخص زوده بمعلومات غير صحيحة.وقد وجه إلى عبد المهدي البرقية التالية مهنئا ومباركا قيام الائتلاف الجديد الذي يقوده عمار الحكيم (أخي الدكتور أبو هاشم أبارك لكم الائتلاف الانتخابي الجديد وقد أسعدني اشتراك صدور العراق مع بطونه / وكالة أورنوز ) ، إضافة إلى ظهوره المتكرر في بعض الفضائيات: مرة كمفكر لا يشق له غبار، وثانية كعارف ومتخصص بشؤون بغداد القديمة وأهلها،وقد لا يتردد عن الظهور كمتخصص في عزف الجوزة وتصليح الإسطرلاب ! وقد ظهر ذات مرة على شاشة توأمه الفكري والأخلاقي  سعد البزاز - فكلاهما من الطينة ذاتها - كقيادي بعثي منشق  سبق له أن  اختلف مع نظام صدام حسين الذي لم يطره ويمتدحه حتى رفاقه في قيادة نظامه وحزبه كما أطراه وامتدحه حسن علوي والذي يفتخر دائما بنشر صورة شخصية له-  وهي الوحيدة له كما نعتقد - يبدو فيها جالسا مقرفصا عند رأس صدام حسين الممد للاسترخاء كما يقرفص الخادم أو الغلام الوضيع عند رأس مولاه.وحسن علوي يدرك بينه وبين نفسه أنه كاتب بسيط وسطحي ذو تفكير محدود وفقير ولذلك يعتمد على الحذلقة والصراخ البلاغي بالجمل الرنانة على عادة أغلب الكتاب القوميين الخارجين من معطف حزب البعث معتقدا بأنه ، بهذه الأدوات، سيكون هيكل العراق المقابل لهيكل المصري.

الواقع إنني لست بصدد تقديم جردة حساب شاملة عن هذا الشخص الملتبس والذي يقدم صورة الأنموذج الأمثل في وساختها  للسياسي وللكاتب العراقي السيئ والانتهازي في الوقت الحاضر، فما أعرفه عنه كثير مشين ويمكن أن يحرق أوراقه تماما من الناحية السياسية والاجتماعية، وقد كنت ساكتا على خزعبلاته واستفزازاته احتراما لذكرى أستاذي الراحل هادي العلوي والذي أحتفظ له بأكثر من مائتي رسالة منه بخط اليد شرَّح فيها هذا لمخلوق الذي كان يشعر بالخجل من كونه شقيقه، ولكنني اليوم ، وردا على استفزازات كثيرة وجهها لشقيقه  بايولوجيا هادي العلوي ومنها وصفه له على شاشة سعد البزاز "  الشرقية " بأنه "سلفي رغم تبنيه للفكر الماركسي" أو قوله معيرا إياه بأنه كان يقدم له 40 دولارا شهريا" كما كتب قبل أيام كاتب عراقي شاهد له لقاء تلفزيوني آخر،  ولا أدري ما العيب في أن يساعد شقيق شقيقه ماديا إن كان في حاجة لها،  مع شكي فأن يكون هادي قد أخذ تلك الاربعين دولارا من هذا الشخص، وهو – أي هادي - الذي هددني مرة بأنه لن يستعمل أدوية الربو التي كنت أرسلها له وهو في الصين إن لم أستلم منه مقابلها وكان يفعل ذلك معي ومع أصدقاء آخرين ، لم أشأ أن أنشر الغسيل الوسخ لحسن علوي في الوقت الحاضر ردا على هذه الإساءات احتراما لذكرى رفيقي الراحل هادي، ولكن وجدت مندوحة في ذلك من خلال نشر مقطع من دراسة كتبتها سنة 1996بالاشتراك مع المرحوم هادي حول الطائفية وأنشر هنا المقطع الخاص بنقد تهويمات وترهات حسن العلوي بهذا الصدد :

قليلة هي المعالجات والنصوص التحليلية للظاهرة الطائفية في العراق وبأقلام عراقية، إنها لا تتجاوز في أحسن الأحوال أصابع اليد الواحدة.[1] وربما كانت محاولة حسن العلوي في كتابه "الشيعة والدولة القومية في العراق" الصادر في نهاية الثمانينات، أول محاولة شاملة وجادة لتحليل ورصد الظاهرة الطائفية في العراق. والكاتب ذو توجهات فكرية قومية ومسؤول سابق وقديم في حزب البعث الحاكم في العراق ومعارض للنظام في الوقت الحاضر. ينطلق الكاتب في محاولته من مجموعة من المقدمات والمفاهيم نجملها في: (أن التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة- هو ما- يجعل الإنسان طائفياً. إن الخلافات بين السنة والشيعة – دون تحديدها بالاثنا عشرية – ليس لها طابع شعبي أي أن الطائفية العراقية ليست طائفية شارع، وإنما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة. وأن الظاهرة الطائفية تتصف بالاستقرار وأنها أطول عمراً من ظواهر أخرى وأن أحداً خارج السلطة لا يستطيع أن يكون طائفياً لأنه لا يمتلك القدرة والقوة والمواقع) [2]. ومعنى ذلك أن السني قد يكون طائفياً أما الشيعي الاثنا عشري فلا يكون ! ويذهب الكاتب إلى (أن التشيع ظهر أيام النبي وكانت نواته مجموعة من الصحابة، أحصاهم في قائمة ضمت مائة وثلاثين صحابياً اعتقدوا بإمامة علي بن أبي طالب فهم كما يقول، رواد التشيع الأوائل ولكنه يرفض القول بأن الشيعة مؤسسة ذات كيان مادي ومعنوي لها تقاليد ونظام داخلي ويقول بأن المقصود بالشيعة حالياً هم المنحدرون من عوائل شيعية..)[3] ويصرح بعد قليل بأن (الشيعة ليسوا طائفة ولا يجوز الحديث عنهم كطائفة، وليس أدعى إلى الضرر والإساءة من وصفهم بالطائفة..).[4] ويلاحق الكاتب وعلى امتداد صفحات وصفحات ما يسميه (خط تعجيم التشيع) أي اعتبار الشيعة العرب العراقيين من العجم- الإيرانيين تحديداً- وهو يعيد أسباب التمييز الطائفي إلى ما يسميه (مشروع كوكس- النقيب) الذي قامت على أساساته، كما يرى، الدولة العراقية الحالية.

  ثم يلخص الكاتب استنتاجاته المبنية على هذه المقدمات فيقول (لقد ارتبط تمذهب الدولة القومية- أي ما سمينا نحن الهيمنة الطائفية السياسية- بقانونين لا يمكن أن تعيش السلطة (المتمذهبة) بدونهما.. الاستبداد والتهمة الشعوبية..) ويعتقد بأن (الحل والعلاج يكمن في انتباه العراقيين إلى هذه الحقيقة والتخلي عن تمذهب الدولة وهذه رغبة تنسجم مع روح العصر وشروط التكوين القومي) [5] معلقاً في الختام بأن "الحل الصحيح هو الذي يخرج من طبيعة المرحلة وإلا فإن أعلى مراحل الديموقراطية الجديدة لكل من السلطة والمعارضة- هي- أن يسمح للعراقيين الشيعة باختيار من يمثلهم من أبناء المذهب الحاكم في مجلس المبعوثان الجديد. هذه باختصار وحياد المقدمات والاستنتاجات التي رأينا أنها الأكثر تعبيراً عن مضامين الكتاب وتوجهاته العامة، ولكن، والحق يقال، فإن كل اختصار واختزال، مهما كان محايداً وموضوعياً، يحمل بين طياته شيئاً من القسر وتشويش السياق العام لتلك المضامين، ولكنه يظل قسراً غير مقصود اقتضته ضرورات البحث النقدي التاريخي غير القابل للاحتواء أيديولوجياً.

  إن نفي الكاتب لوجود طائفة شيعية في العراق واعتبار الشيعة مجرد أفراد ينحدرون من "عوائل شيعية" يعني ضمناً نفي وجود طائفة سنية، فهي الأخرى مجموعة أفراد ينحدرون من "عوائل سنية". وقد يقول قائل: إن الاعتراف أو عدمه بوجود الطائفة ليس مهماً طالما يسود الاتفاق على أن جمهور الطائفة موجود. لكننا نعتقد أن الخلل المنهجي الخطير ينشأ بالضبط من هنا. أي من الخلط بين السبب والنتيجة، بين الطائفة والطائفية. ونستدرك أن الكاتب يقترب في مواضع أخرى من الاعتراف بذلك الخلل ولكنه يرده إلى خصوصية غريبة (عراقية) في هذه الظاهرة حين يقول "لا تخضع الظاهرة الطائفية في العراق للقوانين الطائفية المعروفة في صراع الأديان والمذاهب، مما يدعونا للاعتقاد بوجود طائفية عراقية، بجناحيها الشيعي والسني، تختلف عنها في البلاد العربية والإسلامية الأخرى في طبيعتها واتجاهاتها وتركيبها"[6] ويبدو أن الكاتب نسي ما قاله في بداية الكتاب حيث اشترط لوجود الطائفي حيازته للسلطة والموقع والقوة بما ينفي القول بوجود طائفي شيعي ولكنه الآن يقول العكس. وضمن هذا السياق يعلن الكاتب بعد قليل مستنتجاً: أن الطائفية العراقية لا تتصل بمصدر ديني أو فقهي أي أن الشيعة والسنة لم يختلفوا حول قضايا الإرث أو هوية الحاكم أو الشورى والتعيين أو الإمامة، والسبب في رأيه (أن الخلاف لم يجر على ذلك لأن الطائفيين العراقيين علمانيون لا علاقة لهم بالدين)[7] إنها قراءة، على أقل تقدير، غير دقيقة. إن الشيعة والسنة العراقيين لم يختلفوا على الإمامة لأن الشيعة لم يصلوا بعد إلى الحكم ويضعوا نظريتهم في الإمامة موضع التطبيق، وهم لم يختلفوا على قضايا كالإرث والزواج لأن هناك أكثر من قضاء في العراق، فإلى جانب قضاء الدولة هناك القضاء الطائفي. أما القول بأن الطائفيين العراقيين علمانيون لأنهم لا علاقة لهم بالدين فهو خلط فاضح بين العلماني والملحد وهذه مصادرة سلفية عربية قديمة. وثانياً ثمة خلط بين الطائفة والطائفية ورجل الطائفة. بمعنى: أن رجل الطائفة يظل طائفياً طالما واصل تقديم خدماته للطائفة وغلب سيادتها على سيادة الوطن فحل الولاء لها محل الولاء للوطن ولا علاقة للإيمان الشخصي والمشاعر الفردية بهذه الأمور. أما إذا قصد الكاتب: أن العراقي السني يظل طائفياً حتى ولو كان علمانياً بعكس زميله الشيعي الذي يظل سليماً من جرثومة الطائفية حتى ولو انتمى إلى حزب شيعي طائفي وناضل من أجل قيام حكومة ولاية الفقيه، فهذا القول أو التأويل سيحتج عليه الكاتب نفسه كما نظن.

  نقد استنتاجات حسن العلوي الساذجة  :

 إن الخلوص إلى استنتاجات انطباعية ساذجة كهذه مبعثه الخلط المؤسف، كما ألمعنا، بين الطائفية والطائفة أو الطوائف، بين الظاهرة وأطرافها المكونة. بعبارة أخرى: بين الطائفية كناتج لسيرورة وتاريخ التناحر بين الطوائف وبين الطوائف ككيانات واقعية تاريخية لا يغير من طبيعتها في شيء اعتبارها أفراد منحدرين من طائفة كاثوليكية وأخرى صابئية وثالثة بوذية ورابعة.. إلخ. فهل كفت هذه الطوائف عن أن تكون مجموعة من أفراد ينحدرون.. إلخ؟ وهل تفتقد الطائفة الشيعية الاثنا عشرية أو شريكتها في صنع تاريخ الظاهرة، الطائفة السنية، إلى الكيان المعبر عنه بالرموز والتاريخ المؤدلج والمرجعيات والحوزات؟ وأخيراً، وفيما يخص الأولى، هل افتقدت التراتبية الهرمية المعقدة والأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة التي يتقاضى أفرادها مرتباتهم بالعملة الصعبة؟ ونجيب: لا لم تفتقد أياً من ذلك. إن ما يسميه الكاتب تمذهب الدولة القومية، قاصداً به ما ندعوه هيمنة الطائفة السنية على الدولة العراقية المعاصرة، يعود، في نظره، إلى مشروع قديم يدعوه "كوكس النقيب" والأول هو الوزير الاستعماري البريطاني برسي كوكس والثاني هو الشيخ عبد الرحمن النقيب، نقيب أشراف الطريقة القادرية السنية. إن هذه الإحالة من طرف الكاتب، ومع أنها صحيحة من الناحية التاريخية، لا تستقيم مع إحالاته السابقة ومنها تلك التي تعيد ظهور التشيع إلى عهد النبي، ثم إنها لا تفسر لنا إطلاقاً الصراعات الطائفية الدامية التي سبقت مشروع "كوكس/ النقيب" وخصوصاً في العصر الصفوي الفارسي والسلجوقي التركي والذي دفع العراقيون من الطائفتين ثمنه دماً وخراباً وعداوات فاعلة في الحاضر. إن مشروع أو "مخطط كوكس/ النقيب" إن كان يكشف عن شيء فهو إنما يكشف أولا عن جذر الدولة العراقية التي سارع الإنكليز إلى استيلادها بعد أن أغرقوا ثورة العشرين بالدماء مخافة أن تشتعل ثورة شبيهة بها بعد حين ؛ وتلك كانت ثورة شعبية وحرب مقاومة ذات سمات فلاحية بشكل رئيسي ولا علاقة لها بالطائفية والطائفيين. وهي تكشف ثانياً، ومن خلال الممارسة السياسية العلمية عن دور الطائفيين الشيعة الذي لا يقل خطورة عن دور خصومهم "الطائفيين السنة" في تثبيت المشروع البريطاني، وليس أدل على ذلك من مسارعة سياسيين من الشيعة إلى خدمة الكيان الوليد الذي قرر قادة ثورة العشرين مقاطعته. وكان عبد الحسين الجلبي أول من خرق المقاطعة، وأصبح وزيراً فيه، وقد هجاه الشاعر العراقي الساخر ملا عبود الكرخي بقصيدته الشهيرة "وعدتنا من الوزارة تستقيل.. وعدلت عنها لماذا يا محيل؟ ". والوزير المذكور سليل عائلة الجلبي المغرقة في الولاء والعمالة للبريطانيين" وكانت هذه العائلة تمثل حالة نموذجية أخرى، إذْ كانت واحدة من العائلات الشيعية القليلة التي حافظت على علاقات ممتازة مع الحكومة العثمانية وكان سلفهم علي الجلبي جابياً لضرائب الكاظمة وكان غاية في القسوة، وعنده حرس شخصيون من العبيد المسلحين وسجن خاص بتصرفه. وعندما مات تنفس أهل الكاظمية- وهم من الشيعة- الصعداء. أما ابنه عبد الحسين، الذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة شركة ترام الكاظمية / بغداد، فقد كانت له، منذ العشرينيات، حقيبة في كل وزارة تقريباً لأنه كان (قابلاً للاعتماد عليه ولين العريكة..) كما جاء على لسان السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي البريطاني" جيرترود بيل" والمعروفة اختصارا لدى العراقيين بـ"مس بيل". وأما حفيده عبد الهادي فقد حظي في العام 1938 بعطف عبد الإله الذي سيصبح وصياً على العرش لأنه ساعده بالقروض"[8] وهذا نموذج على الصعيد الأسري مع وجود استثناءات لشخصيات وطنية حتى ضمن هذه الأسرة تجعل التعميم غير وارد، أما على الصعيد الجماعي المنظم فقد شكل السياسيون الشيعة العرب الأغلبية الساحقة في قيادة حزب نوري السعيد (الاتحاد الدستوري) والذي يصر البعض على اعتباره حزباً معادياً للشيعة، عمل على إقصائهم من الحياة السياسية في إطار الدولة العراقية التابعة، فقد كان عدد الشيعة العرب في قيادة الحزب المذكور ثلاثة وعشرين عضواً مقابل سبعة أعضاء من السنة العرب.[9] وغالباً ما يجري تصوير الطائفة الشيعية في العراق ككيان متحقق ومنجز تماماً بامتداده التاريخي الذي يعود تارة إلى أيام الخليفة الرابع وأخرى إلى عهد النبي العربي الكريم، ويتكرر الادعاء والإيحاء المبالغ فيه بأن الطائفة الشيعية هي الأغلبية السكانية المضطهدة من قبل الطائفة السنية الحاكمة التي حرمتها من كل شيء: السلطة، والثروة، والموقع الاجتماعي. ويصل البعض، إلى أنها عرضة للتشكيك حتى في عروبتها، والحقيقة فإن قراءة متأنية لتاريخية الظاهرة وتاريخها، تؤكد حقائق أخرى مختلفة ومخالفة لما أصبح في عداد البديهيات.

..............................................................

[1] إن الموقف من النظام الحاكم في إيران اليوم، ينبغي أن يؤخذ في سياق السجال الفكري لا في خضم معافسات العداء السياسي اليومي، لذلك ينبغي النظر إلى هذا النظام في وقفته المعادية للغرب الإمبريالي والصهيونية تلك الوقفة التي يتمنى المرء  أن تطول، نظرة إيجابية بالمنظار التاريخي أما قضية إسقاط هذا النظام وقيام نظام ديموقراطي علماني على أنقاضه فهذه من مشمولات ومسؤوليات الشعوب الإيرانية فقط. ولكن ليس من مصلحة أحد إخفاء الطبيعة الطائفية له.

2 حسن العلوي، الشيعة والدولة القومية، ص 10 وما بعدها/دار الزور.

3 - المصدر السابق ص19

4 - المصدر السابق، ص41.

5 - المصدر السابق  ص 377.

6 - المصدر السابق، ص259

7- المصدر السابق / الصفحة نفسها.

8 حنا بطاطو، العراق- الكتاب الأول، ص352. وقد بات معروفاً  الحفيد الآخر لهذه العائلة، المدعو أحمد الجلبي والذي يقود حالياً ما يسمى بالمؤتمر الوطني العراقي الموحد، والذي قام أصلاً على أساس طائفي، وقد اعتبر موالياً للغرب الإمبريالي وللولايات المتحدة تحديداً، لدرجة التعاون التجسسي والاشتغال لصالح المخابرات المركزية الأمريكية، كما اعترفت هذه الأخيرة علناً، مقابل أموال طائلة.

 9 المصدر السابق /ص 390.

10- رابط لبيان إعلان عن قائمة علاوي على موقع مليشيات مجاهدي خلق

http://www.mojahedin.org/pagesAr/detailsNews.aspx?newsid=8587

 


 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي