<%@ Language=JavaScript %>  أحمد الخميسي رأس الديك الأحمر قصة قصيرة  

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

قصة قصيرة للكاتب :  أحمد الخميسي

 

 

 

رأس الديك الأحمر

 

 

 

      ضغطت القبضتان جناحيه بقوة إلي جنبيه ، فأحالته إلي كتلة مدمجة لا يتحرك منها شيء ماعدا الرأس بعرفه الأحمر ومنقاره يضرب يمينا ويسارا بجنون . اجتهد ليتملص من القبضتين مهتاجا بحب البقاء . حث جناحيه على الرفرفة دون جدوى. لحظة، هوت بعدها السكين على عنقه بضربة باترة فصلت رأسه عن بدنه . طار الرأس في الهواء مسافة ثم هوى على الأرض ، تقلب متدحرجا حتى سكنت حركته تحت حافة الثلاجة . راحت العينان الضيقتان اللامعتان تحيطان بالمشهد أمامها ، تتابعان خيط الدم على البلاط الأبيض ، تلاحقان تخبط البدن  بين قدمين بشريتين راسختين . 

      دم لم ينزفه الجرح بعد يواصل مسيرته في الدماغ والبدن المفصولين . يحدق الرأس مذهولا في جثمانه وهو ينهض وحده ، متحاملا على مخالبه وساقيه وفخذيه. ينفش ريش صدره ويتقدم خطوة للأمام من دون رأسه. يتمايل. يضغط على مخالبه ليحفظ توازنه . يتجه إلي اليمين . يتوقف مكانه متجمدا . بركة دم صغيرة تتسع حول مخالبه، وبقايا العنق المقطوعة تتلفت بالغريزة بحثا عن طريق.

      يرمق الرأس ساقيه ترتجفان. هما ساقاه، وهذا صدره الذي شق الهواء فوق سور البيت القديم ، والريش البني الأقرب للأحمر ريشه اختال به بعد معاركه مع الديوك الأخرى . يشتعل الرأس رغبة في الزحف إلي بدنه ، وحين تغدو الرغبة جارحة من اليأس يرتد إلي ذكرياته . فجر القرية التي كانت تفيق على صيحته ، هوائها . حوش البيت الذي كان يلتقط الحبوب من أرضه . الغيطان المفتوحة خلف السور. بئر المياه الذي كان يثب إلي حافته . الدجاجات اللاتي كن يحطن به في نصف قوس في مشيه وفي جثومه حين تعتم الدنيا . الزرع الذي يبس فجأة من حوله . البقرة التي ماتت . الكلاب التي ضمرت . اليد القوية التي اختطفته وزجت به في قفص  وساقته إلي مكان بعيد . منقاره الذي قصوه بآلة حادة . فتات الطعام . العش الغريب . الحلم الذي راوده مئات المرات كل مساء أن يستعيد حريته لولا بدنه الذي كان يتردد ويطوي جناحيه على السلامة في الليل . الآن يتفجر الجثمان بالمهانة التي اختزنها طويلا ، مهتاجا ثائرا يفتش عن منفذ . يخطو بمفرده إلي الأمام . يرتطم كالأعمى بساق سلم خشبي . يكاد أن يقع . يشد عضلاته ليظل واقفا . يندفع غير آبه بشيء فيصطدم بماسورة حديدية تحت حوض الماء .

      الرأس الملقى تحت حافة الثلاجة يرى المنفذ إلي النجاة . الباب . إذا عبر منه سيسترد حريته ووقفته بشموخ . الباب . الباب .

      خيوط الدم الأخيرة توشك أن تنهي مسيرتها في الرأس ، فيشعر بعطش قاس ، بالضعف ، بدوار ، باختلاط الأفكار والذكريات والرغبات ، بحاجة ماسة إلي دفء بدنه وحرارته ، بومضات عقله تتباعد وتبهت لحظة بعد أخرى ، بالمسافة القصيرة من البلاط الأبيض تغيم بينه وبين بدنه .

      فجأة ، انفلت البدن من بين القدمين البشريتين . رفرف لأعلى ، دار في الهواء دورة عجيبة . ضربت جناحاه بين السقف والأرض . اندفع إلي نافذة مفتوحة  وانطلق منها إلي الخارج .

      لقد وجد طريقا .

      العينان شاخصتان إلي النافذة . لقد نجا ! نجا !

      كيف لم تخطر النافذة على بالي ؟!

      إنه أنا من دوني ! كيف حدث هذا ؟

      يخبو لون العرف الناري على البلاط الأبيض ، ويحشد الرأس كل ما تبقى من ومض يتسمع جناحيه في الهواء البعيد .

 

***

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا