<%@ Language=JavaScript %> يوسف حسين الشباب والأحزاب في الثورات العربية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 


الشباب والأحزاب في الثورات العربية

 

 

 

يوسف حسين

الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني

 

عود على بدء

الثورات العربية ، في جوهرها وقاعها العميق ، ثورات وطنية ديمقراطية تحررية ، تفتح الباب لتحولات سياسية وإجتماعية لصالح الشعوب العربية . ولهذا السبب بالذات واجهتها أنظمة الفساد والإستبداد للأسر الحاكمة التي إرتبطت مصالحها مع قطاع رجال الأعمال والإستثمارات الرأسمالية ، بحقد طبقي مبالغ فيه . لم يقف هذا الحقد عند حدود القمع المفرط وحده بل تجاوزه للتنكيل بالثوار . وقد دخلت القاموس السياسي العربي ، جراء ذلك ، مصطلحات جديدة تفصح عن خرق وتجاوز كل مبادئ وإستحقاقات الصراع السياسي الإجتماعي . وذلك على شاكلة : ... البلطجية والقناصة والشبيحة وزنقة زنقة وموقعة الجمل وغيرها .

ورغم كل الظروف والعوامل المعاكسة ، صمدت الثورات العربية وشقت طريقها نحو النصر ، بسبب إتساع قاعدتها الإجتماعية الجماهيرية التي ضمت الفئات الوسطى والعمال والموظفين والمهنيين والطلاب والخريجين العاطلين عن العمل والنساء والشباب عموماً .

وساعدت العاصفة الثورية العربية في كسر حاجز الخوف ، وفي تسريع وتائر الإحتجاج والنهوض الجماهيري ، وفي فتح شهية الجماهير العربية للتغيير ، ولكن شهية التغيير وحدها ، أو الرغبة والمزاج للفعل الثوري ، لن تقود للثورة والتغيير بصورة تلقائية ميكانيكية . فالأثر الخارجي مهما تعاظم وتضاعف في قوة جذبه وإلهامه ، يظل دوره عاملاً مساعداً فقط . إن الأولوية والأسبقية في هذا المقام هي للعوامل الداخلية ، ولكيفية إدارة الصراع السياسي والإجتماعي ، على النحو الذي يجعله مفضياً للمشاركة الفاعلة في تسونامي الثورات ، برسم التكتيكات السليمة لمسار الثورة إستناداً الىواقع وخصائص البلد المعين وتجاربه في العمل الثوري . ومن نافلة القول الإشارة الىخطأ المنهج الشكلي المبتذل ، والذي يتصور إمكانية إستنساخ حادثة إنتحار البو عزيزي ، أو الدعوات الشبابية عبر الفيس بوك للتظاهر في الميادين العامة كمقدمة لإندلاع ثورة الشعب .

وقد سبق لي أن ضمنت مقالاً لي حول الثورات العربية تحت عنوان : آفاق الثورات العربية ،(الميدان ، العدد 2356 بتاريخ 24/4/2011 ما يلي : "المعضلة التي تواجه الثوريين هي التعامل مع منظومتهم وواقعهم الخاص وظروفهم المحددة . هذه هي المعضلة . إنها معضلة فتح الآفاق لإنتصار الثورة وتطورها ، ولا علاقة لها كما يزعم البعض بالطبيعة الشبابية للقيادات ، ولا بعنفوانها الشبابي " .

وإستناداً الىذلك فأنه ليس بالضرورة أن تقود الثورات العربية الىثورة سودانية تطيح بالنظام الشمولي الفاسد في التو والحين ، ولكن أثر هذه الثورات سيظل باقياً ولن يتبدد ويذهب مع الريح . أنه يتكامل مع سبر أغوار الواقع وفتح آفاق للعمل الثوري والتواصل مع الجماهير والعمل القاعدي الصبور .

كما ورد في مقال آخر لي تحت عنوان "التأثيرات السياسية والإجتماعية للثورات العربية " ، (الميدان 2365 ، 15 مايو 2011) الت الى: "الزلزال الثوري الذي عم العالم العربي مهد الأرض لتغييرات عميقة وشاملة . وطبيعى أن هذه التأثيرات العميقة التي تحدثها العاصفة الثورية لا تتم في سرعة التفاعل المعملي في المختبرات . ولكنها كعمليات سياسية اجتماعية تحتاج لبعض الوقت لتأخذ مداها وأبعادها وتفاعلها بالكامل" .

الشباب ..... والثورة

صحيح تماماً ، إن الشباب قد لعب دوراً مشهوداً في الثورات العربية وفعالياتها ، وتعرض للقمع المفرط والتنكيل . ويكفي أن نشير هنا على سبيل المثال الىخالد سعيد المصري الذي إستشهد تحت التعذيب و الىزميله تامر الشرعى ، و الىحمزة الخطيب سيد شهداء الثورة السورية . ولعله من الطبيعي أن يلعب الشباب هذا الدور المشهود في مسار العمل الثوري ، هذه مسألة بديهية ، فالشباب هو وقود الثورات التاريخية والمعاصرة . غير أن قصر الثورة والعمل الثوري على الشباب وحده خطأ بيّن . خاصة وقد أتاحت لنا أجهزة الإتصالات الحديثة والأخبار التي ظلت تبثها بالصوت والصورة ، رؤية الثوار أنفسهم رؤية العين . وهم طيف واسع من كل الفئات العمرية ، هم في حقيقة الأمر جماهير الشعب في البلد المعين . إن غلبة العنصر الشبابي بين الثوار لا تنفي الطابع الشعبي للثورة . فهذا هو حال كل الثورات في العالم ، وكذلك حال فعاليات الصراع السياسي والإجتماعي في كل مكان وزمان وعبر التاريخ البشري . فالشباب هو القوة الديناميكية الفاعلة في المجتمع . ورغم ذلك تبقى الحقيقة : فطالما هناك فرز سياسي وإجتماعي بين الشباب نفسه على غرار ماهو حادث بين الفئات الأخرى في المجتمع ، سيكون هناك شباب ثوري ، تماماً كما سيكون هناك في الجانب الآخر من المتاريس شباب يقف مع مصالح قوى الثورة المضادة . ذلك أن الشباب ليس كتلة متجانسة ولا تكويناً طبقياً إجتماعياً .

وبالرغم من غلبة عنصر الشباب بين الثوار ، إلا أن ذلك لم يغبش الوعي الثوري له ليستأثر بفضل العمل الثوري وحده .

الواقع أن ممثلي الشباب في تونس ومصر واليمن ، يتحدثون عن ثورات شعبية وليس عن ثورات شبابية . شعار ثورة تونس كان : "إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر" . والشعار الأساسي لثورة مصر والثورات الأخرى كان ولا يزال : .. ،الشعب يريد إسقاط النظام" .

فالحديث عن دور الشباب في الثورات العربية شيء طبيعي . ولكن البعض يقوم بتحريف هذه المقولة الصحيحة لتصبح رديفاً لمقولة نظرية يحف بها الضلال والتضليل من كل جانب ، وفحواها أن قوى الثورة الإجتماعية وقيادتها قد إنتقلت الىأيدي الشباب ، وليس أيدي التحالف الإستراتيجي الإجتماعي للثورة والتغيير والأحزاب .

إن هذا يعيد للأذهان ، التعميمات النظرية المغلوطة التي راجت في منتصف ستينات القرن الماضي إبان ثورات الطلاب في فرنسا وعدد من البلدان الغربية . وكان هيربرت ماركوس ، الملقب بحكيم اليسار الجديد ، قد زعم وقتها ، أن القوى الإجتماعية المعروفة للثورة والتغيير من عمال ومزارعين وغيرهم قد أصبحوا بفضل الثورة التقنية ومنجزاتها عاجزين ومسالمين ومندغمين في النظام الرأسم الى. وأن القوى الجديدة الثورية هم غير المنتمين للنظام الرأسم الى، وهم الطلبة والعطالة والملونين وغيرهم . وبذا نسف ماركوس كل ما توصلت له العلوم السياسية والإجتماعية وعلم التغيير الإجتماعي ، والتي تحدد كقوى إجتماعية للثورة والتغيير ، الطبقات والفئات المكلفة تاريخياً بإنجاز التغيير لتضررها المباشر من علاقات الإنتاج الرأسم الىالقائمة ، وهي قوى العاملين ذهنياً ويدوياً في المدينة والريف ، وتماماً كما لا يصح تعريف الطبقات بمستوى المعيشة أو بإمتلاك سيارة ، ولا على أساس الفئة العمرية ، أيضاً لا يتم هذا التعريف للطبقات على أساس عرقي أوديني ، أنه يتم فقط على أساس الموقع في علاقات الإنتاج القائمة في المجتمع .

ولكن هذا لا ينفي البتة أن الشباب الثوري والطلاب والخريجين العاطلين عن العمل ، جزء إستراتيجي عضوي في جيش الثورة والتغيير ، فهم لديهم من الدوافع والجرأة والإقدام مايجعلهم يحتلون موقعهم بجدارة في صنع وإنتاج الثورة . وفي ذات السياق هناك أيضاً كل الشرائح والفئات التي ينسحب علىها تعريف البؤر الثورية والتي بإمكانها إشعال الفتيل في ساعة الصفر . ولكن هذا يجب أن لا يقودنا للضبابية والخلط في التحالف الإستراتيجي لقوى الثورة الأساسية . ولا جدال في أن للطلاب دوراً هاماً في العمل الثوري ، أن خصائص وسطهم كوسط متعلمين ومثقفين يجعلهم ذهنياً مهيئين لرفض الإستبداد ومقاومته . كما أنهم تربطهم آلاف الخيوط بمطالب الشعب . أن تحركاتهم تبث الحيوية في أوصال حركة الجماهير . وقد أكدت المعارك الطبقية خلال العام الماضي في فرنسا وبريطانيا أن تحركات الطلاب ترفد وتغذي التحركات الجماهيرية ضد الرأسمالية من خلال مطالبها الخاصة بديمقراطية الت علىم وتخفيض الرسوم الدراسية وضمان فرص العمل بعد التخرج ، وكذلك تضامنها مع المطالب الشعبية .

الأحزاب .... والثورة

ليس من المستغرب أن تقوم ذات الجهات التي تروج لشبابية الثورة ، بطرح شعار عجز الأحزاب وتخلفها عن الفعل الثوري . فالشباب في نظر هذه الجهات هم النقيض والترياق المضاد للأحزاب وعجزها . إن هذه الجهات تقدم تعميمات نظرية خطيرة لا تستند الىحيثيات وأسانيد كافية ومقنعة حول ما تزعمه ، ويتم إستناداً الىهذه الحيثيات رسم تكتيكات جديدة للعمل الثوري تدور في الفلك الشبابي ومواقع التواصل الإجتماعي في الشبكة العنكبوتية . وطبيعي أن هذه التكتيكات الفوقية لا تأتي بالعائد المتوقع ، وبالت الىتقود للإحباط وللإضرار بالعمل الثوري الواعي المنظم بين قوى الثورة .

أن هذه الجهات تهندس أفكارها حول عجز الأحزاب إستناداً الى أحداث بمعزلة عن أخرى كتصريح لزيد أو عمرو من أفراد قيادة حزب ثوري في هذا البلد أو ذاك ، وموقف سياسي عابر لحزب ثوري آخر في بلد آخر . أما مواقف هذين الحزبين المؤسسية والعشرات من بياناتها وتقييماتها للثورة وتطورها ، ومواقف الأحزاب الثورية في البلدان العربية الأخرى ، فلتذهب جميعاً الىالجحيم .

إن المهم في نظر هذه الجهات ، هو إصطياد جزئية من تصريح هنا وجزئية من تصريح هناك ، لتقوم بتأكيد طرحها بإبعاد الأحزاب من المسرح السياسي مرة و الىالأبد لمصلحة الشباب . والشباب كما هو معروف كتلة هلامية تضم كل الإتجاهات السياسية ، وليست حزباً . إن التمادي في الهجوم على الأحزاب الثورية لمصلحة الشباب ، يستبطن في أحشائه دعوة مستترة لأعداد من الشباب للإنسلاخ من عضوية الأحزاب الثورية ، وربما لتكوين حزب سياسي جديد سرعان ما تعتريه هو الآخر موجة من الإنسلاخات ويطويه النسيان ، خاصة وأنه سيكون كياناً مصطنعاً خارج المجرى العام للحركة السياسية السودانية وتقاليدها وتجاربها . أما الأحزاب الثورية فستبقى سالمة العنق بعد أن تعمد بقاؤها لعشرات السنين بالصمود والتضحيات الجسام والدم العبقري النضر .

وقد أسفرت خريطة الأحداث في مصر وتونس وغيرهما ، عن أن الأحزاب رغم ضعفها المزمن بآثار الشمولية الممتدة والقمع ، قد استعادت عافيتها وقدراتها ، وحدث إعتراف بها وتم تمثيلها في اللجان المختلفة وفي الحوارات الدائرة .

ومعلوم أن المدارك البشرية ، والوعي السياسي والإجتماعي ، لم يفرز غير صيغة الأحزاب كأدوات للعمل السياسي والإجتماعي ، تمثل مصالح طبقات وفئات وشرائح اجتماعية . أن الأحزاب لا تناضل بالوكالة أو النيابة عن الجماهير ، ولكنها ترسم الطريق وتطرح المؤشرات العامة وتوجه الدعوات النضالية لكافة القوى المتضررة من علاقات الإنتاج القائمة والبؤر الثورية . كما تطرح الأحزاب تصوراتها للدستور والدولة المدنية القائمة على المؤسسات . كما تقدم تحليلاً لقوى الثورة والقوى المضادة لها ، ليس على أساس التناقض بين الفئات العمرية بل على أساس التناقض الطبقي القائم في المجتمع . دور الأحزاب هو توعية وتنظيم الجماهير . فالجماهير هي القوى المحددة في التغيير وفي صنع التاريخ .

ويبقى في نهاية الأمر ، أنه لامكان للحديث عن لماذا لم تقم الأحزاب بتنفيذ الإنتفاضة التي دعت لها . فالطبيعي أن الحزب لايسيِّر موكباً ولا ينظم إضراباً سياسياً بعضويته وقيادته ، بل يتحرك الحزب بين الجماهير إستناداً الى برامجه وشعاراته ودعواته النضالية .

وكذلك لا يبقي مكان من الإعراب لأحاديث الهندسة السياسية على شاكلة .."مر شهر ولم يقم الحزب بإستنهاض الحركة الجماهيرية "! فإستنهاض حركة الجماهير بالعمل اليومي الصبور والمثابر عبر منهج النضال السياسي الجماهيري لمراكمة وإختزان الطاقة الثورية لا يحده مدى زمني معيّن .


http://www.jocp.org/index.php?option=com_content&task=view&id=2211&Itemid=40

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا