<%@ Language=JavaScript %> فياض موزان في النهاية كانت البداية من مذكرات المناضل الشيوعي فياض موزان 
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

في النهاية كانت البداية

 

من مذكرات المناضل الشيوعي فياض موزان   

 

اواخر ديسمبر 1968  

 

كنت قبل شهرين من اعتقالي قد اوقفت نشاطي عن العمل في التنظيم مع القيادة المركزية بسبب خلاف في الرأي و مسألةالصيانة مع سكرتيرها عزيز الحاج ومع كاظم الصفار عضو القيادة ومكتبها السياسي وكان يتعلق بالاندفاع الكبير والمفتعل في طرح صورة اكبر مما هي عليه في الواقع من خلال البيانات التي كان يصيغها وينفرد بكتابتها عزيز وتضخيم الامكانيات واعطائها صورة اكبر حتى كان يفهم منها اننا على ابواب استلام السلطة  مما اثارالمخاوف لدى حزب البعث (جناح البكر صدام ) و حدى بهم للتعاون مع عبدالرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية والمحسوب على الانكليز والذي اغتاله حزب البعث بعد سنوات في لندن وابراهيم الداوود وزير الدفاع و المحسوب على الامريكان والذي ما يزال يعيش في المملكة العربية السعودية بعد طرده وابعاده من العراق وقاموا بأنقلابهم  في 17/تموز 1968 .  

 

بعد الانقلاب مباشرة طلب احمد حسن البكر لقاء ممثل عن القيادة المركزية , وفعلا تم اللقاء وكان ممثل القيادة هو كاظم الصفار وطرحوا عليه التعاون والمشاركة في السلطة الجديدة الا ان السياسة العامة للقيادة المركزية في حينها كانت ترفض التعاون وبأي شكل كان لان ايديهم ملطخة بدماء ابناء شعبنا ورفاقنا ولايمكن ذلك وبعد الرفض بفترة وجيزة وبالتحديد في نهاية شهر نوفمبر /1968 اعتقل كل من صالح العسكري ,حاتم سجان ومحمد كريم من قيادة الجهاز الصدامي وبعد تعذيب وحشي شديد وبعد ان قام ناظم كزار (مدير الامن العام في اواخر الستينات ومنتصف السبعينات ) بشنق عزيز فعل ابن المناضل الفلاحي فعل ضمد وكمال حنا من تنظيمات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وبطريقة وحشية حيث علقوا من رقابهم بحبل الى مروحة السقف حتى فارقوا الحياة وقد تمت عملية الاعدام امام انظار الرفيقين صالح  العسكري وحاتم سجان وصوروا لي كيف يكون وجه الانسان وجحوض عينيه في مثل هذه الحالة من الشنق ورغم ان اللجنةالمركزية كانت قد دخلت معهم في حوار ماسمي بالجبهة الوطنية وقبولها به .....  

 

داهم بيتي لاعتقالي كل من ناظم كزار , سالم الشكرة ,صباح مرزا ,ناصر فنجان ,ابو احلام واخرين .. كان بأمكاني الهرب من على سطح الجيران والافلات من قبضتهم الا اني فكرت بأخي الكبير والوحيد والذي كان قد اعتقل بسببي عام 1963 وقد نال قسطا وافرا من التعذيب انذاك ولم يعترف لهم عن مكان تواجدي او اختفائي بعد خروجي من السجن اثر اعتقالي في 8شباط1963 "انقلاب البعث على الزعيم عبدالكريم قاسم" الذي قضيت فيه مايقارب الستة شهور وهربت خارج بغداد بعد ما اطلق سراحي كنت خائفا عليه اذا ما اعتقلوه هذه المرة سيموت تحت التعذيب وهو خارج اللعبة.

 

تم اعتقالي في ديسمبر /1968 كان شتاء" باردا" ممعنا" في برودته , اركبوني السيارة وكانت من نوع بيجو 404 وكان يقودها ناظم كزار بنفسه تبعتها السيارة الاخرى التي كانت تقل اخرين .. اعصبوا عينيّ ونحن لم نزل في الطريق وعرض علي ناظم عرضا ان قبلته يعودوا بي الى البيت وكأن شيئا لم يكن الى جانب اني احتل مركزا مرموقا بالدولة مع سيارة  خاصة وراتبا مغريا .. الخ من المغريات رفضت ذلك بدعوى اني لا انتمي لاي تنظيم وليس لي اي ارتباط بأي حزب - ولم يكن لي علم بأعتقال الرفاق الثلاثة – قالوا هناك اعترافات عليك , اعتبرت ذلك من باب الكذب للايقاع بي .. اخذوني معهم لمكان لااعرف اين !! وانزلوني سلما" ادى بي الى غرفة كان يغطي ارضها الماء . , قادوني الى قصر النهاية لم اكن اعرف المكان بداية الا بعد فترة وجيزة وضعوني في غرفة يغطي ارضها الماء بقيت فيها ليلتان  لااقدر على النوم والاستلقاء بسبب الماء .. انما كنت اجلس القرفصاء محاولا اختطاف لحضات من النعاس .. صوت يرتفع من مكان مجاور يهدر ويصرخ سيارتي محركها  يدور .. وهي على اهبة الاستعداد للانطلاق وينادي بأعلى صوته احمد حسن البكر تعال اوصلك حيث تروم  " يالله عيني تعال اوصلك وين ماتريد " كان الرجل قد جنّ وفقد عقله .. وبعد ايام قلائل علمت انه تم اعدامه .. حيث اختفى صوته ولم يعد ينادي لسيارته !!! كان اسمه( زلخا) وهو يهودي من البصرة.

 

في الغرفة الثانية كان صوت اخر يرتفع ويستنجد يطلب ان يحدثه احد .. ويقول انه مربوط الى كرسي ورأسه ثابتة وقد ربطوها الى ظهر الكرسي المرتفع  فلا يقدر على حراكها .. هناك مطرقة تطرق راسي .. ياناس ...  كأنها كتل صخر تتساقط على دماغي .. فقد كانت قطرات ماء مسلطة على دماغه يجدها لتكرارها الرتيب كأنها الصخر .. انا ابراهيم فيصل الانصاري رئيس اركان الجيش العراقي .. وكان يعيدها بين الفينة والفينة .. قطرات

ماء تتساقط على رأسي كأنها المطارق تنقر دماغي .. والماء حواليّ على الارض .. اتوسل اليكم .. حدثوني  لاني سانفجر .. سأموت ظل الصوت يتردد ويطرق سمعي خلال اليومين اللذين قضيتهما  في هذه الغرفة .. وبعد عشر سنوات التقيته في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا واستعدنا تلك  الذكريات . 

 

                                                               (2)

 

في اليوم الثاني اقتدت ليلا الى غرفة التحقيق وهي عبارة عن غرفة واسعة وسطها يتد لى حبل معلق في حمالة المروحة من السقف قام صباح مرزا بفك ربطة عنقي وقيد بها يديّ حالما وصلنا المعتقل وكان قد وفر عليهم القيام بعملية التقييد ولما جيْء بي ووقفت وسط الغرفة كنت مقيد الايادي وجاهز للتحقيق والتعذيب ,تم ربطي من ارجلي بالحبل المتدلي من السقف ورفعت بواسطة شخصين بعد شد الحبل الى حمالة المروحة وبدأ الضرب

الكيبلات(الاسلاك الكهربائية السميكة ) واستمروا على هذا المنوال لاكثر من ساعتين الى ان تخدر جسمي  ولم اعد اشعر بالالم ..   

انزلوني ارضا كان بقبالتي ناظم كزار يجلس الى طاولة كبيرة يتناول  الطعام عليها ويدقق النظر بي من خلف نظارته الطبية السميكة والتي كنت  ارى انعكاس صورتي  يلمع على سطح عدستها .. قال لي لا تحاول ان تبيعنا بطولات وتظهر بمظهر الانسان الصامد .. كعادتكم انتم الشيوعيون .. فهناك اعتراف عليك ونعرف انك لاتتعاطى العمل الحزبي منذ شهرين لكن خبرنا عن تنظيمك وما تعرفه عن التنظيمات الاخرى واستمر الضرب لفترة ليست بالطويلة وفي هذه الاثناء ادخل الرفاق الثلاثة " صالح العسكري وحاتم سجان ومحمد كريم " اعضاء قيادة الجهاز الصدامي في القيادة المركزية  قال لهم من يكن هذا اجابوا انه " ابو بحر وهي كنيتي انذاك " وهو يعمل معنا ضمن خليتنا العمالية وكان هذا  منهم بمثابة الاشارة لي ان اعترافهم لا يتعدى ذلك .. اذ لم يكونوا قد اعترفوا يمركزهم الحقيقي . واخبروه اني قد انقطعت عن العمل الحزبي والسياسي منذ شهرين وكانت هذه المعلومات شفيعتي لديه فيما بعد , اعادوهم للمكان الذي اتوا بهم منه .. وبدأ التحقيق معي مجددا ارادو ان اخبرهم عن معرفتي بتنظيمات اخرى حتى وان كانت من تنظيمات اللجنة المركزية .. استمر الضرب لاكثر من ساعة لغرض الحصول على معلومات اخرى من المحتمل اني اخفيتها عليهم وبعد ان عجزوا  انزلوني ارضا" اعادوني بعدها الى غرفة تحت الارض "سرداب" كان فيها موقوفون اخرون يدعون ان هذا السرداب يوصل الى نفق يؤدي الى " نهر الخر " كان معدا" لهروب الملك وعائلته في حال حدوث انقلاب او خطر داهم , كانت الغرفة لاتتجاوز العشرة امتار وقد اكتضت بالموقوفين بحيث كان ينام البعض جالسا بينما الاخرون واقفون كان ذلك يحصل لمدة ساعة حتى يأتي دور الاخرين للنوم .. لها باب حديدية  تعلوها فتحة لاتتجاوز الثلاثين سنتمترا يدخل الهواء لنا من خلالها ورغم ان الطقس الخارجي كان شتويا باردا فقد اصيب البعض بالأغماء من شدة الحر داخل الغرفة .

لقد كان معنا في الغرفة اشخاص من مختلف الاتجاهات والانتماءات ومن مدينتي بغداد والبصرة ومن كردستان  كان معنا طالب في كلية الهندسة "البصرة" في السنة الاخيرة يدعى فهد لم اعرف اسم ابيه واخر" بلاّم " كان متهم بتهريب اشخاص الى ايران يحملون معهم رسائل "تأمرية" وذنبه انه كان يعتاش من مهنة التهريب دون علمه من يكن هولاء الاشخاص , ونادل حانة كان يسقي الزبائن فيها وهي تلم أناسا من مختلف المشارب والاهواء ويصدف ان يلتقي بحانته بعض الاشخاص المتهمين "بالتامر والتجسس " هذه امثلة عن الاشخاص المعتقلين معنا .. وقد اعدموا جميعا .

تكررت علمية التعذيب بعد يومين من اعادتي لهذه الغرفة واستمرت تتكرر عملية استدعائي لغرفة التحقيق لمدة تقارب الشهرين بين فترة واخرى يأتون بأشخاص ويطلبوا مني التعرف عليهم .. ان كنت اعرفهم .

كان يوما مشهودا وصعبا فقد استدعيت لغرفة التحقيق وكان هناك صفا من المحققين وممارسي الضرب والتعذيب يتحولقون الغرفة وهناك طاولة صغيرة وضعت وسط هذه الغرفة الكبيرة او الصالة ان شئت تسميتها لغرض الجلوس عليها , كانت الهيئة التحقيقية بكامل طاقمها متواجدة  اظافة الى" محمد فاضل " و"علي رضا باوي" اعضاء القيادة القطرية لحزب البعث والمشرفان على هيئات التحقيق اي الهيئتين يضاف لهما ناظم كزار  وكان ارتباط الثلاثة بصدام حسين مباشرة والذي كان هو الرئيس الفعلي لهتين الهيئتين .. ما اصعبها من ليلة حيث وجدت نفسي جالس على هذه الطاولة الصغيرة التي تتموضع وسط الغرفة الواسعة والتي هي احدى قاعات قصر الرحاب الملكي السابق .. انها بسيطة وعادية لاتحسبها قاعة قصر ملكي كتلك التي نراها في القصور الملكية الاخرى لدى الملوك الاخرين  والتي كنا نقرأ ونسمع عنها او التي نراها بالافلام السينمائية .. شعرت وانا وسط هذا الحشد من الافراد قد تضائلت لاصبح بحجم الطاولة التي اجلس عليها ... اجاب سالم الشكرة ".. ها ..يابه خلية عمالية ..ها .. مو جهاز صدامي " لقد جئنا بقائدكم عزيز الحاج وها هو يغرد كالبلبل ... يعني انه اعترف على التنظيمات وادلى بالمعلومات لنا من دون ضرب او حتى ضربة كف وانتم تتحملون الضرب والتعذيب ..لم  ؟ ولمن  ؟ لقد اعترف واعطانا كل المعلومات وكشف لنا كل التنظيم  واذا بهم يأتوا به ليقول لهم من انا وما هو مركزي الحزبي والمجال الذي اعمل به . 

الهيئة كانت تاتي بنا كل على انفراد لكشف مراكزنا الحزبية امام هذا الحشد المجتمع من المحققين والحزبيين البعثيين الاخرين الذين لا نعرف هويتهم او مراكزهم الحزبية ... لقد كانت  فرحتهم على ما يبدو عارمة حيث تم اعتقال وكشف اكبر واقوى تنظيم معادي لهم .. ولم يكونوا مصدقين ان عزيز الحاج ينهار بهذه السرعة ويعطيهم كل المعلومات كانوا متأكدين قبلها انه سيموت تحت التعذيب ولن يحصلوا منه على اي شىء للهالة التي كانوا

                                                               (3)

 

يسمعونها عنه كونه ثوري النزعة وله سنين طويلة قضاها في السجون والنضال وثائر ينتهج خطا ثوريا جريئا قد وضع الموت امام عينيه .. ان انهياره السريع وظهوره على شاشة التلفاز يدلي بأعترافاته كانت مخيبة لامال الكثيرين من رفاقه وانصاره .   

 

كان يوجد معتقل اخر في نفس القصر بني على شكل زنزانات  صغيرة تحت مدرجات ملعب ملحق بالقصر وكان قسم من المعتقلين يودعون في هذه الزنزانات التي لايقدر الانسان على الوقوف منتصبا فيها .. فأما ان يبقى جالسا او نائما .   

كان رفيقنا  سامي احمد بعد تعذيبه في غرفة التحقيق ورغم شدة وقساوة وهول التعذيب الذي كان يتعرض له  لا يصرخ او يتأوه ولا تخرج من فمه كلمة آه !!!! وعندما ينقلوه الى احدى هذه الزنزانات ويلقوه ارضا كان يطلق كلمة ..آه  !!! فيعودوا اليه ويشبعوه ضربا وركلا .. يا أبن الكذا ... والكذا .. لماذا لاتقول اه .. في غرفة التحقيق رغم انا كنا لانترك بقعة في جسمك دون ان تنالها ضرباتنا ... كانوا قد شرعوا في بناء زنزانات داخل القصر وانشاء قاعات كبيرة خارجه وفي المساحات  التي تحيط به كانت كل زنزانة لاتتجاوز مساحتها الثلاثة امتار مربعة وكان يوضع فيها اثنان وبعد فترة جىء برفيق شاطرني الزنزانة او كان في الزنزانة المقابلة لزنزانتي كان هو الرفيق هاشم نادر وبقي لفترة  كان شاربه الكث وتسريحة شعره تحببه اليك .. شجاعته وصلابة موقفه كانت توحي الي الكثير  لقد كان يروي لي كيف كان معتقلا في منتصف الستينات وكان موقوفا  معه بنفس المكان عزت الدوري وكيف كان هذا الاخير فارغا .. الاخرين يتحدثون بأمور الثقافة ويظهرون اطلاعهم على امهات الكتب في الرواية العالمية والشعر وفي الفلسفة ونظريات السياسة وعزت لايعرف غير قصة الف ليلة وليلة وكان يرويها ويتوقف في اخر الحديث كما كانت تتوقف شهرزاد عن الكلام المباح لانه قد بان الصباح ليكمل السيرة في اليوم الاخر .

نظرا لضيق الامكنة ولعدم اكمالهم بناء القاعة الكبيرة التي نقلنا اليها مؤخرا – وسآتي بالحديث عنها لاحقا .. فقد كانوا يضطرون لحشرأثنين احيانا في الزنزانة الواحدة, جىء بشخص يدعى "عبدالله " عامل تلفونات ..فتحت باب الزنزانة ودفع به الى داخل الزنزانة .. كانى قصير القامة ممتلىء الجسم .. روى لي "جريمته " التي اعتقل بسببها ( كنت يوما جالسا في احد المقاهي العامة في احد احياء بغداد  الشعبية اشاهد التلفاز وكان ليلتها يتحدث عزيز الحاج من على شاشته .. قلت ان مات عزيز فهناك الف عزيز ) انه لاينتمي لاي تنظيم او لاي جهة حزبية او تيار سياسي او ديني وقد اطلق كلمته عفويا  بقي لايام يقاسمني الزنزانة وخلال وجوده كان يكثر من الصلاة  وحين يخرج للوضوء عندما يفتحوا لنا ابواب الزنزانات لفترة معينة ولغرض الذهاب لدورات المياه كان يعود من دورة المياه وعندما يصل باب الزنزانة يهز برأسه ويبتسم قليلا ويعود ثانية ويكررها اكثر من مرة سألته ياعبدالله لم تبتسم وتومىء برأسك وتعاود الرجوع الى الحمام .. قال حال وصولي الزنزانة اخرج هواء يبطل الوضوء .. لذا تراني اعيده مرة اخرى ضحكت في داخلي كم كان هذا الرجل مخلصا وشفاف الروح .. وفي احد الليالي اصابه اسهال حاد وحاول حبسه في امعائه ومقاومة خروجه لكنه لم يقدر، نادى الحارس وترجاه ان يخرجه الى دورة المياه فهو لايستطيع تحمل الالم الذي اصابه جراء ذلك رد عليه الحارس بكلمات نابية ،عنفه واطلق عليه وابلا من كلماته البذيئة .. صار يطرق الباب ويصرخ بأعلى صوته لكن ليس هناك من مجيب ..صار يتألم ..يبكي .. ويردد  .. سأموت .. سأموت .. يأالهي ,, تألمت لحاله اقترحت عليه ان يقضي حاجته في الصحن الذي معنا والمعد لاكلنا على ان نغسله عندما يأتوا الينا صباحا  ونخرج الى  الحمامات وفعلا تخلص من هذه المعضلة التي كادت تؤدي بحياته ان لم يعملها على ملابسه .

 

بعد أعترافات عزيز بدأوا تحقيقا جديدا حيث تكشفت اشياء جديدة عادوا اليها .. فقد ذكر لهم مالك منصور "عضوالقيادة المركزية" اني سلمت اسلحة الى "خالد زكي" الذى كان قد ارسلته القيادة المركزية الى منطقة الاهوار ليقود خلية ثورية قد شكلها على غرار( بؤرة ) جيفارا الثورية في بوليفيا بأمريكا اللاتينية  وكانت معظم الحركات الثورية انذاك قد تأثرت بأفكار جيفارا وطريقة حرب العصابات في النضال الوطني الثوري- وفعلا كنت انا قد سلمته بعض البنادق الرشاشة بموعد في حديقة الامة في الكرادة - وقام هو ومجموعته بمهاجمة احد ا لمخافر في احد الاقضية على اطراف الاهوار و خاض معركة  قتل فيها هو وبترت يد احد رفاقه واعتقل الباقون واودعوا السجن بعد تلك المعركة. كان هذا ابان حكم" عارف عبدالرحمن " وقد جيىء بالمعتقلين الى قصر النهاية بعد سقوط حكم عبدالرحمن عارف والذين كانوا في سجونه كان منهم مطشر حواس ,  عبدالامير سعيد ,شعبان كريم واخرين .

خالد زكي هذا البطل المؤمن ايمانا مطلقا بفكرة راح شهيدا من اجلها كان سكرتير "برتراندرسل" الفيلسوف البريطاني وداعية السلام العالمي  المعروف  وكان خالد قد ترك العمل مع رسل وجاء الى العراق ليحقق ما آمن

 

                                                                 (4)

 

به ليخلص شعبه ويمنحه الحرية . كان خوفهم من أني احتفظ ببعض الاسلحة واخفيها عنهم  فكان التعذيب لغرض الاعتراف بمكان وجودها ومن ثم تسليمها لهم وفي الحقيقة لم يكن هناك من سلاح مخفي.

اعتقل "أمين سالم الخيون" وجيىء به ورفاقه الى قصر النهاية  , كان أمين يقود مجموعة يطلق عليهم "حركة الكفاح المسلح" وكان مركزها اهوار الناصرية وأمين هو ابن سالم الخيون شيخ قبيلة بني اسد احدى القبائل العربية الكبيرة التي تستوطن في جنوب العراق وهم من المنطقة ذاتها وكان عارفا بظروفها وطبيعتها الجغرافية وقد شكل خلاياه لغرض خوض حرب عصابات في هذه المنطقة بأعتبارها منطقة مستنقعات مائية يتخللها القصب منذ مئات السنين ويصعب على السلطات الحكومية اقتحامها وهي ملاذ آمن لهم يستطيعون الانطلاق منه الى المدن الاخرى القريبة وتتوسع الحرب لتشمل كل المدن العراقية ومن ثم يتم اسقاط الحكومة المركزية .. كانت هذه الافكار كما   

 

اسلفت متأثرة بتجربة "تشي جيفارا" لذلك ترك خالد زكي مركزه مع رسل لينضوي تحت لواء القيادة المركزية التي كان شعارها الكفاح المسلح وليشكل بؤرة ثورية تكون نواة لحرب عصابات تشمل العراق كله علما انه كان    

للقيادة المركزية تنظيما مسلحا في كردستان العراق , وهذا ايضا ما فعله "امين الخيون الذي اقتيد الى قصر النهاية وبقي معنا لفترة طويلة ومن ثم اغتياله بعد اطلاق سراحه.

 

كنا اول المعتقلين بعد انقلاب تموز/1968 حيث اعتقلنا اواخر شهر ديسمبر من العام نفسه .. كانت لجنة التحقيق حديثة  التكوين ومنقسمة الى هيئتين .. الاولى .... يرأسها العقيد سامي خليل ويشرف عليها وهي مسئولة عن" الجواسيس والعملاء" حسب تعريفهم لها وكان يساعده فيها حامد الورد التميمي  الذى اعدمه صدام حسين في الثمانينات وكان برتبة لواء في الجيش . .. والهيئة الثانية... كان يرأسها ناظم كزار وتعني بالسياسيين المناهضين للحكم بحسب تعريفهم .

في بداية الامر كانت الهيئتان في مكان واحد داخل قصر النهاية وغرف وزنزانات الاعتقال في نفس المكان وكان يخلط ما بين المعتقلين لقلة الغرف ولكثرة عدد المعتقلين فقد كانت غرفة واحدة على سبيل المثال مساحتها لاتزيد عن العشرين مترا مربعا حشر فيها ستون معتقلا ومتنفسهم شباك واحد او بالاحرى فتحة لاتزيد مساحتها عن ثلاثين سنتمترا تتموضع في اعلى الباب وكانت تحصل أغماءات كثيرة للمعتقلين من شدة الحر رغم ان الوقت كان شتاء .. وبعد ما يزيد على الاربعة اشهر فرق ما بين الهيئتين ولكوني محسوبا على السياسيين المعارضين للحكم "المعادين" فقد كنت والذين هم على شاكلتي من نصيب الهيئة الثانية التي يرأسها ناظم كزار صاحب الخبرة العريقة في التحقيق وفي فن اساليب التعذيب والجلاد المعروف منذ انقلاب شباط /1963 المشئوم وفي عضويتها كل من سالم الشكرة , اخ فاضل الشكرة الذي قتل اثناء حركة الشواف في الموصل وكان احد قادتها ابان حكم عبدالكريم قاسم عام 1959 وسالم هو والد فهد الشكرة وزير التربية في عهد صدام حسين وفي عضويتها ايضا صباح مرزا الذى اصبح بعدئذ مرافقا لصدام حسين عندما كان نائبا للبكر والمرافق الاقدم له فترة ترأسه الجمهورية واخرين تتراوح اسمائهم بين ناصر فنجان  و جاسم حميدي , صباح بدن , ابو احلام , ابو فرانكو , سعدي العظيم ... وكانت مهمة هولاء الضرب وممارسة اعتى اساليب الايذاء والتعذيب والاهانة  للمعتقلين .

بدأوا معنا بتعليقنا بحامل المروحة السقفية  بواسطة حبل يسحب بالايادي وتطور الى عتلة ميكانيكية ومن ثم الى عتلة تدار بمحرك كهربائي واظيف لها الوسائل الاخرى للتعذيب تباعا من احواض حامض الاسيد (لتذويب الجثث فيها )  الى كماشات الرأس الى الراعد الكهربائي الى الاساليب الاخرى المبتكرة والتي تعلموها من شرطة المانيا الشرقية(الديمقراطية)..

كان يشرف على الهيئتين اثنان من القياديين هما محمد فاضل الذي اعدمه صدام حسين في اواخر السبعينات وعلي رضا باوي الذي اصبح فيما بعد صاحب مخبز في احدى ضواحي بغداد وكان صدام يشرف على الهيئتين ولم يكن يحضر جلسات  التحقيق كما كان يفعل الاخرون .. . مرة وحيدة زارنا فيها !! بعد شهور من اعتقالنا وكانوا قد جمعونا في باحة المعتقل واجلسونا على الارض قبل مجيئه دون علمنا من يكن الزائر .. وصل المكان .. كان يرتدي بدلة انيقة ويرافقه صباح ميرزا وقدهيئوا  له كرسيا" كان جاهزا قبل ان يصل المكان .. خاطبنا حال وصوله والكرسي بين رجليه " هل نجلس معكم على الارض جلسة شعبية ام نجلس جلسة" برجوازية "ويقصد الكرسي ولم تكد تخرج "هاء" البرجوازية من فمه حتى كان جالسا على الكرسي .. تحدث الينا عن الوطنية والاستعمار والخندق المشترك للنضال في محاربة"الامبريالية"  وبعد حديث طويل اقسم وقال " بشرفي الحزبي بشرف العقيدة سيطلق سراحكم بعد ايام " اطلق سراح البعض منا وبقينا نحن ما يقارب السنة . وعادت بي الذاكرة للايام التي سبقت زيارته لنا وكيف كان يتم التحقيق معي بأعتباري احد أعضاء قيادة الجهاز الصدامي المركزي والمسئول عن جهاز الاستخبارات فيه  والمعلومات التي كانت تتوفر لدينا عن ناظم وصدام والتي كانت

 

                                                              (5)

 

 

هدفا لنشاطنا المسلح والتي نلت القسط الاكبر من التعذيب كي اقر بصحتها والتي لايعرف باقي أعضاء القيادة عن مصدرها سواي .

كنا نحن التنظيم الاول الذي تم اعتقاله بسبب السياسة المناهضة للنظام والمنادية بأسقاطه رغم محاولات البكر وصدام لعقد صفقة تفاهم مع القيادة المركزية والاتفاق على المشاركة بالحكم .. ولم تكن لدينا ادنى ثقة بنواياهم وما كانوا يطرحونه من طروحات وافكاروحملة اعلامية ضخمة لمعادات الاستعمار والتقرب من المعسكر الاشتراكي والبلدان ذات الانظمة الديمقراطية والوطنية وانهم قد غيروا نهجهم وانتهجوا سياسة جديدة مختلفة عن نهجهم عام 1963 ويريدون منا انزال شعار اسقاط الحكم  والتخلي عنه .وكانت هذه المحاولات تتم قبل حملة اعتقالنا وبعد ان تم اعتقال كل القيادات ومعظم الكادر وامسينا جميعنا رهن الاعتقال ولم يعد يشكل تنظيم القيادة خطرا عليهم, وبعد انهيار عزيز الحاج طرح عليهم وهو في السجن انه على استعداد لاصدار بيان بأسم القيادة المركزية يعترف بوطنية الحكم وكونه حليفا لنا ويسقط شعار اسقاط الحكم بشرط ان يطلق سراح كافة المعتقلين من تنظيمات القيادة المركزية وتعاود الحركة نشاطها العلني بعد ان تعيد تنظيمها الا ان قرارهم كان الاستمرار بتصفية التنظيم ما دامت رموزه    

 

وقياداته جميعها في السجن فقد كان المعتقلون هم القيادة المركزية "اللجنة المركزية القيادية ومكتبها السياسي" قيادات المناطق , اللجان المتفرعة  , قيادة الجهاز الصدامي وبعض تنظيماته الاساسية اي الهيكل الاساسي

للتنظيم ,مسؤلي التنظيمات العسكرية وفعلا تم الاستمرار بتصفية التنظيم جسديا وتنظيميا ويبدوا انهم منذ البداية لم يضعوا في تصورهم اقامة تحالفات حقيقية وستراتيجية مع الشيوعيين وكان الحوار وقتها دائرا بينهم وبين الحزب الشيوعي " اللجنة المركزية " لانشاء الجبهة الوطنية غير ان الاخيرة لم تكن تقديراتها السياسية للحكم الجديد سليمة ولهذا وقعت في المطب لاحقا . وقتها كان اثنان من المناضلين البارزين والمنتمين لتنظيمات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قد اعتقلا وهما عزيز فعل وكمال حنا والذين اعدما شنقا بحبل امام انظار صالح العسكري وحاتم سجان والاخيرين اعدما فى السجن حيث ضما الى مجموعة من المتهمين "بالخيانة والتجسس" واطلق عليهم الرصاص سوية . وصفيا هناك لانهما كانا شاهدين على عملية الاعدام التي تمت امامهما على يدي ناظم, وكنا نسمع مساء الايام  اصوات اطلاقات نارية من بنادق الاعدام .

ولاثبات عدم مصداقيتهم وجديتهم في ارساء اسس الجبهة الوطنية المزعومة فقد شنت حملة من التصفيات  الجسدية لكثير من كوادر اللجنة المركزية بين عملية اغتيال او حادثة دهس او اختفاء كما حصل مع محمد الخضري وصباح الدرة وسستار ..... وكثيرون غيرهم .

تمت تصفية الكثير من كوادر وقيادي "القيادة المركزية " كأحمد الحلاق وصالح العسكري هاشم الالوسي ونوري كمال "الذي كان يشتمهم وهم يحملوه وينقلوه الى زنزانته لانه لايقدر على المشي, حتى بلغ عدد الفتلى ثلاثون شخصا من اصل ما يقارب الثلاثمائة معتقل ماتوا جميعا تحت وطأة التعذيب .كنت ارى هاشم الالوسي يحملوه وهو لايستطيع الحراك ولايملك الا ان  يتطلع بعينيه ويديرهما نحوي ومن تقع عيناه عليه .. يبدو ان الضربة كانت برأسه وقد افقدته القدرة على الكلام .. وكنت اجد فيه نظرة وداع يلقيها من خلال عينيه وكانت توحي بالموت.

ادخل الرفيق حميد الصافي عضو القيادة  و عضو مكتبها السياسي الينا وهو مدمي القدمين من اثر التعذيب مر علينا دون ان ينطق بكلمة واحدة قيل بعدها انه اعتقل من قبل مفوض امن قديم كان يعرفه اثر خروجه من البيت لجلب فطور لعروسه فقد كان متزوجا حديثا وان كانت الرواية صحيحة فهي ضعف منه بالصيانة والحذر فهو مناضل قديم وسجين سابق ومعروف لدى اجهزة الامن السابقة والتي بقيت بخدمة النظام الجديد.انا شخصيا" اشك في هذه الرواية  والارجح ان اعترافات عزيز هي التي جلبته حيث انه اعتقل بعد اعتقال عزيز بأيام بالوقت الذي اعتقل فيه بيتر يوسف ومالك منصور واحمد الحلاق وهمام عبدالخالق وخضير عباس أعضاء القيادة مما يدلل ان الاعترافات هي السبب في اعتقالهم .

كان الرفيق حاتم سجان معي في السجن ويومها يبدو انه كان يخامره شعور وخوف من تصفيته على ايدي جلاوزة ناظم كزار اعطاني خاتم زواجه لاسلمه  لزوجته في حال خروجي من السجن او اعطائه لشخص آخر اثق به في حال تعرضي للاعدام انا ايضا "فقد كانت التهم بالقتل والعمليات المسلحة ومقتل اشخاص قد وجهت لنا بأعتبارنا قيادة الجهاز الصدامي المركزي والمسئولين عن هذه(الجرائم) وعقوبتها الاعدام " قال استشرفت ذلك من  خلال اشارات عديدة وتلويحات متكررة ولاني وصالح قد شاهدنا ناظم يعدم عزيز فعل وكمال حنا امامنا .. ارى التصميم في عيونهم على اعدامنا انا وصالح يارفيقي " كان يعلم انه ذاهب للموت , كان رابط الجأش شجاعا بطلا وضحكته وقهقهته ذات النبرة العالية والمميزة لم تزل تدق في اذني , كان مثالا حيا وتجسيدا راتعا كأحد

                                                         (6)

 

 

مناضلي الطبقة العاملة الاوفياء لفكرهم وعقيدتهم . اوفيت بوعدي له وسلمت خاتمه لزوجته الشابة وكان لها منه صبي لم يتجاوز السنة الثانية من عمره.

.زارنا في المعتقل صحفي لبناني محرر في مجلة الصياد اللبنانية لصاحبها فريحة على ما اتذكر اسمه طلال سلمان واجرى معنا لقاءات عديده اطال فيها الحديث مع عزيز الحاج سكرتير الحزب ونشر المقابلة هذه على ثلاثة اعداد من المجلة كتب على اثرها الرفيق ابراهيم الحريري الذي كان يسكن لبنان حينها في مجلة الجبهة الشعبية القيادة العامة "الى الامام" مدافعا عنا ومطالبا باطلاق سراحنا, وقد وجدت الاعداد الثلاثة في بيتنا في بغداد بعد خروجي من السجن تزينها صورنا اعضاء قيادة الجهاز الصدامي مع عزيز الحاج واعضاء القيادة  المركزية,عضاءع

 

بعد ما بقارب السنة والنصف من اعتقالنا نقلنا الى سجن الفضيلية من معتقل قصر النهاية بقينا فيه ما يقارب الشهرين كان وضعه وظروفه افضل بكثير من النهاية -رغم انها كلها سجون-  حيث لنا حرية الحركة وتم تعيين مخصصات اكل لنا كنا نقوم بالطبخ بانفسنا وبنوعيات اكل جيدة وكان الاكل في النهاية سيئا حيث كانوا يقدمون لنا اكل الجيش البائت من خبز ومرقة لالحم فيها واحيانا مرقة خيار ومن دون فطور واحيانا يتركوننا لاكثر من يوم بدون اكل . لم نكن لوحدنا فيه فقد كان هناك اخرون منهم متهمين بجرائم  اقتصادية وكان معنا عبدالكريم

فرحان الذي  طرح علي الانظمام الى حزبه والعمل معهم وقد رفضت ذلك .

 

نقلنا بعد الشهرين الذين قضيناهما في سجن الفضيلية - والتي كانت فترة نقاهة تسبق اطلاق سراحنا كي نبدوا بأحسن حال صحيا ونفسيا – الى الامن العام واطلق سراحنا بناء على توصيات اتفاق  بيان 11/ آذار0 197 بين الحزب الديمقراطي الكردستاني " مصطفى البرزاني " وبين السلطات العراقية والذي نص على اطلاق سراح المعتقلين السياسيين , وقبيل اطلاق سراحنا ونحن لم نزل بالامن العام جائنا مساعد ناظم كزار  حسن المطيري والقى   على مسامعنا هذه الوصية " بعد ماكو مثل قبل رايحين جايين عالسجن هالمرة نصفيكم خارج السجن فديروا  

بالكم تعملون بالسياسة " وبعد ما يقارب الشهرين من خروجي غادرت الى خارج العراق وفعلا وبعد مضي ما يقارب السنة على خروجنا من السجن اختطف محمد كريم من قبل رجال الامن من احد المقاهي في شارع ابي    

نوأس   وكان يصرخ " اني محمد كريم الشيوعي بلغوا اهلي ان البعثيين خطفوني " ووجد في اليوم الثاني جثة ملقات على قارعة الطريق قرب مستشفى الكرخ .   

 

في الوقت الذي كنت اناوبعض الرفاق الاخرين نقبع في الزنزانات كان عزبز الحاج قد خصصت له غرفة   منفصلة يجد فيها الرعاية الكافية ويطلع على الصحف والمجلات وتلبى له كل أحتياجاته وبعد خروجه من السجن  كافؤه بتعينه ممثلا للعراق بأحدى هيئات الامم المتحدة . اما بيتر يوسف "ابو صرفد" عضوالقيادة الذي ترجم وهو في السجن احد كتب الهرطقة للفكر البعثي الى اللغة الانكليزية والذي يحوي بين دفتيه مصطلحات غريبة والتي من العسير جدا ان تجد لها مفردات متشابهة في اي لغة حية أخرى  في العالم , كان حاقدا على عزيز وعندما يلتقيه وجها لوجه  في باحة السجن عندما يخرجونا للتمشي فيها كان يبصق على الارض دليل الاحتقار  والكره له والسبب هو ان عزيز كان الوحيد الذي يعرف مكان أختفاء بيتر حيث كان لبيتر مخبئا سريا في بيته  من الصعب على احد أكتشافه فقد عمله خلف الحائط يدخل له من خلال فتحة في الحائط ويناولوه    الطعام  من خلالها وقد غطيت هذه الفتحة بلوحة "ايقونة للمسيح " لايقدر احد على كشفه حتى وان دوهم المنزل بأستثناء زوجته وعزيز . وعين بعد أطلاق سراحه سفيرا للعراق في احدى دول امريكا اللاتينية وقد توفي هناك منتصف التسعينات , كانوا قد احضروا له فراشا خاصا للنوم يرتفع قليلا عن الارض وغطاء ووضع له في الممر الواسع الذي تنتهي اليه الزنزانات وكان يرش دواء للقمل حول فراشه كي يمنعه من أختراق الفراش   مرورا الى جسمه البض الخالي من الشعرفي الوقت الذي امتلأت ملابسنا نحن الاخرون قملا  لعدم الاغتسال  لفترة طويلة  وارتدائنا الملابس  ذاتها أهكذا يكون هذا الشخص الذي كان يروي عنه رفاقه انه عندما كان يلقى عليه القبض لايحقق معه لصلابته وعدم تمكنهم  من أجباره على الاعتراف , وانا  أشكك  بهذه المعلومات عندما  أتصوره بهذه  الاخلاق  وهذه  الروحية المتعالية , وكنا وقتها نتندر .. فكل واحد منا يختار قملة  ينتزعها  من ملابسه ويضعها في ميدان السباق ايهما تكون الفائزة والتي تصل حدود فراش بيتر قبل غيرها .

 

كان معنا رفيقين كرديين من السليمانية وكانا قد ارسلهما تنظيم القيادة في كردستان لينضما الى  الجهاز الصدامي في بغداد وكانا بطلين شجاعين لايعرف الخوف قلبيهما , الاول كان" مصطفى نصر الدين" شاب في أواخر العشرينات

 

                                                                (7)

 

 

من  من عمره وقد غزا شيب قليل فوديه وقمة رأسه و الضحكة كانت حاضرة دوما على محياه لايجيد اللغة العربية كان يغني احيانا بصوته الجبلي القوي الحزين لأردعليه بموال جنوبي يفوقه حزنا وشجنا والثاني "  كمال  قادر"

وكانت احدى عينيه كريمة الا انه كان يصيب الطير عن بعد وبدقة متناهية وان كان طائرا متحركا ... قام الاثنان بتنفيذ                                             

عمليات عديدة جريئة  ضد ضباط امن معادين ومستهدفين من قبلنا والخلاص من بعض العناصر المعادية وكانوا يقومون بتنفيذ كل العمليات التي كانت توكل اليهم بدون تردد وكانوا قد قاموا بعمليات جريئة منها السطو على خزينة الدولة في كردستان وفي بغداد لتمويل وتسليح اجهزة القيادة المركزية وتنظيماتها .. وقبل ان يقتلا من قبل عصابة ناظم كزار كانايقسمان انهما ان خرجا من المعتقل سيكون عملهما الاول ومهمتهما المركزية  هو القضاء على بيتر وعزيز والخلاص منهما .. لكنهما لم يتم لهما ذلك فقد سيقا الى الموت واعدما في قصر النهاية قبل تحقيق حلمهما هذا .

كانت هناك شخصية رائعة ونقية وشجاعة ومؤمنة بأفكار الحركة الى ابعد الحدود  عامل في محطة لغسيل السيارات  اعتقل واقتيد الى المعتقل وهو ينتعل "جزمته" المطاطية العالية الاطراف والتي تناسب عمله وسط الماء والتي البسوها عنوة " لطاهر يحيى" كي يبدو مظهره مضحكا ويشبعوا رغبتهم بالضحك عليه والسخرية منه عندما كان يقود فرقة شكلوها له من عدة وزراء من العهد السابق عهد الاخوين عارف .

كان أسمه " سيد مشتت" يسكن مدينة الثورة وكان بيت ابيه مزارا حيث الحناء تغطي جدرانه الخارجية  من جراء  النذور  التي كان ينذرها زائريه .. كان يبقى الليل ساهرا ينتظر الفرصة المواتية كي ينقض على بيتر يوسف وليعضه  من بلعومه ويقتطع لوزته ويقول.. عضة واحدة لااكثر واقضي عليه نهائيا وبعدها دعهم يعدموني  , كان دوما ينعت المتحدث الذي لايقتنع به بكلمة " صخيف" اي سخيف يقلب السين صادا معتقدا انه ينطقها بالطريقة الصحيحة والاخرين على خطأ , كان الرفيق حامد ايوب يستأنس ويرتاح لعبارته هذه ويكررها على مسامعنا تشوبها ضحكة مميزة لحامد يشهق بعدها لقوة انفعاله ....... لقد اخذوه ذات ليلة ولم يعد الينا وصدقت احاسيسه من انهم سيقتلونه .

 

قاسم مريسن ذوالوجه الاسمر المائل الى الزرقة وكأنه يحمل بشرة افريقية والذي كان ايضا من سكان مدينة الثورة كان ميالا لاراء سيد مشتت  يدعمها ويحرضه بطريقة اهل الجنوب تجعل مشتت يغلي غضبا  كالمرجل البخاري  كل هؤلاء الذين ذكرتهم كانوا يعملون في الجهاز الصدامي يضاف لهم  المتبقون من الجهاز الصدامي  والذين كانوا معنا محمد كريم , قاسم مريسن, صاحب حسن , عادل فرنسيس, سلمان محسن, وابراهيم اسماعيل وكان هذا الاخير كلما جاؤا الينا يهددونا بالاعدام او يأخذونا الى المحكمة في الكرخ لدعاوي ضدنا بالقتل والعمل المسلح والتي كانوا

يحاولون الصاقها بنا وتبرأة عزيز والقيادة وحصر التهم بنا فقط كجهاز صدامي مركزي يقود العمل وارتباطه بسكرتير قيادة الحزب مباشرة,  كانت تظهر في لحيته بقعة دائرية بيضاء من الشعر تعود سوداء حالما تهدأ الامور ويمر وقت من دون تهديد . حتى تم اطلاق سراحنا كما ذكرت سابقا .

 

شاكر الساعدي ذو القامة المديدة والنحيفة يشرأب بعنقه من خلال فتحة الزنزانه المقابلة لزنزانتي ويطلق ضحكته المجلجلة وينادي بأعلى صوته تعالوا افتحوا الزنزانات لنا غير هياب بتهديداتهم المتتالية وترهيبهم لنا بالضرب وانزال العقاب بنا وما زالت صورة وجهه الضحوك وابتسامته عالقة بمخيلتي.

 

كان سيد مشتت يروي لنا عندما يعودون به من غرفة التعذيب وقد تهدل شعر رأسه الكث والحالك السواد على صدغيه  وبان مفرقهم ... قال" لقد طلبوا مني الاعتراف على الخلية التي كنت اعمل فيها وقد اجلسوني ارضا ينهالون علي ضربا  بالعصي والاسلاك الكهربائية ويقولون لي "اعترف"و اتحرك قليلا واقول لهم (احترفت) يعيوني اي غيرت وجهتي بلهجة اهل الجنوب  و زحت عن مكاني ويعاودوا الضرب وهم يرددون" اعترف " وانحرف قليلا واقول لهم هاأنذا "انحرفت " يبعد اعيوني وكأني فهمتها هكذا الى ان يعجزوا مني دون الحصول على نتيجة ما يتركوني بعدها اعود الى الزنزانة . 

كنت لم ازل  في الزنزانة عندما اقتادوا شخصين كل منهما مقيد اليدين معصوب العينين ربطوا احدهما الى شباك زنزانتي من الخارج والاخر الى الزنزانة الثانية وقد  جردا من ملابسهما الا من سرواليهما .. الاول كان ضخم الجثة مكتظ اللحية تجاوز عمره الخمسين عاما حاسر الرأس ومعصوب العينين والثاني ضئيل الجسم قصير القامة دقيق الملامح مليح الوجه له لحية سوداء كان في الثلاثين من عمره وبعد لأي علمت ان الاول هو الشيخ عبدالعزيز البدري الداعية الاسلامية واحد قادة حركة الاخوان المسلمين  اما الثاني فكان السيد حسن الشيرازي رجل الدين الذي اغتيل في الثمانينات خارج العراق والذي كانت لديه العديد من المؤلفات في مواضيع شتى بالفقه والشريعة والاجتماع وغيرها .

 

                                                          (8)

 

 

كان الشيخ عبدالعزيز عطشانا يستغيث ويطلب شربة ماء وقد اوهمه احد السجانين بأنه يروم سقيه الماء وطلب منه ان يفتح فمه لسقيه لكن السجان بدلا من سقيه الماء فتح لهيب ولاعة غازية في فمه وكأنها قاذفة لهب صرخ على اثرها الشيخ بصوت عال مشوب بالحزن والالم .. وهو يقول "حسبي الله ونعم الوكيل" وبعد يومين وهو على هذه الحال نقلوه الى مكان اخر حيث وضعوه بحوض ماء وكان الجو باردا وبعد ان تركوه لفترة طويلة في الحوض نقلوه ثانية ووضعوه تحت المروحة الهوائية ويظهر ان الشيخ اصيب على اثرها بالتهاب رئوي حاد قاموا بعدها بمحاولات

لانقاذه .. احظروا  له طبيبا بعد ان جىء له بسريرواعطوه مغذيا .. كان الطبيب الذي اشرف على علاجه هو احد الموقوفين وهوالوزير السابق عبدالكريم هاني والذي سأتحدث عنه لاحقا .. ولم تمضي ليلتان توفي بعدها الشيخ.

كان "كاكةحمه" في زنزانة مجاورة كسروا له فخذه قبل المجىء به اليها وكان يعرج ان مشى وبعد اعتقاله واتهامه انه مرسل من مصطفى البرزاني للقيام بعمليات اغتيال لقادة ومسئولين بعثيين .. نودي عليه واقتيد الى المحكمة حيث تهمته محاولة اغتيال هؤلاء القادة  والمسئولين وبعد غياب استغرق النهار كله عاد  من المحكمة وروى لنا ما حصل               

له في المحكمة " نودي عليّ متهما ونودي على المتهم الاخر "مصطفى البرزاني "والمتهم "عبدالحميد الاتروشي"  

بأعتبارهما المحرضين والدافعين ل"كاكةحمه" على القتل , وعندما نودي عليهما تلفت يمينا وشمالا علّ اشاهدهما

وكنت مقررا عندما اراهما امامي ان اقوم بقتل نفسي وكان الدم قد جف في عروقي وانا انتظر لحضات وصولهما 

لقد كان اعتقالهما يعني لي ان الثورة الكردية قد انتهت " هكذا قالها ببساطة وعفويةالفلاح الكردي فهو لايفهم قانون

المرافعات في المحاكم حيث ينادى بالاسم على المتهمين الحاضرين والغائبين من قبل حاجب المحكمة امام القاضي

ولما كانا المتهمين غائبين وبعد ان فهم "كاكة حمه" هذا النظام المحكمي تنفس الصعداء  مبتعدا عن ارتكاب جريمة الانتحار .

 

كانوا يأتوا الينا في اوقات معينة ليفتحوا ابواب الزنزانات لغرض التنظيف فتبقى الابواب مشرعة خلال هذه الفترة 

كانت هناك فرقتان للتنظيف الاولى بقيادة "طاهر يحيى" رئيس الوزراء الاسبق والثانية بقيادة "عبدالرحمن البزاز" رئيس الوزراء السابق وكان الاشخاص العاملين بهاتين الفرقتين عبدالكريم هاني" وزير سابق"عبدالكريم فرحان"

من ضباط ثورة 14تموز1958ووزير سابق ومن قادة حركة القومين العرب "انور ثامر " مدير امن عام سابق  و

محافظ البصرة  "عبدالعزيز العقيلي" ضابط كبيرووزير دفاع سابق "رشيد مصلح التكريتي" الحاكم العسكري السابق  والذي له فضل كبير على صدام حسين فترة هروبه واختفائه وحمايته من اعتقال السلطات له اواسط الستينات

انذاك"عبدالجليل مجيد" مدير امن سابق "صبحي عبدالحميد من ضباط ثورة 14 تموز/1958 وزير سابق ورئيس

الحزب الاشتراكي العربي ...واخرون ... طاهر يحيى اجبروه على ارتداء "جزمة" سيد مشتت عامل محطة غسيل

السيارات وامسكوه عصا بيده يسوق بها فريقه ويضربهم ان قصروا بعملية التنظيف وكانوا يجبروه على ذلك وان لم

ينفذامرهم تنتزع العصا منه وينهالوا بها عليه ويشبعوه ضربا ولكما وشتائم واهانات .. فكان يقبل ذلك على مضض .

وقد اعتذر "عبدالرحمن البزاز" عن هذا العمل لكبر سنه ولمرضه لكنهم كانوا يجبروه على التنظيف رغم ذلك

ويجبروه على نقل الاوساخ , وفي مرة اجبروه على جمع احذية المعتقلين والمرمية على عتبات ابواب الزنزانات كي يعيد رصفها وتنسيقها  وهم يقولون له نضمها وشذبها كما هي "اشتراكيتك الرشيدة" فقد كان البزاز صاحب" نظرية الاشتراكية الرشيدة" وكان الغرض من ذلك هو الامعان في تنكيله واهانته وقد اعترض"خضير عباس" عضو القيادة 

المركزية على هذا العمل ورفع صوته وقال لهم هذه ليست معاملة انسانية عليكم بأيقافها والتفتوا الى خضير وانهالوا 

عليه بالضرب  وشجوا له رأسه وغطى الدم وجهه ورأسه .. كان ذنبه انه اعترض على فعلتهم والتي كانت قد ظهرت   

منه بشكل عفوي وردة فعل لما قاموا به .  

 

بعد ايام جيء بعبدالرحمن البزاز وقد حلقوا له شعر رأسه واعطوه ورقة وقلما .. فتحوا باب زنزانتي وزجوه بها وقال  

الذي صحبه وبصورة  آمرية قسرية قالها " أكتب وصيتك لعائلتك فغدا فجرا سآتي لاخذك الى غرفة الاعدام كي يتم اعدامك" شنقا ... دخل البزاز والخوف والهلع باد على وجهه وبعد ان اجلسته بدأ يكتب وصيته .. اتذكر انه ابتدأها بقوله" زوجتي العزيزة اوصيك بتربية الاولاد تربية عربية اسلامية...." واستمر بالكتابة وقد نحيت وجهي للجهة الاخرى ..كي يأخذ راحته بكتابة الوصية وبعد لحظات التفت الي وقد رفع قلمه عن الورقة وصمت قليلا ثم قال ما قولك يا أخي بالذي يحصل معي ..قلت له انه مجرد ارهاب وتخويف وحرب نفسية ونزعة  شريرة يعاملون بها الاخرين لانهم لو كانوا  فعلا يرومون قتلك لما طلبوا منك وصية ولا حلقوا شعرك وكانوا قتلوك بالرصاص ولا من سمع او رأى .. اجابني لكني ياأخي اقرأ في عيونهم ووجوهم الموت وقالوا لي انت والذي سيكون معك بالزنزانة ستعدمون, ولاطمأنه  قلت له هذا ما كانوا يرددونه على مسامعي بين الفترة والاخرى... قل ياالله  ولننتظر الصباح .. لم ينم هو ليلتتها بقي خائفا ولم يغمض له جفن حتى ساعات الصباح الاولى .. كنا نعلم انهم يقومون بالتحقيق ويبتدؤه مساء ويمارسوه طيلة الليل و كانوا عند بواكير الصباح يهجعون الى النوم ويبدأ عملهم من جديد مساء اليوم الاخر  وهذا ما

                                                                (9)

 

 

كانوا يعملوه طيلة  فترة التحقيق  معنا .. وكنا بعدها غير بعيدين عن غرفة  التحقيق نسمع صرخات المعذبين وبكائهم طيلة الليل. لم يأتوا له صباحا وزاد قلقه وطال أنتظاره الصعب والذي بات بالنسبة اليه كأنه دهر طويل ممل وقاس

عليه والذي لم يعتاده بل جاءوا بعد الظهر ونقلوه الى مكان اخر ولم يعدم.      

                                                                                                                              

عبدالكريم هاني طبيبا ووزيرا في عهد عبدالرحمن عارف الا انه كان بعثيا سابقاعندما جىء به الى السجن بداية 

اهين واجبر على التنظيف لكنه بعد فترة  خصصت له غرفة كان له حرية الحركة فيها وتبقى بابهامفتوحة طيلة  النهار وتغلق ليلا فقط كان يعاين المرضى من المعتقلين وبعد مضي مدة اطلق سراحه وكان الاجراء المتبع يومها ان ينقل

السجين  الى سجن اخر يكون معلوما لدى الناس ومن هناك يخلى سبيله .. نقل الى سجن رقم (1) في معسكر الرشيد لكننا فوجئنا به بعد ايام يعود الينا واذا به يضرب ضربا مبرحا ويهان ويجبر على خلع "جاكيته" لينظف بها الارض  ويمسحها ومن ثم ينقل الازبال الى مكان تجمعها ويحملها على رأسه  ويسوقه احدهم سوقا بالعصى الى ان يأتي الليل                                                   

وعنده يشد وثاقه الى عامود الكهرباء وسط ساحة المعتقل وتوضع على رأسه سلة اوساخ وفي فمه حذاء ان سقط منه انهالوا عليه ضربا ولطما وكانت الاوساخ تسيل على راسه ووجهه والحشرات كانت تحوم حوله او تلتصق به من  جراء الانارة ولايستطيع طردها فيداه مربوطتان الى عامود الكهرباء .. وحصل ان كان الحارس والمشرف على  المعتقلين ليلتها هو" ابواحلام" كان هاني يستغيث ويطلب ماء فهو طيلة النهار لم يشرب قطرة ماء اظافة الى ان الشخص عندما يكون خائفا ويعذب فأن لسانه يتخشب من العطش ويصيبه ضمأ شديد  .. اخبره ابو احلام  ..ان سقاك ابو" وميض" - الذي اعدم  لاحفا بدعوى انتمائه لحزب الدعوة -  وهي كنية الرفيق سامي احمد فتكون امك قد دعت لك بليلة القدر " قام سامي احمد وملأ الكأس ماء وسقاه كان ابو احلام معجب بسامي لشجاعته وتحمله شناعة التعذيب دون ان يتأوه بكلمة واحدة  – كما اوردت في مكان سابق من هذه الكتابة- اظافة الى كونه جنوبيا ايضا من لهجته وهذا ما حصل معي  فعندما كنت في السرداب او القبو في بداية اعتقالي كانت قدماي قد تقيحتا بفعل التعذيب كنت لااقدر على السير انما كانوا يحملوني الى غرفة التحقيق حملا .. جائني يومها وحملني على ظهره الى غرفة الطبيب وطلب منه ان يعالجني واخبره انهم يريدون المحافظة على حياتي وابقائي حيا وقام الطبيب فعلا بمداواتي وعلاجي وازالة التقرحات وفتح الدمامل  بالمشرط وخصص لي حقنا  طبية مضادة كان يجبر المضمد على اعطائها لي "وكم كان هذا المضمد قاسيا وبلا رحمة او شفقة "  وكان يذهب الى اهلي خفية دون علم هيئةالتحقيق ليخبرهم عن احوالي وفي احدى المرات اخذ لهم ساعتي ليثبت لهم  انني لم ازل على قيد الحياة وهو الذي اخذني من الامن العام الى البيت عند اطلاق سراحي وشاهد كيف أغمي على امي لما رأتني افتح باب البيت وادخل عليهم , لم اره بعدها كان ابو احلام ضمن المجموعة التي داهمت بيتي واعتقلتني ويومها شاهد والدي ووالدتي وتبين له لهجتهم .. وعلمت منهم انهم كانوا يكرموه ويساعدوه في حاجته اثناء فترة سجني .

كان الذي يسوق عبد الكريم هاني بالعصا هو"سعدي العظيم" ، فعندما ارسل عبد الكريم الى سجن رقم واحد في معسكر الرشيد ..فتشوا اغراضه هناك قبل اطلاق سراحه ..ضبطوا معه اوراقا" كتب عليها مذكراته عن التحقيق و التعذيب وأسماء المحققين والسجانين التي كانوا يتداولونها في المعتقل وهي "ابوفرانكو" "ابو فاشست" وسعدي العظيم ..وقد اوصلوا الخبر الى البكر وسأل من هو سعدي العظيم الذي يتناوله هاني في مذكراته ذكروا له انه شاب لا يتعدى السابعه عشر عاما" . وهو قاس في تعامله مع المعتقلين ويخافوه ..وأمر يومها بكارتونة وسكي لهيئه

التحقيق وتحيات وتقدير لسعدي العظيم ..كما رووا القصة لنا "بأنفسهم" كانت مذكرات هاني هي السبب في اعادته لقصر النهايه ثانيه وماعاناه بسبب ذلك ...

 

جيئ بكاظم شبر الطبيب المشهور وصاحب مستشفى ابن سيناء في بغداد , و الذي حول الى مستشفى خاص بمرضى قيادي حزب البعث وعائلة صدام حسين .. بتهمة التجسس  وألانتماء للحركه الماسونيه ..لقد عذب كثيرا" وهو الرقيق المرهف ..فقد كانوا يضعون على رأسه ضاغطة لها مسمار من الخلف يشدها كلما حرك ناحيه اليمين ..وتبدأ تطبق على   

رأسه من كلتا جهتيه بفعل ذلك ,وتبدأ بقلع شعر رأسه ...كان كبير السن وشعره ابيض ناصع البياض ..وعندما يقلع الشعر بفعل هذه الاله يبقى مكانه لحميا" كأنه رأس صوص حديث التفقيس..رأيته مرات عديده بعدها غاب عنا ولم نعرف عنه شيئا" ...وعلمنا بعد فتره طويله انه اعدم .

 

كان المعتقلون معنا من مشارب وتيارات فكريه وأحزاب مختلفه  وأتجاهات متعدده ..منهم قيادوا واعضاء حزب البعث   

الجناح اليساري , او كما كان يطلق عليهم في السجن" المنشقون" منهم " غازي الربيعي, أياد سعيد ثابت, حسن ذهب,هاشم الموسوي , جبار المالكي ,يوسف النعمه,طه النعمه ومن القوميين العرب صبحي عبدالحميد، عبدالاله النصراوي عبد الكريم فرحان،.ومن ألاكراد ، ومن العهد السابق عهد الأخوين عارف وما يسمى بالرجعين و العملاء و

 

 

 

                                                        (10)

 

 

الجواسيس وهذا الأخير كان يغطي شريحه واسعه من الناس لأنها تهمه فضفاضه تحوي تحت عبائتها كل شخص غير مرغوب فيه.

                                                                                                        

لقد قاموا بعمليه قذره مع القيادين البعثين وألاعضاء الاخرين  المعتقلين من "البعث اليسار" حيث جاءوا برشيد    مصلح  "الحاكم العسكري السابق"وساوموه بين اعدامه او اطلاق سراحه شرط تسجيل اعترافات له على شاشة التلفزيون , يذكر  فيها ان هؤلاء الأشخاص وبالأسماء هم عملاء لوكاله المخابرات المركزيه الامريكية (CIA) ويقبضون رواتب ومبالغ من المال عن طريقه وبواسطته , وفعلا" جيئ بسياره التلفزيون المتنقله وسجل له بالمعنى                                                             

ذاته عن كل شخص من هؤلاء ومن ثم عرضت عليهم هذه التسجيلات واوعدوهم بعدم  اضهارها على شاشة التلفزيون مقابل تعاونهم وعودتهم لتنظيم حزب السلطة كان موقفا" صعبا" بالنسبه لهم .. اما اتهامهم بالعمالة او التعاون معهم ..وفضلوا الشرط الأخير.

جيئ بسجين سياسي اخر يدعى" قيس الاعظمي" من القومين العرب وكانوا يعدوه او يصفوه شقيا" "شقاوة" ويرغموه بالركوع على الأرض واكل الوحل وكان يخاف الموت أثر الضرب والركل ففضل هذه الاهانة وقبلها.

 

رفض عبد الجليل مجيد "مدير الأمن الأسبق" ان يقوم بأعمال التنظيف وقال انه سجين سياسي  ويرفض مثل هذا العمل ولا يقوم به. فهو ليس بمجرم عادي..او قاتل..وما كان منهم الا ان انهالوا عليه ضربا" بالعصي الى ان اسقطوه أرضا" وأغمي عليه  وبقي مصر على رفضه وعندما تركوه ..وكفوا عن مطالبته بنقل ألازبال قالوا للأخرين "لو كنتم انتم مثل عبد الجليل ورفضتم وتحملتم الضرب لعاملناكم مثله وعفيناكم من مهمة  التنظيف.

 

"انور ثامر " محافظ البصرة ومدير امن عام سابقا في عهد الاخوين عارف كانوا تارة يمتطوه كالحمار  وتارة اخرى يطرحوه ارضا ويعتلوه كمومس – تمثيلا لا فعلا – لغرض اهانته واذلاله بهذه الطريقة اللاانسانية والبعيدة

عن الخلق والتهذيب وعن اي قيمة سامية .. انها اخلاقهم وافكارهم المريضة .

 

"جاسم حميدي وصباح بدن" كانا ضمن لجنة التحقيق المشرفة علينا وكانا من عتاة  المجرمين والقتلة ومن السجناء العادين قبل انقلاب تموز/68 وقد كسبهم حزب البعث وضمهم بين صفوفه وهم في السجن وقد اطلق سراحهم من السجن بعد الانقلاب والحقوا بلجنة التحقيق للضرب والقتل وليس للتحقيق فلم تكن لديهم الكفاءة  لذلك , كانا يتشدقان ويسمعانا هذه القصة من وقت لاخر .. وفي يوم كانا يسهران في شقة لهما في الكرخ  لغرض اللهو ولعب القمار ويظهر انهما اختلفا لسبب ما وتشاجرا فقام جاسم بقتل صباح وحمله من شقتهم الى منطقة "الشالجية" القريبة على ظهر دراجة هوائية ورماه هناك على طريق للسكك الحديدية وفي اليوم الثاني يذهب لاهل صباح باكيا لاطما على وجهه لتعزية اهل القتيل حاملا معه كيس رز  وصفيحة دهن  غير ان ناظم كزار اراد معرفة حقيقة القاتل وهل

وراءه دوافع سياسية .. ولفراسة ناظم في هذا الميدان ..سأل من كان معه ليلتها ؟ قيل له جاسم حميدي وبمجرد ان نظر الى عينيه وسألة ان كان صباح معه تلك الليلة فأجاب بالنفي  قال علقوه الى المروحة وبمجرد ان رفعوه عن

الارض وصار يتأرجح في الهواء ولادراكه شدة الالم وقساوة التعذيب قال وهو يصرخ "بروح الشهيد صباح بدن

انزلوني انا الذي قتلته " ووضعوه بعدها في احد غرف القصر .. كان زملاؤه من لجنة التحقيق يزوروه ويجلبوا له احتياجاته بعدها نقل الى السجن العام  وقيل انه هو الذي قتل "فؤاد الركابي " امين عام حزب البعث العراقي

ومؤسسه الاول واول وزير بعثي في حكومة عبدالكريم قاسم عام 1958 وبعد نقل فؤاد الركابي  من سجن قصر النهاية الى السجن العام قام جاسم حميدي بقتله بواسطة طعنات من سكين كان يخفيها معه ويظهر كانت بتدبير

من ناظم كزار بأمر من صدام حسين  للتخلص من فؤاد الركابي الذي لم يكن يدين بخطهم السياسي .

 

 

"عبدالعزيز العقيلي " وزير الدفاع الاسبق كان صلبا رغم ضئالة جسمه , كان يرفض ان ينقل الازبال ويشتمهم

علنا ويعدهم انه لو قيض له وعاد الى الحكم ليعلقنهم على اعمدة الكهرباء وفي كل شوارع مدن العراق .

 

                                                     (11)

 

 

كانوا يستهزؤن بطاهر يحيى  رئيس الوزراء السابق وينعتوه بأبي فرهود اي "السارق" ويطلبوا منه ان يقود

"حميره " ويقصدون وزراءه ناسين ما عملوه بثروة البلد من تبديد وسرقة وبناء قصور وارصدة خيالية خارج العراق لهم ولاتباعهم علما ان الرجل لم يثبت عليه اي سرقة للمال العام ومات الرجل وهو لا يملك غير البيت                                                 

الذي يسكنه وعائلته .. فقد كان نظيف الكف .. وكان من ثوار ثورة 14 تموز 1958 .                                                        

 

عندما أكملوا بناء القاعة الكبيرة نقلنا اليها وكانت تظم ما يقارب الثلاثمائة معتقل من مختلف الاتجاهات السياسية

وكانت لنا فيها حرية الحركة والتمشي كانوا يأتونا بألاغراض التي يبعثها الاهل الينا ويستلموها منهم في الموقف

العام في باب المعظم وهو سجن نظامي معروف وينقلوها الى النهاية ويطرحوها وسط الساحة وينادون بالاسماء

المكتوبة على السلال الحاوية للاغراض فالموجودون يستلمون اغراضهم وتبقى السلال او العلاقات الاخرى دون اشخاص يستلمونها فنعرف ان اصحابها قد قتلوا وبعد اكثر من وجبتين يبدوا انهم انتبهوا لذلك ولم يعد يجلبوا اية                                                                                          

اغراض ثانية وحرمنا من اغراض الاهل.  بعد ما انكشف لنا بعض اسماء الاشخاص الذين اعدموهم ، وبعد مضي                                                      

اكثر من عام على وجودنا في قصر النهاية وبعد اشهر من اتفاق اذار 1970 نقلنا الى سجن الفضيلية في اطراف

بغداد لنقضي فيه شهرين من النقاهة كي نخرج الى الدنيا وقد استعدنا عافيتنا وكانت تتم مواجهتنا من قبل الاهل والاصدقاء ولنا حرية الاكل والمشي  والتحدث ولعب الكرة كي يعطوا انطباعا ان معاملتهم لنا  تتسم بحسن المعاملة و بالانسانية وكما يجب ان تكون معاملة السجين السياسي كما تنص عليها قوانين حقوق الانسان اطلق سراحنا بعد مرورنا بالامن العام لاخذ التعهد منا بعدم العودة لممارسة النشاط السياسي ضدهم .

 

 

 فياض موزان

 

اواخر ديسمبر 1968

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا