<%@ Language=JavaScript %> صلاح حسن الموسوي  دور الطبقة الوسطى في العراق

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

 

دور الطبقة الوسطى في العراق

 

 

 

 

صلاح حسن الموسوي[1]  

 

اتسمت غالبية الكتابات العربية عن واقع الطبقة الوسطى بالشجن والأسى لمّآل هذه الطبقة التي ارتبطت في عقدي خمسينات وستينات القرن الماضي بحركة تصفية النفوذ الاستعماري والشروع بتأسيس الدولة الوطنية المستقلة وتبني الديمقراطية وسمو الدستور كخيارات ستراتيجية سعيا لوضع أحلام النهضة واللحاق بركب البلدان المتطورة موضع التنفيذ عبر  الخطط التنموية  والسير في طريق انجاز الطفرات التعليمية والصحية والصناعية, والتصدي للتواجد الاستيطاني الصهيوني في المنطقة, قبل إن يبدأ مشروعها بالتراجع والضمور لصالح انتصارات المشروع الصهيوني خصوصا في حرب حزيران عام 1967 وتغّول دول ( الريع) النفطي بعد الاستفادة من الزيادة العالمية لأسعار النفط وتقوية الأنظمة العربية لأجهزتها الأمنية والدعائية مما شجع الحكام على ألاستغناء عن الطبقة الوسطى كقاعدة متنورة وذات مصلحة حيوية في ديمومة مشاريع التحديث والتنمية , وحشرها في دور التابع المطيع لأجهزة الدولة التي اختزلت بشخص الحاكم وأقاربه ومافيات القطاع العام التي حلت بدلا من طبقة ( الكمبرادور ) القديمة كطبقة جديدة فاسدة تعادي مطالب الديمقراطية والحقوق المدنية والنضال ضد التبعية الخارجية .

ينتمي تاريخ ولادة الطبقة الوسطى في العراق الى ولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921,وتدين في نشأتها الى انتشار المدارس والمعاهد العالية وتطور الصحافة ونمو الجمعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , ولم تكن نشأة هذه الطبقة حصيلة لرغبة المستعمر البريطاني الذي أستبدل فئة ( الأفندية ) العثمانية بفئة ( شيوخ العشائر ) عبر أقطاعهم المساحات الزراعية الواسعة وفرضهم داخل المجتمع كطبقة متنفذة سياسيا واقتصاديا , وإنما بفعل ما يمكن تسميته ( بالروح الحية ) التي سرت في جسد المجتمع العراقي شبه الميت نتيجة لعوامل داخلية وخارجية أهمها ثورة العشرين وكاريزما الملك فيصل الأول وتغير منطق السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الأولى بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا وذيوع صيت المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ويلسون , وقد قيل على سبيل الوصف وتقريب المعنى لنمو الطبقة الوسطى العراقية والمهام الخطيرة التي ستضطلع بها , بأن السلطة الملكية وضعت المزيد من المسامير في نعشها مع المزيد من المدارس التي أنشأتها , والقصد أن المدارس ستدعّم من قوة الطبقة الوسطى عبر زيادة وتراكم أعداد الفئات المتعلمة والتي سيكون مطلبها الأساس فسح المجال للمشاركة في السلطة وعدم قصره على أبناء الطبقة القديمة المتمثلة بشيوخ العشائر والضباط الشريفين وأبناء العائلات الميسورة الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الغربية الراقية , وهذا ما حصل بالفعل عبر التغيير الثوري العنيف في 14 تموز عام 1958 والذي خططت له أحزاب الطبقة الوسطى المؤتلفة ضمن جبهة ( الاتحاد الوطني ) ونفذه تنظيم الضباط الأحرار الذي ينتمي جل أعضاءه الى الطبقة الوسطى .

تميل نسبة لا يستهان بها من أراء العامة والمثقفين الى توجيه نقد مرير لثورة 14 تموز باعتبارها قاتل  للمسيرة الديمقراطية الواعدة من جهة وفاتحة لباب جحيم العنف السياسي الدموي وتسلط الديكتاتورية واشتعال الحروب في الداخل ومع الخارج من جهة أخرى ,ولا تعد حجة الديمقراطية الملكية حجة في إدانة ألأشخاص الذين قادوا التغيير والغالبية الساحقة من الجماهير التي ناصرت الثورة , فالرأي العام كان ملغيا  بصورة شبه كاملة من خلال صورية البرلمان الذي لم يسجل له أي موقف في حجب الثقة عن أي من حكومات العهد الملكي التي ناهز عددها أل ( 58) تشكيلة وزارية , بل العكس هو الصحيح إذ يتكرر سقوط البرلمان وإعادة تشكيل الحكومة عبر النخبة الحاكمة خصوصا تحالف ( الوصي ـ نوري السعيد ) ومن خلفهم الشيوخ الإقطاعيين الذين كانوا يتحكمون بشكل مطلق بأصوات أبناء الريف العراقي الواسع .

 

والتجربة الديمقراطية التي ولدت بعد عام 2003 تحمل الكثير من الشبه مع التجربة الملكية المنقرضة من خلال عجز البرلمان عن رفع الثقة عن أي من  وزراء الكتل السياسية الحاكمة , واحتواء نخبته السياسية العليا على نسبة مؤثرة من أبناء وأحفاد الطبقة المتنفذة سياسيا واقتصاديا أبان العهد الملكي  . إما القلق السياسي والصراع العنيف الذي احتوى المشهد العراقي بعد عام 1958  فمرده انشقاق أيدلوجي داخل هذه الطبقة خصوصا التيارين القومي والماركسي, وطبيعة القرارات الثورية التي اتخذت مباشرة بعد إسقاط النظام الملكي أدت الى فتح جبهات صراع عديدة في الداخل ومع الخارج ,إذ أدى قانون ألإصلاح الزراعي الى استعداء شيوخ العشائر وكبار ملاكي الأراضي , وصعّد صدور قانون الأحوال الشخصية من استفزاز المجتمع الديني , وادي القرار رقم ( 80) المتضمن سحب امتيازات شركات النفط الأجنبية الاحتكارية من جميع الأراضي غير المستثمرة بلوغ العلاقة مع الغرب مرحلة كسر العظم , وقد لعبت المخابرات الأمريكية والبريطانية دورا رئيسيا في تنظيم وإنجاح أهم انقلابين بعد عام 1958 وهما انقلاب 8شباط عام 1963وانقلاب 17 تموز عام 1968.

شهدت الطبقة الوسطى في العراق توسعا مطردا , حيث شكلت بحسب تعداد 1977 حوالي (35% ) من سكان المدن و(22%) من أجمالي السكان , وتضم ( المهنيين والأطباء والمحامين والمهندسين والمدرسين وضباط الجيش وموظفي الخدمة المدنية وأساتذة الجامعات والمستويات الوسطى في القطاع التجاري ) . واهم مميزات الطبقات الوسطى في العالم تصدي نخبها للعمل الثقافي والإنتاج الفكري وحضور المكون الأخلاقي في صلب تكوينها والتي طالما سلحت به الدولة من خلال أبناءها الذين يصعدون الى الحكم , وقد تعرضت الطبقة الوسطى في العراق الى ضربة قاصمة مع صيغة الحكم ( العبودي ) الذي ميز ( الحقبة الصدامية ) التي اختزلت المجتمع والدولة العراقية ( بنظام عبودية على طريقة الأزمان الغابرة وبواسطة أيدلوجيا قومية حديثة ), وتمثل السحق الذي مورس ضد هذه الطبقة بإلغاء الحرية الثقافية والسياسية واستهداف المثقفين والمفكرين بالقتل والسجن والنفي , وعسكرة المجتمع أدت الى خنق المجتمع المدني واندحاره إمام طغيان المد الريفي حيث حلت القيم والتقاليد العشائرية في مفاصل المدن ومراكزها الثقافية والاقتصادية الرئيسية , إضافة الى أن الدوامة التي دخلت بها البلاد عبر الحروب والحصار والاحتلال الأجنبي أدت الى حراك سريع وفوضوي في الصعود الطبقي للأفراد أو هبوطهم , ,واخطر ما تمخض عن تلك النكبات الوطنية تشكل طبقة  سريعة بالغة الثراء تصح عليها تسمية (الطبقة الوسخة ) بتعبير الكاتب مأمون فندي بسبب افتقارها الى المكون الأخلاقي وهي عبارة عن لصوص ومافيات ينتمي جل أعضاءها الى أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة .

مثلما كانت الطبقة الوسطى وليدة الدولة العراقية الحديثة فان انحلال هذه الطبقة كان إيذانا بانحلال الدولة العراقية وتشظى  المجتمع الى أثنيات وطوائف وحتى عشائر خلافا لما أسهمت به الطبقة الوسطى وخصوصا نخبتها ( الأنتلجنسيا ) من دور تاريخي في دمج الهويات الأثينية والطائفية في إطار هوية عراقية حاضنة لمشروع وطني كاد إن يصل بالعراق الى مستوى من الرفاه والتطور يضاهي مستويات دول جنوب أوربا بحسب تقييم الخبراء الدوليين , ومع دخول العراق في صميم المعترك العولمي بعد الاحتلال الأمريكي , فأن توقعات نهوض الطبقة الوسطى العراقية تبقى أحلام بعيدة المنال , على الرغم من التحسن الكبير في المستوى الاقتصادي قياسا بسنوات الحصار المدمرة , وأسباب عدم التفاؤل , الابتلاع المستمر لزيادة الأجور من قبل السوق العراقية السائبة وأسعارها المنفلتة مما يجبر الموظف على استهلاك طاقته في مزاولة أكثر من عمل معيشي وبالتالي افتقار المجتمع لبذله وعطاءه في سبيل خدمة وتطوير الشأن الوطني العام , ومن جانب اّ خر ضاق المجال على أبناء هذه الطبقة في المشاركة السياسية الايجابية  كحصيلة لتغيرات ما بعد الاحتلال ,سواءا في المستوى التحتي الذي شغلته منظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج, أو المشاركة في القرار السياسي الذي أحتكر من قبل بيوتات الإقطاع السياسي الجديد وفرسان المال الفاسد والشهادات المزورة الذين تسنموا مناصب ليست من استحقاقهم وباتوا يشغلون الفضاء السياسي العام في ظل استمرار غيبوبة المثقفين العراقيين الحاليين تحت سحر الليبرالية الجديدة وانخراطهم في أعمال ونشاطات هدفها ألأساس تدبير لقمة العيش وتمشية الأمور الذاتية . ولا يمكن للطبقة الوسطى العراقية النهوض بدورها في إعادة الحياة الى المجتمع العراقي الموحد الأ بخلق نخبة مثقفة عضوية متسامية على ألانحدار الاجتماعي الجاري بعيدا عن مرتكزات المواطنة , والوحدة الوطنية , والتصدي للهيمنة الأجنبية على اختلاف مصادرها ولون الشعارات التي تتخفى ورائها , ومن المناسب جدا الاقتداء بصحوة شعوب أمريكا الجنوبية وقدرتها على مقارعة  طروحات العولمة الأمريكية عبر القيادات الجديدة التي صعدت الى الحكم وفق الآليات الديمقراطية وأصبحت تمثل الضمير الشعبي في تلك القارة التي خبرت الاستغلال والهيمنة الأمريكية لما يقارب المائتي عام .

 


 

[1] - مدير مركز الجنوب للدراسات والتخطيط الستراتيجي.

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال