سلطت وثيقة سرية كشف النقاب عنها الاثنين عن الاكاذيب
المتصاعدة والمستمرة التي نهجها رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير
لتبرير احتلال العراق.
وكشفت الوثيقة عن وضع الحكومة البريطانية السابقة خطة سرية
للإطاحة بصدام حسين قبل عامين من غزو العراق.
وذكرت صحيفة صحيفة "الاندبندانت" في عددها الصادر الإثنين
بتقرير كتبه مراسل الشؤون السياسية مايكل سافاج إن مسؤولين في حكومة بلير"وضعوا
مسودة عقد مع الشعب العراقي كطريقة للإشارة إلى المنشقين في العراق أن الإطاحة
بصدام حسين ستكون مدعومة من بريطانيا، تعهدت بتقديم مساعدات وعقود نفطية وإلغاء
ديون العراق وصفقات تجارية بعد الاطاحة به، واعتبرها فريق بلير وسيلة لتغيير
النظام في العراق حتى قبل وقوع هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات
المتحدة".
وقال إد ديفي المتحدث بإسم الشؤون الخارجية لحزب الديمقراطيين
الأحرار البريطاني المعارض "هذه الوثيقة تشكك بشهادة بلير أمام لجنة التحقيق،
وكان ينبغي أن تُعلن على الملأ خلال جلسة الاستماع إلى رئيس الوزراء السابق يوم
الجمعة.. لأنها تبيّن أن نية بلير كانت دائماً تغيير النظام في العراق وفي
مرحلة مبكرة سبقت هجمات 11/9، لكن ومرة أخرى، يبدو أن الوثائق الحاسمة لا يتم
رفع السرية عنها، مما يعيق استجواب بلير وغيره".
واضافت الصحيفة أن الوثيقة السرية حملت عنوان "عيون المملكة
المتحدة/الولايات المتحدة" ووُضعت صيغتها النهائية في 11 حزيران/يونيو 2001
وصادق عليها وزراء حكومة بلير، ولم تُنشر من قبل لجنة التحقيق بشأن حرب العراق،
لكنها حصلت على نسخة منها للمرة الأولى.
ونسبت "إلاندبندانت" إلى الوثيقة القول "نريد أن نعمل مع عراق
يحترم حقوق شعبه ويعيش بسلام مع جيرانه ويلتزم بالقانون الدولي، فشعب العراق
لديه الحق في العيش في مجتمع قائم على سيادة القانون وخالٍ من القمع والتعذيب
والاعتقال التعسفي ويتمتع باحترام حقوق الإنسان والحرية الاقتصادية والرخاء،
لأن سجل نظام صدام حسين مغاير لذلك تماماً".
واضافت الوثيقة "أولئك الراغبون في دعم التغيير في العراق
يستحقون منا كل الدعم ونتطلع إلى اليوم الذي يعود فيه العراق إلى المجتمع
الدولي، ويتعين عرض اعادة جدولة الديون على النظام الجديد من خلال نادي باريس،
ومنحه مساعدات من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومساعدات واتفاقات
تجارية من الاتحاد الأوروبي، ودعوة الشركات الغربية للإستثمار في حقول النفط في
العراق، وتقديم برنامج لاعادة التدريب إلى المهنيين العراقيين".
واشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين في حكومة بلير خططوا لإصدار
الوثيقة بالتزامن مع تشديد العقوبات ضد نظام صدام حسين، والذي جرى التفاوض
بشأنه في العام 2001، والسعي لاتخاذ المزيد من التدابير الفعّالة لاسقاطه عند
الفشل في التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.
وكان بلير ابلغ لجنة التحقيق بشأن حرب العراق حين مثل أمامها
الأسبوع الماضي لتقديم شهادته أن الإهتمام بإزالة صدام حسين لم تتجسد إلا بعد
وقوع هجمات 11/9 في الولايات المتحدة، وأنه غير نادم على اشراك بريطانيا في
الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وكان استطلاع جديد للرأي اجرته مؤسسة (ببيكس) لصحيفة "ميل أون
صندي" قد آظهر أن ثمانية من بين كل عشرة بريطانيين يعتقدون أن رئيس وزراء
بلادهم السابق توني بلير كذب لدى تقديم شهادته أمام لجنة التحقيق حول حرب
العراق.
وقال الاستطلاع إن البريطانيين يشعرون بأن بلير عقد اتفاق دم
مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لغزو العراق كي يترك انطباعاً قوياً لديه،
وليس لأنه يعتقد أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يمتلك أسلحة الدمار
الشامل.
ووجد أن 80% من البريطانيين أكدوا أنهم لم يصدقوا بلير حين
ابلغ لجنة التحقيق أن حكومته لم تكن مذنبة بالكذب أو الخداع خلال مرحلة
الاستعداد لحرب العراق، فيما أيّد ثلاثة من بين كل خمسة منهم محاكمته بتهمة
ارتكاب جرائم حرب.
وتاتي نتائج الاستطلاع فيما نشرت صحيفة الغارديان على صفحتها
الاولى اربع صور لبلير، اختيرت بعناية من بداية التحقيق ووسطه ونهايته واضعة
الساعات التي التقطت فيها مع مقولات من شهادته لحظتها، محاولة التركيز على لغة
لغة الجسد او التعبيرات المختلفة ليديه في الصور الاربعة.
وترى الكاتبة جاكي اشلي ان "لغة الجسد لخصت كل شيء"، مشيرة
الى ان احدى القنوات التلفزيونية ركزت كثيرا على حركات يديه اثناء تقديمها
لوقائع شهادته.
واشارت الى انه كان متوترا بشكل واضح بل ومرتجفا في البداية
بعيدا عن صورته وجاذبيته القديمة عندما كان رئيسا للوزراء، لكنه استعاد شخصيته
القديمة بعد الظهر وباتت اجاباته اطول واخذ رأسه في الارتفاع، وبدا مسيطرا على
الحالة.
وترى ان السبب ببساطة هو ان اعضاء لجنة التحقيق قد فشلوا في
تثبيته عند القضية الجوهرية لتحقيقهم، وهي لماذا قاد البلاد الى الحرب عندما
كانت نصيحة المدعي العام فاترة "غير متحمسة" على الاقل بصدد شرعية مثل هذا
الفعل.
وكتب روبرت فيسك في صحيفة "الاندبندنت" مقالا تحليلا بدا
محملا بشحنة عاطفية ولغة غاضبة انطلقت من مقارنة بين ما يراه في تجربته الشخصية
في تغطية الحرب من مشاهد مؤلمة لضحايا الحرب والانفجارات ومايصفه بالمشهد
"المعقم" المبالغ في نظافته الذي بدا فيه شخص بلير في شهادته "والذي يصفه
باللورد بلير"، في وصفه لملابس بلير البالغة النظافة ومضيفا اليها ضميره ايضا
على سبيل المفارقة.
ويصف فيسك هذا التباين ببلاغة حادة : انه "الاختلاف بين جحيم
الالم وجحيم الكذاب السعيد".
وقال "ينبغي ان نكون في الشرق الاوسط لنشعر بذلك بقوة.
فاللورد بلير كان جسديا على مبعدة 2000 ميل عني، ولكن سايكولوجيا، كان في مجرة
اخرى، مواصلا تأليف واعادة تأليف سجل التاريخ".
وذكر استطلاع مؤسسة (ببيكس) أن 75% من البريطانيين لم يصدقوا
مزاعم بلير بأن صدام حسين كان قادراً على شن هجوم بأسلحة الدمار الشامل بعد 45
دقيقة من اصداره أوامر بهذا الشأن، واعتبروا أنه أراد من وراء ذلك تبرير
الترويج لخيار العمل العسكري.
ولاحظ أن البلاد بأسرها تقاسمت وجهة نظر مشتركة حيال بلير رغم
أدائه المصقول أمام لجنة التحقيق، حيث أكد 74% من البريطانيين أنهم لا يصدقون
مزاعم بلير أمام اللجنة بأنه كان سيوقف عملية الاعداد لغزو العراق لو أنه حصل
على نصيحة بأن الغزو غير مشروع، فيما رفض 78% منهم اصراره على أن القوات
البريطانية كانت مجهزة على نحو مناسب للمشاركة في الحرب.
ولاحظ الاستطلاع أن الحكم الأكثر عداءً على بلير جاء من
النساء واللاتي نجح في استمالتهن لمساعدته في تحقيق الفوز بشكل ساحق في
الانتخابات العامة التي جرت عام 1997، وأنكرت 83% منهن مزاعمه بشأن تجهيز
القوات البريطانية، بالمقارنة مع 73% من الرجال.
ووجد المسح أيضاً أن 70% من البريطانيين يعتقدون أن غزو
العراق غير مشروع ويشعر 28% منهم بقوة أن هناك قضية تستوجب محاكمة بلير بتهم
ارتكاب جرائم حرب، مشيراً إلى أن 40% من البريطانيين يرون أن بلير قرر المشاركة
في غزو العراق لتكوين انطباع جيد عنه لدى الولايات المتحدة ورئيسها بوش وقتها.
وقال الاستطلاع إن 58% من البريطانيين اتفقوا مع الاقتراح بأن
بلير أُجبر على التهويل من خطر أسلحة الدمار الشامل لدى النظام العراقي السابق
لكسب تأييد الجمهور حيال الغزو، في حين رفض 61% منهم المزاعم بأن الحرب ستساهم
في حماية البريطانيين من الارهابيين واعربوا عن اعتقادهم بأنها ساهمت في زيادة
خطر الارهاب.
واضاف أن الامتعاض الشعبي من بلير امتد ليشمل نشاطاته
التجارية المربحة منذ ترك منصبه في حزيران/يونيو 2007 والتي تردد بأنها درّت
عليه أكثر من 10 ملايين جنيه استرليني، واعتبر 43% من البريطانيين أن من غير
المقبول على رئيس وزرائهم السابق أن يكسب هذه الأموال من وراء إلقاء المحاضرات.
واشار الاستطلاع إلى أن 87% من البريطانيين اكدوا بأن غزو
العراق سيجعل الكثير منهم أقل اقداماً على التصويت لخلفه غوردون براون في
الانتخابات العامة المقبلة
.