<%@ Language=JavaScript %> أحمد الناصري الثورات العربية وطبيعة المرحلة الانتقالية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الثورات العربية وطبيعة المرحلة الانتقالية

 

 

أحمد الناصري

 

الانتفاضات والثورات العربية مستمرة ومتصاعدة، بعضها أنتصر وبعضها الآخر يسير نحو الانتصار على السلطات الاستبدادية الفاشلة، لينهي الشكل المأزوم السابق، الذي أستمر لعقود طويلة عبر تكريس القمع الشامل وإدارة الصراع الداخلي من أجل البقاء في السلطة كهدف أساسي والفشل العلني في قضايا التنمية والبناء والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو رسم سياسة وطنية عامة والمشاركة المطلوبة في القضايا العربية الملحة وتنفيذ الدور الوظيفي المطلوب خارجياً، دولياً وإقليمياً، ودمج الدولة بالسلطة والحزب الحاكم والدكتاتور الهارب والمطرود وسقوط الدولة والسلطة وانشطارهما معاً في إشكالية فريدة تفاقمت في منطقتنا ودولنا (الوطنية) الفاشلة والفاسدة.

هناك مقدمات وأسباب كثيرة للحال المأساوي والغريب الذي وصلته شعوبنا ومجتمعاتنا وهو في معظمه من صناعة السلطات الاستبدادية الفاشلة وسياساتها الخاطئة في جميع المجالات ودورها الوظيفي المكلفة به دولياً، ودور الخارج في خلق وتكريس الحالة الراهنة لحماية مصالحه الكبيرة في بلداننا.

نحن إزاء حالة سياسية واجتماعية عربية معقدة ومثقلة بآثار وتقاليد الماضي البعيد والقريب التي اختلطت بالمشاكل الجديدة التي من أبرزها الانفصال عن التطور التاريخي العام وعن سياقاته ومساراته الطبيعية، بسبب عدم قيام وإنجاز حركة نهضة فكرية وعلمية تدريجية تتوزع بين المجتمع والدولة الحديثة الصاعدة، والاكتفاء بتعزيز شكل السلطة الاستبدادية الفاسدة ومؤسساتها القمعية الشرسة وإعلامها الواحدي البائس وترك المجتمع يغرق في أوحاله.

لقد أطاحت بعض الثورات العربية بالدكتاتوريين الطغاة وعزلتهم عن رأس مؤسسة السلطة، لكنها لم تطح بعد وتفكك المؤسسة القديمة بعناصرها وعقلها وإمكانياتها واحتياطياتها المعروفة، ولم تطرح البدائل السياسية المطلوبة، وهذه القضية من مشاكل ونواقص الثورات والانتفاضات العربية الجديدة.

لأسباب اجتماعية وسياسية وعملية وتاريخية فأن الثورات العربية الحالية لا تشبه الثورات الكلاسيكية التي قامت في مناطق وبلدان كثيرة من العالم، والتي كانت لها أحزاب وقيادات وبرامج وشعارات معروفة ومحددة حتى قبل قيام ونجاح الثورة. أما التجارب الحالية فهي بلا أحزاب وقيادات مؤثرة وفعالة، بسبب غياب الحريات والعمل السياسي والفكري خارج أطار السلطة وأغراضها في ظل الدكتاتوريات العربية، والإنهاك والتفكك الذي أصاب تلك الأحزاب بسبب القمع المنظم والشرس الذي تعرضت له لعقود طويلة، ومنع الحياة السياسية، والتغييرات العالمية والمحلية التي طرأت على الحياة العامة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتبدل أساليب ولغة العمل الحالي، ووجود ثغرة وقطيعة حقيقية بين الجيل القديم والجيل الجديد الشاب الذي قاد التحركات الجماهيرية السلمية الجديدة، بعد إن سأم من حالته وفقد الأمل بالعيش الطبيعي وضمان المستقبل. كل هذه الأمور أحدثت تغييرات بنيوية كبيرة، سلبية وايجابية.

استطاعت طاقة الشباب العقلية والجسدية الخلاقة واستخدام أساليب ووسائل العمل الجديدة أن تهز وتسقط عدد من عروش الطغاة وأن توقف استمرار الدكتاتور الفاسد في الاستمرار بتدمير ما تبقى من عناصر الحياة الإنسانية والطبيعية. لكن الثورات و(الشباب) بدت من دون برامج وشعارات وخطوات محددة ومطلوبة لتحقيق القطيعة مع الماضي والبدء بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التدريجية المطلوبة لكي تعالج مشاكل وكوارث الماضي. من هنا تبدأ المشكلة وندخل في نفق ما يسمى ب (المرحلة الانتقالية) الطويل والغامض، وصعود وسقوط قوى كثيرة، وتدافع قوى أخرى لخطف الشارع والسيطرة عليه، وتحرك القوى القديمة والتقليدية للعودة الى ميدان التأثير من جديد، وذلك باستخدام كل الأساليب والإمكانيات والثغرات التي يجيدون التسلل منها.

يبدو إن ما يسمى بالمرحلة الانتقالية الحالية لا تشبه التجارب السابقة التي جرى تطبيقها في أكثر من ثورة وبلد، حيث أن الأمور حالياً متشابكة ومختلطة الى أبعد الحدود، ولا يمكن لنا تمييز الشعارات والبرامج السليمة والمطلوبة ولا آليات وزمن تطبيقها للانتقال الى شعارات وخطوات أخرى. في ظل هذا التشوش والتسويف المقصود وغير المقصود تطل مخاطر نجاح الثورة المضادة التدريجي أو السريع، أو صعود قوى غير ديمقراطية تزحف بقوة نحو السلطة كهدف أساسي ونهائي، مثلما كان يحصل بالانقلاب العسكرية القديمة، وهي لا تملك رؤى وبرامج لحل مشاكل المجتمع، كما إن خطر التدخل والتسلسل الخارجي يزيد من حظوظه وخطورته.

نحن أمام أطول فترة انتقالية تتسم بالتشوش والغموض، بسبب طبيعة وإمكانيات القوى التي ساهمت بالثورات والقوى الجديدة التي تكونت بعدها وتوجهاتها وصراعاتها واختلافاتها الكثيرة والحادة.

الثورات والتجارب العربية الحالية بحاجة الى المزيد من الدراسة والفحص لدرء خطر فشل تلك التحركات والثورات وإيقاف عملية التحول الديمقراطي المطلوب. وأن يساهم الجميع من الشباب والمفكرين والسياسيين وعموم المجتمع، لتجاوز نشوة وسكرة انتصار الثورة اللذيذة والمؤقتة الى فكرة تحديد ملامح ومهمات المرحلة الانتقالية، كمرحلة يمكن إنجازها وعبورها الى الوضع الدائمي الطبيعي، ومعرفة الفرق الحقيقي بين ما قبل نجاح الثورة وما بعدها من خلال الربط الدقيق والعميق بين العمل في شبكة الانترنيت والعمل بين الجماهير في الشارع ومعرفة مطالبها وحاجاتها.

في الختام لابد من ربط النجاح بإنجاز المرحلة الانتقالية بتثبيت أسس التوجه الوطني الديمقراطي، وفي حالة البلدان المحتلة بإنجاز مهام التحرر الوطني بأفقه الديمقراطي.  

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا