%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال |
|
---|
الوضع السياسي في بلادنا الطبيعة والنتائج ...
وملاحظات وهوامش أخرى
أحمد الناصري
تعرض المجتمع العراقي الى زلزال عنيف، هز أسسه التكوينية والثقافية والقيمية، وتلاعب بمصيره ووجوده، ونقله من حالة الى حالة نوعية أخرى، تتسم بالخراب والتدمير والتشوه والانهيار. لقد تجمعت أسباب وبوادر مشهد الزلزال الحالي والكارثة الوطنية الحالية، التي يواجهها شعبنا ووطننا، منذ صعود الفاشية في بلادنا، واشتعال الحرب العراقية الإيرانية، الطويلة والعبثية، والتي كانت تدور على الحدود بين البلدين، لكنها تحفر في جذور وعمق المجتمع وتركيبه ومقوماته، وقد حصدت أكثر من مليون قتيل من الطرفين، وهذا دليل قاطع على عنفها وضراوتها وتدميرها المريع للناس.
ثم جاءت كارثة غزو الكويت والحرب المدمرة الثانية، التي أعادت العراق الى العصر الحجري، حسب تصريحات وتوقعات بيكر وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ليكمل الحصار على البقية الباقية من الأسس الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وينتهي المشهد المريع لبلد يتخبط داخل العاصفة، بالحرب العدوانية والغزو والاحتلال ومخططه الرهيب القائم في بلادنا الى اليوم.
نتج و(ترافق) هذا المشهد المرعب والطويل منذ البداية عن عقل سلطة استبدادية متخلفة، مارست أبشع أساليب القهر والتدمير للحياة السياسية والثقافية والفكرية والنفسية، ونشرت وأشاعت القسوة والعنف بأبشع أشكاله وصوره، وقادت البلاد الى مصير مؤسف وخطير، ووضعت كل شيء، بما فيه مستقبل الأجيال القادمة في مهب الريح. ثم جاءت إدارة محلية تابعة للاحتلال، في أعقاب مرحلة التدمير التدريجي، وفي ظل انهيار وغياب الدولة، طبقت أجندته كوكيل رخيص ومبتذل في بلد محتل، مع ادعاءات وإجراءات فوقية عن ديمقراطية مزعومة ومزيفة، تبخرت وتلاشت مع الأيام، فرض فيها دستور طائفي متخلف، وانتخابات مزورة، وثقافة وأجواء طائفية بدائية، وتداخل القمع العسكري المسلح الواسع لجيش الاحتلال، الذي يسعى لفرض سيطرته على الأرض، مع الإرهاب المنظم والغامض والحرب الأهلية الطائفية وفرق الموت والميليشيات المتعددة والاعتقالات والسجون السرية والأجهزة الأمنية السرية والاغتيالات والتصفيات والصراعات الطائفية والقومية والحزبية، مع مصالح شخصية ضيقة، ونزعات استبدادية جديدة للوصول الى السلطة والسيطرة عليها وحصرها في طائفة معينة أو جزء صغير منها، مع تحالفات وصفقات وتحالفات مضادة، ضمن لعبة المحاصصة والحصص الفجة المتوجة بالفساد والنهب العلني الفادح للمال العام، وتدخلات إقليمية مباشرة ومتعددة. كل ذلك قاد بالضرورة الى تجربة طائفية مشوهة وفاشلة، يرعاها المحتل، في بلد مستعمر ومحتل، وقعت نتائجها المباشرة على حياة الناس. تلك هي الحالة والوضع السياسي في بلادنا، وتلك هي نتائج ومحصلة ما يسمى ب (العملية السياسية) واللعبة السياسية التي فرضها الاحتلال، وليس الحديث الخجول والممل عن مشاكل ثانوية أو بسيطة هنا أو هناك، ونقص في الخدمات (على أهميتها) حسبما يدعي البعض، أو الحديث عن محاولات تطوير وتعميق التجربة الديمقراطية، والتخلص من بعض السلبيات ومعالجتها كما يدعي فريق آخر. لقد سقطت جميع الأوهام والكلام الفارغ عن إمكانيات وآفاق (العملية السياسية) ومراحلها وخطواتها في ظل الاحتلال، حيث تكمن المشكلة الرئيسية، والتي ينبغي معالجتها مباشرة، من خلال موقف وطني واضح ومتطور، وليس بالمراوحة والتردد والتجريب واللعب على الوقت وبالوقت والتلاعب بالألفاظ.اليوم أصبحت كل المواقع والمواقف والنشاطات معروفة من خلال نتائجها الملموسة على الأرض، ولم تعد أمنيات وتوقعات نظرية وسياسية، وكل شيء أصبح موجوداً على الأرض ونائم في الأرشيف العام، إلا لمن يريد أن يعتذر ويصحح ويتراجع عن مواقف خاطئة وخطيرة، لا تدخل في باب الاجتهاد أو وجهات النظر في ظروف عادية، وأن يتوقف عن المشاركة في تخريب وتزييف الوعي العام، وأن لا يساهم في استمرار المهزلة السياسية الجارية في بلادنا.
الآن يستعيد الشارع العراقي وعيه الوطني أو (جزء هام منه) تدريجياً، والذي حاولت الفاشية تخريبه وتشويهه بواسطة القمع والقهر الدموي السافر وتعميم الاستلاب، ثم جاءت الطائفية المقيتة لتلعب على وتر التقسيم والتخندق الطائفيين وتخريب الوعي الوطني الطبيعي ومنع الثقافة الوطنية الحديثة وأحياء التقاليد البالية والمتخلفة وتخريب التعليم بجميع مراحله وتجويع وإفقار المجتمع من خلال النهب والفساد وسحق المرأة التي عانت من نتائج الحروب والقمع المجتمعي المضاعف والحصار والجوع وقهر التقاليد. هاهو الشارع العراقي يتحرك ويتقدم تدريجياً من الموقف المطلبي والحقوق البسيطة نحو الموقف الوطني الكامل، الذي يرفض الاحتلال وعمليته السياسية المغطاة بالمعاهده، ويرفض كل ما فرضه ومارسه، ويرفض وكلائه وأزلامه بجميع درجاتهم وأسمائهم، وهذا ما يدركه المحتل وتدركه الإدارة المحلية التابعة له، لذلك استنفرت وحركت أجهزتها القمعية المتخلفة وإعلامها المبتذل وصحافتها الصفراء، وحركت بعض مرجعياتها الطائفية البعيدة عن الناس وعن همومهم ومشاكلهم.
إن ما يجري في وطننا اليوم، هو مجموعة عمليات تدريجية ومعقدة، تحتاج الى عقول وأساليب جديدة ولغة جديدة، لتجاوز آثار الزلزال المدمر وارتداداته ونتائجه المستمرة، الذي ضرب وطننا في الصميم، وأراد أن يطيح بكل شيء، كي لا ينهض حتى أمد غير معروف، لكنه يحاول النهوض والوقوف بسرعة، بطاقات وجهود الشباب الجديد.
ملاحظات وهوامش أخرى..
1- بعد كل الأخطاء القاتلة والأوهام التي مارسها وعاشها الحزب الشيوعي العراقي، في تأييد الاحتلال، من خلال المشاركة بالعملية السياسية الأمريكية، والدفاع عن آفاقها المزعومة والتعويل عليها، والمشاركة في مجلس الحكم، وتأييد قانون إدارة الدولة المشبوه والدستور الطائفي التقسيمي، والموافقة على المعاهدة الاسترقاقية، والمشاركة في الانتخابات الطائفية المزورة، والصمت عن العلميات العسكرية الواسعة ضد المدنيين العزل، والسكوت عن الاعتقالات الجماعية والسجون السرية، ومجاملة الأحزاب الكردية وسياستها التخريبية الضيقة. يعود ويعترض على إغلاق مقراته والتضييق عليه، وكأنه لم يدرك أنها لحظة الحصاد والجني للأوهام وللسياسة الخاطئة، بينما راح البعض الآخر من أنصاره يتباكى على الديمقراطية الضائعة والمهدورة وسمنها وعسلها المسكوبين، وكانوا قد صدقوا كذبة ساذجة صنعوها بأنفسهم، لكنهم في النهاية اصطدموا بالحقيقة وبالواقع.ونحن بدورنا نتساءل هل هي قضية مصادرة مقر أم مصادرة وتخريب وطن جميل وكبير بقضه وقضيضه؟ وهل هناك تجربة ديمقراطية ينشئها ويدعمها الاحتلال وتقوم على أسس طائفية؟؟
إن العودة الى الشارع والى الناس تتطلب النقد الموضوعي الحازم للسياسة الخاطئة السابقة التي وقع فيها الحزب الشيوعي العراقي في ظل الاحتلال، وليس على طريقة النقد الذي مارسه المؤتمر الرابع للحزب، والذي جاء في تقيمه لتجربة الجبهة الوطنية والتحالف مع البعث (لقد كانت الجبهة الوطنية معركة طبقية بحد ذاتها صلبت قوى شعبنا الثورية)، وهذا لا يسمى نقداً نافعاً يبغي التصحيح، إنما تبريراً هابطاً، ينطوي على تأييد صريح لذلك الفعل، واستعداد لممارسة ما هو مشابه له فكرياً وسياسياً، ومحاولة للتهرب من المسؤولية والمحاسبة. فهل كانت الجبهة الوطنية معركة طبقية حقاً، أم هي مهزلة طبقية بحد ذاتها خربت قوى شعبنا الثورية ودمرت الحزب يا ترى؟؟وماذا سيقول الحزب عن كارثة الاحتلال والمشاركة في مهزلة (العملية السياسية)، في ضوء النتائج المدمرة الحالية، والتي لم تأت من فراغ طبعاً، إذا ما أراد تقييم هذه التجربة، ومحاولة الخروج من المأزق الراهن الذي يعيشه الشعب والوطن والحزب، من خلال دراسة أسبابها الحقيقية والعميقة، في ضوء الانسداد والفشل السياسي الحالي، وفي ضوء الرفض الجماهيري العارم للوضع القائم في بلادنا، وليس الكلام عن المواضيع والأسباب الشكلية والثانوية التي يذكرها ويسجلها ويكررها البعض منذ سنوات؟؟
2- تعرض المثقفون العرب لكل أنواع القهر والملاحقة والتهميش والعزل والتضييق، بسبب غياب الحريات العامة، المستند الى قمع بوليسي منظم وشامل، سري وعلني، والى أساليب تسقيط تتدخل في تفاصيل الحياة الشخصية والمعيشية للمثقف وتحديد مستقبله الوظيفي والشخصي، مما أدى الى بروز ظاهرة المثقف الانتهازي والمداح والمنافق والمتقلب، الذي يتاجر ويبيع ويشتري ويردح في حضرة القتلة، وقد تخلى عن وظيفته الحقيقية والحساسة في التنوير والتطوير والتغيير. تجارب الصحافة العربية في بيروت ولندن خير مثال على ذلك، ثم جاءت موجة الفضائيات التافهة ومراكز الدراسات والبحوث الممولة من الأنظمة القمعية ومخابراتها، ومن قبل الدوائر الأمريكية وواجهاتها وأسمائها المتنوعة.لقد عملت أسماء وأعداد كثيرة كمستشارين للدكتاتورين ورؤساء تحرير لصحف مموله بالمال الحرام ورؤساء لأقسام ثقافية في صحف معروفة الأغراض، تنبعث منها رائحة النفط والدم. والبعض منهم تخلى عن مواقفه السابقة ونزع قميصه الثوري المزعوم وأشتغل خادم عند الخادم، وزاد البعض بأن وضع قلمه وثقافته في خدمة خادم الخادم في تسلسل وسلسلة مراجع ومرجعيات لا تنتهي. وقد وقف البعض منهم ضد الثورات الديمقراطية التي تجتاح البلدان العربية، ولم يلتزموا الصمت، بل شتموا المعارضين، وطالبوا بسحقهم وإحراقهم، ثم التحقوا بالثورات التي شتموها بكل صلافة وخفة، وحاولوا أن يركبوا قطارها المندفع. نعرف إن لهذه الظاهرة أسبابها الحقيقية ونتائجها المخيفة، لكن تبقى المواقف والمسؤولية الشخصية بالنسبة للمثقف قضية أساسية في عمله ووجوده. أن تجربة التلفزيون والصحافة الرسمية، العراقية (السابقة والحالية) والمصرية والتونسية والليبية والسعودية واليمنية، وغيرها من الصحافة الرسمية العربية، تكشف عن حالة يرثى لها من التردي والتخريب والنفاق والفساد وإهدار المال العام على برامج تافهة والبيع والشراء الذي تقوده وتشرف علية المكاتب الرئاسية. لكن المؤسف حقاً وجود طوابير من الكتاب المرتزقة، من كل الأصناف والمشارب والدرجات، في هذا الإعلام الأصفر، وهذه الصحافة الصفراء.
3- متلازمة الاستبداد والفساد، المتوجة بدكتاتور قاس ومتهور، والمحاط بشلل الخدم والحشم والمستشارين وجوقة المداحين الفاشلين، هي من أودت بالحالة العربية الى مأزقها النهائي المرعب، والذي أدى بدوره الى الانفجار الاجتماعي الهائل، حيث تكشفت جرائم وعفن الأنظمة العربية الفاشلة، وحجم ومستوى القمع المخيف والمنظم، وأساليب الملاحقة والقتل والقهر والتجويع والإذلال التي تعرض لها الإنسان العربي.
4- الثورات الشعبية الديمقراطية التي اشتعلت في البلدان العربية تتعرض الى تحرك الثورة المضادة وبقايا الأنظمة والمنظومات السابقة، ومحاولات إيقاف وتحجيم الثورة، كما في مصر وتونس، وهذا أمر طبيعي حصل في جميع التجارب السابقة، وهو ما يمكن معالجته في حالة أدراك محركاته وأساليبه وقواه. وقد تحركت عناصر الثورة المضادة بدعم داخلي وخارجي منسق في تجارب كثيرة، منها إسقاط حركة مصدق في إيران، وإسقاط تجربة ثورة 58 في العراق، وإسقاط الجمهورية الشعبية في شيلي عام 73 واغتيال الرئيس اليندي.
5- الثورات الشعبية الديمقراطية الجديدة تعاني من نواقص ذاتية كبيرة وخطيرة، يمكن تجاوز تلك النواقص من خلال المزج السليم بين روح وطاقات الشباب الثورية وخبرة ومواقف المثقفين والمفكرين النقديين والعضويين، للوصول الى رؤى وبرامج متطورة وناضجة تمهد الطريق للبناء الاقتصادي والاجتماعي الصحيح المستند والمدعوم بقوة وحماية الجماهير.
6- إن الموقف النقدي الشجاع والواضح لعدد (قليل) من المفكرين والمثقفين والفنانين والإعلاميين والسياسيين العرب، وصمودهم الطويل بوجه القمع والتخريب والعزل، في ظل انهيار جماعي عام، وهرولة جماعية نحو موائد الأنظمة الاستبدادية والجهات المانحة للعطايا، تحت تبريرات بائسة، شكل الخميرة الحية والطاقة الكامنة في روح وجسد المجتمعات العربية، التي ألهمت الشباب وأشعلت الثورات الشعبية الديمقراطية. ومن هنا كانت المفاجأة والذهول وعدم الفهم والتصديق لدي أطراف وأوساط عديدة، لا تفهم إمكانيات الجماهير، ولا تعرف قراءة التاريخ ومنطقه الداخلي،فتنازلت عن قناعاتها وادعاءاتها من وقت مبكر والتحقت بالأنظمة وخسرت الناس.
7- الثورات الجديدة، محملة بالدروس والصور والمعاني الرائعة، وهي ثورات ديمقراطية وشعبية وشبابية ومدنية وسلمية، أنهت الركود الاجتماعي، وحركت الأجواء الفكرية والثقافية، وتجاوزت الحدود الطائفية والقبلية الضيقة، رغم مراهنات الأنظمة على التقسيمات الطائفية والدينية والقبلية، ولجوئها الى البلطجية والسرسرية لمساندة أجهزة الأمن المنهارة.
8- النفاق والتردد والازدواجية وحساب المصالح، سمات السياسة والموقف الأمريكي والأوربي في التعامل مع التحركات والثورات في البلدان العربية.
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|