<%@ Language=JavaScript %> يوسف مكي خلدون النقيب الصديق والمفكر والإنسان
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

خلدون النقيب الصديق والمفكر والإنسان

 

يوسف مكي

 

قبل أسبوعين من هذا التاريخ، نشرت مقالاً على صدر هذه الصحيفة، تحت عنوان “الثورات العربية وتجديد مشروع النهضة”، كمقدمة لسلسلة من مقالات أزمع كتابتها عن تجديد الفكر القومي، في ضوء ما هو مستجد من ثورات عربية وتطورات عاصفة أخذت مكانها خلال الأربعة أشهر المنصرمة . وقد وعدت بمتابعة المناقشة في الحديث التالي . لكن توقيع المصالحة الفلسطينية في القاهرة، بين حركتي فتح وحماس، والذي هو حدث قومي وتاريخي، لم يكن بالإمكان تجاوزه، حال دون مواصلة الحديث عن تجديد الفكر العربي .

 

في القلب من التنازع الذي انتابني في تحديد سلم الأولويات، هوى نجم كبير من عليائه، ليعود إلى أم رؤوم . رحل الصديق الكبير والمفكر والباحث والمثقف والإنسان الدكتور خلدون حسن النقيب، إلى العالم الآخر . وحسبنا صبراً وعزاء، التسليم بإرادة الله سبحانه وتعالى وأن كل نفس ذائقة الموت، إنا لله وإنا إليه راجعون .

 

الحديث عن الفقيد العزيز، وفكره وتراثه ومآثره، لا يمكن أن يفصل عن الحديث في تجديد مشروع النهضة . فقد قضى الدكتور النقيب جل حياته باحثاً ومفكر ومجدداً، وقدم لنا زاداً استثنائياً، يسعفنا في رحلة البحث المضنية، والإسهام في تحقيق الربط الجدلي بين الفكر والممارسة .

 

آخر مشاركات الفقيد الراحل الفكرية كانت في مؤتمر “الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية”، الذي انعقد بالدوحة في 18 إبريل/نيسان من هذا العام، وقد استعرض المؤتمر تجربة الثورة التونسية ومسار الإصلاح بالوطن العربي، حيث ترأس الدكتور النقيب الجلسة الثانية في المؤتمر، التي تناولت الخلفية التاريخية للثورة . وكان آخر حديث للراحل الكبير في تجديد الفكر، قد جرى قبل سويعات من رحيله إلى الرفيق الأعلى في “قناة دريم” القاهرية، قدم خلالها قراءة تحليلية معمقة للثورات العربية، ولعلاقتها بما نظر له في كتابه ذائع الصيت، “الدولة التسلطية في المشرق العربي”، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت .

 

كانت معرفتي بالراحل الكبير، قد بدأت كقارئ عام ،1988 أثناء فترة تحضيري للدراسات العليا بالولايات المتحدة الأمريكية . وكان الكتاب جزءاً من موسوعة صدرت، في عدة أجزاء، في كتب مستقلة صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية، تناولت موضوع المجتمع والدولة في الوطن العربي . وكان دور الدكتور النقيب في هذا المشروع قد شمل الكتابة عن “المجتمع والدولة في الخليج العربي من منظور مختلف” . وقد أثار الكتاب في حينه ضجة وجدلاً كبيراً، وإشكاليات واسعة بين أوساط الفكر والرأي الكويتي والعربي . والكتاب عمل إبداعي مميز، تناول بالتشريح البنية المجتمعية لبلدان الخليج العربي، ولا يزال هذا العمل، رغم مضي ما يقرب من أربعة عقود على صدوره دليلاً مهماً في الكتابة عن المجتمعات الخليجية .

 

لم أكن حينها أتوقع في ذلك الحين، أن الأقدار سوف تتكفل بجمعي بالراحل الغالي، وأن تجمعنا صداقة حميمة ورفقة ودرب .

 

دارت بنا الأيام . . وكان لنا لقاء مباشر على أرض المنامة، بالبحرين بعد إعلان الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن الميثاق الوطني عام ،2001 الذي بشر بمرحلة جديدة في تاريخ البلاد . لقد عقدت إثر صدور الميثاق، ندوة حول مستقبل وآفاق الديمقراطية في مملكة البحرين، كان لي شرف المشاركة فيها . وقد دعي الراحل النقيب للمشاركة في تلك الندوة . فكانت أول مناسبة نلتقي فيها بشكل مباشر . ووجدت الدكتور النقيب في تلك الندوة محاوراً متميزاً ومفكراً كبيراً، قادراً على التأثير والإقناع .

 

ومرة أخرى، كان لنا لقاء آخر، لمناقشة كيف يصنع القرار السياسي في البلدان العربية، في بيروت بمركز دراسات الوحدة العربية . وقد صدرت أوراق الكتاب مؤخراً عن المركز تحت عنوان “كيف يصنع القرار في الأنظمة العربية” . ومنذ ذلك الحين تكررت لقاءاتنا وأصبح المركز خيمتنا التي نجتمع تحت فيئها بين الحين والحين، فرادى وأحياناً بمعية عدد من المفكرين العرب . وكانت لنا فرص أخرى للتسكع في مدينة بيروت الجميلة .

 

قبيل عدة شهور اتصل بي الراحل العزيز، من الكويت وأبلغني أنه متجه إلى لندن لقضاء بعض الوقت هناك، وتمنى علي أن نلتقي بعد عودته في مكان نتفق عليه لاحقاً . ولم أكن أعلم أن تلك المكالمة ستكون آخر حديث بيني وبينه، وأنه قريباً سوف يغمض عينيه للأبد .

 

آمن الراحل الكبير بأمته العربية وبحقها في الحرية والديمقراطية والعدالة، ورأى أن السبيل للنهضة هو الإيمان بالعلم وتقديس العقل ورفض الخرافة، وأنه لا مناص للعرب، إذا رغبوا في التماهي مع روح هذا العصر، من الولوج في عصر تنوير جديد . كرس النقيب جهده في الدفاع عن هذه المبادئ، واستمر مناضلاً صلباً لا تلين له قناة، حتى آخر رمق في حياته . وقد شملت عطاءاته مناطق واسعة من ساحات الفكر .

 

إلى جانب كونه عالم اجتماع، عمل الراحل أستاذاً في جامعة الكويت . وأسس المجلة العربية للعلوم الإنسانية، والمجلة العربية للعلوم الاجتماعية . وألف مجموعة من الكتب، لعل أهمها: “تأملات في فقه التخلف”، الذي عمل فيه على التأصيل لمشروع عربي حداثي، يعيد الاعتبار للعلم والعقلانية، ويتصدى للقوى الظلامية عبر رؤية نقدية للتاريخ العربي في شقيه القديم والحديث .

 

في كتابه عن الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، أشار الدكتور النقيب، إلى أن الأصل التاريخي لهذه الدولة هو البيروقراطية الحديثة التي ولدت في خضم الحقبة الرومانسية التي أعقبت عصر التنوير، بفرعه السياسي الفرنسي، والأيديولوجي الألماني . وأنها حطت بشكل متزامن مع تفجر نمط الإنتاج الرأسمالي الذي صاحب الثورة الصناعية الأولى . من هذه المقدمة انطلق الفقيد العزيز ليقدم للمكتبة العربية مصنفاً نظرياً فريداً، سيبقى لحقبة طويلة ملهماً لعدد كبير من المثقفين العرب، الباحثين عن الحرية وصناعة مستقبل يليق بأمة تطمح إلى صناعة فجر جديد .

 

رحم الله الفقيد الغالي الكبير، وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان، “إنا لله وإنا إليه راجعون” .



 

أقرأ أيضا للكاتب

الثورات العربية وتجديد مشروع النهضة

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا