رهان المستقبل ثورة مصر وليس ليبيا
أحمد حسين
22 فبراير 2011
يتضح كل يوم، بل كل ساعة تمر، دور الإخوانيين، في التصدي لمستقبل شعبي وقومي على ساحة منطقة “الشرق الأوسط الجديد “. هذا المستقبل سيشكل البديل الموضوعي الوحيد، عن مستقبل آخر يخصهم أكثر من غيرهم، وهو استمرار مستقبلية الماضي، أي السلفية الدينية، بركائزها المعروفة السابقة، وأهمها التبعية المشروطة لمسارات العولمة الإقتصادية، وانتداب إسلامهم المعتدل، كمشروع تنموي ونظامي شامل في الساحة الهجرية، وتجميد التحرر بأشكاله المختلفة في ثلاجات النصوص الفقهية، وتحويل الشرق الأوسط إلى مركز خلافي علماني. وهذا البند الأخير هو العقبة الوحيدة في سياق التفاوض الطويل الأمد بينهم وبين الغرب حليفهم الطبيعي والعفوي. فهم مستعدون للتطبيع مع الصهيونية العالمية، ولكن القبول بدور إسرائيلى متنفذ في المنطقة، يسبب لهم حرجا سياسيا من ناحية، وينتقص من سياديتهم على المنطقة.
هذه العلاقة الفريدة بين حليفين طبيعيين، يعانيان من إشكال فني في حقيقته، هي التي تحدد دور الإخوان في القمع الديني للوعي الشعبي كفصيل إيديولوجي رأسمالي معاد للتحرر الإجتماعي، ولكن تحدد دوره أيضا في الثورة المضادة التي تقودها أمريكا ضد الإجتماعية العربية الشعبية.
لقد اقتنعت أمريكا أن ما يسمى أنظمة الحكم القومية أو الوطنية، ستظل مجرد عمالات فجة في معظمها، تعتبر أنها امتداد لمباديء ثورة يوليو والضباط ألأحرار، ولكنها في الحقيقة نظم فساد، ومشاريع فردية لمجموعة من لصوص الثروة والسيادة. وأن أنظمتهم لا تملأ أي فراغ حيوي لها في بلادهم، يساعد على تأسيس نظم قائمة على الإستقرار السيادي على شعوبها، تعمل في خدمة نظام العولمة. إن بناء الوحدات القطرية الإقتصادية ( الكانتونات )، في الشرق الأوسط تحتاج إلى أنظمة، ذات مظهر سيادي مختلف، ومنهج علاقات ديموقراطي مع المواطنين، قادر على تمرير لعبة العولمة عليهم.
التحالف الغربي الصهيوني كان يعرف، ويعمل مضطرا، على إبقاء حالة الفراغ على الساحات العربية، لأنه كان يعرف، أن لعبة الإسلام المعتدل، والإسلام الديموقراطي، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، لم تصل بعد حدود النضج الكاملة شعبيا. وان حلفائه الخليجيين والإخوانيين، يثيرون الكثير من الحساسيات، داخل الشعوب العربية والأنظمة القومية، خارج دول الخليج. فالإخوان بمصداقيتهم الدينية المهزوزة، يزدادون اهتزازا، وليسوا مستعدين بعد للمغامرة بالتطبع مع إسرائيل. والخليجيون لا يمنكهم أكثر من تنفيذ ما يطلب منهم، لأنهم ما زالوا يعيشون عصر ما قبل السياسة والدولة الحديثة. والمستشارون وموظفو الجامعات الإخوانية وطواشيو القصور، كانو ضائعين بين ما تريده أمريكا، وعدم فهم الشيوخ لذلك، فاقتصروا على إيصال الطلبات الأمريكية إليهم، والتجسس عليهم، واقتناص جوائزهم. والإنجاز الوحيد الذي استطاعت أمريكا أن تحققه في الخليج، هوالنموذج القطري. فحولت قطر إلى شرق أوسط صغير يتحكم به تحالف الإخوانية والليبرالية، مفتوح كنموذج إغرائي ناجح، على رأسالمال الصهيوني والإسرائيلي، وعلى التطبيع مع إسرائيل واللغة الإنجليزية والسي.آي.أي. وقد سلمت أمورها التأسيسية، كنموذج احتجاجي ضد التطرف، ومع الإعتدال، إلى بيرس وحمد آل جبر، بينما حولت شيخها آل ثاني غير المصنف، إلى خليط من آل مديتشي وإليزابيث الثانية. وتبدو قطر الأن مثل قمر خليجي، مشع بالمزايا الطيبة لأمريكا. فهي تشع الإعتدال، والتطبيع، والطائفية، والتعددية العرقية، والفكر الإخواني، والأوبامية، والمعاتبة السياسية لأمريكا بين الفينة والأخرى. باختصار تحولت إلى دولة خاصة للسي.آي.أي ومركزا للإعلام والإستعلام، والتغيير، وتفكيك الأحداث، وفكفكة الوعي، وتركيب المقالب الثورية المحجبة. وتلعب قطر الأن وقناة الجزيرة دور الذراع الأمريكية في الإسناد الإعلامي واللوجستي للإخوان المسلمين في مصر وليبيا واليمن والبحرين باختلاف الظروف. فهي في ليبيا على سبيل المثال، حيث يقود الأخوان مهمة تغيير النظام، تمزقت ملابسها الداخلية لشدة انفعالها الإعلامي ضد النظام. ولكنها في البحرين، تستدعي رجالات النظم الأسري السنيين، ليشرحوا للناس وجهة نظرهم العادلة. بينما تقوم هي بتوضيح المحرك الطائفي للمحتجين، ودور إيران ( المحتمل ) في تحريضهم.
ويستعجل بعض الإخوة اليساريين الشرفاء، متأثرين بعجائب وغرائب القذافي، فينقضون عليه بحماس مبرر مبدئيا، ولكنه غير موضوعي ميدانيا وشعبيا وتحرريا. من لا يريد تحرر الشعب الليبي من كهفه العجائبي؟! ولكن عقلي اليساري يقول، أن مواجهة الإخوان وأمريكا والخليجيين في ليبيا، تجعل من القذافي في نظري بطلا اجتماعيا وقوميا رغم أنفه أو شهيدا تحرريا رغم أنفه أيضا. واهتمام بعض أصحاب التحليلات المخلصة بمصير النظام أكثر من اهتمامهم بمصير الشعب، غير مقنع تحرريا، وهو يشبه اتخاذ اليسار موقف التحالف الضمني مع الثورة المضادة، ضد ثورة يوليو القومية في مصر. هذا المنهج اليساري العجيب، يبدو كمن يريد الآن إعادة منهج التحليل التحرري بالجملة، حيث ينتج في النهاية، كما يريدون، معادلة تقول أن الإخوانية والغرب أكثر تحررا من الناصرية. ولعل هذا هو سبب إقبالهم بدون تمحيص على شاشة الجزيرة، بل و (التشهير) بدورها التحرري الكبير !! لماذا ينكصون هنا عن استعمال عقولهم التحليلية. كيف يمكن موضوعيا، أن تكون قناة الجزيرة القطرية بتكلفتها الرهيبة، وأذرعها العالية النوعية الممتدة في كل مكان في العالم، وما تقدمه من إعلام شفاف لا يخطؤه التحليل البسيط، وماضيها الجليل أثناء احتلال العراق، والتي لا تزال ترى في المالكي بديلا لا بأس به تحرريا عن صدام حسين، كيف يمكن أن تكون قناة مهنية شريفة؟
لقد ظلت أمريكا مرغمة على تقبل أنظمة السبية والفراغ في العالم العربي، إلى أن حدثت معجزة المقاومة اللبنانية الشعبية، وبدأت الثورة الإيرانية تزعج الأنظمة العربية ومخادع الأنظمة الخليجية، وتبث روحها الثورية في روح المنطقة، فبدأت أمريكا بالقلق. أرادت أن تسلح بعض الأنظمة العربية بشكل جدي لتحمي نفسها على الأقل من إيران، ولكن أسرائيل استعملت الفيتو الصهيوني فتم التراجع بسرعة. وظلت أمريكا في حيرتها إلى أن فاجأتها الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية، فلم يعد أمامها سوى إعلان الطواريء والدخول على خط الثورة المضادة بكل قوتها. وما يحصل اليوم، هو حرب ضروس تعلنها أمريكا على شعوب المنطقة، مع شركائها المحليين والدوليين: انقلاب على الثورتين التونسية والمصرية بحلفائها من الليبراليين والإخوان وبقايا النظام والعسكر. ثورة مبادرة في ليبيا بقيادة الإخوان ودعم المرتزقة من الدول الأفريقية المجاورة، حرب أهلية في اليمن بالتدخل، وحرب طائفية في البحرين بالتدخل أيضا.
هذا هو ملخص المشهد الليبي الدائر. حرب بين النظام والثورة المضادة التي لا تريد أن تفاجأ في ليبيا كما فوجئت في مصر وتونس. وحرب مخابرات بين أمريكا وأوروبا على بوابات إفريقيا. والعنف الإعلامي الذي تقوده فضائية أمريكا الناطقة بالعربية، هو استنهاض للرأي العام العربي لتوظيفه في دعم ” الثورة الليبية الشعبية ” من ناحية ولصرف النظر عن الثورة الشعبية الحقيقية في مصر، كمركز إشعاع ثوري وتحرري لكل الشوب العربية. وأتمنى ألا تنخدع الجماهير بفيلم أبو كاليبسا الذي تعرضه الجزيرة عن ليبيا وأن تبقى مع الثورة المصرية، حتى لا يدقوا رؤوسهم بالحائط ندما حينما تنكشف حقيقة دور قطر وفضائيتها ” العسكرية “، كغرفة عمليات للسي آي أي في المنطقة العربية. إذا نجحت أمريكا وحلفائها في الثورة الإستباقية في ليبيا، فهو أمر مؤسف، ولكن يمكن أن تتم معالجته لاحقا، أما إذا نجحت الثورة المضادة في مصر، فقد ضاع المستقبل التحرري القومي، ربما إلى الأبد. لم يعد أحد تقريبا يتكلم عن مصر، فالأنظار يتم توجيهها نحو ليبيا. هذا أمر مخيف بكل المقاييس. خصوصا من جانب المثقفين القوميين. فإذا كانوا يؤمنون بوجود ثورة شعبية في ليبيا، فليؤيدوها بكل قلوبهم وبأقلامهم، ولكن ثورة مصر هي الرهان والمستقبل وليس ليبيا. والشعب الليبي قادر على التعامل مع واقعه الملفق، وإن بعد حين. الرهان التحرري مصر، والرهان القومي مصر، فلن نسمح لأي شيء أن ينسينا مصر. فهذا هو ما ما تراهن عليه أمريكا والإخوان والخليجيون وتدفع إليه قناة الجزيرة.