<%@ Language=JavaScript %> دار بابــل للدراسـات والإعـلام الواقع الزراعي والأمـن الغـذائـي فـي العـراق
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

 

الواقع الزراعي والأمـن الغـذائـي فـي العـراق

دار بابــل للدراسـات والإعـلام

 

 

ـ مقدمة:

             بعد ثماني سنوات من الغزو الأمريكي للعراق، لا يزال الشعب العراقي يعاني الكثير من آثار هذا الغزو المدمرة على مختلف الأصعدة وفي مختلف ميادين الحياة، ومن هذا تسببه في تدهور وتراجع الكثير من القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الزراعي الذي يشكل قطاعاً هاماً ورئيسياً في النشاط البشري العراقي، حيث يعمل فيه نحو ثلث القوى العاملة، وتبلغ مساحة الأراضي القابلة للزراعة نحو 27% من المساحة الإجمالية البالغة نحو 438ألف / كم2 وتتركز هذه الأراضي في سفوح الجبال والأودية البينية وسهول الجزيرة وأراضي السواد، وخاصةً في أطراف الأنهار. ويعد القطاع الزراعي المرتكز الأساسي الذي يضمن الأمن الغذائي للعراق، ويؤمن المواد الأولية للكثير من الصناعات التي تساهم في سد احتياجات المواطن اليومية.

تواجه الزراعة في العراق اليوم تحديات جمة بسبب ممارسات الاحتلال والقوى المتحالفة معه وما جرته على البلد من ويلات وكوارث أهمها انعدام الأمن وانتشار العنف وقصور السياسات الحكومية والممارسات الخاطئة في إدارة البلاد.

             لقد دمر الاحتلال كل مقومات الاقتصاد الزراعي حيث لوث البيئة بتربتها ومائها وهوائها ودمر مراكز الأبحاث وبنوك البذور ومستلزمات الإنتاج وقتل وشرد الكثير من الباحثين والعلماء المتخصصين في الشأن الزراعي وتطويره، مما جعل العراق يتحول إلى مستورد للغذاء بعد أن كان مصدراً له، وبسبب هذا التدهور للقطاع الزراعي ولأسباب طبيعية وجغرافية وسياسية داخلية وخارجية تخصه، فإنَّ العراق يعاني اليوم، كغيره من أقطار وطننا العربي والدول النامية، من عدم توفر الأمن الغذائي على الرغم من امتلاكه الكثير من المقومات التي يمكن أن تجعل هذا الهدف ممكناً فيما لو توفرت السياسات الوطنية والقومية الفاعلة والمتكاملة وتم التخلي عن الإستراتيجيات والسياسات الضيقة والقاصرة على المستوى الوطني والقومي..

وفي هذه الدراسة نلقي الضوء على الواقع الزراعي وأثره على الأمن الغذائي العراقي وعلى حال الفلاحين والسبل الكفيلة بالنهوض من جديد، وذلك من خلال بابين اثنين، هما:

ـ الباب الأول، وهو بعنوان:  الواقع الزراعي وحال الفلاحين في العراق بعد الاحتلال.

ونتناول فيه:

أ. أسباب تدهور وتراجع القطاع الزراعي في العراق.

ب. مظاهر تدهور وتراجع القطاع الزراعي في العراق.

ج. حال الفلاحين في العراق بعد الاحتلال.

د. السبل الكفيلة بالنهوض من جديد.

 

ـ الباب الثاني، وهو بعنوان: الأمن الغذائي في العراق.

ونتناول فيه:

ـ واقع الأمن الغذائي في العراق.

ـ أسباب تدهور الأمن الغذائي في العراق.

ـ الحلول ومقترحات معالجة أزمة الغذاء في العراق.

الباب الأول

الواقع الزراعي وحال الفلاحين في العراق بعد الاحتلال

 

تعاني الزراعة في العراق من تدهور كبير ترك آثاراً خطيرة على العراق وأبنائه وخاصة الفلاحين منهم، وكانت هناك أسباب كثيرة وقفت وراء هذا التدهور والتراجع الخطير في القطاع الزراعي، وتجلى هذا التدهور في مظاهر سلبية كثيرة.. وفي هذا الباب  نلقي الضوء على الواقع الزراعي وحال الفلاحين في العراق بعد الاحتلال.

أسباب تدهور وتراجع القطاع الزراعي في العراق:

يمكن أن نرد هذا التراجع إلى الأسباب التالية:

1 ـ الاحتلال الأمريكي:

        نفذت قوات الاحتلال سياسة ممنهجة هدفت إلى تدمير العراق وبنيته التحتية وشل قدرته ونهب ثرواته ليبقى تابعاً للولايات المتحدة الأمريكية ينفذ ما يطلب منه لخدمة مصالحها وأهدافها في السيطرة على العالم. حيث عملت حكومة الاحتلال قبل مراسم نقل السيادة في عام 2004إلى إصدار قانون يحمل الرقم/81/، بعنوان (براءة الاختراع، التصميم الصناعي، سرية المعلومات الدوائر المغلقة ، وأصناف النباتات) يحظر بموجبه على الفلاح العراقي استعمال البذور العراقية ويفرض عليه استعمال البذور الأمريكية بعد أن كان العراقيون يستخدمون بذورهم المحلية بنسبة 97% وينتجون من القمح ما يكفي حاجة العراق ويمكنهم من التصدير إلى الخارج، ويذكر أن العراق كان يمتلك ومنذ التسعينات بنكاً جمعت فيه البذور المحسنة والمهجنة طبيعياً بخبرات وطنية متميزة دمر بعد الغزو ونهبت محتوياته لتضيع بذلك ثروة لا تقدر بثمن استغرق الحصول عليها زمناً طويلاً.

كما عملت قوات الاحتلال على تدمير البنى التحتية لمشاريع الري وشبكاته ولوثت مصادر المياه من بحيرات وأنهار وسدود بما ألقته فيها من ملوثات كيميائية ونووية و..و ..إلخ إضافة إلى الدمار الذي لحق قطاع النفط والبنية التحتية له مما أسهم في مفاقمة التلوث البيئي وازدياد أسعار المشتقات النفطية والكهرباء التي شملها التخريب أيضاً فانعكس ذلك كله على حال الفلاح وتدهور بالتالي قطاع الزراعة وتربية الحيوان.

وقد عمل الاحتلال على تأسيس مراكز أبحاث أجنبية مهمتها الإشراف على القطاع الزراعي بهدف سرقة أموال إعادة الإعمار والتخطيط للزراعة بما يخدم سياسات ومصالح الاحتلال وليس بهدف تطوير الزراعة العراقية وتحسين وضع الفلاح.

2 ـ قصور سياسات الحكومات المتعاقبة:

    تراجع الدعم الحكومي في تمويل هذا القطاع ومستلزماته ( يبلغ المبلغ المخصص لدعم القطاع الزراعي في موازنة العام 2010 /351/ مليار دينار أي ما يعادل /300/مليون دولار مقابل /317/ مليار دينار في موازنة 2009، ويشار إلى أن هذا الدعم قليل جداً ولا يتناسب مع الحاجة اللازمة لتطوير هذا القطاع)  ترافق معه عدم وجود خطة زراعية محكمة ونظام ري رشيد إضافة إلى عجز الحكومة عن التعامل بجدية مع المشاكل المائية مع دول الجوار مع وعدم وجود إحصائيات دقيقة وصحيحة عن الواقع الزراعي ، و لعب الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه وزارة الزراعة، وكذلك عدم وجود قوانين وإجراءات تحمي الإنتاج الزراعي العراقي من المنافسة، إضافة إلى القوانين الجائرة بحق الفلاحين دوراً سلبياً في ازدياد معاناة الفلاحين و أدى إلى عزوف الكثير منهم عن العمل في أراضيهم، فقد تراجعت نسبة العمال في قطاع الزراعة بعد الاحتلال  إلى 40% بعد أن كانت قبل الاحتلال حوالي 75% ؛ والجدير بالذكر أنه  يجب ألا تقل هذه النسبة عن 60% في بلد تشكل فيه الزراعة قطاعاً اقتصادياً مهماً ومورداً هاماً من موارد الدخل الوطني والقومي . إضافة إلى تراخي الحكومة في إعادة إعمار ما دمر من بنى تحتية وانشغالها بالصراع السياسي الدائر على الحكم ، وإهمال الأوضاع المعيشية للمواطنين عامة والفلاحين خاصة علماً أنهم يشكلون حوالي 60-70% من مجموع السكان.

3 ـ البيئة والتغيرات المناخية والعوامل الجوية:

يعاني  العراق من التلوث البيئي الكبير الناجم عن استخدام قوات الاحتلال 

للأسلحة المحرمة دولياً،   وانحباس الأمطار وتناقص في الموارد المائية 

الصالحة للري وخاصة حصة العراق من نهري دجلة والفرات بسبب شح الأمطار وبناء المشاريع المائية الضخمة في تركيا والدول المجاورة، إضافة إلى التغيرات المناخية التي تسود العالم ومنطقة الشرق الأوسط ، والتفاوت الشديد في درجات الحرارة والجفاف وارتفاع ملوحة التربة والرياح الشديدة مما يؤدي إلى خروج الكثير من الأراضي من الزراعة وبالتالي تصحرها. وأشار تقرير صادر عن الكونغرس الأمريكي في شهر حزيران/يونيو 2004 إلى أنَّ 78% من أراضي العراق لم تعد قابلة للزراعة، و9,5% من الأراضي المتبقية تستخدم للرعي الموسمي للماعز والأبقار .

مظاهر تدهور وتراجع القطاع الزراعي في العراق:

1ـ تراجع المساحات المزروعة حيث لا تزيد مساحة الأراضي المزروعة عن 2-5%من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق.

2ـ نقص الثروة الحيوانية بسبب انتشار الأمراض والأوبئة التي تفتك بالثروة الحيوانية بسبب قلة الأمصال وأنواع اللقاحات المطلوبة ورداءتها  وارتفاع تكاليفها إن توفرت ، إضافة إلى انتشار ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية إلى دول الجوار ، وظاهرة الذبح الجائر للثروة الحيوانية وعدم توفر الأعلاف الجيدة. فقد تقلصت أعداد قطعان الأغنام والماعز والأبقار والجاموس والدواجن وقضي على المناحل وأصبحت بعض أنواع الأسماك مهددة بالانقراض كسمك البني.

3ـ ازدياد الواردات الغذائية لتصل إلى حوالي 90% بسبب عدم كفاية الإنتاج الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي وارتفاع تكاليف الإنتاج قياساً إلى التكلفة المنخفضة للمنتجات المستوردة. مما دفع الأمم المتحدة إلى إدراج العراق ضمن 32 دولة تحتاج إلى مساعدات غذائية عام 2009. كما قدر تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة العالمية ( الفاو) أن ثلث سكان العراق يقيمون في المناطق الريفية ، ويعتمدون على الزراعة لكسب رزقهم، ومع ذلك فإن هذا الجزء من السكان يعاني على نحو غير متناسب من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ويقيم حوالي 69% من العراقيين الذين يعانون من الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية.

4ـ انتشار الأمراض والأوبئة التي تفتك بالمحاصيل الزراعية وقصور المعالجة بسبب قلة الدعم الحكومي فقد تراجعت أعداد النخيل إلى 11000000 أحد عشر مليون نخلة مقارنة ب35000000 خمس وثلاثين مليون نخلة قبل عام 2003م بسبب انتشار الآفات الزراعية وانعدام وسائل المعالجة والمبيدات الحشرية.

5ـ هجرة الفلاحين لأراضيهم بحثاً عن أعمال أخرى أكثر جدوى اقتصادية ومعيشية من العمل الزراعي.

6ـ تراجع دور المهندسين والمهنيين الأكاديميين الزراعيين وانضمامهم إلى قوافل العاطلين عن العمل، ونقص الخبرات وتراجع البحوث الزراعية مما أدى إلى تأخر اللحاق بالتطور العلمي الزراعي واستخدام المكننة الزراعية.

7ـ تدهور القطاع الصناعي إن لم نقل تلاشيه وخاصة الصناعات الغذائية والنسيجية وصناعة الأعلاف مما أثر على الزراعة وتربية الحيوان.

8ـ  الانخفاض الكبير في إنتاج المحاصيل الإستراتيجية كالقطن والتمر والقمح والأرز والشعير حيث  يخطط العراق لاستيراد 80% من احتياجاته من القمح والأرز خلال عام 2010 وتظهر أرقام وزارة التجارة أن العراق استورد / 3,55 / مليون طن من القمح، و1,17 مليون طن من الأرز عام 2009، ليرتفع 

بذلك عن الكميات المستوردة عام 2008 والتي بلغت 2,54 مليون طن من القمح  

و 610مليون طن من الأرز.

حال الفلاحين في العراق بعد الاحتلال:

يعمل في القطاع الزراعي نحو ثلث القوى العاملة كما قلنا ويشكل هؤلاء ما نسبته 60ـ 70% من تعداد السكان ، كانت  الزراعة تشكل بالنسبة لهم مصدر الرزق الوحيد  الذي يقتاتون منه ، أما الآن وبسبب هذا التدهور والانحطاط الذي يشهده هذا القطاع فقد عزف قسم كبير من هؤلاء عن العمل في مهنتهم هذه ليهاجروا داخلياً إلى المدن العراقية بحثاً عن مورد بديل يؤمن لهم مستوى 

أفضل من الحياة الكريمة لهم ولأبنائهم وبعضهم الآخر هاجر خارج العراق  

رغبة في تحقيق الحياة الكريمة الآمنة والباقون يعانون من الفقر والجهل والبطالة وانعدام الأمن والتشريد والتهجير والقتل وعدم الاستقرار في ظل غياب الدور الفاعل للحكومة في توفير مستلزمات العمل الزراعي وتطويره وحمايته ، وضمان الأمن والاستقرار والخدمات ( من كهرباء وماء وصحة وتعليم وضبط لأسعار المواد والسلع الضرورية وتوفير المشتقات النفطية بأسعار

مناسبة......) و التراخي الحكومي في إعادة إعمار ما دمر من البنى التحتية..

ويوماً إثر يوم تزداد نقمة الفلاحين على الأرباب وصناع القرار ، ويزداد انتقادهم لسياساتهم التي تكرس سياسات الاحتلال في إبقاء الوضع على هذا النحو المأساوي خدمة لمصالحه ومصالح عملائه.

السبل الكفيلة بالنهوض من جديد:

لكي يستعيد القطاع الزراعي العراقي عافيته ويتجاوز التحديات ويذلل العقبات لا بد من تحقيق الأمور التالية:

1ـ إنشاء تنظيم فلاحي بقيادة نخبة من العاملين في هذا المجال من فلاحين و مهندسين زراعيين ومهنيين أكاديميين؛ يتبنى هذا التنظيم الدفاع عن مصالح الفلاحين ويضع الخطط الزراعية وبرامج العمل وآليات التنفيذ .

2 ـ الضغط على الحكومة لوضع إستراتيجية زراعية  بعيدة المدى  تحقق مصالح الفلاحين والمصالح العليا للبلد.

3 ـ وضع خطط زراعية سنوية ومتابعة تنفيذها.

4 ـ توزيع الأراضي بشكل عادل وحماية أراضي الدولة .

5 ـ الضغط على الحكومة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي ألحقها الاحتلال الأمريكي بالعراق عموماً و بالفلاحين خاصة.

6 ـ دعم الزراعة بمستلزمات الإنتاج الجيدة والحديثة من بذور و مغروسات وأدوية ومكننة زراعية وخبرات علمية.

7 ـ عدم تسييس مسألة المياه كما تفعل قيادة التحالف الكردستاني الحالية.

8 ـ حماية الفلاحين ودعمهم مادياً ومعنوياً، وصون الملكية الزراعية.

9 ـ العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي من خلال تشجيع الزراعات التي تدخل في الصناعات الغذائية .

10 ـ تطوير مؤسسات البحث العلمي الزراعي والمدارس والمعاهد وكليات الزراعة في الجامعات العراقية والاستفادة من تجارب وأبحاث الدول المتطورة في هذا المجال عربياً وعالمياً .

11 ـ جذب الاستثمارات للعمل في القطاع الزراعي..

12ـ تطوير الريف وإنعاشه بالخدمات و الاحتياجات اللازمة للحد من هجرة الفلاحين لحقولهم وعملهم الزراعي ووضع الحوافز لجذب الشباب للعمل في هذا القطاع..

13 ـ  العمل على إدخال زراعات جديدة وفق متطلبات وحاجات البلد بما يحقق 

له الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.

14 ـ استخدام وسائل الري الحديثة و التوسع في بناء مشاريع الري الجديدة وتطوير المشاريع القديمة.

15ـ سن القوانين التي تحمي المنتجات الزراعية من المنافسة غير المشروعة مع المنتجات المستوردة، وتأسيس صندوق للتأمين على المحاصيل الزراعية ضد الأخطار والكوارث الطبيعية.

16 ـ فتح أسواق تصريف للمنتجات وانتهاج سياسة تسويقية واستثمارية تعود بالجدوى الاقتصادية على الفلاح..

أما في مجال تنمية الثروة الحيوانية والحفاظ عليها فيمكن العمل على ما يلي:

1 ـ تحسين السلالات وانتخاب السلالات الجيدة عالية الخصوبة والتي تعطي إنتاجاً وفيراً وذلك باستخدام الطرق العلمية الحديثة التي تؤمن زيادة في الكم والنوع معاً.

2 ـ الاهتمام بإنشاء وتهيئة مراكز الأبحاث والمراكز الطبية البيطرية وتجهيزها بالمعدات  الحديثة اللازمة .

3 ـ تأمين الأدوية البيطرية اللازمة لمكافحة الأمراض والأوبئة والجائحات التي تصيب الثروة الحيوانية.

4 ـ الاهتمام بتطوير القطاع الصناعي الذي يعتمد على المنتجات الحيوانية،  

وإنشاء المعامل التي تعالج مخلفاتها كما ينبغي الاهتمام بالصناعات العلفية وتطوير مصادر الأعلاف وتنويعها ..

5 ـ الاهتمام بتطوير وتدريب الكادر البشري العامل في هذا المجال ..

6 ـ الاهتمام بتأسيس جمعيات وروابط وتنظيمات نقابية من أجل دعم مربي المواشي والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم..

7ـ  فتح أسواق تصريف للمنتجات وانتهاج سياسة تسويقية واستثمارية تعود بالجدوى الاقتصادية على المربي..

 

الباب الثاني

الأمن الغذائي في العراق

يعتبر الأمن الغذائي مصطلحاً شديد التعقيد، وهو لايعني فقط زيادة الإنتاج الزراعي أو الحصول على ما يسد رمق الإنسان وجوعه حتى لو كان بانتظام، بل يتضمن أن تكون الوجبات التي يحتاجها الإنسان متنوعة ومغذية.

إضافة إلى أنه كمفهوم يشمل كذلك الخدمات، وتوفر وسائل تأمين حياة إنسانية مريحة. فقد تضمن تعريف "الأمن الغذائي" في البيان الختامي لمؤتمر قمة الغذاء الذي عقد في روما في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2009م أربعة مؤشرات وهي: وفرة الغذاء، وإمكانية الحصول عليه، واستقرار إمداداته في السوق، والقدرة على استخدامه.

وبمقدار ما يكون الأمن الغذائي متحققاً في دولة من الدول بقدر ما تكون هذه الدولة قوية ومحافظة على سيادتها وأمنها القومي ضد التهديدات والضغوط الخارجية التي تستهدف النيل منها والسيطرة على مقدراتها وقراراتها الدولية المستقلة، كما أن لتحقق الأمن الغذائي أثره الكبير على السلم والأمن الداخلي للدول منفردة، وعلى العلاقات الدولية والسلم الدولي..

إنَّ الاهتمام العالمي يزداد يوماً إثر يوم بمفهوم الأمن الغذائي، وتعقد الكثير من المؤتمرات والندوات وحلقات الحوار حول هذا الموضوع. وقد قامت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بتنظيم ثلاثة مؤتمرات قمة للأمن الغذائي منذ أواسط التسعينيات، كان آخرها مؤتمر القمة العالمي حول الأمن الغذائي المنعقد في روما نهاية عام 2009، وذلك في محاولة لوضع فكرة "الأمن الغذائي" على أجندة العمل الدولية، باعتبارها ذات أولوية قصوى لتحقيق السلم العالمي، خاصة بعد أن تغيرت طبيعة التحديات التي تواجه البشرية، وتجلت في أشكال وصور متناقضة ..

ففي الوقت الذي حققت فيه الدول المتقدمة قفزات تنموية كبرى، تعثرت، أو تراجعت، فرص العديد من الدول النامية في تحقيق تنمية تؤمِّن الحد الأدنى لاحتياجات السكان من الغذاء ومياه الشرب والخدمات الصحية والتربوية الأخرى.

وعلى الرغم من أن تحقيق الأمن الغذائي العالمي قد أدرج كهدف رئيسي من أهداف الألفية الثالثة التي يسعى المجتمع الدولي لتحقيقها، تحت ما يسمى بالقضاء على الفقر المدقع والجوع في العالم، إلا أنَّ تحقيق هذا الهدف، كغيره من تلك الأهداف، لمَّا يزل بعيد المنال ، فبدلاً من انخفاض عدد الجوعى في العالم، فقد ازداد زيادة كبيرة وسجل أعلى مستوياته في عام 2009م وذلك بتجاوزه المليار إنسان، أي بزيادة حوالي 150 مليون شخص جائع 

عن عددهم المسجل في عام 1990 والبالغ 850 مليون شخص. على الرغم من أن  

قادة العالم تعهدوا، وهم على مشارف الألفية الثالثة، بتخفيض عدد الجوعى في العالم بنسبة 50 % وذلك بحلول عام 2015 عن عددهم المسجل في عام 1990م..

ولاتوجد في الأفق مؤشرات على أن البشرية قادرة على تحقيق هذا الهدف خلال السنوات الخمس المتبقية، في ظل نسبة الزيادة السكانية الحالية، حيث يزداد عدد سكان الأرض بحوالي ربع مليون شخص في اليوم، وفي ظل تحديات الاحتباس الحراري، والتوسع المهول لظاهرة التصحر، وانكماش وتناقص الموارد الطبيعية، والاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة غير المتجددة، والعبث بتوازنات البيئة وتلويثها وغير ذلك.

أولاً ـ واقع الأمن الغذائي في العراق:

يعد انتشار الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي، ظاهرتان تهددان مستقبل العراق تهديداً جدياً وإن لم تكونا التهديد الوحيد، فعلى الرغم من أنَّ تحقيق الأمن الغذائي في العراق كان - ولمَّا يزال حتى اليوم - تحدياً إستراتيجياً وهدفاً للحكومات المتعاقبة، وإن لم يكن هدفاً رئيسياً على الدوام، إلا أنه لم يتحقق منذ عقود.

ومن خلال الحقائق والمعطيات والمعلومات المتوفرة يمكننا تلمس حجم وخطورة المشكلة، ونمر فيما يلي على بعض منها:

يقع العراق في منطقة الشرق الأوسط في القسم الغربي من قارة آسيا، يحده من الغرب الأردن وسوريا، ومن الشمال تركيا ومن الشرق إيران، ومن الجنوب الكويت والسعودية والخليج العربي.

يبلغ طول شريطه الساحلي: 58 كيلومتراً مربعاً، وفيه مرتفعات زاغروس، وكردستان، وسنجار، وترتفع أعلى قمة فيه 3560 متراً وهي قمة بيجان، وأهم

أنهاره: دجلة و الفرات، كارون.

يختلف المناخ في العراق من منطقة إلى أخرى؛ فالمناطق الغربية والغربية الجنوبية مناخها صحراوي قاري شديد الحرارة صيفاً وبارد قليل الأمطار شتاءً، والمناطق الوسطى والجنوبية ذات مناخ حار صيفاً معتدل الحرارة شتاءً وأمطاره أكثر غزارة من سابقتها.أما المناطق الشمالية فمعتدلة الحرارة صيفاً وغزيرة الأمطار شتاءً مع تساقط الثلوج فوق المرتفعات وأحياناً تسقط الأمطار في فصل الصيف، وقد تأثر العراق كغيره من دول العالم بالتغير المناخي العالمي وأدى ذلك إلى ازدياد ظواهر التصحر والجفاف نتيجة قلة الأمطار ونقصان الواردات المائية..

يتألف سطح العراق من سهول دجلة والفرات، كما توجد فيه مستنقعات (أهوار) في الجنوب الشرقي. وتقع المرتفعات الجبلية في شمال شرقي البلاد على الحدود مع إيران وتركيا.

يمتلك العراق ثروات طبيعية هامة كالبترول، والغاز الطبيعي، والفوسفات، والزيت الخام والكبريت، وتنمو فيه  الغابات المعتدلة في المرتفعات الجبلية الشمالية والشرقية وأهم نباتاتها البلوط والسرو والسنديان والصنوبر والفلين، إلى جانب الأعشاب والنباتات الشوكية في المناطق الصحراوية.

يقدر إجمالي الناتج المحلي بـ 57 بليون دولار، تساهم  الزراعة فيه بنسبة 15بالمائة أهم المحاصيل الزراعية في العراق: الحبوب (القمح، الشعير، الأرز)، الخضر والفواكه، التمور، الكروم، الحمضيات والقطن.

يمتلك من الثروة الحيوانية: 5 ملايين رأس من الضأن، ومليوناً من الماشية ، بالإضافة إلى20 مليون من الدواجن.

ـ أهم الصناعات: تكرير البترول، الصناعات البتروكيميائية، الصناعات الغذائية، المنسوجات ومواد البناء.

قدر عدد سكان العراق بحوالي 24 مليون نسمة حسب إحصاء عام 2001م، وتشير تقديرات عدد السكان في ضوء نتائج التعداد العام للسكان الأخير بأن عددهم بلغ 25565  مليون نسمة عام 2004م،  ليرتفع إلى ( 27139 ) مليون نسمة بمعدل نمو قدره 3,03 بالمائة ،  وارتفع عدد السكان بين عامي (2004ـ

2008م) ووصلت تقديراته إلى ( 30577 ) عام 2008م، وتبلغ نسبة الزيادة السكانية الطبيعية العامة  فيه 33 بالألف، ويصنف بن البلدان ذات الكثافة السكانية المتوسطة؛ إذ تبلغ نسبة الكثافة العامة فيه 54 نسمة في الكيلومتر المربع، وتشكل نسبة السكان الريفيين حوالي 50 بالمائة من إجمالي السكان، بينما يشكل سكان المدن 47 بالمائة، والبدو الرحل نحو 3 بالمائة..

وبلغت نسبة القادرين على العمل في العراق 52,99 بالمائة من السكان عام 

2002م، ارتفعت ارتفاعاً طفيفياً إلى 53,33 بالمائة سنة 2004 لتصل إلى  

53,75 بالمائة  عام  2008م، وبلغت معدلات المشاركة في النشاط الاقتصادي

27 بالمائة عام 2002م، وارتفع إلى 27,7 بالمائة عام 2004م, ووصل إلى حوالي 29 بالمائة عام  2008م، وتوزع السكان النشطون اقتصادياً حسب الجنس كما يلي بلغت نسبة الذكور 44,7 بالمائة  ونسبة الإناث 9,4 عام 2002م، ارتفعت إلى 46,3 للذكور و 11,3 % للإناث سنة 2008م، وبلغ معدل القوى العاملة فيه 49 بالمائة عام 2002م، إلى 50 بالمائة و 51 بالمائة خلال عامي 2004م و 2008م..

و بلغ عدد القوى العاملة في العراق ( 6926 ) مليون نسمة عام 2002م، وارتفع إلى ( 7506 ) مليون نسمة عام 2004م ليرتفع إلى ( 8847 ) مليون نسمة خلال عام 2008م  وتبلغ نسبة العاملين في القطاع الزراعي40 بالمائة، وفي ظل المؤشرات الديمغرافية المذكورة فإننا يمكن أن نقول بأن العراق يتسم بكونه بلداً ريفياً زراعياً..

وتقدر مساحة العراق بحوالي 438 ألف كيلومتر مربع، وتبلغ نسبة الأراضي القابلة للزراعة منها حوالي 27 بالمائة يستغل نصفها تقريباً، وتبلغ نسبة الغابات والحراج والأراضي أخرى 75% من ضمنها الأراضي المروية.

بينما تبلغ نسبة أراضي المروج و المراعي حوالي 9% ، و ونسبة أراضي الحراج و الغابات 3%، أما الأراضي غير القابلة للزراعة فتمثل نسبتها حوالي 61 بالمائة من إجمالي المساحة الإجمالية..

لقد كان الإنتاج الزراعي في النصف الأول من القرن العشرين متناسباً، إلى حد ما، مع الاحتياجات المحلية. وباستثناء فترة البحبوحة التنموية التي تحققت في السبعينات، نتيجة للطفرة الكبرى في أسعار البترول، وما رافقها من زيادة القدرة الشرائية للمواطنين العراقيين، وبالتالي تحسن قدرتهم في الحصول على الغذاء، المستورد في غالبيته؛ فقد تفشى الفقر بصورة مريعة في المجتمع العراقي، وبلغ ذروته خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبالأخص قبيل الحرب عام 2003م، وما تلاها من سنوات الاحتلال..

يستورد العراق نحو 70% من حاجة السوق المحلية للمواد الغذائية، وحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط فإن ربع سكان العراق على أقل تقدير يعيشون تحت خط الفقر، وتشير الإحصائيات والتقارير إلى أنَّ تفشي الجوع كان يمكن أن يكون أكثر قتامة لولا البطاقة التموينية المدعومة من الحكومة؛ ويمكن تصور حجم مشكلة الأمن الغذائي من التراجع المرعب في إنتاجية الأرض، وانعدام شروط الإنتاج الزراعي في المساحات المستصلحة أو المزروعة أساساً، أو تفشي الفقر بحيث لا يتمكن ربع السكان من شراء الغذاء المتوفر في الأسواق..

في عام 2003م فاق عدد السكان المصنفين تحت خط الفقر 12 مليون نسمة، من أصل 26 مليون نسمة هو مجموع سكان البلاد. منهم مليون مواطن على الأقل في أشد حالات الفقر فتكاً، ولا يحصلون، إلا على وجبة واحدة في اليوم، أما الباقون فإن البطاقة التموينية هي مصدرهم الوحيد في الحصول على الغذاء.

وعلى الرغم من أن التصريحات الحكومية والتقارير تشير إلى أنَّ هذا العدد قد انخفض عام 2007م إلى 7 ملايين، وأنَّ نسبة الأمن الغذائي للمواطنين في البلاد قد ارتفعت بنسبة 75 بالمائة عما سجل في العام 2005م إلا أنَّ ذلك يبقى غير منطقي ومشكوك به وغير مطابق لواقع حال الشعب العراقي..

وأظهر مسح الأمن الغذائي والفئات الهشة في العراق الذي أنجزه الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي أنَّ عدد السكان غير الآمنين غذائياً يبلغ 930 ألف نسمة أي 3 بالمائة من السكان يضاف إليهم 6 ملايين و400 ألف نسمة تمثل 22 بالمائة من السكان يعتمدون بشكل كامل على نظام البطاقة التموينية و 8 ملايين و300 ألف نسمة يمكن أن يصبحوا غير آمنين غذائياً أي مانسبته 31,8 بالمائة، وعدت النتائج أنَّ تدهور مستوى التغذية الحاد في العراق مقبولاً طبقاً للمعايير الدولية على الرغم من أن

4,7 بالمائة من الأطفال دون 5 سنوات يعانون من الهزال و 21,8 بالمائة يعانون من التقزم ما يعكس مستوى متدنياً لسوء التغذية المزمن. وبين التقرير أن الحالات الأكثر هشاشة في التعرض لعدم الأمن الغذائي عند الأسر التي تضم عمالاً غير ماهرين أو زراعيين وأرباب الأسر فيها عاطلين عن العمل أما الأسر الأقل معاناة فهي تلك التي يوجد فيها أفراد يعملون لحسابهم في عمل غير زراعي أو موظفين حكوميين..

وعلى الرغم من أن الخطة الحكومية المعلنة في تشرين الثاني 2009م قد حملت عنوان ( الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2010- 2014م ) وهدفت إلى تخفيض الرقم إلى خمسة ملايين شخص بعد خمسة أعوام، إلا أنها لم تدخل حيز التطبيق الفعلي، وإذا حصل أن تمكن العراق من تضميد جراحه، واستمر على أساس توفر نفس الشروط التي افترضتها الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر، فسيتحقق جزء من الأمن الغذائي المنشود، أي حصول جميع المواطنين العراقيين على ثلاث وجبات يومياً، بحلول عام 2028م، وهذا بالطبع أفق زمني بعيد، مقارنة بدول أميركا اللاتينية، الأكثر فقراً من العراق، حيث التزمت القارة بالقضاء التام على الجوع بحلول عام 2025م.

تشير التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة العراقية إلى أنَّ إنتاج العراق من القمح قد بلغ عام 2010م نحو 1,25 مليون طن، أي ثلث الكمية المستوردة منه سنوياً والبالغة 3,7 مليون طن، بينما بلغ إنتاج الرز 300 ألف طن، وبلغ إنتاج الذرة أكثر من 350 ألف طن..

حسب إحصائيات منظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فإنَّ الهكتار الواحد من الأرض الزراعية يكفي لتزويد 14 شخصاً بما يحتاجونه من الغذاء على مدار السنة، ، ومقرها في روما. أي بعبارة أخرى تستطيع العائلة المكونة من سبعة أشخاص أن تعيش حياة كريمة على دونمين من الأرض الزراعية (أو خمسة آلاف متر مربع).

وإذا ما احتسبنا هذه الإحصائية في ظروف العراق، وعلى اعتبار أن مساحة الأرض الخصبة القابلة للزراعة فيه تبلغ 22 مليون دونم، فإن الإنتاج الزراعي في العراق يُفترض أن يكفي لتغذية 77 مليون مواطن. أما إذا احتسبنا مساحة الأرض المزروعة فعلياً اليوم، والبالغة نحو 13 مليون دونم، فيمكن لنحو 45 مليون مواطن عراقي الحصول على غذائهم دون اللجوء إلى الاستيراد من الخارج..

فالعراق يعد البلد الزراعي الثاني بعد السودان في مجموعة الدول العربية 

حيث أن فيه نهرين دائمين كبيرين وأراضيه خصبة صالحة للزراعة. إلا أنَّ  

العراق يخسر ما يعادل مئة ألف دونم سنويا من الأراضي الصالحة للزراعة

وانتشرت البطالة في أوساط العاملين بالزراعة واتجه أغلبهم إلى الانضمام لقوات الشرطة والجيش والحدود والهجرة إلى المدن..

ويسعى أرباب القرار السياسي في العراق اليوم لحل مشكلة الأمن الغذائي والحد من الفقر وذلك بعرض الأراضي الزراعية العراقية الخصبة على شركات استثمار زراعي عربية ودولية خاصة، وتعمل هيئة الاستثمار العراقية لتحقيق ذلك عبر تعديل  القانون 23 بحيث يُسمح للأجانب بالحصول على أراض زراعية عراقية شراء وإيجاراً لمدد طويلة تقترب من الاحتكار.

ونتيجة لظروف العراق والمشاكل التي يواجهها مثل شح المياه والتصحر وتدهور المراعي الطبيعية والنمو السكاني الرهيب والجفاف والقحط، فقد تقلص الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، فخلال نصف قرن فقط ازداد نفوس الشعب العراقي ثلاثة أضعاف فيما تراجع الإنتاج الحيواني المرتبط بالزراعة لثلث ما كان عليه..

يعتمد المواطنون العراقيون في غذائهم بشكل أساسي على ما يأتيهم بموجب  

البطاقة التموينية، التي  ارتبطت بمشروع النفط مقابل الغذاء، سيء الصيت، الذي أقره مجلس الأمن الدولي بالقرار رقم 986 الصادر في نيسان/ أبريل عام 1995م، ووافق العراق على تطبيقه في أيار من عام 1996م، وحسب ما جاء في تقرير شبكة المعلومات الإنسانية- إيرين نيوز- التابعة للأمم المتحدة صدر في 19 أيار / مايو عام  2009م فإن كل مواطن يستلم شهرياً سلة من السلع التموينية مكونة من:

3 كغ أرز، 2 كغ سكر، 1 وربع كغ زيت، 9 كغ طحين، ربع كغ حليب مجفف، 200 غرام شاي، 250 غ بقول، 1,8 كغ حليب أطفال، 250 غرام صابون، 500 غرام مسحوق غسيل، 500 معجون طماطم.

وتؤكد بعض التقارير على وجود فرق شاسع بين المذكور في مفردات هذه السلة وما يتسلمه المواطن العراقي بالفعل. وعلى أنَّ  بعض ما يحصل عليه المواطن من مواد غذائية في كثير من الأحيان من البضاعة الرديئة، كما طورت منظمة الفاو إستراتيجيتها في العراق للانتقال من حالة برامج الطوارئ إلى حالة الدعم التنموي لنفس الأسباب، ولقدرة العراق على تمويل مشاريعه بنفسه، أو الإسهام في تمويل تلك المشاريع إلى جانب المؤسسات الدولية المانحة، وينطبق الأمر على غالبية المنظمات الدولية، ومن ضمنها على سبيل المثال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) الذي رشح العراق مؤخرا للحصول على قرض ميسر (وليس منحة) يزيد على 18 مليون دولار للقطاع الزراعي.

وحسب تقرير للأمم المتحدة حمل عنوان"مؤشر الاكتظاظ السكاني"(overpopulation index)"، وتناول وضع السكان والغذاء في 77 دولة، بينها معظم أقطار الوطن العربي والشرق الأوسط، ومستويات الاستهلاك الفردي للأراضي المنتجة حيوياً،أي الأراضي المنتجة للغذاء والمياه، وتلك المخصصة للثروة الحيوانية، وحصة الفرد من الأراضي المنتجة المتاحة، والقادرة على إنتاج المصادر الحيوية، والتعويض عن النقص الناجم عن الاستهلاك البشري، فقد أدرج العراق في قائمة الدول العشر الأوائل عالمياً على مستوى التبعية الغذائية، وبلغ مؤشر التبعية فيه 81,5% في العراق، وبلغت حصة الفرد من الأراضي المنتجة المتاحة 0.25 هكتار..

ثانياً ـ أسباب تدهور الأمن الغذائي في العراق:

يمكن إجمال أسباب تدهور الأمن الغذائي في العراق بالنقاط التالية:

ـ الحروب والصراعات العسكرية المسلحة التي خاضها العراق واستنزفت موارده وقدراته ودمرت بنيته التحتية، والاحتلال الأنكلو ـ أمريكي للعراق وتبعاته..

ـ عدم وجود خطط واضحة قابلة للتنفيذ، وقصور وعجز السياسات الحكومية المتعاقبة، وسوء الإدارة، والفساد..

ـ تدهور القطاع الزراعي وحال الفلاح وتراجع إنتاجية الأراضي الزراعية..

ـ تخلف الصناعة وعدم الاهتمام بالصناعات الغذائية..

ـ نقص واردات العراق المائية بسبب قيام دول الجوار بإنشاء سدود تخزينية على نهري الفرات ودجلة، مما قلل من حصة العراق المائية التي تعتمد عليها الزراعة كلياً باعتبارها زراعة مروية.

ـ انخفاض دخل المواطن وعدم كفاية الرواتب والأجور لتأمين الاحتياجات الأساسية  من المواد الغذائية في حالة تأخر توزيع الحصة التموينية، بالإضافة إلى فقدان المعيل في كثير من الأسر التي أصبحت تعيلها النساء والأسر النازحة أو الموطنة حديثاً ..

ـ الاعتماد على المساعدات الخارجية وما يسمى بالحصص التموينية..

ـ الارتفاع العالمي الكبير، وغير المسبوق، في أسعار المواد والسلع الغذائية، والأزمة المالية العالمية..

ـ تدهور البيئة ودمارها والتغير المناخي وأثره في زيادة الجفاف وشح الأمطار وتملح التربة والتصحر.. إلخ، وفقدان التنوع البيولوجي للنباتات والمحاصيل الزراعية..

ثالثاً ـ حلول ومقترحات لتحقيق الأمن الغذائي في العراق:

ومما سبق يتبين لنا مدى خطورة تدهور الأمن الغذائي، مما يوجب تضافر الجهود لوضع الحلول والمقترحات وتنفيذها ووضعها موضع التطبيق، وفيما يلي نوجز بعض المقترحات التي إذا طبقت فإنها لن تساهم في الحد من هذا التدهور فحسب، بل يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار الغذائي للعراق، وهي:

1 ــ وضع إستراتيجية وطنية حقيقية للتخفيف من الفقر، ووضعها موضع التنفيذ، وأن يكون لها هيئة عليا مستقلة غير مسيسة قادرة على العمل في مختلف الظروف وخاصة في ظروف الفراغ السياسي وعدم وجود حكومة..

2 ـ إعادة الاعتبار للقطاع الزراعي، وإيجاد بيئة محفزة للاستثمار في هذا القطاع تتصف بسهولة الإجراءات ووضوح التشريعات، ووفرة المعلومات والمعطيات، وسرعة الاتصالات وأسواق المنتجات وعوامل الإنتاج التنافسية والبنية التحتية الداعمة، وتوجيه الاستثمارات إلى فروعه ومجالاته المختلفة، إنتاجاً وتصنيعاً..

3 ـ تقديم الدعم والحماية للمحاصيل الزراعية الإستراتيجية للتشجيع على زراعتها.

4 - تحديث القوانين، والتخطيط الشامل، ووضع السياسات الزراعية العامة التي تركز على تفعيل وتطوير الأنشطة الزراعية..

5 ـ إدخال التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الزراعية ونشرها والتدريب على الاستفادة منها في الزراعة للنهوض بمستوى الإنتاج الزراعي من خلال مراكز البحث العلمي والإرشاد الزراعي على أن يتضمن ذلك:

أ ـ نشر تقنيات الري الحديثة لتقليل الهدر في استخدام المياه.

ب ـ نشر تقنيات التكنولوجيا الحيوية لإنتاج البذور المحسنة والأصناف المبتكرة.

جـ - نشر التقنيات الكيميائية والتوعية لاستخداماتها كالأسمدة ومواد مكافحة الآفات الزراعية.

6 ـ  زيادة وتنويع الإنتاج الزراعي وإيجاد أسواق لتصريف المنتجات 

الزراعية، داخلياً وخارجياً والتعريف بالمنتج المحلي ومزاياه، وتعزيز التصدير بعد تأمين الاكتفاء الذاتي..

7 - وضع ضوابط للاستيراد والرقابة على المستوردات ومكافحة سياسات الإغراق والتهريب..

8 - إعفاء المدخلات المستوردة والمستخدمة في إنتاج السلع الزراعية التصديرية..

9- استخدام نظام أسعار صرف متعدد للعملات، وتحديد سعر صرف منخفض عن السعر السائد لتغطية مستلزمات الإنتاج المخصصة للتصدير من أجل خفض تكاليف الإنتاج الزراعي.

10 – تطوير القطاع التجاري وتسهيل الإجراءات في إنجاز المعاملات خاصة في مجال النقل والاهتمام بالمعلومات التجارية واستخدامها في رسم الخطط وبيان حالة الأسواق والأسعار والمنتجات المطلوبة ونظم التجارة والمعايير التقنية.

11 - تقديم  القروض للفلاحين بفوائد منخفضة لتمكينهم من الاستمرار في العمل الزراعي وتطوير مشاريعهم وزيادة الإنتاج والمنافسة، وإعفاء المداخيل الزراعية من الضرائب والرسوم، والإنفاق بسخاء على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.

12 ـ تنمية قدرات العاملين في القطاع الزراعي من خلال التعليم الزراعي المتطور والارتقاء بمستوى المهارات المهنية أو الإدارية وبما يتوافق مع الأساليب التكنولوجية الحديثة والتأكيد على إدارة المزرعة الحديثة فضلاً..

13 ـ التركيز على رفع مستويات المهارة والخبرات للمرآة الريفية العاملة كونها عنصراً فاعلاً في العملية الزراعية..

14 ـ إعادة تأهيل المشاريع الإروائية ووضع الخطط اللازمة لذلك.

15 ـ إنشاء صندوق للتأمين على المزارعين من الكوارث ونكبات السوق..

16 ـ الاهتمام بالثروة الحيوانية ودعم المربين ووضع القوانين الصارمة للمحافظة عليها..

17 ـ نشر برامج التوعية والإرشاد في وسائل الإعلام كافة وعبر شبكات المعلومات والاتصال بقصد توعية المواطنين لأهمية وضرورة الحفاظ على الثروات الوطنية الطبيعية وخاصة الأراضي الزراعية والغابات والمياه وترشيد استخدامها وإرشادهم إلى أفضل السبل الممكنة في هذا المجال..

إن مهمة القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي لا تقتصر على وزارة الزراعة العراقية فقط، وإن كانت الأساس في ذلك، لأن الأمن الغذائي أكبر وأشمل وأكثر تعقيداً من الإنتاج الزراعي أو دعم الفلاحين أو توفير المستلزمات المطلوبة للفلاحة كمكافحة الآفات والخدمات الإرشادية على أهميتها على الرغم من أنها الأساس في ذلك؛ بل هي مهمة وطنية كبرى يجب على جميع القطاعات العمل معاً لإنجازها بنجاح..

ـ خاتمة:

وأخيراً لا بد لنا من التذكير أنه لا سيادة ولا استقلال سيتحقق ما دام قوتنا وغذاؤنا مرتهن بيد المحتل ، ونحن أقوياء ونملك استقلال قراراتنا وخياراتنا السياسية بقدر ما نحقق من الاكتفاء الذاتي على مختلف الصعد، وإن عدم توفر الأمن الغذائي في العراق، كما في غيره من الدول، يشكل خطراً جدياً على مستقبل المجتمع والدولة لا يمكن إغفاله، ولذلك لذا يمكن القول

إن النهوض بالقطاع الزراعيوتوفير الأمن الغذائي خطوة أساسية ورئيسية في تحقيق الاستقلال والاستقرار الوطني والسيادة ودحر الغزاة المحتلين الطامعين، و يجب أن يكون مركز الاهتمام الرئيس لدى السلطات المعنية، إذ ترتبط به وتتوقف عليه مسائل وقضايا وطنية ودولية مهمة كالأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلاد، وعلى العراقيين حكومة وشعباً العمل متعاونين ومتضامنين لوضع وتنفيذ كل ما من شأنه أن يحقق هذا الهدف.

فمهما كانت المساعدات الدولية فعالة، فإن لها آثاراً سلبية خطيرة تتجلى باستلاب الإرادة والسيادة الوطنية وإنَّ الوصول إلى الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وحده الذي يحفظ كرامة وحرية وأمن واستقرار وسيادة العراق، فالأموال والموارد والمساعدات الدولية ليست حلولا سحرية، بل هي عوامل أو موارد متاحة، إن لم تنفذ على الأرض سياسات ناجعة للاستفادة منها، فإنها ستذهب أدراج الرياح باعتبارها جهداً ضائعاً ينعكس في الواقع بالتحاق المزيد من الأشخاص بقائمة الجياع والفقراء.

 

 

 

 المصدر " دار بابل للدراسات والإعلام "

 For  Studies  & Information Darbabl

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا