<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد الرهان على الحصان الخاسر في سوريا
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الرهان على الحصان الخاسر في سوريا

 

د.عدنان عويّد

 

     قبل أن ندخل في تحليل هذا العنوان,  دعونا نقف قليلاً أمام تكوين بنية سوريا من الناحية الاجتماعية والثقافية على الأقل  لنقول: سوريا شأنها شأن لبنان والعراق على سبيل المثال من حيث تعقد بنيتها الدينية والطائفية والمذهبية والعشيرية والقبلية. وما ساعد خلال النصف قرن الماضي على تحقيق لحمتها ووحدتها الوطنية واستقرارها ونشر الأمان فيها, هو طبيعة حكومتها المركزية التي استطاعت خلال تلك الفترة أن تختار لها صيغاً ديمقراطية انشرطت دائماً بالظروف الموضوعية والذاتية لأبناء هذا القطر, وهي ديمقراطية اقتربت في صيغها كثيراً إلى التوافقية بغية تمثيل ومشاركة كل مكونات المجتمع في مناصب وإدارات الدولة وبخاصة العليا منها. وهذا بالتالي ما جنب الدولة الكثير من المؤامرات التي حيكت ضدها, ثم وقوعها في فخ الديمقراطية اللامشروطة التي وقع فيها العراق, ويقع فيها لبنان اليوم .

     إن الديمقراطية سلاح ذو حدين, ونقاط الارتكاز فيها هما الوعي والمسؤولية. فالديمقراطية لجهة الوعي, هي ليست شعاراً أو وسيلة حكم فحسب, بل هي أيضاً آلية عمل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية, تهدف إلى تحقيق انسجام وتوازن في المجتمع. وهي لجهة المسؤولية, مسؤولية الفرد والمجتمع اتجاه استقرار المجتمع وتوازنه وتنميته وتطوره وتحقيق عدالة ومساواة وأمن أبنائه. لذلك فإن أي خلل يصيب هاتين الركيزتين أو اللعب شعارياً عليهما, سيدخل المجتمع والدولة معاً في عالم المجهول واللااستقرار. والعراق ولبنان مثال حي على صحة قولنا.

    لا شك أن في سوريا خلل في الموقف السياسي فرضته تاريخياً الظروف الموضوعية والذاتية لهذا القطر, ممثلاً في بنيته الاجتماعية والدينية والثقافية, ولِما تعرض له من مؤامرات خارجية منذ استقلاله حتى هذا التاريخ. فالكل يعلم كيف عانت سوريا بعد الاستقلال من مؤامرات حلف بغداد وغيره, كما يتذكر الجميع كيف عانت من الانقلابات العسكرية ومن كان يحركها في الخمسينيات من القرن الماضي, ثم من المؤامرات التي حيكت ضد الوحدة, وكذلك من نتائج النكسة, ونتائج حرب تشرين إن كان بسبب الحرب الأهلية في لبنان, أو اتفاقية كامب ديفيد, أو الدخول في صراع مع العراق (نظام صدام حسين), وأخيراً كيف عانت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومقتل الحريري ولم تزل تعاني حتى هذا التاريخ .

     نقول: في سوريا خلل في البنية السياسية للقطر بينا أسبابها, وقد اعترفت القيادة السورية مؤخراً بأن أسباب الخلل تكمن في قانون الطوارئ وحرية الإعلام, والتعددية السياسية, ومسألة منح الجنسية للأكراد الأجانب.. الخ, هذا وقد سارعت القيادة السياسية إلى إجراء بعض الإصلاحات, وما تبقى لم يزل تحت الدراسة, وستقوم الحكومة الجديدة بالعمل على إنجازه.

    إن مظاهرات الشباب التي قامت في سورية ومن لها طابع سلمي اعتبرته القيادة السياسية أمراً مشروعاً, وما طرحته من شعارات تبنته القيادة وقامت بما قامت به, وما تبقى حملته للحكومة الجدية كما أشرنا قبل قليل, ولكن ما تبين فيما بعد أن القضية ليست قضية شعارات إصلاح, فاستمرار المظاهرات وتحول بعضها من شعارات إصلاح إلى شعارات إسقاط النظام, وما رافق هذه الشعارات من تحركات لا تمت إلى الإصلاح ولا إلى الديمقراطية بصلة, خاصة عندما ترافقت هذه المظاهرات بشعاراتها وممارسات المتظاهرين فيها بعملية أخذت تنال من ممتلكات المواطن والدولة, ثم من أرواح المواطنين, المدنيين منهم والعسكريين على السواء. وإنما القضية وفق هذا السياق أخذت لبوساً آخر, وهو الدخول في نطاق المؤامرة على الدولة والمجتمع معاً, وهذا ما أثبتته التحقيقات التي أجريت مع الخلية الإرهابية التي اعترفت بمن مولها من الخارج.

     لذلك فالسؤال المشروع الذي نطرحه هنا هو : هل من يقف وراء تمويل الإرهاب اليوم ويتباكى على الديمقراطية في سوريا, هم أهل لقيادة سوريا, والغيرة عليها وعلى شعبها, وتحقيق أمنها واستقرارها وتنميتها وتطورها؟.

     هذا هو السؤال المشروع الذي نطرحه على أنفسنا وعليهم هم بالذات, ونحاول الإجابة عليه هنا.

     بداية من هم هؤلاء الذين يمثلون المشروع البديل ؟ . هل منهم من كان يسمى (القائد) في سوريا, والمقيم ألآن في أوربا هو وحاشيته ويصرف يومياً آلاف الدولارات. أليس هو من تبث قناته يومياً الساعات الطوال عن العروبة وفلسطين ومقاومة المستعمر الصهيوني, بينما وجدناه قد أغلق قناته طوال حرب تموز في لبنان, خوفاً من غضب حلفائه آل سعود!. أم هو الزعيم السوري المناضل الذي كان أحد أركان النظام لأكثر من ثلاثين عاماً, وكان قمة الدكتاتورية في الحزب , والمعروف عنه انعزاله عن رفاقه, وعبوس وجه الدائم, حيث وصفه أحدهم بأنه لا يضحك (لرغيف الصاج)!, ها نحن نجده يلتقي مع آل الحريري ضد سوريا ويتهم سوريا بأنها هي وراء مقتل الحريري, ليتبين فيما بعد كذب ادعائه ومن ورائه. مثلما نجده اليوم أيضاً يخطب من على منابر الاتحاد الأوربي قائلاً: إن النظام السوري نظام دكتاتوري وشمولي ويجب أن ينتهي. وإن جماعة (الإخوان المسلمون) هم من نسيج  المجتمع السوري, الأمر الذي يدفعنا للقول: سبحان الله !, لماذا لم يكن هذا النظام شمولياً ودكتاتورياً عندما كان هو قائداً في هذا النظام؟. ثم إذا كان الأخوان من نسيج المجتمع السوري فلماذا حاربهم وقمعهم عندما كان في السلطة؟ .

     أم أن البديل هو ذاك التيار من اليسار السوري الذي وقف في أحداث الثمانينيات التي مرت بها سوريا من القرن الماضي مع الإخوان المسلمين ضد النظام العلماني في سوريا, فأي يسار هذا الذي يلتقي مع الفكر الغيبي والشمولي والذي يعمل على ليّ عنق الواقع كي ينسجم مع النص الديني, أليس هذا يخالف أبسط قوانين المنطق العقلاني الجدلي التي يقول بها الفكر العلمي وينظر لها هذا التيار.

     أم أن البديل هم جماعة بيان دمشق الذين يطالبون بالديمقراطية ودولة القانون والمجتمع المدني, وأبرز من يمثلهم ويتحدث بإسمهم اليوم هو شيخ عشيرة, ( بغض النظر عن احترامي وتقديري لشخصه الكريم), ولكن هذا يدفعني للتساؤل: كيف يطالبون بمجتمع مدني ودولة قانون والمتحدث بأسهم شيخ عشيرة , وهل تتفق عقلية شيخ العشيرة والقبيلة والطائفة مع دولة القانون والديمقراطية؟ .  أم أن البديل هو تيار الإخوان الذي كان يقتل السوريين في أحداث الثمانين على الهوية الطائفية.

     هذا إذا ما أكدنا القول بأن معظم من جئنا عليهم تدعمهم السعودية, وما أدراك ما السعودية.

     هل من المعقول أن تدعم السعودية دولة القانون والحرية والعدالة والمساواة والمقاومة والمجتمع المدني والقضية الفلسطينية؟.  وهي النظام الذي أجهض الثورة التقدمية في اليمن التي دعمت من قبل عبد الناصر؟ . وكانت وراء إجهاض المشروع الناصري ذاته في مصر. ثم  هو الذي جرجر السادت لدخول النفق الأمريكي, ودفعه فيما بعد إلى أحضان كامب ديفد؟ . أليس هو النظام الذي كان مع لإيران الشاه وشجعه على احتلال طمب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى؟ . وأليس هو النظام الذي عمل مع أحلافه من دول الاعتدال على جلب أمريكا وويلاتها على العراق؟ . وكذلك هو النظام الذي كان وراء بروز طالبان في أفغانستان أيام الحرب الباردة, وهو ذاته كان وراء خلق ودعم كل التيارات الأصولية؟ . أليس هو من يدعم تيار الرابع عشر من آذار في لبنان المعادي للمقاومة وكل القوى الوطنية؟ . أليس هو النظام الذي صدّر فتاوى الفتنة ضد المقاومة في حرب تموز, ولم يزل يصدّر هذه الفتنة عربياً وإسلاميا؟ . أليس هو من أدخل قواته إلى البحرين لقتل القوى الاجتماعية المستلبة حقوقها من قبل النظام الأميري الحاكم تحت ذريعة الطائفية, علماً أن المحتجين هم من نسيج المجتمع البحريني الأصلي وهم أصحاب الأرض لا المجنسين سياسياً؟ . أليس هو النظام الذي يدعم عبر قنواته وقنوات الخليج الأخرى قيم المساواة والعدالة ودولة القانون.هذا في الوقت الذي ليس لدى هذا النظام دستوراً مدنياً يحكم فيه رعاياه ولا أقول مواطنيه؟ . علماً أن هناك الكثير الكثير أيضاً  من مفارقات وعجائب هذا النظام ومن يلف لفه, لامجال لذكرها في هذا المقام .

     أما بالنسبة لقنوات الخليج العظيمة ومعها الحرة الأمريكية, التي تفتقد إلى كل حيادية وعقلانية, وهي الشاطرة في فبركة الأخبار وتركيب الصور والأحداث كما تريد فنسألها: أين هي مما يجري في البحرين من مجازر ضد الشعب الأعزل؟ . ثم أين هي من مظاهرات الشعب السعودي الذي يطالب بحريته وعدالته في الكثير من المدن السعودية هذه الأيام؟ . ثم أين هي مطالبتها للعدالة من حكام الخليج الذين يسطرون على أموال الشعب وخيراته دون حسيب أو رقيب, والحكم عندهم أميري وملكي وراثي؟ . أما بالنسبة لقناة الحرة فنقول: أين أمريكا التي تدعمها من جرائم سجن أبو غريب, ومن مجازر العراق وأفغانستان وسجن غوانتانامو التي تمارس بإسم الديمقراطية؟ .

     أخيراً نقول وبثقة عالية إن كل من يراهن على سقوط سوريا بأيدي من ذكرنا هو واهم , نحن في سوريا نعرف لماذا يسعون إلا إسقاط النظام , هم يريدون إسقاطه لأنه يرفض الاستسلام والرضوخ لمشاريع أمريكا واسرائيل في المنطقة, ولكونه متمسكاً بالمقاومة وبكل من يعادي أمريكا والصهيونية في وطننا العربي, ثم لأنه النظام الذي  استطاع أن يحقق الاستقرار والآمان لشعبه . ونحن مع النظام طالما هو كذلك .

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا