<%@ Language=JavaScript %> نصر شمالي الأبعاد غير الحربية لصفقات التسلّح الضخمة

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

الأبعاد غير الحربية لصفقات التسلّح الضخمة

 

بقلم: نصر شمالي

 

أصبح معروفاً منذ عقود أنّ اتفاقيات التسلّح، أو صفقات التسلّح، لا تقتصر ضرورتها على احتياجات القتال والمقاتلين في حرب واقعة أو وشيكة الوقوع ، بل تتعدّاها إلى أبعاد وميادين أخرى، كالتجارة الصرف التي للمشتري أيضاً مصلحة غير حربية فيها، ليس من أجل العمولات التي هي "قضية صغيرة تافهة"، بل من أجل المصير المشترك الذي يربط بين كلا الطرفين كنظامين، ويجعل الشاري حريصاً على البائع حرصه على نفسه!

إنّ ظاهرة البعد التجاري الصرف تبرز أكثر ما تبرز في صفقات التسلّح العربية/الأميركية، بغضّ النظر عن شكلياتها غير المقنعة تجارياً، حيث يبدو البائع كأنّما هو متسلّط محتال والشاري كأنّما هو ضعيف مغفّل، وحيث تبدو الصفقة مريبة، مدعاة للدهشة والاستنكار والتهكّم من حيث حجمها الخرافي وأهدافها الحربية غير الواقعية. غير أنّ مثل هذه المشاعر وردود الأفعال تزول جميعها عندما ندرك أنّ العملية/الصفقة تتمّ داخل تشكيلة دولية واحدة، وبين طرفين متكاملين، فهي عملية داخلية تشبه مناقلة في ميزانية. أي أنّ لها ضروراتها الواقعية المفهومة تماماً من قبل الطرفين الشريكين. لكنّ إبرام مثل هذه الصفقات (التجارية) يبقى غير ممكن من دون خطر حربي ملموس، أو مفترض، يبرّره أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، الأمر الذي يدفع بالبائع، يؤازره المشتري، إلى افتعال الخطر أحياناً، وتضخيمه وتهويله!

 قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وزواله تململ الأوروبيون من السياسة الدفاعية الأميركية، حيث الهدف المعلن الذي ظلّت واشنطن تلحّ عليه هو التصدّي للخطر السوفييتي. وبينما أيّدها بعض حلفائها العرب بحماسة رأى بعض حلفائها الغربيين أنّ الهدف الكامن هو إحكام السيطرة الأميركية على أوروبا الغربية بالذات، مضافة إليها الشرقية، وهو ما تأكّد فعلاً، بالدلائل القاطعة، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي.

كانت الشكوك تنتاب الأوروبيين عموماً وهم يطالعون تقارير المخابرات الأميركية عن القوة العسكرية لحلف وارسو، مثلما تنتاب الشكوك العرب اليوم بصدد تقارير مشابهة عن الخطر الإيراني. وذات مرّة أعلن أحد القادة الاستراتيجيين في حلف الناتو، الجنرال كراوس، أنّ تقييماً صحيحاً لميزان قوة النيران يدلّ بشكل قاطع على أنّ حلف الناتو يتجاوز حلف وارسو. قال الجنرال: على واشنطن التوقف عن بثّ الذعر في قلوب الأوروبيين، والتوقف عن دفعهم إلى زيادة إنفاقهم العسكري بحجج مزوّرة!

لقد ترتّب على تصريحات الجنرال كراوس الجريئة حينئذ أنّ بعضاً من الأوروبيين سارع إلى تحقيق انفراج في علاقاته مع موسكو. ثمّ إنّ موسكو بالذات كانت في تلك الفترة تنتقد واشنطن وتطالبها دون كلل بمزيد من الحوار حول نزع السلاح. غير أنّ ما حدث كان مؤقتاً، حيث سرعان ما أعيد الأوروبيون إلى حظيرة الشراكة الإستراتيجية والمصير المشترك، وانخرطوا في برنامج لإعادة التسلّح وضعته واشنطن.

كان الأوروبيون يقاومون أحياناً، في بعض الحالات وتحت ضغط شعوبهم. وكان البريطانيون، مثلاً، يشتكون من الضائقة الاقتصادية الخانقة، ويخفضون النفقات الحربية الجديدة على حساب المساهمة البحرية البريطانية في الدفاع عن الطرق الدولية لحلف شمال الأطلسي. وقد اتسعت المعارضة الشعبية لتشمل الولايات المتحدة بالذات، غير أنّ التسلّح استمرّ على أوسع نطاق، وذلك لأنّ الإنتاج الحربي أصبح فرعاً رئيسياً في البنية الكلّية للنظام الرأسمالي الدولي، بحرب أو من دون حرب!

تقول نشرة صادرة عن وزارة الدفاع البريطانية ما يلي: "إنّ القدرة على إنتاج وتطوير الأسلحة هي رأسمال وطني هام. إنها تضمن الموارد، وتمكّن بريطانيا من خدمة المتطلبات التي تواجهها بطريقة ملائمة وفي الوقت المناسب. إنها تؤمّن الوظائف في الداخل، ويدفع مقابلها لنا بنقودنا، وهي تمكننا من التعاون في مجال مفضل لدينا، وتقدّم لنا إمكانية ضمان نقد أجنبي من خلال المبيعات، وفوق كلّ شيء تساعد في الحفاظ على أمتنا بمساهمتها في دفاعنا"!

في ما يتعلّق بالمنطقة العربية لا يزال الوضع على حاله عموماً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي معرض توضيح هذا الحال، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال أحد مساعدي الرئيس ريغان ما يلي: "إنّ منطقة الشرق الأوسط، بما فيها الخليج، هي "منطقة مفتاح" أساسية في السياسة الخارجية الأميركية، لأسباب لا تخفى على أحد، ولذلك فإنّ واشنطن على استعداد لتوجيه الضربات ولخلع أيّ نظام يقف في وجه مصالحها"! وبعد ذلك كشف النقاب عن أنّ واشنطن أبلغت دول الخليج العربي عن عملية نشر قوات برية وجوية وبحرية في الخليج قوامها ثلاث فرق عسكرية، وخمسة عشر سرباً مقاتلاً وحاملة طائرات، على أن تقوم دول الخليج بتمويلها. وذكر لاحقاً أنّ صندوقاً تأسس بالفعل لتمويل هذا الوجود العسكري الإضافي، الذي قدّرت تكاليفه بعشرة مليارات دولار.

وفي اجتماع للجنة التعاون المشترك بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي، عقد حينئذ في أرلنجتون/فرجينيا، أعلن روبرت بيللترو مساعد وزير الخارجية أنّ أهداف الولايات المتحدة في الخليج متعدّدة، فهناك الأهمية المتزايدة للشراكة الاقتصادية، وهناك المصالح القوية للشركات الأميركية التي تتولى إقامة الصناعة والبنية الأساسية، إضافة إلى أنه لا بدّ من حماية الأصدقاء، وحماية المصالح الحيوية، والتأكيد على أنّ الولايات المتحدة مستعدّة للتصرّف بحزم عند اللزوم"!

لقد توالت مثل هذه التصريحات على ألسنة المسؤولين في جميع العهود الأميركية، وهي تصريحات يقرّها حلفاؤها وأصدقاؤها دائماً. وعلى الرغم من التغييرات النوعية التي حدثت في تركيبة النظام الدولي عموماً، بعد احتلال العراق، فإنّ مثل هذه التغييرات ونتائجها لم تظهر كما ينبغي، لا في المنطقة العربية ولا في المنطقة الأوروبية الغربية، فليس ثمّة مراجعة ولا تراجع في المواقف المعلنة، الأمر الذي يشير إلى مدى تشابك العلاقات بل اندماجها إلى درجة الانصهار العضوي بين أنظمة هاتين المنطقتين وبين نظام الولايات المتحدة. وليس أدلّ على ذلك من صفقات السلاح العملاقة التي تعزّز جميع مواقع البائع الأميركي المضطربة دولياً، وليس موقعه العسكري فقط، وهذا التعزيز الإجمالي هو ما يريده الشاري أيضاً، بالضبط!

 

                                       ns_shamali@yahoo.com

 



 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال