<%@ Language=JavaScript %> محمد السهلي مرجعيات مغيبة

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

مرجعيات مغيبة

 

 

محمد السهلي

 

أجواء عاصفة ولدها نشر وثائق على شاشة فضائية «الجزيرة» القطرية، تتصل بالمفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وتراوحت ردات الفعل على نشر هذه الوثائق ما بين التنديد بالمحطة الفضائية المذكورة واتهامها بمناصبة السلطة الفلسطينية العداء والتآمر عليها من خلال خلط مقصود للمواقف الإسرائيلية في المفاوضات مع مواقف المفاوض الفلسطيني، وبين مواقف أخرى وضع أصحابها المفاوض الفلسطيني في خانة التنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وبأنه تساوق مع الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

ومن الطبيعي أن تحدث ضجة كهذه على اعتبار أن الموضوع يتعلق مباشرة بالعناصر الأساسية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها إبان النكبة ومستقبل مدينة القدس إلى جانب القضايا التي تتصل بقيام الدولة الفلسطينية.

والتباين الحاد والواسع في ردات الفعل يتعلق في بعض منه بالواقع الذي تعيشه الحالتان الفلسطينية والعربية والذي يسوده مشهد الانقسام وتداعياته المتفاقمة على غير صعيد وفي غير مكان. وهذا يؤدي ـ برأينا ـ إلى الابتعاد عن الموضوعية المطلوبة في تناول القضايا الكبرى المزمنة وفي المقدمة القضية الفلسطينية خاصة ومسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي عموما والاستحقاقات الكبيرة التي تطرحها هذه القضايا على المستويين الرسمي والشعبي.

وربما نجد أنه من الضروري أمام جلبة المواقف المتقابلة هذه أن نعيد التأكيد على مسائل كثيرة سبق أن طرحناها بشكل ملح وخاصة فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية في ظل انسداد آفاق التسوية السياسية المطروحة وواقع الانقسام الحاصل وبينهما بالمحصلة غياب أو تغييب البرنامج الوطني عن دائرة الفعل.

* ومن بين ما ينبغي إعادة تسليط الضوء على الموقف منه، هو مسألة المفاوضات التي دارت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وقد أكدنا في محطات عدة منذ انطلاقة هذه المفاوضات, قبل نحو عقدين بأنها تفتقد إلى الأسس الواجب توافرها ربطا بتحصيل الحقوق الوطنية الفلسطينية.

ونبهنا دائما من مخاطر تغييب مرجعية قرارات الشرعية الدولية عن أسس هذه المفاوضات وحذرنا من أن ذلك سيؤدي إلى تفكيك القضية الفلسطينية إلى عناوين تفاوضية على مسارات مختلفة ومنفصلة عن بعضها البعض, مما يهدد جديا تكامل الحقوق الفلسطينية وهذا ما تجلى بشكل واضح في الآليات التفاوضية التي مهدت لاتفاقات أوسلو وتلك التي تولدت لاحقا في ما سمي حينها بالمرحلة الانتقالية..

* وكان من أخطر مظاهر عملية التفكيك هذه ترحيل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مسرب تفاوضي دولي غيب عنه عمدا القرار 194 الذي يتحدث صراحة عن وجوب السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين. ومن هذه الزاوية حذرنا مرارا من أن قضية اللاجئين في خطر داهم.. ودائم.

وعندما نتحدث عن قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فهذا يتعلق أيضا بالدولة الفلسطينية المستقلة التي ترد إقامتها في مقدمة عناوين البرنامج الوطني في المرحلة الراهنة وينبغي أن تبسط سيادتها وولايتها على كامل الأراضي التي احتلت في العام 1967. ومن هذه الزاوية أيضا نظرنا بخطورة إلى القبول الذي أبداه المفاوض الفلسطيني ببحث نسب تبادل الأراضي بغض النظر عن حجم هذه النسب. لأن تكريس مبدأ التبادل يتناقض مع المطلب الوطني في إزالة جميع مكونات الاستيطان في الضفة الفلسطينية المحتلة وبخاصة في القدس ومحيطها دفاعا عن هويتها الوطنية الفلسطينية.

* ومن الملاحظات الرئيسية على مسار المفاوضات بمحطاتها المختلفة أنها جرت في ظل سعي دائم من قبل الفريق المفاوض لأن تكون هي العنوان الأساسي ـ بل الوحيد ـ على أجندة العمل الوطني الفلسطيني وبالتالي فقدت المفاوضات أية قوة دفع وطنية تمثلها حالة النهوض الوطني المفترض مع استمرار الاحتلال وعدوانه واستشراء الاستيطان وحملات التهويد، وهو وضع المفاوض الإسرائيلي في محطات كثيرة في وضع مريح مع تحول المفاوضات إلى عملية «دبلوماسية» محضة, تسيطر على وقائعها, وبالتالي نتائجها المفترضة تجليات التفاوت الهائل في موازين القوى على الأرض فيما بين الجانبين المتفاوضين. وهذا أدى بالتالي لأن تتحول مطالبات المفاوض الفلسطيني إلى مجرد مناشدات تتوجه بالشكوى إلى أطراف دولية وخاصة الجانب الأميركي الذي أحكم السيطرة في الإشراف على هذه المفاوضات بدعوى «الوسيط النزيه» على الرغم من أن الوقائع كانت دائما تؤكد انحيازه المستمر للرؤية الإسرائيلية في حل الصراع.

لقد أدى إيلاء مسار المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي تلك الأولوية التي لا تستحقها، إلى إلحاق الضرر في جوانب العمل الوطني المختلفة وفي المركز منها مقاومة الاحتلال بكافة الأشكال السياسية والميدانية بما فيها المقاومة المسلحة التي ينبغي أن يقود إيقاعها ومستواها ويوجهها البرنامج السياسي الفلسطيني الموحد.

واستغل الاحتلال الإسرائيلي مسار المفاوضات منذ انطلاقها من أجل تنفيذ مشاريعه الاستيطانية والتهويدية، وساعدته هذه المفاوضات على تخفيف الضغط الدولي المفترض على خلفية أن الجانبين المتفاوضين في معرض البحث عن حلول لجميع قضايا الصراع. ويمكن لنا ونحن نقرأ خريطة الاستيطان اليوم في الضفة والقدس أن نتلمس نتاج هذه السياسة.

* وترافق عاملا تغييب قرارات الشرعية ذات الصلة وإبعاد المفاوضات عن محاور العمل الوطني الأخرى مع عوامل سلبية أخرى أبرزها غياب المرجعية الوطنية الائتلافية للمفاوضات وبذلك تحرك المفاوض الفلسطيني في دائرة ضيقة محصورة بمطبخ سياسي خارج سياق الاحتكام لقرارات الاجماع الوطني والهيئات الصادر عنها بدءا من المجلس المركزي وصولا إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والتي لجأت للأسف في بعض القرارات إلى اعتماد الأغلبية العددية على حساب الأغلبية السياسية في مكوناتها, وخاصة تجاه القرارات المصيرية ومن بينها قبول الدخول إلى المفاوضات دون الوقف التام والشامل للاستيطان وقبل ذلك تحديد مرجعية هذه المفاوضات ربطا بقرارات الشرعية الدولية.

* وتعاني الحالة السياسية الفلسطينية من غياب مرجعياتها التشريعية بدءا من المجلس الوطني «المتقاعد» وصولا إلى المجلس التشريعي الذي تحول إلى فاعل سلبي في عملية الانقسام الداخلي. كما تفتقد إلى الآليات التي تكفل تفاعل مكونات الشعب الفلسطيني الاجتماعية على اختلاف أماكن وجودها مع القضايا الرئيسية المطروحة على الصعيد السياسي وغيره من زاوية المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار الوطني كما في النهوض بالمهام التي يفترضها الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ويشمل ذلك منظمات المجتمع المحلي في الضفة والقطاع وحركة اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات وغيرها من الفعاليات الاجتماعية والنقابية والثقافية..

غيابات متعددة ومتواصلة لمرجعيات دولية ووطنية ضرورية لإسناد الموقف الفلسطيني. والمؤسف أن هذا كله يتم في ظل اشتداد هجمة المشروع الاستيطاني الصهيوني وسعي تل أبيب وحلفائها إلى فرض حل سياسي لا يستجيب لطموحات الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية. وهذا يطرح تساؤلات جدية برسم الحالة السياسية الفلسطينية بكافة  مكوناتها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الخيارات الوطنية لا تزال مفتوحة وينبغي ـ برأينا ـ أن تبدأ بالقطع مع سياسة التفاوض القائمة ورفض العودة إليها لصالح إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري. ويتطلب المضي بهذا المشروع الخروج من حالة الانقسام واستعادة الوحدة.. ومن غير ذلك سنكون أمام فصل مأساوي آخر من تداعيات الانقسام تتيح  للاحتلال مواصلة سياساته التوسعية مستفيدا من انشغال الحالة السياسية الفلسطينية بصراعاتها الداخلية.

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال