<%@ Language=JavaScript %> محمد بهلول مصر بعد تونس اليسار من رؤيا النهوض إلى النهوض الملموس
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

مصر بعد تونس

 

اليسار من رؤيا النهوض إلى النهوض الملموس

 

 

محمد بهلول *

 

 بعد خمسة عشر يوماً من الاحتجاجات الكبيرة ذات الملامح الانتفاضية الشاملة لأغلبية الطبقات والفئات الاجتماعية وشرائحها القطاعية المختلفة ولا سيما الشباب الذين يشكلون أكثر من 60% من الشعب المصري، وبعد خروج أكثر من عُشر السكان في مظاهرات واعتصامات يومية ذات طبيعة حضارية، سلمية، راقية، وبعد محاولات تنكيل مرعبة، تنقل جزئياتها الفضائيات (مصادر حركات الشباب المختلفة تؤكد أن ما تنقله الفضائيات لا يشكل بمجموعة إلا جزءاً بسيطاً من القمع الحاصل ولا سيما في الأيام الخمسة الأولى)، بعد كل هذا هل يمكن الحديث على أن ما يجري في الشارع هو هبّة جماهيرية عفوية، ناتجة عن الضغط السلطوي في المجالات كافة، السياسية (قمع حريات، اغتصاب ديمقراطية، تقويض الدستور ... الخ، واقتصادية واجتماعية (الفقر، الجوع، البطالة ... الخ). أم هي حركة احتجاجية واسعة وكبيرة وذات ملامح انتفاضة شاملة، سرعان ما ستتحول إلى ثورة واعية.

ما يؤكد أنها ليست حركة عفوية، عديد من المؤشرات، أبرزها تواصلها طيلة هذه الفترة دون كلل أو تراجع، على الرغم من القمع والتنكيل الوحشي، بل على العكس من ذلك؛ فكل يوم تتوسع الانتفاضة وتتزخم بانضمام فئات اجتماعية ونخب سياسية واقتصادية جديدة، تتوسع أيضاً جغرافياً على مستوى المحافظات والمدن "على الرغم من القمع والتنكيل الأكبر في تلك المناطق".

أما المؤشر الثاني ذو الأهمية الفائقة، فيكمن في تجاوزها السريع والسلس لكل محاولات الالتفاف عليها وعلى أهدافها، سواء كانت عملية الالتفاف من قوى داخلية أو خارجية.

لقد استطاعت الانتفاضة الإفلات من ألاعيب ومناورات النظام نفسه "تنازلات مبارك في خطابيه الشهيرين" أو من خلال أدوات النظام نفسه، يبدو أن النظام فكّر كما فكرنا جميعاً ... إن هذه الانتفاضة هي هبة جماهيرية عفوية، سرعان ما تتراجع وتخفت أمام تقديم بعض التنازلات من جانب النظام، والتي سرعان ما يعود إلى سرقتها والأطباق على حركة الاحتجاجات ورموزها ونخبها الشبابية.

كما أن الأحزاب "المعارضة" التقليدية، والتي تحولت برامجها وأدائها خلال الفترة الماضية، وبفعل فقدان ثقتها لقدرة واستعدادية الكتلة التاريخية الشعبية المتضررة بشكل مباشر أو غير مباشر من النظام، نظام "زواج المتعة" بين السلطة والمال، والتي أفرز حكم الفرد والعائلات والمافيات ورجال الأعمال جعلها ـ أي الأحزاب التقليدية ـ والتي تجاوزتها الانتفاضة بأشواط، أمام خيار الالتفاف على مطالب وأهداف الانتفاضة، وذلك بالتحاور مع أركان النظام لإنجاز تسوية قائمة على إصلاحات جزئية تعيد تزيين وتلميع النظام نفسه وإن بوجوه ورموز أخرى، وفي هذا السياق؛ جاءت تلبية الحوار الذي دعا إليه النظام والذي استطاعت قيادات الانتفاضة أن تفشل تطويق والتفاف الأحزاب التقليدية للانتفاضة الشاملة في مهده، مما جعل هذه الأحزاب تتراجع دون أن تحسم موقفها باتجاه مطالب الكتلة التاريخية، آملة تحت ظروف معينة خارجية على الأغلب أو داخلية، لإعادة إنتاج التسوية المتخيلة.

أما المواقف الخارجية والتي تتصدرها الولايات المتحدة، فإنها تسعى ومن خلال مواقف وإجراءات مرتبكة بل ومتناقضة تفرضها حركة الشارع المصري، وانتفاضته الشبابية الباسلة، إلى الخروج بمعادلة تجميل النظام بديلاً عن "معادلة الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، الدولة المدنية" كما تريد الكتلة التاريخية.

إن مناورات وإملاءات الإدارة الأمريكية على رأس النظام، الجيش، الأحزاب التقليدية، وحتى على الانتفاضة نفسها تهدف بما لا يقبل الشك إلى تركيب مجلس رئاسي ثلاثي، أو إحالة صلاحيات الرئيس إلى نائبه، ورحيل مبارك الرمزي عبر رحلة علاج طويلة، أو حتى رحيله الدستوري (على وقع حركة الشارع) وصولاً إلى حكومة انتقالية شاملة بين رؤوس النظام والأحزاب التقليدية، بما في ذلك الإخوان المسلمون "تصريح كلينتون بهذا الشأن"، والتوجه نحو تمثيل رمزي مزور للانتفاضة الشبابية "لقاءات نائب الرئيس مع ممثلين للشباب، لا تعترف بهم القيادة الشبابية الميدانية في ميدان التحرير".

شعار وهدف الولايات المتحدة "ائتلاف القوى المعتدلة وإبعاد القوى الراديكالية" أي قوى الانتفاضة الشبابية الحقيقية.

من المؤشرات على تجاوز الانتفاضة الشبابية والشعبية لمرحلة العفوية "إذ كانت موجودة بالأساس" وانتقالها إلى مرحلة التنظيم أي الثورة الواعية، هو ذلك المستوى العالي من الوعي، والقدرة على التكتيك السياسي المتمثل بالانتقال التدريجي للمطالب، وبالحرص على مستوى راقٍ من التحالفات السياسية والاجتماعية، وبالقدرة الفائقة على تعطيل الهجوم السياسي المضاد، من أي اتجاه يأتي، سواء من النظام أو من الأحزاب والوجوه التقليدية، أو من الخارج وتحديداً الولايات المتحدة. ما نشهده على الفضائيات؛ يؤكد أن مستوى الوعي والنضج لا يقف عند حدود القادة والنخب التي أنتجتها الانتفاضة، سواء قبل حدوثها أو في أثنائها، بل ومن الناس العاديين الذين يشاركون بتواصل مستمر وببسالة فائقة في الانتفاضة.

صحيح أن الانتفاضة هي انتفاضة شبابية بالأساس، شهداؤها، وجوهها القيادية، والتي هي نتاج لواقع أن الشباب هم أكثرية المجتمع المصري الفتي "يشكل الشباب 60% من الشعب" إلا أن الانتفاضة ما لبثت ومنذ بداياتها الأولى إلى اجتذاب كل فئات المجتمع، وهو ما حولها إلى انتفاضة شعبية عارمة.

كما أن ما تتميز به هذه الانتفاضة ومنذ يومها الأول، على عكس ما كان متوقع أو يتنبأ له فجاوزت الهم الاجتماعي الاقتصادي إلى الهم الوطني والسياسي، وهذا ما يجعلها انتفاضة شاملة بكل المعاني، سواء بأدواتها المحركة "كل طبقات وفئات الكتلة التاريخية"، أو من خلال برنامجها وأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يدلل على أن هذه الانتفاضة هي بالأساس غير عفوية، وإن كانت غير منظمة بالمعنى الكامل للكلمة، إلا أنها وفي فترة قياسية استطاعت استيعاب الحقيقة، بأن لا تغيير اقتصادي واجتماعي حقيقي بدون تغيير سياسي شامل.

لقد تخطى قلب "الانتفاضة الشبابية" التي تقود الانتفاضة الشعبية الشاملة، حاجز خلع الرئيس عن الحكم إلى تطوير شعاراتها ومطالبها نحو تغيير شامل للنظام وتبلور أهدافها بالمطالبة بالديمقراطية الشاملة والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية. من الدقيق القول أن قلب الانتفاضة الشبابية قد لا يملك رؤية برنامجية موحدة، آليات تنفيذ موحدة، موقف موحد من الحوار والمفاوضات مع النظام الحاكم، إلا أن وتائر التطوّر والتصاعد المنظم في رؤيته ومواقفه وآليات عمله ينبئ بقدرته إلى توحيد الرؤية البرنامجية وتقديم آليات التنفيذ والجدولة الزمنية لذلك، ولعل من المؤشرات الهامة هو الإعلان عن توحيد كل المجموعات الشبابية وعددها أحد عشر في إطار "قيادية ائتلافية وطنية موحدة" وفي المقدمة القوى الثلاث التي بادرت إلى الدعوة للمظاهرات والاعتصامات" شباب من أجل التغيير"، "شباب 6 إبريل"، "كلنا خالد سعيد". إن هذا الإعلان لا يشكل رداً على مناورات وتكتيكات الأحزاب والجماعات التقليدية ومناوراتها فحسب، بل يقود حتماً إلى بلورة برنامج موحد سياسي، ديمقراطي، اجتماعي، يضع نهاية لتحالف "السلطة والمال والنفوذ"، وبناء سلطة ديمقراطية من كل مكونات الكتلة التاريخية الطبقية والاجتماعية التي بادرت ووضعت انتفاضة التغيير والتقدم إلى الأمام.

لا شك بأن برنامج وأهداف الانتفاضة هو برنامج وأهداف الكتلة التاريخية كلها بعناوين شاملة، واضحة، ملموسة، أنه برنامج الأغلبية، وهذا هو جوهر الديمقراطية، يتم انتزاعه بوسائل ديمقراطية سلمية، راقية، ولهذا فإن سمة الانتفاضة الشعبية الشاملة هي ديمقراطية اليسار "أساليب ديمقراطية" لانتزاع السلطة وإجراء التغيير ويسارية الديمقراطية" برنامج لصالح كامل الكتلة التاريخية، أي الغالبية الكاسحة من الشعب".

في بداية عام 2010 تنبأ نايف حواتمة؛ وهو من أبرز اليساريين العرب، برؤيا النهوض الكبير لليسار، وها هو اليوم في بداية 2011 يتنبأ "بمرحلة النهوض الملموس الكبير" لليسار.

 

 

* محمد بهلول

كاتب عربي فلسطيني

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا