%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال |
|
---|
اليساريون العرب وثورتا تونس ومصر:
هل سبقت الجماهير أحزابها؟
وسام متى
السفير 19/2/2011
قبل أربعة أشهر، وتحديداً في مطلع تشرين الأول الماضي، اجتمع ممثلون عن أحزاب وقوى وشخصيات يسارية عربية في بيروت لمناقشة سبل التصدّي لـ«الهجمة الامبريالية» تحت عنوان «اللقاء اليساري العربي». وقتها بدا المشاركون حائرين أمام معضلة غياب الشارع العربي عن المعركة ضد مشروع الهيمنة الأميركية وأدواتها الداخلية، لتنتهي الجلسات، بعد يومين، ببيان ختامي لم يتضمن سوى خطوط عريضة لمهمات المرحلة المقبلة، عاكساً اختلافات شاسعة وعميقة في رؤية اليساريين لسبل التغيير.
ما كادت بضعة أسابيع تمضي على هذا اللقاء حتى حدث ما لم يكن بحسبان أي من المشاركين في اللقاء: جماهير تونس خرجت إلى الشارع، وتلتها جماهير مصر، رافعة مطلب «إسقاط النظام»، الذي لم يجرؤ أي من الأحزاب اليسارية العربية ـ حتى «الطليعية» منها ـ على رفعه خارج منابر الخطابة، لكن الأهم هو أن الشعبين المصري والتونسي حققا أولى انتصاراتهما... وما زالت ثورتهما مستمرة.
بالأمس، انعقد اللقاء اليساري العربي مجدداً في بيروت، بطابع «استثنائي» هذه المرة، فرضته رياح التغيير الشعبية المجرّدة من أي شائبة. اكتسبت نقاشات «الرفاق» حيوية لافتة، افتقدها لقاؤهم السابق، بعد ما تحقق من انتصارات في مصر وتونس، حتى بدا أن تأثير الثورتين العربيتين التاريخيتين لم يقتصر على شوارع الغضب في البحرين وليبيا والجزائر واليمن.... بل شمل أيضاً المياه الراكدة لقوى اليسار العربي.
الجلسة الافتتاحية
وافتتح اللقاء اليساري الاستثنائي بدقيقة صمت تحية لشهداء ثورتي تونس ومصر. ثم ألقت نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ماري ناصيف الدبس كلمة استهلتها بالإشارة إلى غياب ممثلين عن قوى اليسار في البحرين واليمن والسودان والجزائر، نظراً للظروف الراهنة في بلدانهم التي هبت عليها رياح التغيير التونسية والمصرية.
وقالت الدبس إنه «قبل حوالى أربعة أشهر عقد اللقاء اليساري العربي الأول تحت عناوين ثلاثة هي مواجهة العدوان والاحتلال والسيطرة الامبريالية، وتفعيل العمل بين صفوف الطبقة العاملة والفئات الشعبية والمثقفين وصيانة برنامج النهوض في الميادين كافة، والدفاع عن الديموقراطية والحريات العامة والمساواة. ونحن اليوم نعيش هذه المواجهة الشاملة التي نقول، وبكل فخر، ان لليسار دورا مميزا فيها».
ولفتت إلى أن ما يجري اليوم في تونس ومصر يطرح مجموعة من الأسئلة أمام قوى اليسار، وهي: كيف نسهم في حماية الثورة ودفعها إلى الأمام؟ كيف نواجه محاولات التكتل ضدها؟ ما هي الخطوط العامة لبرنامجنا كقوى للتغيير؟ كيف نؤسس لحركة تحرر عربية جديدة يتكامل برنامجها وفي رؤيتها الشاملة البعد التحرري الوطني المقاوم والبعد التغييري للأنظمة القائمة؟
من جهته، تحدى عبد الرازق الهمامي، ممثلاً «تجمع 14 جانفييه»، عن ثورة تونس، التي تكونت فيها عاصفة التغيير التي تهدد يوماً بعد يوم أنظمة الاستبداد والفساد العربية. وأشار الهمامي، في كلمته، إلى أن أسباب ثورة التونسيين تمثلت في عوامل داخلية، من بينها «فشل التنمية المتوازنة في دمج النظام الاقتصادي التونسي بالعولمة الليبرالية»، بما أفرزته من فقر وتهميش وبطالة، فضلاً عن تفشي الإستبداد وخنق الحريات والبذخ الفاحش لعائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، بالإضافة إلى عوامل خارجية ـ لم تكن جوهرية وإنما مؤثرة ـ ومن بينها وثائق «ويكيليكس»، التي أظهرت أن الولايات المتحدة رفعت الغطاء عن زين العابدين بن علي بعدما صورته على أنه رئيس متقدم في السن من دون خليفة، يرفض النصائح، ومحاط بشبه مافيا.
وشدد الهمامي على أن الثورة التونسية تقف اليوم على مفترق طرق، «فإما الاكتفاء والترميم وفقاً لخطط فيلتمان وميركل وساركوزي، أو المضي في خطة 14 جانفييه» من خلال استكمال مسيرة التغيير الشامل، مشيراً على أن ثمة مخاطر تحدق بهذه الثورة، لاسيما «التحالف المقدس الليبرالي ـ الإسلامي الذي يؤمن الغطاء للامبريالية الأميركية الأوروبية».
ومن مصر، تحدث عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي المصري صلاح عدلي عن «ثورة 25 يناير»، مشدداً على أنها «ثورة شعبية أطلقها الشباب، وخرج فيها الشعب المصري بكل طوائفه وفئاته من الطبقة الوسطى والكادحين والعمال يطالبون بإسقاط النظام».
ورأى عدلي أن «الثورتين المصرية والتونسية فتحتا عصرا جديدا مما سيكون له اثر كبير على البلاد العربية وعلى شعوب العالم». ولفت إلى أنّ «الثورة رفعت مطالب وأصرت عليها، وهي التي كانت تقود الجماهير، ولا يمكن لأي قوة أو تيار سياسي ادعاء قيادة هذه الثورة وجماهيرها»، متوقعاً أن تشهد الأيام المقبلة «صراعا شديدا وربما اعقد من الفترة السابقة بين أنصار النظام القديم الذين يجمعون صفوفهم للالتفاف على الثورة وبين داعمي الثورة».
أما الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني خالد حدادة، فرأى «أننا في لقائنا الاستثنائي اليوم مدعوون مجددا للتأكيد على تسريع نهجنا الهجومي في مواجهة المشروع الأميركي ومواجهة الأنظمة العربية باتجاه التغيير الديموقراطي»، محذراً من تصوير هذه الثورات الشعبية وكأنها «جزء من صراع مشروعين دولي وإقليمي (إسلامي) خارج إطار إرادة التغيير الديموقراطي في العالم العربي».
الجماهير وأحزابها
وبرغم الحماسة التي اتسمت بها جلسات اللقاء، فإن ثمة إرباك كان يمكن تلمسه في ما بين سطور مداخلات اليساريين المجتمعين حول رؤى التغيير، وقد تمحورت بمعظمها حول واقع قد يبدو مرّاً بالنسبة لبعضهم، وهو الانطباع الذي تركته ثورتا تونس ومصر لدى الكثيرين بأن الجماهير قد سبقت أحزابها... حتى أنها كانت أكثر جذرية في رفع مطلب التغيير الشامل.
وعكست ورقة النقاش للقاء اليساري الاستثنائي هذا الواقع، عندما أقرّت بأن «حركة الجماهير الراهنة تقدمت على أحزاب وقوى تقليدية ابتعدت عن تراثها الديموقراطي والوطني، وحتى اليساري، وغرقت في تنظيرات فكرية مستسلمة لمقولة نهاية التاريخ وانتصار قوى الامبريالية، وبدأت التسابق للدخول في تسويات مع الأنظمة القائمة مما أبعدها عن الجماهير وحوّلها إلى أحزاب نخبوية».
لكن الورقة، التي بدت موجهة إلى هذا الحزب أو ذاك، في هذه الدولة أو تلك، اعتمدت مقاربة عامة، لامست السطحية إلى حد ما، لإشكالية غالباً تجنب اليساريون العرب مناقشتها خلال العقدين الماضيين، لعجز أو جهل أو مكابرة، وهي: لماذا لم يعد خطابهم يحرّك سوى بضع مئات الناشطين، في الوقت الذي تمكن مجموعات شبابية، لم يجمعهم أي إطار فكري أو بنية تنظيمية موحدّين، من تحريك الملايين، على اختلاف انتماءاتهم الطبقية، مشعلة الشرارة الأولى لـ«أيام غضب» نجحت في الإطاحة باثنين من أكثر الدكتاتوريين العرب بطشاً وارتهاناً.
هكذا، اكتفت الورقة بتوصيف هذا الواقع في إطار «النقاش الدائر منذ فترة حول تحديد أولويات المرحلة الراهنة»، إذ على الإشارة إلى أن «تراجع حركة تحرر بقيادة مركزية وطنية سهل إبراز التيارات المتطرفة قومياً ودينياً التي تسعى إلى فرض مفهومها للمقاومة الذي يغيب البعد التغييري للتحرر الوطني»، وأن «غياب النظرة والموقف الموحدين على وجهة التحرر لدى الأحزاب والقوى اليسارية العربي أدى إلى نشوء أحزاب وقوى ترفع شعارات الديموقراطية والحرية والمساواة».
وحذرت من أن «غياب الأحزاب والقوى اليسارية أو تخلفها عن ممارسة دورها الفاعل والمنظم في مواجهة أنظمة القمع والاستغلال وتوريث الحكم من شأنه أن يؤدي إلى غياب البرنامج التغييري للثورة، ما يشكل خطراً حقيقياً إن لناحية الالتفاف عليها من قبل قوى وأحزاب لا مصلحة حقيقية لها في إحداث التغيير، أو لناحية محاولة القوى الامبريالية الافادة من هذا الغياب للحد من خسائرها».
بذلك، أخفق الداعون إلى اللقاء في التطرق إلى قدرة اليسار على تحريك الشارع، حتى بدا رفضهم التسليم بأن البنية التنظيمية لأحزاب اليسار ـ وبعضها ما زال يستوحي الستالينية في التنظيم والممارسة ـ أصبحت بحاجة إلى تطوير في عصر الثورة المعلوماتية. لكن كثراً من المداخلين تناولوا مسألة التطوير تلك، وإن تفاوت تقييمهم لدور الشباب، وتفاعلهم مع وسائل الاتصال المعولمة، في إشعال الثورات الشعبية.
وقال حدادة لـ«السفير» إن القوى اليسارية «لا تستطيع إلا أن تقدر دور الشباب في التحركات الثورية»، لكنه أوضح «أننا ربما نحمل عبئاً كبيراً على الشباب إذا ما حصرنا عوامل إنضاج الثورة فيهم»، مشيراً إلى أن «الثورات نتاج لتراكمات نضالية، وهو أمر ينطبق على مصر وتونس».
بالاضافة إلى ذلك، تحدث حدادة عن عوامل أخرى أسهمت في إنضاج الثورة، ومن بينها أزمة الرأسمالية العالمية، وتعثر المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، فضلاً عن تجارب المقاومة ضد الاحتلال الأميركي ـ الإسرائيلي، التي ألهمت بدورها معظم شعوب المنطقة.
وأشار حدادة إلى أن «سرعة تعثر المشروع الامبريالي في الشرق الأوسط، ودرجة الفساد والقمع التي انتهجتها الأنظمة العربية، كانت أسرع بكثير من حركة الأحزاب. وأيضاً، كانت قدرة الشباب في استعمال التكنولوجيا أكثر تطوراً، ما جعلها أكثر قدرة على الانتظام في مجموعات الكترونية ومباشرة في آن معاً»، لكنه أوضح أن ذلك لا يعني أنه «بالامكان قيادة الثورات عبر الكومبيوتر، ومن غير المقبول القول إن ما يجري كان مجرّد ثورة فجرها الانترنت، لأننا بذلك نسيء إلى الشعوب التي خرجت بالملايين مطالبة بالتغيير».
بدوره، رفض ممثل تجمع الوطنيين الديموقراطيين في تونس محمد الكحلاوي مقولة أن الجماهير سبقت الأحزاب أو النقابات، معتبراً أن هذه الصورة التي تسعى القوى الرجعية لتعميمها بغرض تشويه الثورة التي جرت في كل من تونس ومصر. وأشار إلى أنّ الأحزاب السياسية والتكتلات النقابية كانت في الشارع منذ بداية التظاهرات الشعبية، وإن كانت هذه التظاهرات قد بدأت، في مراحلها الأولى بشكل عفوي.
وأوضح الكحلاوي أن قيادات الأحزاب لم تغب عن الشارع التونسي منذ البداية، لكنها تعمدت التخفي، تجنباً لاتهامات قد يطلقها النظام، من قبيل وصفها بـ«الأيادي الخارجية» و«الجماعات الإرهابية» و«الجماعات التخريبية».
أما صلاح عدلي فكان له رأي آخر، إذ أشار إلى أن مقولة «الجماهير سبقت أحزابها» صحيحة «بشكل جزئي»، موضحاً أن «ما جرى في مصر يظهر أن الشباب سبق كل الأحزاب والقوى السياسية في التقاط اللحظة الثورية».
لكنه أشار إلى أن هذا الواقع لا يعني أن الأحزاب والنقابات كانت غائبة عن الشارع. وأضاف «صحيح أن الشباب كانوا المبادرين، لكن قوى سياسية ونقابية كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى للثورة. ونتيجة لروح المبادرة تلك، توقع عدلي أن تشهد الحياة السياسية في مصر خلال الفترة المقبلة تطوراً كبيراً في دور الشباب المصري، الذين بدأوا ينتظمون في تجمعات منظمة، ما يعني أن دورهم سيكون محورياً في بلورة قيادة حقيقية في المستقبل القريب.
دور الشباب في عملية التغيير، سيكون محور جلسات اليوم الثاني من اللقاء اليساري، الذي يختتم غداً بمهرجان في قصر الأونسكو تحية لثورتي مصر وتونس. ولعل النقاشات الشبابية قد تشكل بداية لبلورة وجهة أكثر حيوية لدور اليسار العربي في معركة التغيير... التي بات من الضروري أن تبدأ ضمن أحزابهم نفسها.
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|