كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

          

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

( رمزية الكلب) في ارض الزعفران

بقلم الناقد عبد الرضا جباره

 

*يبدو حميد لفته في قصص مجموعته (ارض الزعفران) دؤوبا على الاستفادة من الواقع والبيئة الجنوبية بوصفهما الجذر الذي ينتمي إليه. وهذه الاستفادة تلبي حاجته إلى السرد والاستحضار الملح للماضي فهو مفتون بتتبع جزئياته ونماذجه سواء المتغير الإنساني... أم الحيواني. وقد يجسد هذا الاحتواء- بأنواع معرفية مختلفة باختلاف الإطارات الاجتماعية التي يتضمنها الفعل القصصي- وتبدو- رمزية الكلب- كإحدى الشواخص القصصية في  المجموعة حيث تتحرك الشخوص بامتلاء ضمن متغير  متفوق دائم يحقق القاص مثله الإنساني والفني في ترميزات توزعت بين غيرة كلب..

وكبرياءه...وكان الكلب صار الامتداد الطبيعي للإنسان بوفائه وإخلاصه وانسلاخه من مكنوناته. وقدرته على التآزر مع الآصرة الاجتماعية. وهو رمز من رموز الالتصاق بالجذور أيضا. لذلك فان التسمية التي أطلقها الكاتب حميد لفته على هاتين القصتين في مجموعته( ارض الزعفرا)  تقدم لنا مفتاحا أوليا لهذا الخطاب القصصي القائم على صراعات داخل المتغيرين( الإنساني.. والحيواني) فرمزية الكلب ( تلفت انتباهنا بشكل ملحوظ فهي أداة صراعيه لتحقيق غاية النفس البشرية اللامحدودة بدورها وربما حتى  الاستئثار من خلال (حمور... وكَمره)  يقول القاص من قصة ( كان يوما كلبا مشهودا له في القرية حين توجته (كَمره)  الجميلة الفتية البيضاء بتاج  عرش المحبة والغرام رغم انف عشرات الكلاب الطامعة برضاها وكسب مودتها. لقد كان ((حّمور))  بذكائه وفطنته ولياقته وفتوته وإقدامه وجرأته  لا يدانيه أحد في امتلاك (كَمره)*.

 

وفي قصة (غيرة كلب) يقول القاص ( هز مسرور ذنبه ورأسه إعجابا برجاحة عقل ودراية حبيبته "فتونه" وغاب في حلم وأطياف وتخيلات يوم العرس الموعود لأول مره في حياته ، مكشرا أنيابه مهددا عشرات الكلاب التي تحوم حول حبيبته بالويل والثبور إن هي حاولت الاقتراب منها) ومقابل هاتين الوحدتين تقوم الوحدة المركزية للسلطة في هذا المركب والمتغير الحيواني. فوحدة الكلب تستند إلى مراجع متجانسة( تم بعد هذه الوحدة المؤقتة بين الكلبين تواجهنا وحدة أخرى هي الصورة المأساوية لهذه الوحدة المنكسرة المرموز إليها بضياع الكلب في المدينة.. أو انجذاب"فتونه" إلى كلاب أخرى، فالحدث الرئيسي. ينطلق من فلسفة  الانشطار وافتراق الكلبين كرمز لتباعد أو انكسار القوة الموحدة . بضياع -حمور-

وانجذاب ((فتنه)) أي خارج موقعهما ودورهما التقليدين. ومن هنا من خلال علاقات المتغيرين.( الحيواني... والإنساني) أقول الإنساني ففي التحول الجغرافي والأمكنة عند العائلة من ( أم حلانه وشط العزاميه وشط المجيهيله إلى المدينة) هذه الانتقالات في الحيز المكاني. أفرزت لنا أكثر الأسئلة رهافة وأهمية في الوجدان الإنساني وهي لمن السلطة... فكأن السلطة لمن استولى عليها... وكان  الأرض لمن يزرعها. وفي المحور الثاني يشكل المرموز في كبرياء كلب تدامج المتغيرين الإنساني والحيواني واشتراك البشر والحيوانات في الحياة وفي الصراع من اجل البقاء ( تنازع الوجود ..وتنازع السلطة) القدرة على تدبير الوجود وأحيانا احتكار مقومات الوجود ذاتها  فالإطاران  الحيواني والإنساني يتداخلان ويتفاصلان بشكل مدهش في القصتين( غيرة كلب... وكبرياء كلب) بحيث يصعب علينا رسم الحدود الفاصلة انثروبيلوجيا بين هذين الإطارين لذلك لابد من استخراج الدلالات السياسية المستبطنة التي تبدو متشابكة في أحداثهما وأزمتهما. غير إن رمزية الكلب توزعها على أكثر من مسار فإنها تشير بشكل واضح إلى عدم تكافوء القوى فالكلب في مواجهة المدينة أي منظومة القيم المكانية ستنعكس شفا هيا على تعالق الكلب يستند فيها على موقعه الإيهامي ألتصارعي أي إلى نظام قيمي متداخل. لكن هذا النظام ألقيمي الذي يتمثل فيه الكلب ينطبق في شيء على السلوك الفعلي وهذا بتقديري من أهم المرموزات الفكرية التي أراد القاص أن يثيرها يقول القاص المبدع حميد لفته من هذه القصة (كبرياء كلب)(( أنها لحظات تفصلك بين الحرية والكرامة وبين المذلة والعبودية والهوان فما عساك فاعلا يا حمور)) لذلك يبدو انه نظام وإيهامي لتغطية سلوكيات الأحمر... إذا وافق(حمور)  به وانصاع له وتساوق معه وما أكثر التبريرات في بنية المكان والتي على ((حمور)) أن يجتازها ليحتفظ بنقائه وصفاءه القروي الذي اعتاد عليه ، وبناء  على النسق في المتغير الحيواني شيد حميد لفته عوالمه القصصية بمكونات دلالية أخرى، فا ستعار قضاء باذخا بالمهيمنات القصصية ولكنها بمدلولات مرادفة للوعي الإنساني الذي انحسر وهو يواجه الازدواجية والنفعية والضياع فالمتاهة تمتد لتلتهم كل شيء لكنها تفصح عن مواقف استبطانية لوعي سياسي مسبق من خلال الإيغال في البيئة الشعبية حيث يبدأ بمرحلة تاريخية تمتد إلى زمن الإقطاع وسنوات الجمر والحرمان  كمحور يتوهج تدريجيا للتوغل في القرية التي استوطنت ضفاف الهور... والشط الذي لم يبق فيه سوى الأوحال. إضافة إلى ذلك إن نفسه القصصي ظل ينبع من تلك الحالة ومن ذلك  الحيز المكاني والقصص  سواء في المجموعة بشكل عام أم في هاتين القصتين تستفيد من الامتزاج بالشخصيات ومجاذبتها أطراف الحديث حيث تجد في قصة ((غيرة كلب)) وقصة ((كبرياء كلب)) كلمات وتسميات شعبية ريفية لها صلة بالواقع المعاش آنذاك بما يحمله من جوع .. وعناء من ذلك.

ومن الطبيعي إن هذا الكشف يمثل مقتربا أدائيا لتشكيل النص القصصي على الرغم مما ينطوي عليه عنوان القصتين من بعد رمزي يكاد يقوم عليه الهيكل العام للنص. وعلى الرغم من الهدوء والمسالمة والعفوية التي يوحي بها((رمز الكلب)) إلا انه في الوقت عينه ينطوي على ثورة وهيجان وتذمر  ورفض يعكسها جدل للعلاقة الداخلية المثلثة بين وحدات العنوان التي تفرض... بدميميتها وتلاحمها شكلا زمكانيا هلاميا لا يخضع للمقياس أو العدد ولا يخلق حس التموضع والمحدودية وقد سخر حميد لفته في القصتين جل طاقاته الفنية والتركيبية لهندسة النص ولعل هذا واحدا من الشروط المهمة لنجاح فن القصة  بوصفها ليست انشاءا يعكس فيه الكاتب جملة من المشاعر والعواطف والأفكار لا على التعيين وكيفما اتفق بل  يختط لها ويطرح فيها المفاتيح الأساسية للنص ويشيع فيها مناخا محررا لحركة الفعل القصصي الذي يجب أن يتمادى في حريته داخل كيان النص، لقد توفر  المفتتح (( الكلب))  كرمز وكمقترب استهلالي على جملة محاور أساسية يمثلها تنوع الحدث في القصتين وتداخلها الهندسي إذ ينقسم أساسا إلى محورين رئيسين محور ((الكلب)) في مواجهة دلالية المكان الجغرافي وما يعكسه من تغاير سلوكي يقول مثلا(( هل يستطيع وسط هذه المسوخ الذليلة أن يقود ثورة كلبية من اجل الحرية وهي تؤمن بمقولة شائعة في أوساطها ((كل الياخذ أمي يصير عمي)) و ويمثل هذا لمحور (مقتربا أوليا من مقتربات إغراء الفعل القصصي بالاندفاع  والعمل والانطلاق من خلال منعطف مركزي يسهم في تشكيل أول محطة من محطات ارتكاز التجربة الحيوية داخل تجربة النص وهذه المحطة التي يشكلها –الكلب- بكل ما يمتلكه من ارث إنساني وطاقة مذهلة على الإيحاء يؤلف نسيجه داخل الكيان العام  لمفتتح النص من خلال جملة من الوحدات الموضوع...

ذاتيه.. التي قد توحي بالمناقضة... وقلة التوافق إذ إن المنطقة القريبة والتي تشكل (( البيئة القصصية للكلب)) والتي تنهض بها هذه المفردة تنقسم في وصفها إلى قسمين. القسم الأول المتمثل بالسطوة والقوه والتحكم... والقسم الثاني...

المتمثل بالانسحاق والتردد والحرمان .... إلا إن القسمين يلتحمان التحاما جدليا عندما يتداخلان ( الكلب+ البيئة).. إما محور الداخل فانه يؤسس  عالمية من خلال مفرداته الحادة والمباشرة التي تطمح إلى استثارة الفعل القصصي وتحديد أهدافه واشاعة روح المغامرة. فالعلاقة الرابطة هنا بين الكلب والبيئة القصصية (كرمز لدوافع اجتماعية ونزعات متراكمة ) وقد هندسها القاص(أفقيا.... وعموديا) بشكل يفضي إلى الخلاص  لهذا الهم الذي يثوي قي كل مفردة من مفردات النص وهو يصارع أجزاءه ومقتربا ته من اجل الانطلاق نحو تشكيل جديد. وقد عبر حميد لفته عن الخلاص الإنساني من خلال الكلب بإبداع من خلال هاتين القصتين- غيرة كلب...وكبرياء كلب فأمنياتي بالتوفيق.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا