6 -مسألة
انتصار الاشتراكية في بلد
واحد
تضمن كتاب "أسس اللينينية"
(أيار سنة 1924، الطبعة
الأولى) صيغتان فيما يخص
مسألة انتصار الاشتراكية في
بلاد واحدة. تنص الصيغة
الأولى:
"فيما مضى كانوا يعتبرون أن
انتصار الثورة في بلاد واحدة
أمر غير ممكن، حاسبين، أنه لا
بد، للانتصار على البرجوازية،
من أن يعمل معاً بروليتاريو
جميع البلدان المتقدمة أو،
على كل حال، معظم هذه
البلدان. ووجهة النظر هذه قد
غدت، في الوقت الحاضر، لا
تتفق مع الواقع. في الوقت
الحاضر ينبغي الانطلاق من
إمكانية هذا الانتصار، لأن
تطور مختلف البلدان
الرأسمالية بصورة غير متساوية
وبقفزات في ظروف الاستعمار؛
تطور التناقضات المهلكة في
داخل الاستعمار، التناقضات
التي تفضي إلى حروب لا مفر
منها؛ ونمو الحركة الثورية في
جميع بلدان العالم، كل هذا لا
يؤدي فقط إلى إمكانية انتصار
البروليتاريا في البلدان
بمفردها، بل أيضاً إلى ضرورة
انتصارها" (أسس اللينينية).
إن هذه الصيغة صحيحة كل الصحة
وهي لا تحتاج إلى تعليقات.
إنها موجهة ضد نظرية
الاشتراكيين الديمقراطيين
الذين يعتبرون من الخيار
استيلاء البروليتاريا على
السلطة في بلاد واحدة، دون
ثورة ظافرة تجري بوقت واحد في
بلدان أخرى .
ولكن كتاب "أسس اللينينية"
يحوي صيغة أخرى. فقد جاء فيه:
"ولكن إسقاط سلطة البرجوازية
وإقامة سلطة البروليتاريا في
بلاد واحدة لا يعني بعد ضمان
انتصار الاشتراكية انتصاراً
كاملاً. إن مهمة الاشتراكية
الرئيسية – تنظيم الإنتاج
الاشتراكي – لا تزال قضية
مستقبل. فهل يمكن حل هذه
القضية، هل يمكن الوصول إلى
انتصار الاشتراكية انتصاراً
نهائياً في بلاد واحدة بدون
جهود مشتركة يبذلها
بروليتاريو عدة بلدان متقدمة؟
لا، لا يمكن ذلك. فلإسقاط
البرجوازية تكفي جهود بلاد
واحدة – وهذا ما يقوله لنا
تاريخ ثورتنا. وأما لانتصار
الاشتراكية انتصاراً نهائياً،
لتنظيم الإنتاج الاشتراكي،
فلا تكفي جهود بلاد واحدة،
ولا سيما بلاد فلاحين كروسيا
– لذلك لا بد من جهود
بروليتاريي عدة بلدان متقدمة"
"أسس اللينينية". (الطبقة
الأولى).
إن هذه الصيغة الثانية قد
كانت موجهة ضد مزاعم نقاد
اللينينية، ضد التروتسكيين،
الذين كانوا يعلنون أن
دكتاتورية البروليتاريا في
بلاد واحدة، مع عدم وجود
الانتصار في البلدان الأخرى،
لا تستطيع "الصمود ضد أوروبا
المحافظة".
بهذا المقدار – وبهذا المقدار
فقط – كانت هذه الصيغة كافية
آنذاك (أيار سنة 1924) وقدمت،
دون ريب، فائدة بينة.
ولكن فيما بعد، حين تمت
الغلبة في الحزب على انتقاد
اللينينية في هذا الحقل وحين
طرحت على بساط البحث مسألة
أخرى، مسألة إمكانية بناء
مجتمع اشتراكي كامل بقوى
بلادنا وبدون مساعدة من
الخارج، ظهرت الصيغة الثانية
غير كافية بصورة جلية،
وبالتالي غير صحيحة.
بمَ يتلخص نقص هذه الصيغة؟
يتلخص نقصها في كونها تربط في
مسألة واحدة مسألتين مختلفتين
هما مسألة أمكانية بناء
الاشتراكية بقوى بلاد واحدة،
وهو ما ينبغي أن يجاب عليه
بالإيجاب، ومسألة ما إذا كانت
بلاد دكتاتورية البروليتاريا
تستطيع أن تعتبر نفسها مضمونة
بصورة تامة ضد التدخل، وعليه،
ضد أعادة الأوضاع القديمة،
بدون ثورة ظافرة في مجموعة من
البلدان الأخرى، وهو ما ينبغي
أن يجاب عليه بالنفي. هذا
فضلاً عن أن بوسع هذه الصيغة
أن تحمل على الظن بأن تنظيم
المجتمع الاشتراكي بقوى بلاد
واحدة أمر لا يمكن، وهو غير
صحيح طبعاً.
على هذا الأساس عدلت، أصلحت
هذه الصيغة في كراسي: "ثورة
أكتوبر وتكتيك الشيوعيين
الروسي" (كانون الأول، سنة
1924). مقسماً هذه المسألة
إلى مسألتين، إلى مسألة
الضمانة التامة ضد أعادة
الأوضاع البرجوازية ومسألة
أمكانية بناء مجتمع اشتراكي
كامل في بلاد واحدة. وقد
توصلت إلى ذلك، أولاً، من
زاوية النظر إلى "انتصار
الاشتراكية التام" أصبح
باعتباره "ضمانة تامة ضد
أعادة الأوضاع القديمة"، وهي
ضمانة غير ممكنة إلا "بجهود
مشتركة يبذلها بروليتاريو عدة
بلدان" و"ثانياً، عن طريق
المناداة، على أساس كراس
لينين "حول جمعيات تعاون"،
بتلك الحقيقة التي لا تقبل
الجدل، وهي أن لدينا كل ما
يلزم لبناء مجتمع اشتراكي
كامل "ثورة أكتوبر وتكتيك
الشيوعيين الروس" ).
إن هذه الصيغة الجديدة
للمسألة قد غدت أساساً للقرار
المعروف "بصدد مهمات الأممية
الشيوعية والحزب الشيوعي
(البلشفي) الروسي" المتخذ في
الإجتماع الحزب الرابع عشر
والذي يبحث مسألة انتصار
الاشتراكية في بلاد واحدة من
زاوية ارتباطها مع استقرار
الرأسمالية (نيسان سنة 1925)
ويعتبر بناء الاشتراكية بقوى
بلادنا أمراً ممكناً
وضرورياً.
وقد غدت كذلك أساساً لكراسي
"حول نتائج أعمال الإجتماع
الرابع عشر للحزب الشيوعي
(البولشفي) الروسي" الذي صدر
مباشرة إثر الاجتماع الحزبي
الرابع عشر، في أيار سنة
1925.
وقد قيل في هذا الكراس فيما
يخص مسألة انتصار الاشتراكية
في بلاد واحدة:
"إن بلادنا تمثل مجموعتين من
التناقضات. المجموعة الأولى
من التناقضات هي التناقضات
الداخلية القائمة بين
البروليتاريا والفلاحين (يدور
الحديث هنا عن بناء
الاشتراكية في بلاد واحدة. ج.
ستالين). والمجموعة الثانية
من التناقضات هي التناقضات
الخارجية الموجودة بين
بلادنا، بوصفها بلاد
الاشتراكية، وجميع البلدان
الأخرى، بوصفها بلدان
الرأسمالية (يدور الحديث هنا
عن انتصار الاشتراكية
النهائي. ج. ستالين)"... "ومن
يخلط المجموعة الأولى من
التناقضات، التي يمكن التغلب
عليها بصورة تامة بجهود بلاد
واحدة، بالمجموعة الثانية من
التناقضات التي يتطلب حلها
جهود بروليتاريي عدة بلدان
فإنه يقترف أفحش غلطة ضد
اللينينية. وهو أما مشوش وإما
انتهازي لا يمكن إصلاحه" (حول
نتائج أعمال الاجتماع الرابع
عشر للحزب الشيوعي (البولشفي)
الروسي".
وقيل في الكراس بصدد انتصار
الاشتراكية في بلادنا:
"نحن نستطيع أن نبني
الاشتراكية بناءً ناجزاً
وسنبنيها مع الفلاحين تحت
قيادة الطبقة العاملة"...
لأنه "في ظل دكتاتورية
البروليتاريا لدينا.. كل
المؤهلات الضرورية لبناء
مجتمع اشتراكي كامل متغلبين
على جميع الصعوبات الداخلية
بأنواعها، لأن بوسعنا ومن
واجبنا التغلب عليها بقوانا
الخاصة". (نفس المصدر).
أما بصدد انتصار الاشتراكية
النهائي فقد قيل في الكراس:
"إن انتصار الاشتراكية
النهائي هو الضمانة التامة ضد
محاولات التدخل، وعليه ضد
أعادة الأوضاع القديمة، لأن
أية محاولة، جدية ولو لحد ما،
لإعادة الأوضاع القديمة لا
يمكن أن تحدث إلا بتأييد جدي
من الخارج، إلا بتأييد رأس
المال العالمي. ولذا فتأييد
عمال جميع البلدان لثورتنا،
وبالأحرى، انتصار هؤلاء
العمال ولو في عدة بلدان هو
شرط ضروري لضمان البلاد
الظافرة الأولى ضمانة تامة ضد
محاولات التدخل وإعادة
الأوضاع القديمة، هو شرط
ضروري لانتصار الاشتراكية
انتصاراً نهائياً". (نفس
المصدر).
أعتقد أنه واضح.
ومن المعروف أن هذه المسألة
قد بحثت بالروح ذاتها في
كراسي "أسئلة وأجوبة" (حزيران
سنة 1925) وفي تقرير اللجنة
المركزية السياسي للمؤتمر
الرابع عشر للحزب الشيوعي
(البولشفي) في الاتحاد
السوفييتي (كانون الأول سنة
1925).
هذه هي الوقائع.
واحسب أن جميع الرفاق يعرفون
هذه الوقائع بمن فيهم
زينوفييف.
وإذا كان زينوفييف يعتبر
الآن، بعد مرور زهاء سنتين
على الصراع الإيديولوجي في
الحزب وبعد القرار المتخذ في
الاجتماع الحزبي الرابع عشر
(نيسان سنة 1925)، أن بوسعه،
في كلمته الختامية في المؤتمر
الحزبي الرابع عشر (كانون
الأول سنة 1925)، أن يأخذ من
كراس ستالين صيغة قديمة غير
كافية أبداً، كتبت في نيسان
سنة 1924، ليجعل منها أساساً
لحل مسألة قد حلت هي مسألة
انتصار الاشتراكية في بلاد
واحدة – فإن سلوك زينوفييف
الغريب هذا ينبىء فقط بأنه قد
ضلَّ نهائياً في هذه المسألة.
إن جر الحزب إلى الوراء بعد
أن خطا إلى الأمام وتجنب قرار
الاجتماع الحزب الرابع عشر
بعد أن صادقت عليه اللجنة
المركزية في جمعيتها
العامة(45) ، يعني الوقوع
بيأس في التناقضات وعدم
الإيمان بقضية بناء
الاشتراكية والخروج عن طريق
لينين والاعتراف بالهزيمة.
ما هي إمكانية انتصار
الاشتراكية في بلاد واحدة؟
إنها إمكانية حل التناقضات
بين البروليتاريا والفلاحين
بقوى بلادنا الداخلية،
إمكانية استيلاء البروليتاريا
على السلطة والاستفادة من هذه
السلطة لبناء مجتمع اشتراكي
كامل في بلادنا مع عطف وتأييد
بروليتاريي البلدان الأخرى،
ولكن بدون انتصار الثورة
البروليتارية مقدماً في
البلدان الأخرى.
وبدون إمكانية كهذه يكون بناء
الاشتراكية بناءً لا يحدوه
الأمل ولا اليقين ببنائها
بصورة ناجزة. لا يمكن بناء
الاشتراكية بدون يقين
بإمكانية بنائها ناجزة، بدون
يقين بأن تأخر بلادنا من
الناحية التكتيكية ليس بعقبة
لا يمكن التغلب عليها في طرق
بناء مجتمع اشتراكي كامل.
وإنكار هذه الإمكانية هو عدم
الإيمان بقضية بناء
الاشتراكية، هو إعراض عن
اللينينية.
وما هي استحالة انتصار
الاشتراكية انتصاراً تاماً
ونهائياً في بلاد واحدة بدون
انتصار الثورة في بلدان أخرى؟
إنها استحالة وجود ضمانة تامة
ضد التدخل، وعليه، ضد إعادة
الأوضاع البرجوازية، بدون
انتصار الثورة في عدد من
البلدان على الأقل. وإنكار
هذا المبدأ الذي لا جدال فيه
هو أعراض عن الأممية، أعراض
عن اللينينية.
يقول لينين:
"نحن لا نعيش في دولة وحسب،
بل في نظام دول، ووجود
الجمهورية السوفياتية إلى
جانب الدول الاستعمارية خلال
مدة طويلة أمر لا يمكن تصوره.
ففي نهاية الأمر تنتصر إما
هذه وإما تلك. ولكن قبل
الوصول إلى هذه الخاتمة لا
مفر من سلسلة من أفظع
الإصطدامات بين الجمهورية
السوفياتية والدول
البرجوازية. ومعنى ذلك أنه
يتوجب على الطبقة السائدة،
البروليتاريا، إذا كانت تريد
السيادة وإذا كانت ستسود، أن
تبرهن على ذلك بتنظيمها
العسكري أيضاً". (المجلد 24،
ص 122).
يقول لينين في مكان آخر:
"نحن نواجه توازناً ما
متقلباً لأقصى حد، ولكنه على
كل حال لا يقبل الريب ولا
الجدال، لا أدري ما إذا كان
لزمن طويل وأظن أن من غير
الممكن معرفة ذلك. ولهذا
السبب يجب علينا أن نكون في
منتهى الحذر. فأولى الدلائل
التي أعطتها سياستنا، والعبرة
الأولى من نشاطنا الحكومي
خلال سنة، العبرة التي يجب أن
يستوعبها جميع العمال
والفلاحين هي أن يكونوا دوماً
على أهبة الاستعداد، أن
يتذكروا أننا محاطون بأناس،
بطبقات، بحكومات تعبر على
المكشوف عن أشد الحقد علينا.
يجب أن نتذكر أننا دوماً على
قيد شعرة من الغزو". (المجلد
27، ص 117).
أعتقد أنه واضح.
وكيف يتصور زينوفييف مسألة
انتصار الاشتراكية في بلاد
واحدة؟
أسمعوا:
"من انتصار الاشتراكية
النهائي على المرء أن يفهم
على الأقل:
1) القضاء على الطبقات،
وعليه،
2) إلغاء دكتاتورية الطبقة
الواحدة، وفي هذه الحالة،
دكتاتورية البروليتاريا"...
ويستطرد زينوفييف قائلاً:
"ولكيما نتبين بصورة أدق كيف
طرحت المسألة عندنا – في
الاتحاد السوفياتي – في سنة
1925، يجب التمييز بين أمرين:
1) ضمان إمكانية بناء
الاشتراكية – وإمكانية كهذه
لبناء الاشتراكية يمكن،
طبعاً، تصورها تماماً في نطاق
بلاد واحدة،
2) بناء الاشتراكية النهائي
وتوطيدها، أي تحقيق النظام
الاشتراكي ، المجتمع
الاشتراكي".
وما يعني كل ذلك؟
ذلك يعني أن زينوفييف لا يفهم
من انتصار الاشتراكية النهائي
في بلاد واحدة الضمانة ضد
التدخل وإعادة الأوضاع
البرجوازية القديمة، بل
إمكانية بناء المجتمع
الاشتراكي ناجزاً. ويفهم
زينوفييف من انتصار
الاشتراكية في بلاد واحدة على
انه بناء اشتراكي ليس بمقداره
ولا يجب عليه أن يؤدي إلى
بناء الاشتراكية الناجز. بناء
في أيدي القدر، بدون آفاق،
بناء للاشتراكية بدون إمكانية
بناء المجتمع الاشتراكي
ناجزاً. هذا هو موقف
زينوفييف. إن تبنى الاشتراكية
بدون إمكانية إنجازها، أن
تبني وأنت تعلم أنك لن تنجز
البناء – إلى هذا الحد بلغ
زينوفييف من عدم الترابط.
ولكن ليس حلاً للمسألة، بل
هزءاً بها.
وهاكم فقرة أخرى من كلمة
زينوفييف الختامية في مؤتمر
الحزب الرابع عشر:
"انظروا، مثلاً، إلى أي درك
تردى الرفيق ياكوفيلف في
الإجتماع الأخير للحزب
الشيوعي في مقاطعة كورسك. فهو
يسأل: "هل يمكننا في بلاد
واحدة، ونحن مطوقون من جميع
الجهات بأعداء رأسماليين، هل
يمكننا، في هذه الظروف، أن
نبني الاشتراكية ناجزة في
بلاد واحدة؟" ويجيب: "على
أساس كل ما قيل يحق لنا أن
نقول أننا لا نبني الاشتراكية
وحسب، بل وسنبني هذه
الاشتراكية ناجزة مع أننا لا
نزال وحدنا حتى الآن، مع أننا
لا نزال البلاد السوفياتية،
الدولة السوفياتية الوحيدة في
العالم". ("كورسكايا برافدا"
العدد 279، الثامن من كانون
الأول سنة 1925).
ويسأل زينوفييف: "وهل هذه
طريقة لينينية لطرح المسألة؟
أفلا تفوح منها رائحة ضيق
الأفق الوطني؟"
على هذه الصورة يُستنتج، حسب
رأي زينوفييف، أن الاعتراف
بإمكانية بناء الاشتراكية
ناجزة في بلاد واحدة يعني
الأخذ بوجهة نظر ضيق الأفق
الوطني وأن إنكار هذه
الإمكانية يعني الأخذ بوجهة
نظر الأممية.
ولكن إذا كان هذا صحيحاً فهل
من معنى، بوجه عام، للنضال في
سبيل الأنصار على العناصر
الرأسمالية في اقتصادنا. ألا
يستنتج من ذلك أن مثل هذا
الأنتصار أمر مستحيل؟
الاستسلام أمام العناصر
الرأسمالية في اقتصادنا، -
هذا ما يؤدي إليه كنه منطق
حجج زينوفييف.
ويقدم لنا زينوفييف عدم
الترابط هذا، الذي لا يجمعه
جامع باللينينية، على أن
"الأممية، على أنه اللينينية
مئة في المئة"!
إني أجزم بأن زينوفييف يعرض
عن اللينينية في مسألة عامة
للغاية هي مسألة بناء
الاشتراكية، منزلقاً إلى وجهة
نظر المنشفي سوخانوف.
فلنتوجه إلى لينين. وهاكم ما
قاله قبل ثورة أكتوبر، في أب
سنة 1915، عن انتصار
الاشتراكية في بلاد واحدة:
"تفاوت التطور الاقتصادي
والسياسي هو قانون الرأسمالية
المطلق. ومن هنا يُستنتج أن
انتصار الاشتراكية أمر ممكن
باديء ذي بدء في عدد قليل من
البلدان الرأسمالية أو حتى في
بلاد رأسمالية واحدة مأخوذة
على حدة. والبروليتاريا
الظافرة في هذه البلاد، بعد
أن تنزع ملكية الرأسماليين
وتنظم الإنتاج الاشتراكي في
بلادها تهب ضد بقية العالم
الرأسمالي، جاذبة إليها
الطبقات المظلومة في البلدان
الأخرى حاثة أياها للانتفاض
على الرأسماليين، وتمارس عند
الضرورة، حتى القوة العسكرية
ضد الطبقات المستثمرة
ودولها". (المجلد 18، ص 232 –
233).
ماذا تعني عبارة لينين المشار
إليها: "تنظيم الإنتاج
الاشتراكي في بلادها"؟ إنها
تعني أن البروليتاريا البلاد
الظافرة تستطيع ويجب عليها أن
تنظم في بلادها الإنتاج
الاشتراكي بعد أخذ السلطة
وماذا يعني "تنظيم الإنتاج
الاشتراكي"؟ أنه يعني على أن
مبدأ بناء المجتمع الاشتراكي.
ولا حاجة للبرهان قط على أن
مبدأ لينين الواضح والدقيق
هذا ليس بحاجة لأية تعليقات.
وإلا يكون غير مفهومة نداءات
لينين إلى البروليتاريا لأخذ
السلطة في تشرين الأول سنة
1917.
وترون أن مبدأ لينين الجلي
هذا يختلف اختلاف السماء
والأرض عن "مبدأ" زينوفييف
المشوش والمعادي للينينية،
القائل أن بإمكاننا بناء
الاشتراكية "في نطاق بلاد
واحدة" في حالة استحالة إنجاز
بنائها.
لقد قال لينين ذلك في سنة
1915، قبل أخذ البروليتاريا
للسلطة؛ ولكن لعله غير رأيه
بعد تجربة أخذ السلطة، بعد
سنة 1917؟ فلنراجع كراس لينين
"حول جمعيات التعاون" الذي
كتبه سنة 1923.
يقول لينين:
"في الواقع، سلطة الدولة عي
جميع وسائل الإنتاج الضخمة،
سلطة الدولة في أيدي
البروليتاريا، تحالف هذه
البروليتاريا مع الملايين
والملايين من الفلاحين الصغار
والصغار جداً، ضمان قيادة هذه
البروليتاريا للفلاحين والخ،
- أليس هذا كل ما يلزم لكي
نبني، بواسطة جمعيات التعاون
وجمعيات التعاون وحدها،
جمعيات التعاون التي كنا ننظر
إليها سابقاً نظرتنا إلى
جمعيات ذات صفة تجارية والتي
يحق لنا، من ناحية معينة، أن
ننظر إليها الآن ذات النظرة
في ظل السياسة الاقتصادية
الجديدة، أليس ما هو ضروري
لكي نبني مجتمعاً اشتراكياً
كاملاً؟ إن هذا ليس بناء
المجتمع الاشتراكي بعد، ولكن
هذا كل ما هو ضروري وكاف لهذا
البناء". (المجلد 27، ص 392).
وبعبارة أخرى: يمكننا ويجب
علينا أن نبني مجتمعاً
اشتراكياً كاملاً، لأن تحت
تصرفنا كل ما هو ضروري وكاف
لهذا البناء.
يبدو لي أن من العسير الإفصاح
بصورة أوضح.
قارنوا مبدأ لينين الكلاسيكي
هذا مع الرد المعادي
للينينية، رد زينوفييف على
ياكوفليف فتفهمون أن ياكوفليف
لم يفعل أكثر من تكرار كلمات
لينين عن إمكانية بناء
الاشتراكية ناجزة في بلاد
واحدة، في حين أن زينوفييف،
بوقوفه ضد هذا المبدأ
وبتقريعه لياكوفليف، قد ابتعد
عن لينين وأخذ بوجهة نظر
المنشفي سوخانوف، بوجهة النظر
القائلة باستحالة بناء
الاشتراكية ناجزة في بلادنا
بسبب تأخرها التكنيكي.
لا نعرف ما دعانا لأخذ السلطة
في تشرين الأول سنة 1917 إذ
كنا لم نحسب أننا سنبني
الاشتراكية ناجزة؟
ما كان ينبغي أخذ السلطة في
تشرين الأول سنة 1917، -
أنظروا إلى أي استنتاج يؤدي
كنه منطق حجج زينوفييف.
وبعد، فإني أجزم بأن
زينوفييف، في مسألة هامة
للغاية هي مسألة انتصار
الاشتراكية، يخرج على قرارات
حزبنا الدقيقة جداً والمسجلة
في القرار المعروف المتخذ في
الاجتماع الحزبي الرابع عشر
"عن مهمات الأممية الشيوعية
والحزب الشيوعي (البولشفي)
الروسي وارتباطها بالجمعية
العامة الموسعة للجنة
التنفيذية للأممية الشيوعية".
فلنرجع هذا القرار. وهاكم ما
جاء فيه بصدد انتصار
الاشتراكية في بلاد واحدة:
"وجود نظامين اجتماعيين
متضادين مباشرة بسبب خطراً
دائماً هو خطر الحصار
الرأسمالي وأشكال الضغط
الاقتصادي الأخرى والتدخل
المسلح وإعادة الأوضاع
البرجوازية القديمة. والضمانة
الوحيدة لانتصار الاشتراكية
النهائي. أي الضمانة ضد إعادة
الأوضاع البرجوازية القديمة ،
هي، إذن الثورة الاشتراكية
المظفرة في مجموعة من
البلدان...." "تعلم اللينينة
أن انتصار الاشتراكية النهائي
بمعنى الضمانة التامة ضد
إعادة العلاقات البرجوازية لا
يمكن إلا في النطاق
العالمي..." "ومن هذا لا
يستنتج بتاتاً أن بناء
المجتمع الاشتراكي الكامل في
بلاد متأخرة كروسيا لا يمكن
بدون "مساعدة دول" (تروتسكي)
بلدانها أكثر تطوراً من
الناحيتين الاقتصادية
والتكنيكية". (راجع القرار).
وأنتم ترون أن القرار يفسر
انتصار الاشتراكية النهائي
بأنه ضمانة ضد التدخل وإعادة
الأوضاع البرجوازية القديمة،
وهذا ما يخالف تماماً التفسير
الذي يعطيه زينوفييف في كتابه
"اللينينية".
وأنتم ترون أن القرار يعترف
بإمكان بناء المجتمع
الاشتراكي كاملاً في بلاد
متأخرة كروسيا بدون "مساعدة
دول" بلدانها أكثر تطوراً من
الناحيتين الاقتصادية
والتكنيكية، وهذا ما يخالف
تماماً التأكيد المضاد الذي
جاء به زينوفييف في رده على
ياكوفليف ضمن كلمته الختامية
في مؤتمر الحزب الرابع عشر.
وكيف نسمي ذلك إن لم يكن
نضالاً من قبل زينوفييف ضد
قرار الاجتماع الحزبي الرابع
عشر؟
إن قرارات الحزب ليست، طبعاً،
معصومة من الزلل في بعض
الأحيان. فقد يحدث أن تتضمن
قرارات الحزب الأخطاء.
وبوسعنا أن نفترض، بوجه عام،
أن قرار الاجتماع الحزبي
الرابع عشر يتضمن كذلك بعض
الأخطاء. ويحتمل أن يعلن ذلك
بجلاء وعلى المكشوف، كما يليق
ببلشفي. بيد أن زينوفييف لا
يفعل ذلك لسبب ما. لقد فضل
اختيار طريق أخرى، طريق
مهاجمة قرار الاجتماع الحزبي
الرابع عشر من المؤخرة دون أن
يذكر هذا الاجتماع الحزبي
الرابع عشر من المؤخرة دون أن
يذكر هذا القرار بحرف، دون أن
يوجه لهذا القرار أي انتقاد
مكشوف. ويظن زينوفييف، على ما
يظهر، أن هذه الطريق هي أحسن
الطرق لإصابة الهدف. أما هدفه
فواحد، وهو أن "يحسن" القرار
وأن يصلح لينين "قليلاً ما".
ولا حاجة للبرهان فقط على أن
زينوفييف قد أخطأ في حساباته.
ما هو مصدر غلطة زينوفييف؟
وأين جذر هذه الغلطة؟
يكمن جذر هذه الغلطة، حسب
رأيي، في اعتقاد زينوفييف بأن
تأخر بلادنا التكنيكي عقبة لا
يمكن تذليلها في طريق بناء
المجتمع الاشتراكي ناجزة بسبب
تأخر بلادنا التكنيكي. لقد
جرب زينوفييف وكامينيف يوماً
ما عرض هذه الحجة في جلسة من
جلسات لجنة الحزب المركزية،
قبل الاجتماع الحزبي المنعقد
في نيسان . ولكنهما حصلا على
رد قاس فاضطرا على التقهقر
بالخضوع شكلاً لوجهة النظر
المعاكسة، وجهة نظر أكثر
اللجنة المركزية،/ ولكن
زينوفييف، إذ خضع لوجهة النظر
هذه شكلاً، واصل نضاله ضدها
طيلة الوقت. وهاكم ما تقوله
لجنة حزبنا في موسكو عن هذا
"الحادث" في اللجنة المركزية
للحزب الشيوعي (البولشفي)
الروسي في "جوابها" على رسالة
الاجتماع الحزبي لمقاطعة
لينينغراد:
"لأمد غير بعيد دافع كامينيف
وزينوفييف في المكتب السياسي
عن وجهة النظر التي تزعم أن
ليس بإمكاننا تذليل الصعوبات
الداخلية بسبب تأخرنا
التكنيكي والاقتصادي، إذا لم
تنقذنا الثورة العالمية. أما
نحن فنعتقد، مع أكثرية اللجنة
المركزية، أن بوسعنا بناء
الاشتراكية وأننا نبنيها
وسننجز بناءها بصرف النظر عن
تأخرنا التكنيكي ورغماً عنه.
نحن نعتقد أن هذا البناء
سيسير طبعاً بخطى أبطأ جداً
مما لو كان في ظروف انتصار
عالمي، ولكننا على كل حال
نسير وسنواصل السير إلى
الأمام. ونحن نعتبر كذلك أن
وجهة نظر كامينيف وزينوفييف
تعبر عن عدم الإيمان بالقوى
الداخلية لطبقتنا العاملة
ولجماهير الفلاحين التي
تتبعها ونعتبر أن وجهة النظر
هذه إعراض عن الموقف
اللينيني".
لقد ظهرت هذه الوثيقة في
الصحف خلال الجلسات الأولى
التي عقدها المؤتمر الحزبي
الرابع عشر. وقد كان بإمكان
زينوفييف، طبعاً، أن يرد على
هذه الوثيقة في المؤتمر نفسه.
والجدير بالذكر أن زينوفييف
وكامينيف لم يجدا في جعبتهما
حججاً ضد هذا الإتهام الخطير
الذي وجهته إليهما لجنة حزبنا
في موسكو. هل هذا من قبيل
الصدف؟ إني لا أظنه من قبيل
الصدف. لقد أصاب الاتهام
الهدف، على ما يظهر. "فأجاب"
زينوفييف وكامينيف على هذا
الاتهام بالصمت لأنهما لم
يجدا ما "يفتك" به.
تشكو "المعارضة الجديدة" من
اتهام زينوفييف بعدم الإيمان
بقضية انتصار البناء
الاشتراكي في بلادنا. ولكن
إذا كان زينوفييف بعدم
الإيمان بقضية انتصار
الاشتراكي في بلاد واحدة خلال
سنة كاملة، وبعد أن رد مكتب
اللجنة المركزية السياسي
(نيسان سنة 1925) وجهة نظر
زينوفييف، وبعد أن كوّن الحزب
رأياً معيناً بشأن هذه
المسألة سُجل في القرار
المعروف المتخذ في الاجتماع
الحزبي الرابع عشر (نيسان
1925)، إذا كان زينوفييف بعد
كل ذلك يجرأ على الوقوف ضد
وجهة نظر الحزب في كتابه
"اللينينية" (أيلول سنة 1925)
وإذا كان قد كرر فيما بعد هذا
الموقف في مؤتمر الحزب الرابع
عشر، فكيف يفسر كل هذا، كيف
يفسر هذا العناد، هذا الإصرار
على التمسك بأخطائه إذا لم
يفسر بكون زينوفييف مصاباً،
مصاباً حتى القرار، بعدم
الإيمان بقضية انتصار البناء
الاشتراكي في بلادنا؟
يحلو لزينوفييف أن يفسر عدم
إيمانه هذا بأنه من الأممية.
ولكن منذ متى أصبح الأعراض عن
اللينينية في مسألة أساسية من
مسائل اللينينية يفسر عندنا،
بأنه من الأممية؟
أليس من الأصوب أن يقال أن
زينوفييف، لا الحزب، يقترف،
في هذا الحقل، الأثم ضد
الأممية والثورة العالمية؟
لأنه، ما هي بلادنا "الآخذة
في بناء الاشتراكية" إن لم
تكن قاعدة للثورة العالمية؟
ولكن أيمكنها أن تكون قاعدة
حقيقية للثورة العالمية إن لم
تكن أهلاً لبناء المجتمع
الاشتراكي ناجزاً؟ وهل
بإمكانها أن تظل مركز
الجاذبية العظيم لعمال جميع
البلدان، كما هي دون ريب في
الوقت الحاضر، إن لم تكن
أهلاً لإحراز النصر، على
العناصر الرأسمالية في
اقتصادنا، لإحراز انتصار
البناء الاشتراكي؟ أظن أنها
لا تستطيع ذلك. ولكن ألا
يُستنتج من ذلك أن عدم
الإيمان بانتصار البناء
الاشتراكي والتبشير بعدم
الإيمان يؤدي إلى خلع بلادنا
من مقامها باعتبارها قاعدة
للثورة العالمية، وأن خلع
بلادنا من مقامها يؤدي إلى
أضعاف الحركة الثورية
العالمية؟ بم كان السادة
الاشتراكيون الديمقراطيون
يبعدون عنا العمال؟ بتبشير
مآله أن "الروس لن يفلحوا".
وبمَ نصفع الآن الاشتراكيين
الديمقراطيين جاذبين إلينا
كوكبة كاملة من وفود العمال
وموطدين بذلك مواقف الشيوعية
في العالم بأسره؟ بنجاحاتنا
في حقل بناء الاشتراكية أفليس
من الواضح بعد ذلك أن من يبشر
بعدم الإيمان بنجاحاتنا في
حقل بناء الاشتراكية يساعد
الاشتراكيين الديمقراطيين
بصورة غير مباشرة، ويضعف نهضة
الحركة الثورية العالمية
ويعرض حتماً عن الأممية؟
وترون أن أمر "أممية"
زينوفييف ليس بأفضل من
"لينينيته المئة في المئة" في
مسألة بناء الاشتراكية في
بلاد واحدة.
ولهذا السبب كان موقف المؤتمر
الحزبي الرابع عشر صحيحاً إذ
عرّف نظرات "المعارضة
الجديدة" بأنها "عدم إيمان
بقضية بناء الاشتراكية" هو
"تحريف اللينينية".
(45) هي الجمعية العامة التي
عقدتها اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي (البولشفي) الروسي من
23 إلى 30 نيسان 1925. وقد
أقرت الجمعية العامة القرارات
المتخذة في الاجتماع الرابع
عشر للحزب ومنها قرار "عن
مهمات الأممية الشيوعية
والحزب الشيوعي (البولشفي)
الروسي وارتباطها بالجمعية
العامة الموسعة للجنة
التنفيذية للأممية الشيوعية.
والقرار يؤيد موقف الحزب في
مسألة انتصار الاشتراكية في
الاتحاد السوفياتي.
- 7 -النضال في سبيل انتصار البناء
الاشتراكي
أظن أن عدم الإيمان بانتصار
البناء الاشتراكي هو الخطأ
الأساسي الذي تقترفه
"المعارضة الجديدة". وهذا
الخطأ هو الأساسي، حسب رأيي.
لأنه منشأ جميع الأخطاء
الأخرى التي تقترفها
"المعارضة الجديدة". فأخطاء
"المعارضة الجديدة" في مسائل
السياسة الاقتصادية الجديدة
ورأسمالية الدولة وطبيعة
صناعتنا الاشتراكية ودور
جمعيات التعاون في ظل
دكتاتورية البروليتاريا وطرق
النضال ضد الكولاك ودور
الفلاحين المتوسطين ووزنهم
النسبي، إن جميع هذه الأخطاء
ناشئة من الخطيئة الأساسية
التي تقترفها المعارضة. من
عدم الإيمان بإمكان بناء
مجتمع اشتراكي بقوى بلادنا.
ما هو عدم الإيمان بانتصار
البناء الاشتراكية في بلادنا؟
إنه، قبل كل شيء، انعدام
اليقين بإمكان اجتذاب جماهير
الفلاحين الأساسية، بحكم
الظروف الخاصة بتطور بلادنا،
إلى قضية البناء الاشتراكي.
إنه، ثانياً، انعدام اليقين
بكفاءة بروليتاريا بلدنا،
التي تهيمن على مراكز قيادة
الاقتصاد الوطني. لجذب
الجماهير الأساسية من
الفلاحين إلى قضية البناء
الاشتراكي.
من هذين المبدأين تنطلق
المعارضة ضمناً في نظرتها عن
طرق تطورنا، سواء كانت تفعل
ذلك عن إدراك أو عن غير
ادارك.
فهل يمكن جذب الجماهير
الأساسية من الفلاحين
السوفياتيين إلى قضية البناء
الاشتراكي؟
يتضمن كتاب "أسس اللينينية"
صيغتان أساسيتان حول هذا
الموضوع:
1) "لا يصح الخلط بين فلاحي
الاتحاد السوفياتي فلاحي
الغرب. فالفلاحون الذين
اجتازوا مدرسة ثلاثة ثورات
والذين ناضلوا ضد القيصر
وسلطة البرجوازية مع
البروليتاريا وتحت قيادتها،
الفلاحون الذين نالوا الأرض
والسلم على أيدي الثورة
البروليتارية والذين أصبحوا،
بسبب ذلك، احتياطاً
للبروليتاريا إن هؤلاء
الفلاحين يختلفون، لا محالة،
عن الفلاحين الذين ناضلوا في
زمن الثورة البرجوازية تحت
قيادة البرجوازية الحرة
ونالوا الأرض على أيدي هذه
البرجوازية وأصبحوا، بسبب
ذلك، احتياطاً للبرجوازية،
ولا حاجة للبرهان قط على أن
الفلاحين السوفياتيين الذين
اعتادوا تقدير الصداقة
السياسية والتعاون السياسي مع
البروليتاريا والمدينين
بحريتهم لهذه الصداقة ولهذا
التعاون، لا يسعهم إلا أن
يكونوا ميداناً ملائماً جداً
للتعاون الاقتصادي مع
البروليتاريا".
2) "لا يصح الخلط بين
الاقتصاد الزراعي في روسيا
والاقتصاد الزراعي في الغرب.
هناك، يسير تطور الاقتصاد
الزراعي في اتجاه الرأسمالية
العادي، في ظرف تفاوت طبقي
عميق بين الفلاحين، مع
الأملاك الواسعة والإقطاعات
الرأسمالية الخاصة في قطب
العوز والبؤس وعبودية
المأجورين في القطب الآخر.
هناك، التفكك والإنحلال هما،
بسبب ما تقدم، أمران طبيعيان
تماماً. والأمر على غير ذلك
في روسيا. لا يستطيع تطور
الاقتصاد الزراعي عندنا أن
يسلك مثل هذه الطريق، ذلك لأن
وجود السلطة السوفياتية
وتأميم أدوات ووسائل الإنتاج
الرئيسية يحول دون مثل هذا
التطور. ينبغي على تطور
الاقتصاد الزراعي في روسيا أن
يسلك طريقاً أخرى، طريق
التعاونيات التي تضم الملايين
من صغار الفلاحين ومتوسطيهم،
طريق تطوير جمعيات تعاونية
جماهيرية في القرى تدعمها
الدولة بسلف متهاودة. لقد
أشار لينين، وهو على حق، في
مقالاته عن الجمعيات
التعاونية، طريق إدخال مبادىء
التعاونية إلى الاقتصاد
الزراعي بالتدريج، في البدء
في حقل التصريف وثم في حقل
إنتاج محاصيل الاقتصاد
الزراعي.
ولا حاجة للبرهان على أن
الأغلبية الكبرى من الفلاحين
ستسير بملء أرادتها في طريق
التطور الجديد هذه، رافضة
طريق الإقطاعات الرأسمالية
الخاصة وعبودية العمل
المأجور، طريق البؤس
والخراب".
هل هاتان الموضوعتان صحيحتان؟
أعتقد أن هاتين الموضوعتين
صحيحتين لا غبار عليهما طيلة
مرحلتنا في البناء في ظروف
السياسة الاقتصادية الجديدة.
فهما ليستا أكثر من تعبير عن
موضوعات لينين المعروفة عن
تحالف البروليتاريا والفلاحين
وعن أدراج استثمارات الفلاحين
في نظام تطور البلاد
الاشتراكية وعن أنه من واجب
البروليتاريا أن تسير نحو
الاشتراكية مع جماهير
الفلاحين الأساسية وعن أن
انتساب الملايين من جماهير
الفلاحين إلى الجمعيات
التعاونية هو جادة البناء
الاشتراكي في القرى وأن "نمو
الجمعيات التعاونية البسيط
ونمو الاشتراكية هما، بالنسبة
إلينا، شيء واحد" في ظرف نمو
صناعتنا الاشتراكية (المجلد
27، ص 396).
وفي الواقع، في أية طريق يمكن
ويجب، أن يسير تطور استثمارات
الفلاحين في بلادنا؟
إن استثمارات الفلاحين ليست
باستثمارات رأسمالية.
فاستثمارات الفلاحين، إذا
أخذت الأكثرية الساحقة من
استثمارات الفلاحين، هي
استثمارات إنتاج صناعي صغير.
وما هي استثمارات الفلاحين
ذات الإنتاج البضاعي الصغير؟
إنها استثمارات تقف على مفترق
الطرق بين الرأسمالية
والاشتراكية. فبوسعها أن
تتطور سواء في اتجاه
الرأسمالية، كما يحدث الآن في
البلدان الرأسمالية، وسواء في
اتجاه الاشتراكية، كما ينبغي
أن يحدث عندنا، في بلادنا، في
ظل دكتاتورية البروليتاريا.
ما هو منشأ عدم ثبات، عدم
استقلال استثمارات الفلاحين؟
وبمَ يفسر؟
إنه يفسر بتبعثر استثمارات
الفلاحين، بكونها غير منظمة،
بتوقفها على المدينة، على
الصناعة، على نظام التسليف،
على صفة السلطة في البلاد،
وأخيراً، على ذلك الواقع الذي
يعرفه الجميع وهو أن القرية
تتبع ويجب عليها أن تتبع
المدينة سواء في الناحية
المادية أو في الناحية
الثقافية.
إن الطريق الرأسمالي لتطور
استثمارات الفلاحين تعني
التطور عبر تفاوت طبقي عميق
بين الفلاحين، الأملاك
الكبيرة في قطب وبؤس الجماهير
في القطب الآخر. ولا مفر من
طريق التطور هذا في البلدان
الرأسمالية، لأن القرية، لأن
استثمارات الفلاحين تتوقف على
المدينة، على الصناعة، على
التسليف المتمركز في المدينة،
على صفة السلطة؛ وفي المدينة
يسود البرجوازية، الصناعة
الرأسمالية، نظام التسليف
الرأسمالي وسلطة الدولة
الرأسمالية.
وهل أن طريق تطور استثمارات
الفلاحين هذه، هي إلزامية في
بلادنا، التي تختلف فيها
معالم المدينة كل الاختلاف،
وتوجد فيها الصناعة في أيدي
البروليتاريا، وتمركزت فيها
وسائل النقل ونظام التسليف
وسلطة الدولة الخ. في أيدي
البروليتاريا وغدا فيها تأميم
الأرض قانوناً عاماً في
البلاد. إنها غير الزامية
طبعاً. بالعكس، فبالضبط لأن
المدينة هي قائد القرية، وفي
المدينة تسود عندنا
البروليتاريا القابضة على
جميع مراكز القيادة في
الاقتصاد الوطني، لهذا السبب
بالضبط، يتوجب على استثمارات
الفلاحين أن تسلك، في تطورها،
طريقاً أخرى، طريق البناء
الاشتراكي.
ما هي هذه الطريق؟
إنها طريق انضمام الملايين من
استثمارات الفلاحين أفواجاً
إلى الجمعيات التعاونية بجميع
أشكالها، طريق تكتل استثمارات
الفلاحين المبعثرة حول
الصناعة الاشتراكية، طريق غرس
مبادىء التعاونية بين
الفلاحين، في بادىء الأمر في
ميدان تصريف المنتجات
الزراعية وتموين استثمارات
الفلاحين بمنتجات المدن وثم
في ميدان الإنتاج الزراعي.
وكلما أوغلنا في السير كلما
أصبحت هذه الطريق أمراً لا
مناص منه في ظروف دكتاتورية
البروليتاريا، لأن التعاون في
حقل التصريف، التعاون في حقل
التموين، وأخيراً التعاون في
حقل التسليف والإنتاج
(الجمعيات الزراعية) هو
الطريق الوحيدة لزيادة رخاء
الريف، هو الوسيلة الوحيدة
لإنقاذ جماهير الفلاحين
الغفيرة من البؤس والخراب.
يقال أن الفلاحين عندنا ليسوا
اشتراكيين من حيث وضعهم
وأنهم، لهذا السبب، غير أهل
للتطور الاشتراكي. وصحيح
طبعاً، أن الفلاحين ليسوا
اشتراكيين من حيث وضعهم. ولكن
هذا ليس بحجة ضد تطور
استثمارات الفلاحين في طريق
الاشتراكية إذا كان من المحقق
أن القرية تتبع المدينة وأن
الأمر والنهي في المدينة
للصناعة الاشتراكية. فأثناء
ثورة أكتوبر لم يكن الفلاحون
كذلك اشتراكيين من حيث وضعهم،
وهم لم يريدوا قط إقامة
الاشتراكية في البلاد. إن ما
كانوا يسعون إليه، بوجه خاص،
في ذلك الحين، هو القضاء على
سلطة كبار ملاكي الأراضي
وإنهاء الحرب وإقرار السلام.
بيد أنهم قد ساروا في ذلك
الحين وراء البروليتاريا
الاشتراكية. لماذا؟ ذلك لأن
إسقاط البرجوازية وأخذ
البروليتاريا الاشتراكية
للسلطة كانا في ذلك الحين
الطريق الوحيد للخروج من
الحرب الاستعمارية، الطريق
الوحيد لإقرار السلام. ذلك
لأنه لم توجد في ذلك الحين
ولم يكن بالإمكان وجود طرق
أخرى. ذلك لأن حزبنا قد وفق
في ذلك الحين إلى تحسس وإيجاد
الدرجة التي تجمع بين مصالح
الفلاحين الخاصة (إسقاط كبار
ملاكي الأراضي، السلام) وبين
مصلحة البلد العامة
(دكتاتورية البروليتاريا)
وإخضاع الأولى للثانية،
الدرجة التي جاءت مقبولة
ومفيدة للفلاحين وقد سار
الفلاحون في ذلك الحين وراء
البروليتاريا الاشتراكية،
برغم طبيعتهم غير الاشتراكية.
والشيء نفسه يجب أن يقال عن
البناء الاشتراكي في بلادنا
وعن جذب الفلاحين إلى مجرى
هذا البناء. إن الفلاحين
ليسوا اشتراكيين من حيث
وضعهم. ولكن يجب عليهم أن
يسلكوا طريق التطور
الاشتراكي، وسيسلكونها حتماً،
لأنه لا توجد ولا يمكن وجود
طرق أخرى، لإنقاذ الفلاحين من
البؤس والخراب، غير التحالف
مع البروليتاريا، غير التحالف
مع الصناعة الاشتراكية، غير
إدخال استثمارات الفلاحين في
طريق التطور الاشتراكي العامة
عبر انتساب الفلاحين إلى
الجمعيات التعاونية أفواجاً.
ولماذا بالضبط، عبر انتساب
الفلاحين إلى الجمعيات
التعاونية أفواجاً؟
لأننا، في انتساب الفلاحين
إلى الجمعيات التعاونية
أفواجاً، "قد وجدنا درجة
التنسيق بين المصلحة الخاصة،
المصلحة التجارية الخاصة،
وبين ضبط الدولة لها وأشرافها
عليها، درجة إخضاعها للمصلحة
العامة" (لينين)، الدرجة
المقبولة للفلاحين والمفيدة
لهم والتي تؤمن للبروليتاريا
إمكانية جذب جماهير الفلاحين
الأساسية إلى قضية البناء
الاشتراكي. وبالضبط لأن من
مصلحة الفلاحين تنظيم تصريف
بضائعهم وتموين استثماراتهم
بالماكينات عن طريق الجمعيات
التعاونية، لهذا السبب
بالضبط، يجب عليهم أن يسلكوا
وسيسلكون، طريق الانتساب
أفواجاً إلى الجمعيات
التعاونية.
وما معنى انضمام استثمارات
الفلاحين أفواجاً إلى
الجمعيات التعاونية، في حال
سيادة الصناعة الاشتراكية؟
إنه يعني ابتعاد اقتصاد
الفلاحين البضاعي الصغير عن
الطريق الرأسمالية القديمة
المنطوية على خراب الفلاحين
أفواجاً والانتقال إلى طريق
تطور جديدة، إلى طريق البناء
الاشتراكي.
ولذا فالنضال في سبيل الطريق
الجديد لتطور اقتصاديات
الفلاحين النضال في سبيل جذب
جماهير الفلاحين الأساسية إلى
قضية بناء الاشتراكية، هو
واجب حزبنا المباشر.
ولذا فقد كان موقف المؤتمر
الرابع عشر للحزب الشيوعي
(البولشفي) في الاتحاد
السوفياتي صحيحاً إذ قرر:
"تكمن الطريق الأساسية لبناء
الاشتراكية في الريف، - في
ظرف تعاظم دور صناعة الدولة
الاشتراكية ودوائر التسليف
الحكومية وغيرها من مراكز
الإشراف الموجودة في أيدي
البروليتاريا – في جذب جماهير
الفلاحين الأساسية إلى
المنظمة التعاونية وضمان تطور
اشتراكي لهذه المنظمة
باستخدام عناصرها الرأسمالية
وبالتغلب على هذه العناصر
وإزاحتها" (راجع قرار المؤتمر
بصدد تقرير اللجنة المركزية).
إن أفدح غلطات "المعارضة
الجديدة" تتلخص في كونها لا
تؤمن بطريق تطور الفلاحين
الجديدة هذه، لا ترى أو لا
تفهم أنه لا مفر من هذا
الطريق في ظروف دكتاتورية
البروليتاريا. وهي لا تفهم
ذلك لأنها لا تؤمن بانتصار
البناء الاشتراكي في بلادنا،
لا تؤمن بكفاءة بروليتاريا
بلادنا على جر الفلاحين
وراءها في الطريق المؤدية إلى
الاشتراكية.
من هنا عدم فهم طابع السياسة
الاقتصادية الجديدة المزدوج
والمبالغ بالنواحي السلبية في
السياسة الاقتصادية الجديدة
وتأويل السياسة الاقتصادية
الجديدة بأنها تقهقر في
معظمها.
من هنا المبالغة بدور العناصر
الرأسمالية في اقتصادنا
والتقليل من دور مخول تطورنا
الاشتراكي (الصناعة
الاشتراكية، نظام التسليف،
الجمعيات التعاونية، سلطة
البروليتاريا،الخ).
من هنا عدم فهم الطبيعة
الاشتراكية لصناعة دولتنا
والشك في صحة مشروع لينين حول
الجمعيات التعاونية.
من هنا تكبير التفاوت الطبقي
في القرى والذعر من الكولاك
والتقليل من دور الفلاحين
المتوسط ومحاولة إحباط سياسة
الحزب في حقل تأمين تحالف
وطيد مع الفلاح المتوسط،
وبوجه عام، القفز من جانب إلى
آخر في مسألة سياسة الحزب في
الريف.
من هنا عدم فهم ذلك العمل
الكبير الذي يقوم به الحزب في
حقل جذب الملايين من جماهير
العمال والفلاحين إلى
المساهمة في بناء الصناعة
والاقتصاد الزراعي، في إنعاش
الجمعيات التعاونية ومجالس
السوفيات، في إدارة البلاد،
في النضال ضد البيروقراطية،
في النضال من أجل تحسين جهاز
دولتنا وإعادة سبكه، هذا
النضال الذي يستهل مرحلة
جديدة في التطور والذي لا
يمكن بدونه تصور أي بناء
اشتراكي.
من هنا القنوط والارتباط أمام
صعوبات بنائنا والشك في إمكان
تصنيع بلادنا وثرثرة التشاؤم
بصدد تفسخ الحزب وإلى ما
هنالك.
تسير الأمور عندهم، عند
البرجوازية، بصورة حسنة لهذا
الحد أو ذاك، أما عندنا، عند
البروليتاريين، فهي سيئة لهذا
الحد أو ذاك؛ وإن لم تحدث
الثورة في الغرب في وقتها
فالذنب ذنبنا – هذه هي النغمة
العامة "للمعارضة الجديدة"،
وهي، حسب رأيي، نغمة دعاة
التصفية، والتي تحاول
المعارضة لسبب ما، (ربما
لتسلية الناس) إظهارها بمظهر
"الأممية":
تقول المعارضة أن السياسة
الاقتصادية الجديدة هي
الرأسمالية. ويقول زينوفييف
أن السياسة الاقتصادية
الجديدة هي تقهقر في معظمها.
وكل هذا غير صحيح طبعاً.
فالسياسة الاقتصادية الجديدة
هي، في الواقع، سياسة الحزب
التي تسلم بصراع العناصر
الاشتراكية والرأسمالية
وتستهدف انتصار العناصر
الاشتراكية على العناصر
الرأسمالية. والواقع أن
السياسة الاقتصادية الجديدة
ابتدأت بالتراجع فقط، ولكنها
ترمي إلى إعادة حشد القوى
أثناء التراجع وإلى شن
الهجوم. ونحن نهاجم، في
الواقع، منذ عدة سنوات،
ونهاجم بنجاح، مطورين
صناعتنا، موسعين التجارة
السوفياتية ومضيقين على رأس
المال الخاص.
ولكن ما مغزى صيغة: السياسة
الاقتصادية الجديدة هي
الرأسمالية، السياسة
الاقتصادية الجديدة هي تقهقر
في معظمها؟ وما هو منشأ هذه
الصيغة؟
إن منشأها هو افتراض غير صحيح
مآله أن ما يجري عندنا الآن
هو مجرد إعادة للرأسمالية،
مجرد "عودة" للرأسمالية.
فبهذا الافتراض وحده يمكن
تفسير شكوك المعارضة فيما يخص
الطبيعة الاشتراكية في
صناعتنا، وبهذا الافتراض وحده
يمكن تفسير ذعر المعارضة في
التشبث بأرقام غير صحيحة عن
تفاوت الفلاحين الطبقي. وبهذا
الافتراض وحده يمكن تفسير
نسيان المعارضة الغريب لواقع
أن الفلاح المتوسط هو، عندنا،
الشخصية المركزية في الزراعة.
وبهذا الافتراض وحده يمكن
تفسير عدم تقدير أهمية الفلاح
المتوسط النسبية حق التقدير
والشكوك فيما يخص المشروع
التعاوني الذي وضعه لينين.
بهذا الافتراض وحده يمكن
"تعليل" عدم إيمان "المعارضة
الجديدة" بالطريق الجديد
لتطور الريف، بطريق جذب الريف
إلى البناء الاشتراكي.
وما يجري عندنا الآن، في
الواقع، ليس تطوراً وحيد
الجانب لإعادة الرأسمالية، بل
تطوراً مزدوجاً، تطوراً إلى
الرأسمالية وتطوراً إلى
الاشتراكية، إنه سير متناقض،
سير نضال العناصر الاشتراكية
ضد العناصر الرأسمالية. وهذا
لا جدال فيه سواء بشأن
المدينة حيث تكون صناعة
الدولة قاعدة الاشتراكية
وسواء بشأن الريف حيث يكون
انتساب الجماهير للجمعيات
التعاونية المرتبطة بالصناعة
الاشتراكية المخل الأساسي
للتطور الاشتراكي.
إن إعادة الرأسمالية بهذه
البساطة أمر مستحيل، ذلك بسبب
أن السلطة في بلادنا هي سلطة
البروليتاريا، والصناعة
الضخمة في أيدي البروليتاريا،
ووسائل النقل والتسليف هما
تحت تصرف الدولة
البروليتارية.
لا يستطيع التفاوت الطبقي في
الريف أن يبلغ مقاييسه
السابقة، ويظل الفلاح المتوسط
الجمهور الأساسي في الفلاحين،
ولا يستطيع الكولاك استرداد
قوته السابقة ذلك بسبب أن
الأرض قد أصبحت عندنا ملكاً
للأمة ورفعت من التداول ولأن
سياستنا في ميادين التجارية
والتسليف والضرائب والجمعيات
التعاونية. تهدف إلى تحديد
نزعات الكولاك الاستثمارية
وإلى زيادة رخاء الجماهير
الغفيرة من الفلاحين وإيجاد
التوازن في الريف. هذا فضلاً
عن أن النضال ضد الكولاك لا
يسير عندنا في الوقت الحاضر
في الاتجاه القديم وحسب، في
اتجاه تنظيم الفقراء ضد
الكولاك، بل يسير أيضاً في
اتجاه جديد، في اتجاه تعزيز
تحالف البروليتاريا والفقراء
مع جماهير المتوسطين من
الفلاحين ضد الكولاك. وواقع
أن المعارضة لا تفهم معنى
وأهمية النضال ضد الكولاك حسب
هذا الاتجاه الثاني، هذا
الواقع يؤكد مرة أخرى أن
المعارضة تعرّج على الطريق
القديم لتطور الريف، على طريق
تطوره الرأسمالي، حين كان
الكولاك والفلاح الفقير
يؤلفان القوتين الأساسيتين في
الريف بينما كان الفلاح
المتوسط "يذوب".
تقول المعارضة أن الجمعيات
التعاونية هي ضرب من رأسمالية
الدولة مستندة، في ذلك، إلى
مؤلف لينين "الضريبة
العينية"، وهي، بسبب ذلك، لا
تؤمن بإمكانية الاستفادة من
الجمعيات التعاونية كمخل
أساسي للتطور الاشتراكي.
وتقترف المعارضة خطيئة فاحشة
في هذا الحقل أيضاً. فهذا
التفسير للجمعيات التعاونية
قد كان كافياً ومرضياً في سنة
1921، حين كُتب مؤلف "الضريبة
العينية"، حين لم تكن لدينا
صناعة اشتراكية متطورة، حين
كان لينين يتصور رأسمالية
الدولة شكلاً أساسياً محتملاً
لإدارتنا الاقتصادية وحين كان
ينظر للجمعيات التعاونية
بالاقتران مع رأسمالية
الدولة. ولكن هذا التفسير قد
غدا الآن غير كاف وقد تخطاه
التاريخ، لأن الأزمنة قد
تغيرت منذ ذلك الحين، فقد
تطورت الصناعة الاشتراكية
عندنا ولم تتأصل رأسمالية
الدولة بالدرجة التي كانت
مطلوبة، أما الجمعيات
التعاونية التي تضم الآن أكثر
من عشرة ملايين عضو فقد أخذت
تلتحم بالصناعة الاشتراكية.
وإلا فبم يفسر واقع أن لينين
قد أخذ، بعد مضي سنتين على
صدور "الضريبة العينية"، في
سنة 1923، ينظر إلى الجمعيات
التعاونية نظرة أخرى، معتبراً
أن "الجمعيات التعاونية تنطبق
في معظم الحالات، في ظروفنا،
انطباقاً تاماً مع
الاشتراكية"؟ (المجلد 27، ص
396).
وإلا فبم يفسر هذا إن لم يكن
بواقع أن الصناعة الاشتراكية
قد وجدت في غضون هاتين
السنتين متسعاً من الوقت
لتتطور وإن رأسمالية الدولة
لم تتأصل بالدرجة المطلوبة،
وبسبب ذلك أخذ لينين ينظر إلى
الجمعيات التعاونية بالاقتران
مع الصناعة الاشتراكية، لا
بالاقتران مع رأسمالية
الدولة؟
لقد تغيرت ظروف تطور الجمعيات
التعاونية وكان على طريقة
النظر إلى مسألة الجمعيات
التعاونية أن تتغير أيضاً.
وهاكم، مثلاً، فقرة رائعة من
كرّاس لينين "حول الجمعيات
التعاونية" (سنة 1923) تلقي
الضوء على هذه المسألة:
في ظروف رأسمالية الدولة
تختلف المشاريع التعاونية عن
مشاريع رأسمالية الدولة،
أولاً باعتبارها مشاريع خاصة،
ومن ثم تعاونية، وفي ظل
نظامنا القائم تختلف المشاريع
التعاونية عن المشاريع
الرأسمالية الخاصة باعتبارها
مشاريع تعاونية ولكنها لا
تختلف عن المشاريع الاشتراكية
إذا كانت قائمة على أرض تعود
مع وسائل الإنتاج للدولة، أي
للطبقة العاملة" (المجلد 27،
ص 396).
لقد حلت مسألتان كبيرتان في
هذه الفقرة الصغيرة. أولاً،
أن "نظامنا القائم" ليس
برأسمالية الدولة. وثانياً،
أن "المشاريع التعاونية"
بالاقتران مع "نظامنا" "لا
تختلف" عن المشاريع
الاشتراكية.
أحسب أن من العسير الإفصاح
بصورة أوضح.
وهاكم فقرة أخرى من كراس
لينين الآنف الذكر:
"تطور الجمعيات التعاونية
البسيط وتطور الاشتراكية هما،
بالنسبة إلينا، شيء واحد (مع
الشذاذ "الصغير" المذكور
أعلاه)، ونحن في الوقت نفسه
مضطرون للاعتراف بأن كل وجهة
نظرنا عن الاشتراكية قد تغيرت
تغيراً أساسياً" (نفس
المصدر).
من الجلي أننا نواجه في كراس
"حول الجمعيات التعاونية"
تقديراً جديداً للجمعيات
التعاونية، الأمر الذي لا
تريد أن تعترف به "المعارضة
الجديدة" وتلزم الصمت عنه
بعناية، وذلك برغم الوقائع،
برغم الحقيقة البينة، برغم
اللينينية.
إن الجمعيات التعاونية مأخوذة
بالاقتران مع رأسمالية
الدولة، والجمعيات التعاونية
مأخوذة بالاقتران مع الصناعة
الاشتراكية هما أمران
مختلفان.
غير أن من الجائز أن يستنتج
من ذلك أن بين "الضريبة
العينية" وكراس "حول الجمعيات
التعاونية" هوة. إن هذا غير
صحيح طبعاً. حسبنا أ، نرجع،
مثلاً، إلى الفقرة التالية من
"الضريبة العينية" لكيما ندرك
للحال تلك الصلة الوثيقة
القائمة بين "الضريبة
العينية" وكراس "حول الجمعيات
التعاونية" في مسألة تقدير
الجمعيات التعاونية، وها هي:
"إن الانتقال من نظام
الامتيازات إلى الاشتراكية هو
انتقال من شكل من أشكال
الإنتاج الضخم إلى شكل آخر من
أشكال الإنتاج الضخم.
والانتقال من التعاونيات صغار
المنتجين إلى الاشتراكية هو
انتقال من الإنتاج الصغير إلى
الإنتاج الضخم، أي أنه انتقال
أكثر تعقيداً، ولكن في وسعه،
في المقابل، أن يشمل، في حالة
النجاح، جماهير أوسع من
السكان، في وسعه اجتثاث
الجذور الأعمق والأكثر حيوية،
جذور العلاقات القديمة،
علاقات ما قبل الاشتراكية ،
وحتى ما قبل الرأسمالية،
العلاقات الأشد عناداً بمعنى
مقاومتها لكل ابتكار".
(المجلد 26، ص 337).
يتضح من هذه الفقرة أن لينين
كان منذ زمن "الضريبة
العينية" قبل أن توجد عندنا
صناعة اشتراكية متطورة، يعتبر
أن من الممكن، في حالة
النجاح، تحويل الجمعيات
التعاونية إلى وسيلة فعالة في
النضال ضد علاقات "ما قبل
الاشتراكية" وعليه، ضد
العلاقات الرأسمالية أيضاً.
وأني أظن أن هذه الفكرة
بالذات قد غدت فيما بعد نقطة
الإنطلاق في كراسه "حول
الجمعيات التعاونية".
ولكن ماذا يستنتج من ذلك؟
يستنتج من كل ذلك أن
"المعارضة الجديدة" لا تواجه
مسألة الجمعيات التعاونية
بطريقة ماركسية، بل بطريقة
ميتافيزيقية. وهي لا تنظر إلى
الجمعيات التعاونية على أنها
ظاهرة تاريخية مأخوذة
بالاقتران مع الظواهر الأخرى
بالاقتران، لنقل مثلاً، مع
رأسمالية الدولة (في سنة1921)
أو مع الصناعة الاشتراكية (في
سنة 1923)، بل على أنها شيء
ثابت، مقرر أبداً، على أنها
"شيء قائم بذاته".
ومن هنا أغلاط المعارضة في
مسألة الجمعيات التعاونية، من
هنا عدم إيمانها بتطور الريف
إلى الاشتراكية عن طريق
الجمعيات التعاونية، من هنا
تعريج المعارضة على الطريق
القديمة، على الطريق
الرأسمالية لتطور الريف.
هذا هو، بالإجمال، موقف
"المعارضة الجديدة" من مسائل
البناء الاشتراكي العملية.
الاستنتاج واحد: أن خط
المعارضة، بمقدار ما يوجد
لديها خط، أن تردد المعارضة
وتأرجحها وعدم إيمانها
بقضيتنا وارتباكها أمام
الصعوبات يؤدي إلى الاستسلام
أمام العناصر الرأسمالية في
اقتصادنا. لأنه، إذا كانت
السياسة الاقتصادية الجديدة
تقهقراً في معظمها، وإذا كانت
الطبيعة الاشتراكية في صناعة
الدولة عرضة للشكوك، وإذا كان
الكولاك قادراً على كل شيء
تقريباً، وإذا كان الأمل
بالجمعيات التعاونية ضئيلاً،
وإذا كان دور الفلاح المتوسط
يتضاءل بالتدريج، وإذا كانت
الطريق الجديدة لتطور الريف
موضعاً للشك، وإذا كان الحزب
في حالة انحلال تقريباً، وإذا
كانت الثورة في الغرب ما تزال
بعيدة، فماذا يبقى، إذن، بعد
كل ذلك في ترسانة المعارضة؟
وعلام تعول في النضال ضد
العناصر الرأسمالية في
اقتصادنا؟ ولا يصح، على كل
حال، التوجه إلى المعركة مع
"فلسفة العصر" وحدها.
من الجلي أن "المعارضة
الجديدة" لا تُحسد على
ترسانتها، إذا أمكن، بوجه
عام، تسميتها ترسانة. إن هذه
الترسانة ليست للنضال، فكم
بالأحرى أنها ليست للانتصار.
من الجلي أن الحزب فيما لو
نزل إلى الميدان مع ترسانة
كهذه لصُرع "بجولتين" ولما
بقي له إلا الاستسلام أمام
العناصر الرأسمالية في
اقتصادنا.
ولذا فالمؤتمر الحزب الرابع
عشر قد وقف موقفاً صحيحاً
تماماً إذ قرر أن "النضال في
سبيل انتصار البناء الاشتراكي
في الاتحاد السوفياتي هو مهمة
حزبنا الأساسية"؛ وأن "النضال
ضد عدم الإيمان بقضية بناء
الاشتراكية في بلادنا وضد
محاولات النظر إلى مشاريعنا،
وهي مشاريع من "النموذج
الاشتراكي المستقيم" (لينين)
على أنها مشاريع رأسمالية
الدولة" هو شرط من الشروط
الضرورية للقيام بهذه المهمة
وأن "أمثال هذه التيارات
الفكرية التي تجعل من
المستحيل وقوف الجماهير موقف
الإدراك من بناء الاشتراكية
بوجه عام، ومن الصناعة
الاشتراكية بوجه خاص، لا
يسعها إلا إعاقة نمو العناصر
الاشتراكية في الاقتصاد
وتسهيل نضال رأس المال، الخاص
ضدها" وأن "المؤتمر يعتبر،
لهذا السبب، أن من الضروري
القيام بعمل تربوي واسع
للتغلب على تشويه اللينينة
هذا" (راجع القرار الخاص
بتقرير اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي (البولشفي) في
الاتحاد السوفياتي).
تتلخص الأهمية التاريخية
للمؤتمر الرابع عشر الذي عقده
الحزب الشيوعي (البولشفي) في
الاتحاد السوفياتي في كونه
استطاع كشف جذور أغلاط
"المعارضة الجديدة" ورمى عدم
إيمانها وتباكيها عرض الحائط
ورسم، بوضوح ودقة، طريق
مواصلة النضال في سبيل
الاشتراكية وأظهر للحزب أفق
الانتصار وبذلك سلح
البروليتاريا بإيمان راسخ
بانتصار البناء الاشتراكي.
التالي
- 8 -
الحزب
- 9 -
الأسلوب في العمل
الشروط الخارجية والداخلية لثورة أكتوبر
حول خاصتي ثورة أكتوبر
أو ثورة أكتوبر و نظرية تروتسكي
في الثورة الدائمة
|