<%@ Language=JavaScript %> سلام السعدي الدين في خدمة عملية السيطرة، مثال القاعدة في خدمة الامبريالية

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

الدين في خدمة عملية السيطرة، مثال القاعدة في خدمة الامبريالية

 

سلام السعدي

 

 واحدة من أبشع المجازر بحق المسيحيين في العراق منذ الغزو الأميركي في العام 2003، ذهب ضحيتها 57 شخصاً، وأصيب 60، وتبنّت «دولة العراق الإسلامية» التابعة لتنظيم القاعدة الهجوم، مهدّدة بتحويل الكنائس في المنطقة إلى مقابر!!.

من الواضح أن هذا الهجوم الإرهابي القذر يندرج في السياق الذي رسمته الإدارة الأمريكية في العالم و الشرق الأوسط  عموماً، وفي الوطن العربي تحديداً، والذي يسعى إلى تأجيج نار الانقسامات العرقية والدينية والطائفية، وذلك لإحكام عملية السيطرة على الوطن العربي، وتسهيل نهب موارده وثرواته، وضرب أية إمكانية لتبلور نضال طبقي في ضوء  اشتداد بؤس الطبقات الشعبية في الوطن العربي، على الرغم من أن الهجمات المستمرة على المسيحيين في العراق منذ بداية الاحتلال عام 2003والتي أدت إلى هجرة ما يزيد عن 300ألف عراقي مسيحي من أصل 800 ألف، تصبغ هذا المشهد برؤية دينية ساذجة من قبيل أن الهدف من هذه الهجمات هو استهداف المسيحيين بحد ذاتهم وبشكل مفصول عن السياقات الموضوعية الأخرى التي ذكرناها.

ويعمل تنظيم القاعدة على خدمة القوات الأمريكية المنتشرة حول العالم والحكومات الامبريالية بشكل غير مباشر وذلك منذ نشأته المعروفة المرتبطة بالمخابرات الأمريكية السعودية لمحاربة الاتحاد السوفييتي الذي كان يدعم جميع حركات التحرر بالعالم، واستمر الارتباط مع المخابرات الأمريكية والغربية لكن بشكل خفي مع انه واضح ، فما أن تنوي الولايات المتحدة الأمريكية مهاجمة واحتلال والسيطرة على موارد دولة ما في العالم، حتى تنشق الأرض عن تنظيم القاعدة ويخلق هناك فجأة دون أي سياق تاريخي يبرر وجوده، وهذا ما حدث مؤخراً باليمن، حيث من الواضح أن أمريكا باتت عازمة على تواجد ثابت لقواتها في اليمن لإحكام السيطرة على المنطقة، فرحنا نسمع عن تواجد كثيف للقاعدة في اليمن وهجمات على الحكومة ومعارك، وهو ما لم يكن له أي أساس قبل سنتين مثلاً، وها هي قضية الطرود المفخخة تثير هلع الرأي العام الغربي لتحرفه عن نضالاته الاقتصادية المتصاعدة في ضوء تصاعد وتكرر الأزمات الاقتصادية التي تعيشها  الرأسمالية، فمع تصاعد الإضرابات والاحتجاجات العمالية والطلابية في فرنسا بشكل تاريخي(أكثر من 3 ونصف مليون متظاهر اجتاحوا شوارع فرنسا) احتجاجاً على السياسات الرأسمالية التي ترتفع وتيرة نهبها للطبقات الشعبية، بالتزامن مع ذلك انتفض تنظيم القاعدة لإنقاذ حكومة ساركوزي وحرف نضالات الطبقات الشعبية الفرنسية عن مسارها، فقام باختطاف خمسة فرنسيين، وزيادة في الخوف والهلع المطلوبين من المخابرات الفرنسية- الأمريكية، ظهر زعيم هذا التنظيم الإرهابي ليهدد الفرنسيين بشكل صريح وواضح، ولكل ذلك دلالات باتت غير خافية على احد.

تغذية روح العداء الديني والطائفي على صعيد عالمي هي الإستراتيجية الامبريالية غير الخافية على احد، فمن خلال المساعدة التي تقدمها  الطبقات الكومبرادورية الحاكمة، والتنظيمات الإرهابية المرتزقة كالقاعدة، وحتى وسائل الإعلام كالجزيرة والعربية وقنوات عربية وأجنبية أخرى، وبعد افتعال حوادث إرهابية بعلم وتخطيط مباشر أو غير مباشر من الإدارة الأمريكية، يجري التركيز على أشكال الصراعات وليس على جوهرها، فالصراع على شاشات التلفاز ليس بصراع سياسي- اقتصادي، وإنما صراع ديني – طائفي، وبأحسن الأحوال هو صراع بين الغرب والشرق، بغض النظر عن مضمون هذا الشرق، أو ذاك الغرب، فالشكل والجوهر واحد هنا، إنه الغرب المسيحي والشرق الإسلامي!!

تاريخياً تم استخدام عامل الدين بشكل كبير في الصراعات الاجتماعية، لما له من وزن في ثقافات الشعوب وأعرافها وتقاليدها، فاستخدم في مواقع معينة كوسيلة للحفاظ على السلطة القائمة وترسيخها وهو هنا لعب دور محافظ، أو بالأحرى تم توظيفه في لعب دور محافظ يحاول تأبيد الوضع القائم بما يحمي مصالح الفئة المسيطرة، أما في مواقع وأزمان مختلفة فقد تم توظيف العامل الديني في خدمة هدف التغيير، أي التخلص من الفئة المسيطرة القديمة والانتقال لمرحلة أخرى أكثر تقدماُ بمختلف المعايير، فالدين نفسه يختلف باختلاف القوى الاجتماعية المتصارعة التي تقوم باستخدامه، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن صراع إسلامي – مسيحي مثلاً كما يتم تصوير الصراع الحالي، فهذا النوع من الصراعات ليس موجود على أرض الواقع، انه فقط في الكتب الساذجة وفي الذات المتضخمة المريضة، أما في الواقع فستجد أن هنالك دول "إسلامية" قريبة جداً وحليفة لدول "الغرب المسيحي" كالسعودية، بينما تناصب دول في أمريكا اللاتينية وجميعها مسيحية العداء لسياسات هذا "الغرب المسيحي"، فالصراعات في جوهرها هي صراعات سياسية اقتصادية حتى لو أخذت أشكالاً دينية.

ولذلك يجب أن يكون مفهوماً من قبلنا أن تقوم دولة امبريالية كالولايات المتحدة الأمريكية باللعب على الوتر الديني الحساس، سواء عبر هذه القضية، أو من خلال  عبارة جورج بوش الشهيرة التي وصفت حربه بأنها "صليبية"، وصولاً لما بات يعرف بقضية "الرسوم المسيئة"، فهذا يحرفنا عن طبيعة الصراع الحقيقي، الذي هو بين الشعوب المقهورة المنهوبة المحرومة من الملكية في كل دول العالم، وبين الدول الاستعمارية التي تستخدم كل وسيلة ممكنة لنهب العالم وإفقار شعوبه، فالتفسير الديني للصراع يصور جميع المسلمين بفكر ومصالح واحدة مضادة، لفكر ومصالح جميع المسيحيين ،إلا أن المسلمين ليسوا "كتلة ثقافية" واحدة كما يحلو للبعض أن يصورهم، وكذلك المسيحيون، بل هم مجموعة طبقات اجتماعية متصارعة، والخطاب الديني يهدف إلى ضرب التحالف الضروري بين الطبقات الشعبية الفقيرة من كلا الجانبين، من خلال افتعال انشقاق ثقافي- ديني، أي أن هذا الخطاب يضع جميع الطبقات في سلة واحدة، فينتفي الصراع الطبقي الواقعي لصالح الصراع الثقافي الحضاري.

وتزداد خطورة هذه الإستراتيجية في ضوء أن القوى السياسية التي "تناوش" السياسات الامبريالية وتقاومها خصوصاً على صعيد الاحتلال في الوطن العربي، هذه القوى هي ذات إيديولوجيا سياسية دينية، وتتبنى اساساً ذات الرؤيا التي تروجها الامبريالية من حيث تحديد طبيعة الصراع كصراع ديني(وغالباً يدخل الطائفي أيضا)، من هنا تبرز كذلك أهمية بلورة رؤية ودور عملي لقوى اليسار العربي لتشكل نقيض طبقي للطبقات المسيطرة، فهي باتت القوى الوحيدة القادرة على تقديم إجابات حقيقية وواضحة لطبيعة الصراع في المنطقة وعلى صعيد عالمي، وبالتالي الاندفاع باتجاه دور حقيقي في عملية التغيير، فالظروف الموضوعية اليوم باتت جاهزة لاحتضان اليسار على صعيد عالمي وعلى صعيد عربي، والمد اليساري يتسع لبقاع مختلفة من العالم، حيث تشتد حدة الصراعات الطبقية، في أمريكا اللاتينية ، كما في شوارع ومصانع وحقول روسيا ،الصين، الهند، أسيا، والوطن العربي وكل مكان من هذا العالم المفقر المهمش والمحكوم بالإعدام، وعلى العامل الذاتي أن يرتقي ليقابل هذا الوضع المتفجر والكارثة الذي تواجهها الطبقات الشعبية المفقرة في العالم.

 

 

عن صحيفة الأفق الاشتراكي

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال