<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد عقلية المؤامرة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

عقلية المؤامرة

 

 

د.عدنان عويّد

 

     إن من يتابع مجريات الحياة السياسية على مستوى الساحة العالمية وما يدور حولها من حوارات وسجالات فكرية, سيجد بأنه, لم تخل ندوة أو يخل حوار في هذه الأيام, إلا ونسمع رأياً يقول : إن وراء قيام هذه الظاهرة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية المتحاور حولها, فعل مؤامرة تحركه هذه الجهة أو تلك. ومع إيماننا بأن ظواهر التاريخ لها سيرورتها وصيرورتها الموضوعيتان, مثلما لها سياقها الموضوعي والذاتي أيضاً الذي يتحكم في آلية عملها, إلا أننا لا ننكر أن للمصالح الخاصة دوراً كبيراً في العمل على التحكم بسير وتوجيه هذه الظاهرة أو تلك, بما يخدم مصالح الأفراد أو القوى الاجتماعية التي لا تتفق بالغالب مع مصالح المجتمع عموماً, الأمر الذي يترك للمؤامرة أن تمارس دورها الفاعل تماشياً مع مصالح فردية, أو مصالح قوى اجتماعية محددة لها تأثيرها في الظاهرة انطلاقاً من موقع القرار الذي بيدها.      

      عموماً, دعونا نؤكد على مسألة أساسية هنا لنقول : إن المؤامرة فعل أو سلوك يمارسه الإنسان لتحقيق مصلحة ما له أو لغيره بطريقة غير مشروعة . وعقلية المؤامرة في سياقها العام, تتحول في أعلى تجلياتها إلى حالة ثقافية, تحتل مساحة واسعة من عقلية أو وعي أفراد مجتمع من المجتمعات في مرحلة تاريخية ما من مراحل سيرورته, وهذا يحدث عادة لدى الدول أو المجتمعات التي راحت تتحكم في آلية عمل  دولها قوى اجتماعية التحمت مصالحها أساساً مع قيام مثل هذه الدول, كما هو الحال لدى دول الغرب الاستعماري كما هو معروف تاريخياً, أو تظهر في المرحلة التاريخية التي تغيب فيها الظروف الموضوعية والذاتية القادرة على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في دول أو مجتمعات دول العالم الثالث .

     وحالات عدم الاستقرار الاجتماعي في دول أو مجتمعات العالم الثالث, غالباً ما تنوجد في مراحل التحولات العميقة التي تصيب هذه المجتمعات, إن كان نحو السلب, كما هو الحال أثناء سيطرة الاستعمار مثلاً, أو سيادة أنظمة دكتاتورية شمولية لا يهمها مصالح الشعب, أو نحو الإيجاب, كما هو الحال في حالات نضال هذه المجتمعات على تجاوز تخلفها, - أي في حالات ما يسمى بالتحولات الثورية - حيث يغيب هنا الكثير من القيم المعيارية المؤسسة للدولة الحديثة, الأمر الذي يوقع الدولة ومؤسساتها ولفترة زمنية طويلة, في أخطر أمراض الدولة وهي البيروقراطية, والبطالة المقنعة, والجدل السياسي العقيم, والثرثرة الثورية, وبروز الانتهازية ..الخ.

     ففي مثل هذه المجتمعات أو الدول التي لم يكتمل نضوجها السياسي والاقتصادي والمؤسساتي, ولم تستطع بعد تجاوز مرجعياتها التقليدية, التي لم تزل تتحكم في آلية الكثير من مفاصلها السياسية والإدارية, تلعب دكتاتورية البيروقراطية المحكومة بالضرورة بالجهل وعدم النضوج الذي أشرنا إليه هنا, دوراً سلبياً في عرقلة بناء الدولة واكتمال نضوجها, وذلك عبر حوامل اجتماعية, استطاعت أن تنفذ إلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي والثقافي للدولة, غالباً ما تحركها مصالحها الأنانية الضيقة.

     وهذا في الحقيقة ما ساعد - إضافة إلى عرقلة تقدم الدولة والسعي لتحويلها إلى دولة مواطنة ومؤسسات - على انتشار أشكال عديدة من الفساد, مثل الرشوة والكذب والنميمة والحقد الأسود والخوف والتمحور حول الذات وإتلاف كل ما هو جميل في القيم الإنسانية, من محبة وسلام وتعميق للسلم الأهلي.

     حقيقة إن المؤامرة ليست فعلاً واقعياً حتمياً, تفرضه موضوعية سيرورة وصيرورة المجتمعات التاريخيتين, وإنما هي فعل تاريخي عرضي, يساعد على ظهوره حدوث انحراف في السياق العام لسيرورة المجتمع أو الدولة وآلية عملها الموضوعي عبر تاريخها كما أشرنا في موقع سابق, وبالتالي تجد المؤامرة هنا بيئتها الحيوية, وربما تصل إلى مرحلة الظاهرة إذا لم تجد من يكشفها ويعري حملتها الاجتماعيين, ويعمل على قمعها.

      إن ممارس فعل المؤامرة تنم عقليته عن شخصية مهزوزة في داخلها, نخرة, خربة, غالباً ما يشعر صاحبها بأن ما يقوم به أو يمارسه من فعل المؤامرة, يدل عن ذكاء وشطارة, في الوقت الذي يجهل فيه بأنه مكشوف لمن يحيط به, ومقيّم من قبلهم بالغباء والعفونة والنذالة, وإن ما يقوم به هو تعبير عن أنانيته ومصالحه الضيقة, وهذا ما يجعل منه محط سخرية وتندر سلبي .

      ملاك القول: إن عقلية المؤامرة إضافة لكونها تمارس على مستوى الفرد والمؤسسة وفي محيطات اجتماعية ضيقة أحياناً, إلا أن أبرز مجال لنشاطها هو الساحة الدولية,  وبخاصة في زمن العولمة وتطور الثورة المعلوماتية التي تحولت إلى أهم إحدى الوسائل أو الأساليب التي تساعد على ممارسة فعل المؤامرة من قبل الدول الكبرى تجاه دول العالم الثالث بشكل خاص بغية النيل منها, علماً أن الدول الاستعمارية كثيراً ما مارست عقلية المؤامرة على الشعوب التي احتلتها تحت ما سمي بالوصاية والحماية, وهذه المسميات بحد ذاتها, وعبر تطبيقاتها العملية تاريخياً, هي شكل من أشكال المؤامرة التي لم يزل الاستعمار يمارسها وبأشكال تتناسب مع معطيات النظام العالمي الجديد. وتاريخنا العربي الحديث منه والمعاصر يشير إلى ممارسة عقلية المؤامرة على شعبنا من قبل الغرب وأمريكا بدءً من وعد بلفور وسايكس بيكو, وصولاً إلى احتلال العراق.         

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا