عادل رؤوف "المرجعية النجفية» و"معدان» الانتفاضة الشعبانية 3/3

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

"الرباعي المرجعي»

بين

السلطة الصدامية والسلطة الاميركية

 

علينا أن نتوقف من جديد إذن على ضوء مجموعتي النصوص المطولة حول ذات المجموعة «المرجعية» الرباعية «علي السيستاني (الايراني)، واسحاق فياض (الافغاني)، وبشير النجفي (الباكستاني)، ومحمد سعيد الحكيم»، و«حوزتهم» في مرحلتين، مرحلة نظام صدام حسين البائد، ومرحلة العراق المحتل أميركيا، وعلينا أن نلحظ الواقعين للمرحلتين... والتوقف عندهما، و«المرحلة» لا شأن لها هنا بأي منجز فكري أو معرفي أو حتى فقهي، لان هذه الرموز لا شأن لها بما هو فكري ومعرفي معاصر، أما في الجانب الفقهي فإن تمايزوا وإن لم يتمايزوا في المنجز، فالأمر سيان، كون هذا المنجز في الحالتين ما هو إلا امتداد لـ «مدرسة» فقهية ـ اجترارية ـ تقليدية، يتساوى فيها العمق واللاعمق من حيث العلاقة مع شؤون الأمة، وشؤون العصر... فعنوان التوقف والملاحظة الأبرز ارتبط بـ «الجهاد» و«فتاواه» الإكراهية، في ظل نظام صدام حسين، و«فتاواه الواقعية» في ظل الاحتلال الأميركي.. فالأمر بدا أنه انتقال من «الجهاد الإكراهي» إلى «المرونة والواقعية مع الاحتلال»... وبما أن هذا «الجهاد» كان إكراهياً، فإن الانتقال بمعنى آخر سيكون من «التقية» الدفاعية عن صدام حسين([19]) إلى «الواقعية»، ومن الإذلال إلى «الفضيحة»، ومن «الارتباط المحلي» إلى «الارتباط مع المحتل الأميركي»، ومن توظيف صدام حسين إلى توظيف الاميركان، ومن المؤثر المحلي إلى المؤثر الإقليمي، ومن المؤثر المحلي إلى المؤثر الدولي الاحتلالي، ومن اصطفاف «مرجعي» رباعي، إلى اصطفاف «مرجعي» رباعي مميز برمز اعلى، ومن دور إلى الدور ذاته في أحد محاوره، ففي مرحلة صدام حسين كان هذا الرباعي قد اتخذ موقفا عدائيا ضد الشهيد محمد صادق الصدر، وفي مرحلة الاحتلال الأميركي اتخذ أيضاً الموقف ذاته، إزاء امتداد ظاهرة الصدر الثاني المليونية، فهذه الظاهرة بغض النظر عما آلت إليه، وبغض النظر عن الجوانب المعرفية والتنظيمية والانقسامية إلا أنها يمكن القول عنها.. إنها ظاهرة لم يشهد تاريخ العراق مثيلا لها من حيث حجمها الجماهيري المليوني، وكان من الممكن تصور حمايتها وتفعيلها والوقوف بوجه الاستهداف الأميركي لها، الذي لا يحتاج إلى معرفة، لو توفر لها «الغطاء المرجعي» الفاقدة له، إلا أن الظروف، التي حكمت ظاهرتي الصدرين الأولى والثانية تتشابهان في هذا الإطار، ففي حين «مرجعية» الخوئي «الأحادية» المتحكمة بـ «الحوزة» اختارت أن تترك الشهيد محمد باقر الصدر وامتداده الجماهيري لقدره، فإن «المرجعية الرباعية» برمزية السيستاني اختارت أيضاً أن تترك الشهيد محمد محمد صادق الصدر وامتداده الجماهيري لقدره أيضاً، ولكن بشكل أمر وأقسى، وما يمايز هذه المرارة والقساوة هو التعاون العلني مع المحتل الأميركي تحت عناوين «المرونة والواقعية والعقلانية والأمر الواقع»!!!!!

فكثيرا ما يجد المرء نفسه أمام أسوء حالات الهزيمة النفسية إزاء هذه الأفعال العمائمية للسيستاني وغيره من أنصار هذا الرباعي «المرجعي».. وذلك عندما يقولون علنا بلا خجل أو تردد «إن هذه أميركا.. فهل يمكن لأحد أن يقاومها كأكبر قوة في العالم»؟، إن هؤلاء المهزومين المرتزقة ينظرون بعين الجبن والخواء الداخلي والارتزاق والتبرير، فيما عينهم الأخرى عمياء لا تنظر إلى تاريخ الأمم والشعوب وتجاربه المقاومة للاحتلال ـ القاعدة ـ التي حكمت التاريخ.. قاعدة واضحة قوامها الدفاع عن الأوطان، ومقاومة المحتلين، وتحرير الأرض، وصون الكرامة، ورفض ذل الاحتلال ودفع ضريبة الشرف والدين، ومَنْ شذ من الأمم والمجتمعات عبر التاريخ عن ذلك يمثل استثناءً محكوما إلى ظروف تعجيزية، كما أن هؤلاء «المعممين» المرتزقة الناطقين دفاعا عن رموزهم العليا وعينهم الثانية عمياء عن الثورة الإسلامية، التي هزت الكون ولاتزال تفاعلاتها قائمة وهي ملاصقة للعراق، وقادها الإمام الخميني ضد حاكم محلي، وليس ضد محتل أجنبي، بمعنى الاحتلال المباشر.. كما أن عينهم الثانية عمياء عن أصغر دولة عربية وحزب واحد في داخل هذه الدولة يهدر خطاباً ثوريا، وفعلا ميدانيا ـ مقاوماتياً ضد المحتل الإسرائيلي، وحليفه الأميركي، وهو حزب الله، وعينهم عمياء أيضاً عن ملحمة المقاومة الفلسطينية في غزة، أن هؤلاء لم يكونوا قراءً للتاريخ الإنساني، وهم لم يكونوا كذلك، فإنهم عاشوا وعايشوا جدل ثورة الإمام الخميني وجدل حزب الله، الذي هزم إسرائيل مرتين وجدل الملحمة الغزاوية «الاعجازية»... إنهم نتاج لهذه «الحوزة» النجفية، بقاعدتها، وليس باستثنائها الثوري ورموزه وصولاً إلى الصدرين منهما.. كما أنها «حوزة» تمثل امتداداً لرموزها القدامى المتحالفين مع السلطان في القاعدة ما قبل العصر المغولي وما بعده([20])... مع الفارق بين معاناة الأمتين، الأمة أيام الحلي، والأمة أيام السيستاني، فالأمة والوطن في أيام هذا الأخير، وفي ظل الاحتلال الأميركي للعراق، تحولا إلى «إعلان تلفزيوني تجاري ـ مدفوع الثمن» من على فضائيات العالم... وربما لا يعرف لا السيستاني ولا غيره بان هذا الإعلان، الذي يرمز أو يخبئ ما لا يوصف من استفزاز ودلالات سيتحول إلى إعلان حقيقي لنهاية هذا الكون، ولنهاية التاريخ.. وهذا ما له حديث مفصل آخر.. ومهما يكن نعود لنقول إن «حوزة النجف حوزة متأثرة».. وليس مؤثرة، لا بل انها «حوزة تابعة» يؤثر بها «الكل»، بما فيه التجار الفرادى الذين مررنا عليهم بفقرة مقارنة مع «حوزة» قم التي وأن لم تكن «حوزة» مؤثرة بالمطلق, إلا أنها على اقل تقدير بخلاف «حوزة» النجف. إنها «حوزة» ليس متأثرة بالمطلق و«حوزة» ذات دور مؤثر ومتأثر محليا وخارجيا، و«حوزة» جدلية ذات حراك اجتماعي، وحتى في ظل حراكها السيئ، فهي «تناصف» الحاكم المحلي أشياءه لصالحها ولصالح الأمة، «ويتناصف» المؤثر الخارجي أشياءه معها. واقعها هذا وتصاعد حراكها، توج بثورة الإمام الخميني، الذي اريد لخطه ان يذوي هو الاخر بالمتغيرات التي مرت معنا.

ذلك كله لان «حوزة» قم هي حوزة «وطن».. ولان «حوزة» النجف هي وافدة للوطن، لا علاقة لها به من حيث الارض ومعناها وازماتها، فهي لم تنطق مرة واحدة ازاء هذه الارض عندما «اهدى» «اطرافها» نظام صدام حسين الى دول الجوار الملتصقة بالعراق، واذا كان احد في هذا الكون لديه قصاصة ورق مخبوءة لـ «المراجع» الذين مررنا عليهم تدون موقفاً ازاء أي ترسيم من ترسيمات الحدود مع دول الجوار على حساب ارض العراق، فليظهرها للعالم، ونحن اذ نسوق ذلك كمثال حول الارض الرامزة للوطن في احد مكوناته، فاننا نسوقه تحدياً في ان يكون احد رموز «الحوزة» كان قد سجل موقفاً حيال ارض العراق «المهداة» والمنهوبة، واذا كانت الارض غائبة في «فتاوى المفتين» الوافدين الى العراق و«الناطقين باسم مؤسسته الشيعية الدينية»، فقد مر معنا ما يكفي من «فتاوى» ترتبط بالموقف من الانظمة السياسية اسميناها «فتاوى اكراهية» صادرة تحت سلطة الخوف والذل والتهديد، و«فتاوى واقعية» تحت سلطة الاحتلال الاميركي ازاء اشياء الوطن المرتبطة بالامة، او الشعب كمكون ثاني من مكونات الوطن يضاف الى مكون الارض، ونحن لم نحشد نصوص صحافة نظام صدام حسين، والانظمة التي قبله المتضمنة لـ «فتاواهم» الاكراهية لارهاق القارئ، وتكرار سمفونية مشروخة يعرفها العراقيون جميعاً.. نعم العراقي يعرف لكنه قد ينسى، والعراقي يعرف لكنه ليس بالضرورة ان يملك ادوات التحليل، والعراقي يعرف لكن مشاغله قد لا تسمح له ان يكون مواكباً لهذا التكرار.. والعراقي يعرف باجياله التي عايشت ذلك الواقع، لكن الاجيال اللاحقة قد تضيع عليها الحقيقة، كما ضاعت حقائق على الاجيال السابقة... ولهذه الاسباب واخرى غيرها اقتضى التحشيد لهذا الكم من «الفتاوى» الاكراهية لهذه «المرجعية» ازاء الانظمة العراقية وممارساتها حيال الامة.

وكانت حصيلة هذه «الفتاوى».. «نعم لذبح الشهيد الصدر الاول وجيله الثوري، ونعم لذبح ثوار الانتفاضة، ونعم لذبح جيل الصدر الثاني ورمزه، ونعم لكل ما يريده صدام حسين»... وهل غير ذلك من «نعم» واحدة للوطن بمكون الامة فيه؟ فلا الارض ولا الامة كمكونين من مكونات الوطن حضيا بـ «نعم» واحدة.. و«النعم» المكرورة كلها كانت لـ «النظام السياسي» الحاكم كـ «مكون» ثالث لهذا الوطن، فماذا تبقى من هذا الوطن اذن؟ هذا في مباني الوطن ومكوناته، اما في تفاصيله المرتبطة بمعرفة الوطن واشياءه فقد تحدثنا وسنتحدث عنها، وحتى الان تجلت لنا عبر ظاهرة «القائد الديني بلا لسان» كظاهرة غريبة لم يشهدها تاريخ البشرية، ولا عالم الكرة الارضية الآني.

ان جدلية «المرجعية النجفية» والوطن.. جدلية «هزلية» و«فكاهية» و«بكائية» في آن معاً... حتى عندما تحاول ان تضع على كتفها «شارة الوطن»، فهي ستضعها عنواناً مخجلاً يكتبه «كُتّاب الصدف».. وازاء السيستاني كرامز لـ «حوزة النجف»، فلم يجد بـ «اموال المرجعية» و«دعم قوات الاحتلال الاميركية» و«النخبة السياسية المحلية» ووكلائه ومؤسساته و«مكاتبه المرجعية» من يضع على كتفه «شارة الوطن كتاريخ»... لم يضعها سوى «كاتب» يعرفه «العراقيون المعارضون السابقون».. ان لا يكتب الا تحت سلطة «احد الكتبة» المعرفية، لانه اذا ما ترك لشأنه فهو «لا يعرف ماذا يكتب».. انه «يعرف ان يمدح» فقط مقابل المال، وبعبارة اخرى فانه كاتب «حسب الطلب»... ولانه كذلك فقد كتب يوم ما في صحيفة «شيرازية» «نعم للشيرازية اذا كانت الشيرازية كذا وكذا، ونعم لها اذا كانت كذا وكذا... الخ»، وكتب مرة اخرى حول «عبقرية محسن الحكيم في جريدة نداء الرافدين» ـ ونحن نحتفظ بما كتب ـ لم يجد  مكتب السيستاني في دمشق سوى هذا الكاتب ذاته لكي يضع «شارة الوطن» على كتف السيستاني، فهو ـ هذا الكاتب ـ يُستدعى لمثل هذه المهمات لكنه يضع عناوين ولا يضع «شارات وطن».. وبالتالي فهو ومن حيث لا يشعر، ولا يشعر الاخرون الذين كلفوه الكتابة انه عندما يكتب فهو لا يضع «شارة وطن » على كتف «المراجع» السيستاني او غيره.. وانما يكشف عبر عناوين ما يكتب لمن لا يعرف عن غياب هذه «الشارة الوطنية»!!

وحسناً يفعل هكذا «كتبة بالصدفة» لان مجيئهم في الزمن يأتي بالصدفة، وهم لا ينتمون الى الكتبة المعتاشين او المرتزقة، لان لهؤلاء «ادواتهم الكتابية» و«منهجهم التلاعبي» لـ «صناعة الكتابة». وحسناً «وقع» السيستاني في فخ هذه الشاكلة من الكتبة، فلنرى كيف وضع الكاتب «شارة الوطنية» على كتف السيستاني، فقد جاء في كتاب صدر بعد احتلال العراق باشهر تحت عنوان «لمحات من حياة الامام السيستاني، فقيه عصر ورجل سياسة»، وفي فقرة داخلية فيه تحت عنوان «الامام المرجع والحركة الوطنية الاستقلالية» ما يلي: «شكل سقوط النظام الدكتاتوري في بغداد بتاريخ 9/4/2003 حدثاً سياسياً ودولياً عظيماً وهاماً. واحدث دون شك دوياً هائلاً في كل مكان، في العالم العربي والاسلامي وفي ارجاء العالم. واهمية هذا الحدث نابعة دون مواربة من اهمية الازمة الوجودية التي اسسها النظام السابق في العراق وبين العراق وبقية المكونات العربية والاسلامية والدولية عبر حروبه ونزاعاته واحتلاله دولة الكويت وحربه ضد ايران واستخدامه الاسلحة المحرمة ضد الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب وقتل الناس وقمع الحريات وتحويل البلاد الى مزرعة لرجال السلطة واحفاد عوائلها وزبانيتها وحزبها.

وقد اكد سقوط النظام سقوط الدكتاتورية والعنف المسلح وقمع الحريات وبداية مجيء مرحلة سياسية خالية من اسلحة الدمار الشامل وحكم الفرد الواحد والحزب الواحد والايديولوجية المتفردة وتلك البداية لابد ان يتم تشكيلها بارادة الشعب العراقي ومرجعيته الدينية وقواه الوطنية السياسية من كافة المشارب والتوجهات والتيارات» ويضيف: «فالعراق القادم هو عراق مختلف تتشكل ادوات ومكونات دولته من خلال توافق الارادات واتفاق المواقف ولو بحدودها المعقولة لبناء نظام وطني دستوري برلماني تعددي يقوم على اساس ان يكون الاسلام دين الدولة كون الاسلام يمثل اكثرية الشعب العراقي ومن هنا تدرك المرجعية الدينية الممثلة بالامام آية الله العظمى السيد علي السيستاني انها معنية بتأصيل وتكريس حقوق العراقيين وحماية مكتسبات انتفاضته وثوراته وكفاحه السياسي الطويل ضد الدكتاتورية وتدرك ايضاً موقعها في دائرة التحول الوطني من الدكتاتورية الى الدولة القانونية ـ الدستورية ـ لكنها تعلم ايضاً ان اهمية المرجعية الدينية تكمن في تفاعلها الفقهي والفكري والسياسي مع اجراءات وتفاصيل وحيثيات التحول خصوصا وان القوات الامريكية وادارتها المدنية حسمت امر اعادة السلطة للعراقيين بقرارها تسليم مقاليد الحكم بعد حزيران سنة 2004 كما اكد ذلك الحاكم المدني الامريكي بول بريمر.» ويواصل «ما بذله ويبذله الامام السيستاني في هذا المجال كبير جداً بالقياس الى قصر مدة دخول العراق في دائرة الاستهداف العسكري الامريكي ووقوع البلاد تحت الاحتلال وبالقياس الى الترتيبات التي سبقت قيام مجلس الحكم حيث كانت البلاد بدون سلطة مؤقتة او حكومة شكلية تسّير الشؤون وتتولى بعض المقاليد والقرارات. الامام ادى وبحزم ارادة واعية وذهنية منفتحة على التطورات السياسية والعسكرية العاصفة التي شهدها العراق الدور المفترض ان يؤدية فقيه كبير مثله، فقد تصدى للمسألة العراقية بكل التعقيدات التي تحملها في داخلها بروح مخلصة لشعبها ودينها ومشروعها الاجتماعي ومستقبل انسانها، ومن بين اهم المسائل الوطنية التي اهتم الامام بها واولاها الاهمية الاستثنائية مسألة صياغة الدستور الذي سيضع العراق على سكة الامن والاستقرار والرفاهية والتطور والمدنية والديمقراطية وآفاق علاقاته العربية والاسلامية والدولية وكانت له آراءه وتوجهاته الفقهية والفكرية والسياسية حيث اصبح ما بعد سقوط النظام وتحريك ملف اعادة نظم ايقاع الحركة السياسية في البلاد بعد عهود من الديكتاتورية والاستبداد ملاذ القوى السياسية الوطنية الباحثة عن استقلال بلادها ورفاهيتها فضلاً عن تحول الامام المرجع الى مرجعية قرار خاص بتوجهات البلاد القادمة يؤخذ رأيه في كل صغيرة وكبيرة ويتطلع كل الذين يهمهم امر العراق الى النجف ومرجعيته الدينية باعتبارها القاعدة الفقهية والسياسية والفكرية التي تنظم الفعل السياسي الوطني وتوفق ما بين الفرقاء وتعيد انتاج الحياة السياسية على اساس المشاركة والتعايش وقبول الآخر مهما كان هذا الآخر» ويسهب بالقول «المسألة الدستورية التي يلح الامام السيستاني على ضرورة ان تكون المسألة الاولى نابعة من كون الامام يريد تأسيس نظام سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي في بلاد غير قائم على حاكمية الفرد المطلقة ـ الحاكمية التي كلفت البلاد اكثر من ثلاثة عقود من الحروب والازمات الحدودية والقتل والتعذيب والاعتقال والاختفاء لاكثر من اربعة ملايين مواطن عراقي. ان الامام لا يريد اعادة الدكتاتورية ونظام الاستبداد ببراقع ووجوه اخرى تحت غطاء الديمقراطية ولوائها ولا يريد استعادة النهج السابق في التعاطي مع القيم والنظم التي لها علاقة باخلاقيات الامم وتوازناتها السياسية والثقافية كمسألة الدستور وكتابته والاتفاق على رأي عراقي واحد يقود البلاد الى الوحدة لا الفتنة والتماسك لا التشرذم».

ويختم فقرته بالتالي

«ففي جوابه لمراسل وكالة انباء اسوشيتد بريس الامريكية في بغداد بتاريخ 21/ شعبان/1424هـ رداً على سؤال حث الامام على انتخاب من يكتب دستور العراق الجديد ان الاستفتاء على الدستور كتبه اناس تم اختيارهم من كل شرائح المجتمع وفئاته فهل تتم شرعيته على اساس اختيار فئات اجتماعية لكتابة الدستور يجيب الامام على ذلك قائلاً: (في وضع العراق الحالي لا توجد أية جهة يمكنها ان تقوم باختيار اعضاء مجلس كتابة الدستور بصورة مقبولة من الجميع بحيث يتمثل في المجلس المشكل جميع شرائح المجتمع العراقي تمثيلاً عادلاً بل ان المؤكد ان المصالح الشخصية والفئوية والعرقية والحسابات الحزبية والطائفية ستتدخل بصورة او باخرى في عملية الاختيار ويكون المجلس المشكل فاقداً للشرعية ولا يجدي عندئذ اجراء الاستفتاء على ما يضعة من الدستور بـ نعم او لا فلا بديل عن اجراء انتخابات عامة لاختيار اعضاء المؤتمر الدستوري)» ([21]).

الى هنا لا نريد ان نسهب في التعليق على هذه النصوص، فعلى القارئ ان يقارن بين «الفتاوى الاكراهية» ازاء الحرب العراقية الايرانية، وحرب الخليج الثانية، واحداث الانتفاضة الشعبانية، وتصفية الرموز الوطنية، وقصف العراق بالطائرات الاميركية، للرباعي «المرجعي» برمزه السيستاني الاعلى في صحف النظام التي حشدناها توثيقا، وبين نصوص الكاتب المارة عن «الحركة الوطنية» و«الحركة الوطنية الاستقلالية» اسماءها، احزابها، رموزها، فعلها، ملامحها، قبل ان يبحث عن موقف «الامام السيستاني» ازاءها، انه سوف لا يجد الا عنوان ومتون بأسم «الوطن وامامه الحنون»!!

 

انبياء واصنام

((حوزة)) الارض والوطن

((حوزة)) الوافدين الى الوطن

عادل رؤوف ، ص : 279

الطبعة الرسمية الثانية  1430هـ ـ 2009م

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

جهاد السيد البغدادي

دراسة حوارية نقدية وثائقية خـلال نصف قرن

لمسيرة الامام المجاهد السيد محمد الحسني البغدادي

الحلقة الثانية عشر

 

وثيقة رقم (26)

 

هذا نص البيان الذي يدعو الى تأكيد الاخوة بين المسلمين العراقيين الذي وجهه سماحة الامام المجاهد السيد البغدادي والذي حذفت بعض كلماته بعد نشره عبر الاثير من الاذاعة العراقية ونشرته الصحف المحلية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين المنعم المتفضل الذي بتفضله وانعامه بعث الينا سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد (ص) فأخرجنا به من الظلمات الى النور، وهدانا به الصراط المستقيم، وأذهب عنا به عنت الجاهلية العمياء، وأنزل عليه القرآن الكريم، وجعله معجزته الخالدة ما دامت السماوات والارض وحثنا على التمسك به تدبر في آياته وحكمه، اللهم صلي على محمد، وآله الطيبين الابرار، وصحبه النجباء الاخيار..

 وبعد يا ايها المسلمون ويا علماء الاسلام الله الله في الاسلام فانه لم يبق منه الا صبابة كصبابة الاناء يتربص به اعداؤه، ويكيدون لاهله يدأبون على ذلك ليلهم ونهارهم في سرهم وعلانيتهم، ونحن عن ذلك لاهون قد شغلنا انفسنا بما يكون عونا لهم على هدم قواعد الاسلام، وذلك بتأخرنا وتقاطعنا وتباغضنا وتفرقنا.

 ايها المسلمون ان الالفة من جنود العقل والفرقة من جنود الجهل والكتاب الكريم يحثنا على الاتحاد، وعدم الفرقة، قال عز من قال ((واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته اخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)).

وهذه اقوال نبينا الاقدس (ص) ((المسلم اخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله، لا يخونه، ولا يخدعه، ولا يظلمه، ولا يكذبه، ولا يغتابه))، وقال ايضا (ص) يحث على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لاهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى يكونوا كما امر الله عز وجل رحماء بينهم)) فبعد هذا كله هل يجوز لمسلم ان يخرج على هذه التعاليم المقدسة، ويفرق بين المسلمين، ويهتف بالطائفية البغيضة التي هي المعول الهدام لاسس الاسلام، واكبر مفرق لجماعة المسلمين.

 اللهم انزل نقمتك وسخطك على مؤسس الطائفية وباعث شراراتها ((سواء كان مرجعاً دينياً.. أم زعيماً سياسياً في العراق)) (17)، (فالواجب على كل مسلم ان يجعل نصب عينيه تعاليم نبيه، ويتمسك بأحكام كتابه.. وعلى علماء المسلمين - رفع الله شأنهم - ان ينبهوا الناس عن غفلتهم،ويخرجوهم عن حيرتهم.. اللهم اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا انك رؤوف رحيم، والسلام على كافة اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

                                               محمد الحسني البغدادي

                                              22 / رمضان/ 1385

 

وثيقة رقم (27)

استنكارحول تحريف بيان الامام المجاهد السيد البغدادي ضد الطائفية في العراق 1385هـ.

بسم الله الرحمن الرحيم

(بيان)

قال جدنا الامام المجاهد السيد البغدادي - مد ظله -

لايجوز التفرقة بين المسلمين، ويجب الاتحاد بينهم بضرورة الدين، هذه كلمتي يجب تعزيزها واحترامها ونشرها بين كافة المسلمين أحياء للدين، وطرداً للمشركين.. فالويل كل الويل لمن حذف منها !.. ما لا يناسب مقامها وأثرها من أفراد قرنوا أنفسهم بمقامي، ولغو كلامهم بكلامي !!.. كان ذلك منهم تضييعاً لشأننا، وقضاءاً على الاسلام ووطننا.

((يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)).

                               أحمد حفيد الامام المجاهد السيد البغدادي

                                       23 رمضان المبارك 1385 هـ

 

وثيقة رقم (28)

 

بيان سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء حول الفتنة الطائفية في العراق

قال سماحته: بعد ان افتتح الحديث بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي والسلام عليه، وعلى اله وصحبه والطيبين الطاهرين قال:

 ان الخصام المذهبي، والتناحر الطائفي الذي لاكته بعض الالسن، وسالت به الاقلام المستأجرة بعبارات شعرية، وكلمات نثرية موشاة ببليغ الخطاب، وبديع البيان، قد انفجر به بركان هائل يقذف المسلمين بحميم كأنها جمالة صفر يتطاير شريرها من هنا وهناك، وانساب ثعبانه ينهش بأنيابه بهم المسلمين، وفرسان العرب، وغلت به مراجل الجدل الديني، وأحدث حرباً شعواء بين فريقين استفاد منه الخصم، واساغت اللقمة للاسد المفترس، واجرضها في اشدات الاسلام والعروبة.

ايها المسلمون: ايم الله قسماً باراً، لا تأويل فيه، ولا تحريف.. ان هذه الصيحة التي اغضبت ملائكة السماء، وهذه التفرقة التي كدرت صفوة الحياة.. لا تسمع من وراء حدودكم حتى تستحيل الى ترنيمة عذبة يطرب لها العدو ويرقص على نغمتها الطامع الجشع.

ايها المؤمنون: هذا الاسلام بأنظمته المقدسة، وآياته الكريمة، وتعاليمه القيمة، وارشاداته الروحية.. قد جاء لجمع شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم وحدة متراصة لاتمسها لفحة الانحلال، ولا تنفك عراها مشكلات الاحوال التي قد قهرت الدهر بقوتها، وجابهت الاحداث بعظمتها، وانتصرت على الاعداء ببطولتها، وصانت المقدسات الدينية، والحرمات الاهلية من الغارات، والغزوات وعاشت قرونا عديدة نحتال بمشيتها الاحقاب والاعقاب فوق جميع الميول والاعتبارات قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((اما والذي نفس محمد بيده انكم لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تجتمعوا، ولن تجتمعوا حتى تتحابوا)).

وقال امير المؤمنين الامام علي ابن ابي طالب اسد الله الغالب (ع) ((ان يد الله مع الجماعة، واياكم والفرقة، وان الشاذ من الناس للشيطان، كما ان الشاذ من الغنم للذئب، الا ومن دعى الى هذا الشعار (شعار التفرقة) فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي)).

وقال: عليه السلام ((ان ربنا واحد، ونبينا واحد ودعوتنا للاسلام واحدة)) ثم قال:((تعالوا نداوي ما لا يدرك اليوم الا بأطفاء النائرة، وتسكين العامة حتى يشتد الامر، ويستجمع فنقوى على وضع الحق في مواضعه)).

فعليكم  بكلمة الجمع وجمع الكلمة، فأن يد الله مع الجماعة، وانا لضمين لكم على الله النصر المبين والفوز العظيم.

 

                                            الشيخ علي كاشف الغطاء

                                               مجلة العدل النجفية

                                         العدد: 13، التاريخ 1385هـ

 

 

وثيقة رقم (29)

 

برقية استنكارية ضد الطائفية موجهة الى

الرئيس العراقي عبد السلام محمد عارف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد رئيس الجمهورية المشير الركن عبد السلام محمد عارف المحترم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد العربي خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وآله الطيبين، وصحبه الغر الميامين.. لقد ارتفعت في الاونة الاخيرة اصوات بعض المتسترين تجار الطائفية البغيضة، والعاملين على بث الفرقة بين المسلمين، والكيد لشريعة سيد المرسلين، وان الهيئة الادارية لجمعيتنا (جمعية التوجيه الديني) في النجف الاشرف وكافة منتسبيها اذ يستنكرون اشد الاستنكار لتلك الفرقة ويدعون المسلمين كافة الى جمع الكلمة، ووحدة الصف تباعاً لقوله تعالى ((وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) وقوله تعالى ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)).

سائلين الله العلي القدير النصر الحاسم، والفوز المبين على اعداء الدين، وان يوفقنا لما يحب ويرضى انه سميع مجيب.

 

                                     السيد ابراهيم السيد أحمد الفاضلي

                           رئيس جمعية التوجيه الديني في النجف الاشرف

                  مجلة العدل، الجزء الثالث عشر 1966م، النجف الاشرف

وثيقة رقم (30)

 

قيادة تحفظية ازاء السلطة

الشكل الثالث: ما بين هذين الشكلين للعلاقة مع السلطة كان هنالك شكل ثالث ربما يكون أقل مرارة منهما، الا انه اكثر تعبيراً عن حالة المحنة التي عاناها اقطاب المؤسسة التجديديين في ظل الواقع السائد الاول للمؤسسة والمرجعية العليا، فهذا الواقع تحول الى خناق على الاخرين الذين وعوا الازمة بكل جوانبها، وربما لديهم تصورات جوهرية للخروج من هذه الازمة، الا انهم كانوا حذرين متحفظين خائفين من نتائج أي مبادرة باتجاه تطبيق تصوراتهم، ولذلك اسمينا هذا الشكل من اشكال العلاقة او التعاطي مع السلطة بالشكل التحفظي - التخوفي الحذر، ويمكن ان تندرج اسماء بعض الرموز التجديدية الفقهية التي يلخص دورها التاريخ الحيوي للعمل الاسلامي كالعراق في اطار هذا الشكل من العلاقة، لا بل ان أهم رموز هذا العمل في العراق الحديث يمكن ان يشملهم هذا الشكل من التعاطي مع السلطة.. اذ رغم تجديد كل من محمد حسين كاشف الغطاء، وعبد الكريم الجزائري، ومحمد الحسني البغدادي، ومحمد باقر الصدر، ومحمد الخالصي، وعبد الكريم الزنجاني.. الا ان هؤلاء جميعا، واخرين غيرهم، لم يستطيعوا، ولم يجرؤا على الخروج على الشكل الاول لعلاقة الفقيه مع السلطة الذي اسميناه الشكل الخضوعي - الاصل - فهم لم يفتحوا هذا الملف بشكل علني، ولم يتحدثوا به كاشكالية امام الامة، ولم يطرحوا موضوعا للتفكير الحر خارج حيز اللغة الفقهية، ولم يبادروا مبادرات جزئية باتجاهه رغم انهم كانوا رواداً تأسيسيين لكل حصيلة العمل الاسلامي في العراق، رغم انهم يختصرون اسماءهم معظم مفاصل تراث هذا العمل في جانبه التأسيسي، رغم ذلك الا انه لم يجرؤا جميعا ان يفتحوا ملف هذا الموضوع علنا، بما يخرج العمل الاسلامي في العراق من دوامته، او ان يعطيه مرونة سياسية، وربما بما يخرج العراق كل العراق من محنته، ولا شك ان كلا من هؤلاء له ملفه الخاص في هذا الجانب بما يتضمنه هذا الملف من فهم ومعطيات ووقائع وظروف للمرحلة التي عاشها.. الا انهم يشتركون في المبدأ في هذا الشكل من العلاقة، ويقعون تحت سقف عنوانه، رغم ان بعضهم قد يتضمن ملفه اشكالاً اخرى للنظرة الى السلطة وخيارات التعامل معها، فعبد الكريم الجزائري يرفض عرض حقيبة وزارة المعارف عليه، ويرتضي دور التنسيق مع آية الله ابو الحسن الاصفهاني متى ما استدعت ظروف هذا الاخير دور الجزائري المؤثر على السلطة، وكاشف الغطاء يرفض اكثر من عرض، ومحمد باقر الصدر هو الاخر رفض عروض السلطة، وكذلك محمد الحسني البغدادي، ومحمد الخالصي، وليس الهدف ان ندخل هنا في طبيعة هذه العروض، او خطأ وصحة هذه المواقف..ما نريد ان نشير الى ان هذا الموقف الرافض ينطلق في اساسه، او على الاقل في احد ابعاده الاكثر اهمية من سلطة رموز (المرجعية العليا) التي رسمت شكلها التعاملي الخاص مع السلطة، وبات كل من يبادر او يقترح او يقتحم شكل اخر عرضة للتشهير والتسقيط.

رغم ان بعض اقطاب هذه المرجعية العليا يعطون لانفسهم الحق في الاتصال مع السلطة، او لقاء مع ملوكها ورؤسائها في بعض الاحيان، كما فعل السيد محسن الحكيم مع الحكم الملكي، وكما فعل غيره !!..

وربما ان هذا (التخوف) المفرط لدى رموز الاصلاح دفع ببعض ابنائهم الى الافراط في نفي بعض اللقاءات، او الزيارات التي حصلت لبعض رؤساء العراق اليهم، او التكتم والتستر عليها، وانما يثير الدهشة في هذا الاطار وفي سياق التحري عن دقة المعلومات يتطلبها هذا البحث رفض آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي بقوة في بداية الامر ان يستجيب لشرح كيفية لقاء جده آية الله محمد الحسني البغدادي مع عبد السلام عارف، وذلك بعد حوالي ما يقارب اربعة عقود على هذا اللقاء، الا انه بعد ذلك استجاب قائلاً:

((الاسباب التي دفعت باجتماع السيد البغدادي مع الرئيس عارف هي:

1 - الحكيم كان يؤكد ان المراجع والحوزة الدينية كانوا يأتمرون بأمره.

 الرئيس عارف قبل زيارته للنجف بعث وفداً الى السيد البغدادي برئاسة الدكتور محمد بديع شريف رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وكان بصحبته الشيخ عبد الوهاب الاعظمي الامين العام للمؤتمر الاسلامي المنعقد في بغداد العام،1965 والدكتور عبد الرزاق محي الدين ممثل القيادة السياسية الموحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، وكان الاجتماع بعد منتصف الليل (والرئيس عارف سيصل صباحا لزيارة النجف) وكان مفاد حديث ممثل الرئيس بان شاه ايران يتدخل في شؤون العراق ويطالب بحقوق الشيعة.. ويحرك من هنا (الشيخ) محسن الحكيم، ومن هناك ملا مصطفى البارزاني، والسيد الرئيس له رغبة بلقاء سماحتكم بوصفه يدعو الى الوحدة والاتحاد بين ابناء الشعب العراقي، وهذه الحملات ضده بانه يثير الطائفية بين الشيعة والسنة ليست صحيحة، لذا يرغب بلقاء سماحتكم من اجل تحقيق الوحدة الوطنية.

 والجدير بالذكر: ان السيد البغدادي اصدر بياناً يدين كل من يثير الطائفية في العراق، كان هذا البيان شديد اللهجة، ويفهم منه انه يستهدف الحكم العارفي، كما ان هذا البيان اذيع مع بيانات رجال الدين الموالين للحكم، الذين يؤيدون فيها علانية الرئيس عارف.. مع ان هذا البيان الذي اصدره البغدادي لم يذكر فيه شخص الرئيس عارف.. (وهناك وثيقة تثبت ذلك) الامر الذي دفع حفيده السيد أحمد الحسني البغدادي الى اصدار بيان ضد هذا التلاعب بالالفاظ واشراك اسم البغدادي مع بعض رجال الدين الموالين للسلطة. (هناك وثيقة تثبت ذلك).

وفي اثناء هذا الاجتماع مع السيد البغدادي، وممثل الرئيس عارف.. كان حديث السيد البغدادي وحدويا، وقال لهم ما معناه: نحن نريد ان ينشر اسم محمد (ص)، ونبتعد عن الخلافات التاريخية والمذهبية، ونكرس العناصر المشتركة بيننا وبين اخواننا أهل السنة، لأن العدو الكافر يريد الوقيعة بنا، ونحن بحاجة الى حكم وطني اسلامي ظاهري في هذا الزمان، وقد أكد ممثل الرئيس ان المشير الركن عبد السلام عارف مشترك معكم في هذا الهدف، لذا يريد اللقاء مع سماحتكم، لأن الحكيم يأتمر بأمر الشاه، ولا يريد الاستقرار لهذا البلد الامين، ولكن السيد البغدادي لم يعط لهم جوابا، ولم يبد رأيا بالاجتماع، وبعد خروج الوفد من الجلسة المغلقة.. بادر جهاز السيد البغدادي باقناع سماحته بالشكل الاتي:

أتتذكر يا سماحة السيد ان محمد حسن الصوري صاحب جريدة (الحضارة) نشر تحت عنوان بارز (الحمار الحكيم) وكان يقصد بها المرجع الحكيم وليس مذكرات قصة (كاريكاتورية)  لتوفيق الحكيم باسم: ((حمار الحكيم)) عندما كان قاضيا في مصر فأصبحت ضجة مفتعلة ضد قاسم، وضد الشيوعية بوصفهم يؤيدون الجمهورية العراقية الفتية، وعلى اساس ذلك تحركت جماعة العلماء، وبادروا بزيارتكم، وقالوا لقد أساء الصوري، ومن ورائه الشيوعيين لمقام المرجعية الدينية، ونرجو من سماحتكم الاضراب عن اداء صلاة الجماعة، وقد استجبت الى ذلك، ولكن فوجئنا بالسيد يوسف الحكيم (الابن) يصلي جماعة في مكان والده... وبيت القصيد ان الحكيم يتظاهر بعدم استعداده للقاء الرئيس عارف الا ان هذا الامر غير مؤكد، ويحتمل ان يجتمع مع عبد السلام، لأن سياسته قلقة، كما اجتمع مع الملك ونوري السعيد في مقام الامام علي (ع)، وانت رفضت الاجتماع في حينها مع الملك وحاشيته، وانت تعلم علم اليقين ان الحكيم يأتمر بأمر عملاء الشاه في النجف، وانت العدو اللدود للشاه.

بعد هذا الحوار اقتنع السيد البغدادي بزيارة السيد الرئيس له، وبعد حصول اللقاء تلخص حديث السيد مع الرئيس بعدم اثارة الطائفية، واعطاء تكافؤ الفرص لكافة شرائح المجتمع العراقي، وتطبيق احكام الاسلام، وكان الرئيس متجاوبا الى ابعد الحدود مع هذه التوصيات.

لنا عودة في اطار هذه الفقرة الى اشكالية عبد السلام عارف، الا انه في هذا الاطار شعرت وكأن أحمد الحسني البغدادي يحاول الهروب من الاعتراف بحصول اللقاء بين جده، وبين عبد السلام عارف.

كما ان نصه المتقدم يحاول أن يسهب في شرح الاسباب التي دفعت جده الى لقاء عارف، وكأن اللقاء بحد ذاته دون تقديم الاسباب (جريمة).

هذا نموذج يوضح الى حد بعيد هذا الشكل التخوفي - التحفظي، الحذر من العلاقة مع السلطة، لماذا؟ (خوفاً) من (المرجعية العليا) كما يوضح جواب البغدادي ضمناً، وخوفاً من التهم التي يمكن ان تطلقها حواشيها، مع ان الامام البغدادي الكبير وغيره يدركون علاقة الحكيم مع شاه ايران من جهة، وعلاقته بالحكم الملكي من جهة اخرى، واستقباله لعبد الكريم قاسم، ومع ان الواجب في هذه الحالة ان يقدم البغدادي على استقواء داخلي مضاد، وهو استقواء مشروع بسلطة عراقية عندما تكون القضية على هذه الدرجة من الخطورة على المؤسسة الدينية، وعلى شيعة العراق، وعلى المسلمين جميعا ً.

اذن لماذا في ظل هكذا واقع ان يصبح الارتباط بنظام خارجي أمراً طبيعياً ولا يشكل (تهمة)؟!.. في حين ان اللقاء بحاكم البلد سيتحول فوراً الى تهمة يتهرب منها أولاده وأحفاده  حتى بعد ما يقارب الـ (40) عاما على هذا اللقاء !!..

انها معادلة مقلوبة تماماً سارت عليها معادلة الفقيه مع السلطة في العراق.. معادلة ضاعت في ظلها فرص كبيرة لتصحيح واقع العمل الاسلامي ومسيرته.

كما انها معادلة لم تدرس بما فيه الكفاية من قبل آية الله السيد البغدادي وغيره من الرموز الذين أبعدوا في ميدان الفقه، وساحات الجهاد، الا انهم لم يقتحموا هذا الواقع السياسي بشجاعة.. اما (خوفاً) من التهم والتشهير، واما (حرصاً) على (وحدة) المؤسسة الدينية الوهمية، واما تأثراً بثقافة فقه المقاطعة الشيعي الموروث، واما شعوراً بالعجز عن مواجهة الخط الاخر في المؤسسة ادراكاً لقوته.

                                      عراق بلا قيادة، عادل رؤوف

                               ص: 180، وما بعدها ط: الثانية، 1424هـ

 

   الجزء الثاني >>

 الجزء الاول >>


 

([1]) حول هذه الحادثة راجع كتابنا (محمد محمد صادق الصدر، مرجعية الميدان، مشروعه التغيري ووقائع الاغتبال)، مصدر سابق.

([2]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (16).

([3]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (17).

([4]) انظر صورة الملحق نفسه.

([5]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (18).

([6]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (19).

([7]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (20).

([8]) انظر نص وصورة الصحيفة والمجلة في الملاحق، ملحق رقم (21).

([9]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (22).

([10]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (23).

([11]) انظر نص وصورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (24).

([12]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (25).

([13]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (26).

([14]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (27).

([15]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (28).

([16]) انظر نص وصورة صحيفة الرأي التي جاء فيها موضوع بعنوان «ماذا تضمنت وصية السيد بحر العلوم» في الملاحق، ملحق رقم (29).

([17]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (30).

([18]) انظر صورة الصحيفة في الملاحق، ملحق رقم (31).

([19]) انظر نص وصورة مقال نشرته مجلة «الف باء» بتاريخ 11/ تشرين الاول/1995م حول موقف بعض الرموز العمائمية النجفية من نظام صدام حسين في الملاحق، ملحق رقم (32).

([20]) يمكن العودة الى تاريخ الترجمات «الشيعية» للاطلاع على علاقة «الفقيه» بالسلطان، ويمكن الوقوف على العلامة الحلي كنموذج تعايشي مع السلطان المغولي في كتاب (روضات الجنات في احوال العلماء والسادات)، تأليف العلامة محمد باقر الموسوي الخونساري الاصبهاني، الدار الاسلامية، بيروت ـ لبنان، ط 1، 1991م حيث جاء فيه: «ومن سوانح سنة سبع وسبع مئة اظهار خدا بنده شعار التشيع باضلال ابن المطهر، وانت خبير بأن مثل هذا الكلام المنطوق صدر من أي قلب محروق والحمد لله. ثم ان العلامة ـ اعلى الله مقامه ـ اخذ من بعد ذلك بمعونة هذا السلطان المستبصر الرؤوف في تشييد اساس الحق، وترويج المذهب على حسب ما يشتهيه، ويريد، وكتب باسم السلطان الموصوف كتابه المسمى بـ (منهاج الكرامة) في الامامة وكتاب (اليقين) المتقدم، ومسائل شتى وغيرهما، وبلغ ايضا من المنزلة والقرب لديه بما لا مزيد عليه، وفاق في ذلك على سائر علماء حضرة السلطان المذكور مثل القاضي ناصر الدين البيضاوي، والقاضي عضد الدين الايجبي، ومحمد بن محمود الآملي صاحب كتاب (نفائس الفنون) و(شرح المختصر) وغيره، والشيخ نظام الدين عبد الملك المراغي من افاضل الشافعية، والمولى بدر الدين الشوشتري، والمولى عز الدين الايجبي، والسيد برهان الدين العبري، وغيرهم. وكان ـ رحمه الله ـ في القرب والمنزلة عند السلطان المذكور بحيث كان لا يرضى بعد ذلك ان يفارقه في حضر ولا سفر بل نقل انه امر لجنابه المقدس، وطلاب مجلسه الاقدس بترتيب مدرسة سيارة ذات حجرات ومدارس من الخيام الكرباسية وكانت تحمل مع الموكب الميمون اينما يصير، وتضرب بأمره الانفذ الاعلى في كل منزل ومصير. ونقل انه وجد في أواخر بعض الكتب وقوع الفراغ منه في المدرسة السيارة السلطانية في كرمانشاهان، ومثل ذلك غير بعيد عن السلطان المعظم اليه المذكور مع ما هو المشهور انه ـ رحمه الله ـ كان يعتني بالعلماء والصلحاء كثيرا، ويحبهم حبا شديدا، وانه قد حصل للعلم والفضل في زمان دولته العالية رونق تام ورواج كثير، ومن العجيب ان وفاته ـ رحمه الله ـ اتفقت في سنة وفاة السلطان المذكور كما في (الرياض) وغيره».

([21]) عمار البغدادي، (لمحات من حياة الامام السيستاني، فقيه عصر ورجل سياسة)، ص 39 ـ 42، قمر العشيرة للطباعة والنشر.

 

   الجزء الثاني >>

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 
 

 

لا

للأحتلال