<%@ Language=JavaScript %> مطار القاهرة ام بن غوريون (حكاية صابرين )

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

مطار القاهرة ام بن غوريون (حكاية صابرين )

 

 

تعرضت صابرين دياب، الصحفية الفلسطينية المقيمة في الأرض المحتلة قبل ٤٨، للتحقيق والتفتيش والمعاملة المهينة من قِبَل ضباط أمن إسرائيليين في مطار القاهرة، وهي في طريقها للعودة إلى الأرض المحتلة بعد زيارة للقاهرة. تقول الاخت صابرين :::

 

 

صابرين دياب

 

رافقني الأستاذ حسام مؤنس، الناشط السياسي والعضو في حزب الكرامة، إلى صالة ١ في مطار القاهرة. وبعد أن دخلت من البوابة المؤدية إلى المكان المخصص لشركة العال، فحص الضابط المصري الجواز وتركني أمر. بعد خطوتين أو ثلاث كانت تقف ضابطة إسرائيلية وخلفها مجموعة أخرى تتفحصني باهتمام. طلبت الضابطة الجواز فناولته لها، وسألتني حرفيا: سبرينا.. من أوصلك إلى المطار؟ فأجبتها: صديق لي، لكن ما شأنك بهذا؟ فطلبت مني ألا أوجه لها أسئلة. كنت مذهولة من تواجدهم أصلا في المطار، وبقيامهم بما ليس من صلاحياتهم، وأدركت عندها أنني سأتعب معهم كالعادة، فقررت أن أهدأ. بعد أسئلة روتينية من نوع: من ساعدك في حزم حقائبك؟ وهل تحملين أسلحة؟ أجبت عنها بهدوء، طلبت مني فحص الكاميرا، فقلت لها: لماذا؟ فردت: ألم نتفق على ألا توجهي أسئلة؟ في تلك اللحظة اتصل حسام، الذي كان ما زال ينتظر خارج البوابة، وسألني عما يحصل، فقلت له إن الإسرائيليين استوقفوني، ويبدو أنهم سيحققون معي. سألتني الضابطة: من اتصل بك؟ فقلت لها: ليس هذا من شأنك، فردت بتكرار الأسئلة عن الكاميرا وعن الهدايا التي تلقيتها من الأشخاص الذين التقيت بهم. ولأنني لم أكن أريد تعقيدات أجبت بهدوء وبنبرة معتزة عن كل أسئلتها. أعادت إلى الكاميرا، وظننت أنني سأواصل المسير إلىّ الأمن المصري ليقوم بتفتيشي ثم ختم جواز سفري، لكنى فوجئت بانضمام ضابط مسؤول عنها ليبدأ تحقيقاً معي بشكل مهين . سألني الضابط: من دفع تكاليف رحلتك؟ ولماذا أتيت إلى القاهرة؟ وبمن التقيت؟ وما الأماكن التي زرتها؟ وهل اشتريت شيئا أثناء إقامتك في مصر؟.. إلخ. أجبت عن الأسئلة بهدوء وبشفافية مطلقة، ثم التفت حولي لعلي أجد ضابطا مصريا غاضبا على وقفتي معهم، لكن للأسف..

 

أخذ الضابط الإسرائيلي جواز سفري مع الضابطة إياها، وانضم إليهما ثالث وابتعدوا عنى خطوات.. في تلك اللحظة اغتنمت فرصة وجود الكاميرا في يدي والتقطت «خلسة» صورة للضباط الإسرائيليين وهم يجتمعون حول جواز السفر، لكن للأسف كان فلاش الكاميرا قويا ولمع في الصالة، فنظروا إلىّ بسرعة، واتجه الضابط الإسرائيلي-كبيرهم- نحوى وقال لي: لا تحاولي اللعب معنا، وإن كررت مثل هذه الحركات فسأستدعي الأمن المصري، وطلب أن أحذف الصورة فورا، وأثناء حذفي لها قال لي: هل تريدين نشر كيف نقوم بمهامنا؟! ثم أخذ الكاميرا مني وطلب أن أسلمه كل ما معي من أجهزة، فقلت له: أنا صحفية وليس من حقك الاطلاع على محتويات أوراقي الآمنة.. في تلك اللحظات راودني إحساس بالقلق..

 

أعطيته أجهزتي: كاميرا وجهاز تسجيل وجهازي هاتف، فقال لي: أنت وحقائبك ستفتَّشون. قلت له: لم لا؟!.. لكن أليس الأمن المصري هو المسؤول عن هذا؟ فأجاب: أنت لا تجرين معي مقابلة صحفية.. وأتى ضابط رابع وحملوا حقائبي وأخذوني إلى داخل غرفة تبعد خطوات عن البوابة في الصالة.. التفتيش كان غريبا جدا، لم يتركوا محتوى واحدا، مهما تفه، إلا فتشوه.. وبدأ التحقيق معي حول الأجهزة، واهتموا بما إذا كنت قد قمت بحذف أحاديث من جهاز التسجيل أو رسائل من جهازي الهاتف المحمول.. وأخذوا أحدها وقالوا إنني سأتسلمه في تل أبيب.. أعادوا لي الكاميرا في الطائرة، أما جهاز التسجيل فقد اكتشفت بعد عودتي أن حديثا مع المخرج خالد يوسف حذف.. لم يراعوا مشاعري وأنا أراهم يفتشون كل محتويات الحقائب، بما فيها أمور شخصية جدا متعلقة بي كفتاة أخجل من ذكرها.. وحين رأيتهم يفتحون حبات الجوافة التي أخذتها من بلطيم - بلد حمدين صباحي الذي أجرت معه فيه مقابلة صحفية - صرخت في وجوههم قائلة: إنكم تتجاوزون كل الحدود. كنت أشعر باحتقار.

 

ناداني أحد الضباط بالداخل، ومرروا علىّ جهازا بين لهم أنني لا أحمل شيئا سوى ما أرتديه من ثياب، فطلب مني التوجه إلى غرفة مجاورة اقتادني إليها ضابط وضابطة، وكانت على بعد خطوات من الغرفة التي فتشوا فيها أمتعتي. أدخلوني إليها وطلبا مني نزع ثيابي فرفضت، وقلت لهم إن الجهاز بين أنه لا داعي لنزع ثيابي عن جسدي، فقالوا لي: هذا إجراء ضروري. قلت: وإن لم أفعل؟ قالوا: سنسلمك إلى الأمن المصري وستقلع الطائرة بدونك.. أدركت أني في ورطة، وتوقعت أن يأتي أحد من خارج الغرفة ليحتج على ما يحصل. مضت دقائق وأنا أحاول معهما لكن دون أن أرى «رجلا» عربيا مصريا يهب للحفاظ على كرامة زائرة عربية ما زالت في ضيافة أكبر وأهم بلد عربي، وقبل ذلك للحفاظ على هيبة المكان الذي أتواجد فيه، فمن المؤكد أن أصحاب البيت يشاهدون ويتابعون ما يجري ويتصورون ما الذي قد يحدث في تلك الغرفة التي أقفلت على مع الضابطين الإسرائيليين . لكن، ومع انقطاع الرجاء، ضعفت وشعرت بانكسار ويُتم..

 

طلبت من الضابط الخروج، فخرج ووقف على الباب ثم وقفت على قدميّ وقلت للضابطة: تفضلي، انزعي لي أنت ثيابي فأنا لن أفعل، وأغمضت عينيّ، وما إن طلبت مني رفع يديّ لتبدأ نزع ثيابي إذا بي أنفجر بالبكاء كما لو كنت طفلة.. لم أستطع فتح عينيّ إلا حين وضعت الجهاز على جسدي، وما أذكره أنني صرخت حينئذ في وجهها بالعربية: كفى! فحصت الضابطة الإسرائيلية ثيابي الداخلية ثم أعادتها لي لأرتدي من جديد كل ثيابي. في تلك الأثناء خارت قواي..

 

في الطريق إلى مكتب الجوازات مر ضابطان مصريان بدا من زيهما أنهما مسؤولان كبيران في المطار.. وما إن دخلت المكتب حتى رنّ هاتف الموظف الذي أجاب على الهاتف بكلمة واحدة: حاضر. سألني: إنتي صابرين من عرب ٤٨؟ قلت: نعم. اسم الوالد محمد؟ قلت: نعم، وانفجرت في البكاء من جديد على ذكر اسم أبى ورقم «٤٨». واللافت أن اسمي في جواز السفر «سبرينا» وليس صابرين، لكن الموظف ناداني باسمي الحقيقي. ختم الجواز بسرعة شديدة، ثم اقتادتني الضابطة الإسرائيلية إلى صالة الانتظار.

 

عندما دخلت سلمت الجواز للضابط المصري، ثم طلبت مني ضابطة مصرية أن أخلع حذائي، فقالت لها الضابطة الإسرائيلية: لقد فتشناها ولا داعي لتفتيشها ثانية، فانفجرت بالبكاء مجددا، وقلت لها: ارحموني، لقد بهدلوني. تعاطفت معي الموظفة وقالت للضابطات الأخريات: سيبوها، وأضافت: «ادخلي واستريحي يا حبيبتي».

 

جلست على أحد المقاعد في انتظار الحافلات لتنقلنا إلى الطائرة، ولاحظت تواجد الضباط الإسرائيليين في غرفة المغادرة، وكانوا يراقبون إجراءات التفتيش من قبل الضباط المصريين . ومع ذلك تنفست الصعداء، ولم أصدق أني بغرفة الانتظار، وأني سأذهب إلى الطائرة حيث العودة إلى بلادي وإلى أهلي الذين ينتظرون عودتي بفارغ الصبر. حمدت الله على ما مر بي وتمالكت نفسى وصبّرت روحي بما كتبه الله على شعبنا الفلسطيني من بلاء ومصائب. في تلك الأثناء اتصل بي حسام ليطمئن عليّ، فانفجرت بالبكاء من جديد، وأخبرته بأنهم حققوا معي بشكل فظيع لا يحتمله بشر. أتت الضابطة المصرية التي تعاطفت معي وقدمت قطعتين من الحلوى).

 

وبعد أن تسرد تفاصيل أخرى تدل على صلف الضباط الإسرائيليين المتواجدين في صالة الانتظار، الذين لم يرق لهم أن يطلب ضباط الأمن المصريون بأدب جم من الركاب الإسرائيليين خلع أحذيتهم، تنهي صابرين رسالتها الموجعة قائلة:

 

«لم يهن عليهم" أقدام مسافريهم. كانت مفارقة مؤلمة جدا بالنسبة لي».

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال