<%@ Language=JavaScript %> فصل من كتاب "الحرب الباردة الثقافية" فرانسيس سوندرز ترجمة طلعت الشايب
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

فصل من كتاب "الحرب الباردة الثقافية"

 

 

فرانسيس سوندرز

 

ترجمة طلعت الشايب

 

كيف استخدمت أجهزة المخابرات الأميركية الفنانين والكتّاب والمثقفين في حربها الباردة ضد السوفيات؟

 

صدرت ترجمة كتاب "الحرب الباردة الثقافية" لفرانسيس سوندرز الى اللغة العربية عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، وقام بالترجمة طلعت الشايب، يكشف عن دور المخابرات المركزية الأميركية في عالم الفنون والآداب المركزية الأميركية في أنحاء شتى من العالم.
وقد آثار هذا الكتاب لدى صدوره ضجة كبرى، وكذلك بعد نقله الى العربية.
ننشر فصلاً من الكتاب في حلقة ثانية.
 


الحرب النفسية


في السابع والعشرين من آب "قام كروسمان
Crossman بتوريط متمرس آخر من خبراء الحرب النفسية وهو الأميركي "سي.دي.جاكسون C.D.Jackson" في المشروع، "أكتب اليك لكي أستشيرك. "كاس كانفيلد Cass Canfield" من شركة "هاربرز" و"هاميش هاميلتون Hamish Hamilton" ناشران هنا، يقترحان عليّ نشر كتاب في الربيع المقبل بعنوان "الأوهام الضائعة". وقد أخذت على عاتقي مسؤولية تحريره، سيكون عبارة عن سلسلة أجزاء من السيرة الذاتية يكتبها مثقفون بارزون، يصفون فيها كيف أصبحوا شيوعيين أو عاطفين على برنامج الحزب، وماذا جعلهم يشعرون بأن الشيوعية كانت هي حلم العالم.. وماذا ضللهم". وكانت نصيحة "سي.دي.جاكسون C.D.Jackson" هي دعوة الكاتب "لويس فيشر Louis Fischer" وهو شيوعي سابق ـ ليكون ممثلاً للأوهام الأميركية الضائعة.
بعد ذلك، تحدث "كروسمان
Crossman" في الأمر مع "ميلن لاسكي Melvin Lasky" الذي كان قد أصبح في ذلك الوقت المسؤول الحقيقي ـ غير الرسمي ـ للدعاية الثقافية الأميركية في ألمانيا، وأحد المؤيدين الأوائل للمقاومة الفكرية المنظمة ضد الشيوعية. وبمجرد أن كان "كروسمان Crossman" يتلقى إسهامات الكتاب، كان يقوم بإرسالها فوراً الى "لاسكي Lasky" الذي يطلب ترجمتها في مكتب "ديرمونات Der Monat". وطبقاً لأحد تقارير الأداء الخاصة باللجنة الأميركية العليا في فإن جميع المقالات المنشورة في "الإله الذي فشل" باستثناء مقال واحد كانت مساهمات أصلية في "دير مونات Der Monat" أو مقالات كانت المجلة هي صاحبة الحق فيها. وبصدور العدد رقم "" كانت "دير مونات Der Monat" قد انتهت من نشر جميع المقالات. قام "كروسمان Crossman" بتحرير الطبعة الانكليزية التي أصدرها "هاميش هاميلتون Hamish Hamilton" ناشر "كويستلر Koestler" في عام . أما صديق "كروسمان Crossman" الحميم في "مكتب الإعلام الحربي" "كاس كانفيلد Cass Canfield" والذي أصبح ناشر "آلان دالاس Allen Dulles" فيما بعد، فكان هو المسؤول عن الطبعة الأميركية، بهذه الخلفية كان كتاب "الإله الذي فشل" نتاج عمل المخابرات مثلما كان عملاً من انتاج المثقفين.
كان المشاركون فيه هم: أجنازيو سيلوني
Ignazio Silone" و"أندريه جيد Andre Gide" و"آرثر كويستلر Arthur Koestler" و"لويس فيشر Louis Fisher" و"ستيفن سبندر Stephen Spender". كتب "كروسمان Crossman" في تقديمه للكتاب: "ليس لدينا أدنى اهتمام بتضخيم فيضان الدعاية المضادة للشيوعية، ولا بتقديم فرصة لدفاع شخصي عن المعتقدات". إلا أن الكتاب حقق تلك الأهداف التي تم التنصّل منها في المقدمة، فعلى الرغم من أن المقالات كانت ـ بشكل عام ـ شهادات عن فشل اليتوبيا الماركسية، إلا أنها كانت أيضاً روايات شخصية وكتابات أفراد تحركوا للتعبير عن تحررهم من الوهم ومن الشعور بالخديعة، كان الكتاب بمثابة فعل اعتراف جماعي وبيان تمرد ورفض للستالينية، في وقت كان كثيرون ما زالوا يعتبرون ذلك هرطقة وانشقاقاً، كما كان رؤية جديدة كاشفة لمرحلة ما بعد الحرب، وكان الظهور فيه بمثابة جواز سفر الى عالم الثقافة الرسمية للسنوات العشرين الآتية.
ثلاثة من المشاركين الستة في كتاب "الإله الذي فشل" كانوا قد عملوا لحساب "فيلي مانزنبيرج
Willie Munzenberg"، "كويستلر Koestler" الذي كان يقول ذات يوم: إن الإيمان شيء رائع، لا يقدر فقط على زحزحة الجبال "بل على جعل المرء يصدق أن سمكة الرنجة فرس رهان"... "كويستلر Koestler" هذا كان واحداً من أشد تلاميذ "مانزنبيرج Munzenberg" حماساً. في الثلاثينات، عندما كان مشهوراً في أميركا كما ستصبح "إد مارو Ed Murrow" في الخمسينات كان الصحافي "لويس فيشر Louis Fischer" رجلاً تأثر عمله ـ الى حد كبير ـ بتجربته كشيوعي يعمل لحساب "مانزنبيرج Munzenberg". أما "إجنازيو سيلوني Ignazio Silone" فكان قد انضم الى الحزب الشيوعي الايطالي عام ، كان تحوله حقيقياً مثل "كويستلر Koestler" (أصبح الحزب أسرة ومدرسة وكنيسة وثكنة) ودفع به على سلم الدولية الشيوعية والى أحضان "مانزنبيرج Munzenberg"، ومع إحجامه التدريجي عن نشاط الحزب بعد عام ، ظل "سيلوني Silone" محتفظاً بـ"الذوق الشاحب لشاب ضائع". القطيعة الأخيرة جاءت في عام عندما طلب منه الحزب الشيوعي أن يدلي بتصريح علني يدين "تروتسكي Trotsky"، رفض، وطرده الحزب واعتبروه "حالة مرضية"، وعندما كان يتحدث أمام مجموعة من الشيوعيين الألمان السابقين، الذين كانوا يعيشون مثله في منفى مرهق في سويسرا أثناء الحرب، قال "سيلوني Silone" لا ينبغي أن يكون الماضي بما فيه من جراح بقيت معنا، مصدر إضعاف لنا "لا يجب أن نترك أنفسنا للأخطاء فتضعف من معنوياتنا، ولا للإهمال، ولا للأشياء السخيفة التي تقال أو تكتب، المطلوب منا الآن هو أن يكون لدينا إرادة نقية لكي تولد قوة جديدة من أسوأ ما فينا: "Etiam Peccata"".
تحت أغطية "الإله الذي فشل" تم تدوير أولئك الذين كانوا يقومون بالدعاية للسوفيات سابقاً، وتم غسيلهم من بقع الشيوعية واحتضانهم من قبل مخططي الحكومة الذين وجدوا في تحولهم فرصة لا تقاوم لتحطيم آلة الدعاية السوفياتية التي كانوا يزودونها بالزيت ذات يوم، والآن أصبحت عصابة "الإله الذي فشل" ماركة مسجلة تستخدمها وكالة المخابرات المركزية (
CIA) وترمز الى ما كان يطلق عليه أحد الضباط: "جماعة المثقفين الذين تحرروا من الوهم، والذين يمكن أن يتحرروا منه، أو الذين لم يتخذوا موقفاً بعد، والذين يمكن أن يؤثر أقرانهم بدرجة ما على خياراتهم".
كان كتاب "الإله الذي فشل" يوزع بواسطة أجهزة الحكومة الأميركية في كل أنحاء أوروبا، وكانت الدعاية له مكثفة في ألمانيا بشكل خاص، وقد ساندت كذلك وبقوة إدارة البحث الإعلامي (
IRD)، كان "كويستلر Koestler" سعيداً؛ لأن خططه من أجل رد استراتيجي منظم على الخطر السوفياتي كانت تقوى وتلتئم؛ وبينما كان الكتاب تعاد طباعته وينفذ من الأسواق التقى و"ميلن لاسكي Melvin Lasky" ليبحثا معاً شيئاً أكثر طموحاً وأكثر دواماً.
وإذا كان كتاب "الإله الذي فشل" قد أثبت أن هناك ترحيباً حاراً بمن يرغب في التحول إلا أنه من الصحيح كذلك أن هناك من هم ليسوا على استعداد لأن يلعبوا دور متناول العشاء الرباني على مذبح الحركة المنظمة لمكافحة الشيوعية. وهرع "الكومينفورم" لاستغلال هذا التحفظ بعد الخروج الكارثي في "والدورف استوريا" أصبح "الكومينفورم" أكثر يقظة في تحضيراته للاجتماع الآتي: "مؤتمر السلام العالمي
World Congress for Peace" الذي تحدد له نيسان لكي يعقد في "باريس". وكما توقعت رسالة مشفرة للـ(IRD) في شهر آذار من العام نفسه تحمل خاتم "سري للغاية" فإن "الأسلوب المقرر وتنظيم المؤتمر يدلان على أنه سوف يتم استخدامه بالوسائل كافة ليكون بمثابة "كليشيه" للموافقة على أي شيء يريده الاتحاد السوفياتي. كان من الواضح أن فكرة "الكومينفورم" ستكون أن "الولايات المتحدة والديموقراطيات الغربية هم مثيرو الحرب، وأن الفاشست والكرملين وعملاءه هم الديموقراطيات المحبة للسلام" كان مطلوباً من جميع المراكز والمواقع الديبلوماسية أن "تستكشف كل ما يمكن عمله بغرض إفساد القيمة الدعائية لهذا الموتمر".
أبناء العم
لكن "أبناء العم" في المخابرات المركزية (
CIA) كانوا في طريقهم الى الاجتماع الباريسي، في اليوم التالي لمؤتمر "والدورف" سأل "فرانك ويزنر Frank Wisner" الصديق الحميم لـ"كارمل أوفي Carmel Offie" وزارة الخارجية عما تنوي عمله بخصوص مؤتمر السلام في باريس، كان "أوفي Offie" المساعد الشخصي لـ"ويزنر Wisner" لشؤون العمل والمهاجرين، ويشرف شخصياً على اللجنة القومية لأوروبا الحرة ـ إحدى الواجهات المهمة لمكتب تنسيق السياسات (OPC) ـ بالاضافة الى عمليات أخرى تتناول المنظمات المعادية للشيوعية في أوروبا، كان "أوفي Offie" يتعامل كثيراً مع "إيرنج براون" الممثل الأوروبي في اتحاد العمال الأميركي، الذي كان يخفي اسمه المتواضع دوراً سياسياً بالغ الأهمية في أوروبا بعد الحرب، وعن طريق "براون" كانت مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، ومن مشروع "مارشال" يتم ضخها لحساب العمليات السرية.
كان "أوفي" موظف الخارجية شخصاً فاسداً وشريراً بكل المقاييس، كان قبيح المنظر، من عادته أن يوبخ الآخرين في الاجتماعات بشذوذه الجنسي، اذ كان يقرصهم من حلمات صدورهم (!). ألقي القبض عليه ذات مرة لتسكعه بالقرب من الحمامات العامة في حديقة "لافاييت"، وهو الحدث الذي جعل اسمه السري في الـ(
CIA) وهو (Monk) أو "الراهب" يبدو اسماً على غير مسمى، لكنه كان لديه أصدقاء أقوياً. كان "شيب بوهلن Chip Bohlen" وجورج كينان George Kennan يعرفانه من أيام السفارة في "موسكو"، وكان "بوهلن Bohlen" هو الذي أقنع "ويزنر Wisner" بتجنيده، وعندما كان يعمل في مكتب تنسيق السياسات (OPC) كان يقال إنه آخر من يرى أي ورقة قبل أن تذهب الى "ويزنر Wisner"، كما كان آخر من رأى مبلغ مليوني دولار قبل اختفائه.
والآن بدأ "أوفي" و"يزنر" التخطيط للقيام برد جيد للتنظيم على مؤتمر "باريس" الذي كانت وزارة الخارجية قد توقعت ـ بتشاؤم ـ أن "يغري السذج باتباع خط "الكرملين" فيقبلوا "حركة السلام الزائف تلك". أبرق "ويزنر" الى "أريل هاريمان
Avril Harriman" في إدارة التعاون الاقتصادي (مجموعة مدراء مشروع مارشال) يطلب خمسة ملايين فرنك (ما يعادل دولار تقريباً) لتمويل مظاهرة مضادة. كان "هاريمان Harriman" وهو واحد من الأوائل في النخبة السياسية الأميركية الذين أدركوا أن روسيا قد أعلنت حرباً أيديولوجية على الغرب، كان يفكر في وسائل التصدي لتيار المفاسد القوي المندفع من روسيا. وكان في غاية السعادة أن يقدم دعماً من "مشروع مارشال" للعمليات السرية، وهو الدعم الذي كان يشير اليه "ويزنر" بأنه مجرد شيء بسيط.. أو "مجرد بونبوني" بنص كلماته، وعن طريق "إيرنج براون" أجرى مكتب تنسيق السياسات (OPC) اتصالات بالاشتراكي الفرنسي "ديفيد روسيت" مؤلف كتب عدة عن معسكرات الاعتقال ("أيام موتنا Les jours De Notre Mort" و"عالم المعتقلات L'univers Concentrationnair") وحلفائه في الجريدة السياسية المستقلة "فرانك تيريير Franc-Tireur" ووافق "ديفيد روسيت David Rousset" على أن تعلن "فرانك تيريير" أنها الراعي الرسمي ليوم المقاومة الذي أوحت به وكالة المخابرات المركزية (CIA).
في الجانب السوفياتي كان هناك "إيليا اهرنبرج
Elya Ehrenburg" و"ألكساندر فاديي Alexander Fadeyev" اللذان ظهرا في الاجتماع الرئيسي ـ كان عملاً من أعمال مكتب الإعلام الشيوعي من البداية الى النهاية ـ الى جانب "بول روبسون Paul Robesan" و"هوارد فاست Howard Fast" و"هوليت جونسون Hewlett Johnsan" و"فردريك جوليوت كوري Frederic Joliot-curie" مفوض الطاقة الذرية الفرنسي والكاتب الدانماركي "مارتن آندرسون نيكسو Martin Andersen-Nexo" والاشتراكي الايطاليا "بيترو نيني Piettro Nenni"، وأرسل "شارلي شابلن Charlie Chaplain" رسالة تأييد، كما بارك قس روسي أرثوذكسي الموتمر، وغنى "بول روبسون Paul Robeson" وأطلق "بيكاسو" حمامة السلام الشهيرة والتي سوف تستخدم على مدى عقود تالية رمزاً مهيباً لحركة السلام الشيوعية. أحد منظمي المؤتمر الشاعر والشيوعي المتشدد "لوي أراغون Louis Aragon" كان قد وجد حفراً لحمامة في حافظة أوراق تضم رسوماً حديثة في الاستوديو الخاص بـ"بيكاسو". كانت الحمامة لها ريش حول مخالبها يشبه الواقي الأبيض الذي يلبس فوق الحذاء، وبإذن من "بيكاسو" أصبحت هي "حمامة السلام الشهيرة". وسرعان ما أصبحت موضوعاً للرسوم الساخرة بواسطة حركة "السلم والحرية Paix et Liberte" على أنها "الحمامة التي تحدث انفجاراً La Colombe qui fait Boum" في كاريكاتير كان يطبع ويوزع في جميع أنحاء العالم بواسطة مؤسسات الحكومة الأميركية في كتيبات ومنشورات وملصقات.
المؤتمر المضاد
مؤتمر "روسيت
Rousset" المضاد: "اليوم العالمي لمقاومة الدكتاتورية والحرب" عقد في الثلاثين من نيسان عام ودعمته رسائل تأييد من "إليانور روزفلت Elianor Roosevelt" و"أبتون سنكلير Upton Sinclair" و"جون دوس باسوس John Dos Passos" الذي كان في طريقه لأن يصبح جمهورياً متشدداً، والذي كان بحسب تعبير "دوايت مكدونالد Dwight Macdonald" يخاف لدرجة عصبية من روسيا والشيوعية و"جوليان هكسلي Julian Huxley" و"ريتشارد كروسمان"، أما الموفدون الذين جاءوا على نفقة الـ(OPC) (مكتب تنسيق السياسات) فكان من بينهم "اجنازيو سيلوني Ignazio Silone" و"كارلو ليي Carlo Levi" و"سيدني هوك Sidney Hook" الموجود في كل مكان، و"جيمس ت. فاريل James T. Farrell" مؤلف كتاب (Studs Lonigan)، و"فرانز بوركينو Franz Borkenau" و"فينر بروكواي Fenner Brockway" ولكن على الرغم من التخطيط الحذر إلا أن اليوم فشل. كتب "سيدني هوك Sidney Hook" في تقريره: "منذ أن كنت صبياً قبل ثلاثين عاماً أستمع الى الخطباء الذين يقفون على صناديق الصابون في ميدان "ماديسون" لم أستمع الى بذاءات وجعجعة فارغة كما سمعت هنا". في اجتماع المساء استولى جماعة من الفوضويين على الميكرفون وشجبوا المؤتمر وهاجموه، الأمر الذي جعل "هوك Hook" يستنتج أنهم لا بد من أن يكونوا قد أطلقوا المجانين من المصحة العقلية، وتولى الجلسة "الجناح المضطرب العقل من اليسار".
جلب المؤتمر كذلك أول كارثة لأميركا في مجال الصراع الثقافي في شخص "ريتشارد رايت
Richard Wright"، الذي كان بتعبير "هوك Hook" قد أشبع غروره استخدام "سارتر Sartre" له كهراوة ضد الثقافة الأميركية، والذي يشبه استخدام الشيوعيين لنموذج "روبسون Robeson" وعلى الرغم من أن "رايت Wright" كان قد شارك في كتاب "الإله الذي فشل"، إلا أن "اللوبي" المعادي للشيوعية كان ينظر إليه في ذلك الوقت بارتياب، لأن قطيعته مع الستالينية كانت على "أساس شخصي أكثر منه سياسي"، ولم يبدِ "أي فهم لطبيعتها الحقيقية. كان رايت هو العضو الوحيد من مجموعة "الإله الذي فشل" الذي فقد عضوية جماعة "الحواريين" تلك، وعلى مدى العقد التالي كانت حياته ونشاطه في "باريس" تحت رقابة المخابرات المركزية الأميركية "CIA" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" الى أن مات في ظروف غامضة في .
كان فشل مؤتمر باريس المضاد مخيباً لآمال "ويزنز
Wisner" وحلفائه في وزارة الخارجية، وبالرغم من أنه جذب عدداً من معارضي الستالينية البارزين، وأثار هجوماً عنيفاً عليه من قبل الحزب الشيوعي الفرنسي، إلا أن طابعه كان "راديكالياً" الى حد بعيد... ومحايداً. والأسوأ من ذلك أنه كانت هناك روح معادية لكل ما هو أميركي في أجوائه. كتب "هوك ـ Hook" يقول: "الجمهور الفرنسي بوجه عام جاهل تماماً بالحياة وبالثقافة الأميركية"، صورته عن أميركا خليط من الانطباعات المستمدة من قراءة روايات الاحتجاج الاجتماعي والتمرد (رواية شتاينبك Steinbeck عناقيد الغضب" نموذج دال) وروايات الانحلال الأميركي (فوكنر Faulkner) والتفاهة (سنكلير لويس Sinclair Lewis) ومن مشاهدة السينما الأميركية ومن التعرض لسيل الدعاية الشيوعية الذي يتسرب الى الصحافة غير الشيوعية. إن إعادة التوجيه الإعلامي للجمهور الفرنسي تبدو لي المهمة الأساسية والأكثر إلحاحاً لسياسة أميركا الديموقراطية في فرنسا، وهو الأمر الذي لم يتم أي شيء مؤثر حتى الآن لتحقيقه.
فكرة "هوك
Hook" بأن التوجيه المعادي لأميركا يمكن إزالته بتنظيف العقول الأوروبية من الآراء الزائفة في روايات كتاب أميركا المشاهير تبدو فكرة غريبة وغير عادية. والحقيقة أن ما كان يدافع عنه هو تطهير ما يعبر عن الحياة الأميركية، والذي كان يراه في صراع مع سياسة أميركا الديموقراطية في الخارج. كان ذلك تشويهاً كبيراً لمبادئ حرية التعبير ذاتها ويتناقض مع دعاوى الحرية الليبرالية التي كانت تقدم تحت رعايتها.
ولكن "هوك
Hook" كان محقاً في أمر واحد: "تفتيت إنسان حسن النية Homme de Bonne Volonte" في "باريس سارتر" سيكون صراعاً عسيراً، ومثل "برخت Brecht" الذي كان يكيل المديح لـ"ستالين Stalin" وهو ينعم بالامتيازات والحياة الهادئة في ألمانيا الشرقية يمدحه كقاتل للشعب لديه مبرراته، كان مثقفو الضفة اليسرى قد فشلوا في أن يفهموا أنهم لم يعودوا "باحثين عن الحقيقة وإنما مدافعين عن عقيدة محاصرة ومحطمة". واصل "سارتر Sarter" تمجيده لروسيا كحارسة للحرية، وفي الوقت نفسه كان قديسه "جان جينيه Jean Genet" ينكر وجود معتقلات "الغولاج Gulags" كان ذلك كما قال "كويستلر Koestler" "هو رأس المال العالمي لرفاق الطريق وللأذكياء من المهنيين ذوي المواهب المتواضعة مثل "بيكاسو Picasso" و"كامو Camus" و"أنوي Anouilh" الذين كانوا محل اعجاب ورهبة كثير من المثقفين الأوروبيين المصابين بالانفلونزا الفرنسية"... بتعبير "كويستلر Koestler" ومن باريس أطلق "كويستلر" ملاحظته الساخرة وهي أن الحزب الشيوعي كان يمكنه الاستيلاء على "باريس" بمكالمة تليفونية واحدة.
كان واضحاً لـ"ويزنز
Wisner" أنه لم يجد بعد المجموعة المناسبة لتكون رأس الحربة في حملة مكافحة الشيوعية في فرنسا، وبكلمات توضح أنه كان يفكر بالفعل في قاعدة دائمة لهذه الحملة، راح يعبر عن قلقه "لأن هذا النوع من القيادة لمنظمة دائمة يمكن أن يؤدي الى انحلال الفكرة كلها (فكرة أن يكون هناك مكتب صغير للإعلام الديموقراطي) الى مجموعة من الحمقى ـ الماعز والحمير يشوهون بسلوكهم الغريب أعمال وتصريحات الليبراليين الجادين والمسؤولين، لا بد من أن تكون لدينا شكوكنا في دعم عرض كهذا". وبسبب فزعهم لمناعة درع الدعاية السوفياتية كما كان يبدو لهم، جلست مجموعة من المثقفين الألمان ـ أعضاء سابقون في "مؤسسة مانزنبيرج Munzenberg" لتدبير خطة، وفي لقاء مع "ميلفن لاسكي Melvin lasky" في غرفة في أحد فنادق "فرانكفورت في آب ، بدأت "روث فيشر Ruth Fischer" و"فرانز بوركينو Franz Borkenau" (والذي كان المؤرخ الرسمي للكومنتيرن ذات يوم) لبلورة فكرتهم من أجل بنية دائمة مكرسة للمقاومة الثقافية المنظمة. كانت "فيشر Ficsher" هي شقيقة "جيرهارت ايسلر Gerhart Eisler" الشرطي السوفياتي السري الذي كان يعرف في بأنه الشيوعي رقم واحد في الولايات المتحدة وسجن في العام التالي لتزويره طلب تأشيره دخول. كان "جيرهارت Gerhart" منذ ذلك الحين قد رقي ليدير مكتب الدعاية في ألمانيا الشرقية، ومن هنا سيكون مسؤولاً عن تنظيم الرد السوفياتي على خطة "روث Ruth".
"روث
Ruth" نفسها كانت زعيمة الحزب الشيوعي الألماني قبل أن يطرد فصيلها المنشق بأوامر من "موسكو" مما أدى الى قطيعة مع "ستالين" (ومع شقيقها) والآن ها هي تكتب الى أحد الديبلوماسيين الأميركيين: "اعتقد أننا تحدثنا عن هذه الخطة أثناء أقامتي الأخيرة في "باريس"، ولكن لدي الآن أفكار أكثر تحديداً بشأنها، أقصد بالطبع فكرة تنظيم مؤتمر كبير معارض لمؤتمر "والدورف استوريا" في برلين نفسها، يجب أن يكون تجمعاً لكل الشيوعيين السابقين، بالإضافة الى مجموعة جيدة تمثل الأميركيين المعارضين لـ"ستالين"، ومثقفين انكليز وأوروبيين، ويعلن تعاطفه مع "تيتو Tito" ويوغوسلافيا والمعارضة الصامتة في روسيا والدول التابعة، ونصنع بذلك للمكتب السياسي جحيماً على بوابة جحيمهم الخاص مباشرة، كل أصدقائي يجمعون على أن ذلك سيكون له تأثير كبير، وأنه سيصل الى "موسكو" إذا تم تنظيمه على نحو جيد".
هل حضر "مايكل جوسلسون
Mechael Josselson" اجتماع "فرانكفورت"؟. المؤكد أنه كان من أوائل الذين استمعوا الى الفكرة التي كان عليه أن يناقشها على وجه السرعة مع "لورانس دو نيفي Lawrence de Neufville" الذي أرسل فكرة الاقتراح بالحقيبة الى "كارمل أوفي Carmel Offie" في منتصف أيلول، وكما قال "دو نيفي de Neufville" و"جوسلسون Josselson" و"كويستلر Koestler" "وكان علي أن أحصل على الدعم المطلوب لها من "واشنطن" أبلغت "فرانك ليندساي Frank Lindsay" نائب "ويزنر Wisner" بها، وأعتقد أنه لا بد من أن يكون قد أبلغ "ويزنر Wisner"، كان علينا أن نطلب الموافقة، كان مشروع "مارشال Marshall" في ذلك الوقت هو مال الرشى الذي تستخدمه وكالة المخابرات المركزية "CIA" في كل مكان، ولذلك لم تكن هناك مشكلة بالنسبة للتمويل، الجهد الوحيد الذي كان مطلوباً هو الحصول على الموافقة".
وصل ما أصبح يعرف بـ"اقتراح" "جوسلسون
Josselson" الى مكتب "ويزنر Wisner" في شهر نيسان ، أما "لاسكي Lasky" الذي كان قلقاً ويريد الحصول على الموافقة بسرعة فلم يصبر، وإنما اندفع بالخطة وضم إليها "ارنست رويتر Ernst Reuter" عمدة "برلين" الغربية وعدداً كبيراً من الأكاديميين الألمان البارزين، الذين باركوا الفكرة، ووعدوا بتأييدها، وشكلوا جميعاً لجنة دائمة، وبدأوا في إرسال الدعوات للمثقفين من العالم الحر، لكي يحضروا الى "برلين" لدعم ذلك. إلا أن كتابات "لاسكي Lasky" ككاتب مستقل لم تكن من أجل الصالح العام تماماً، "فهو كموظف في مكتب سلطة الاحتلال العسكري الأميركي، كان قد لفت بنشاطه وجهده من أجل المؤتمر أنظار كثير من المراقبين، واعتبروه دليلاً على أن حكومة الولايات المتحدة هي التي تقف وراء ذلك".
ضباط مكتب تنسيق السياسات "
OPC" دفعوا خطة جوسلسون ووضعوا تخطيطاً أولياً للمشروع بميزانية خمسين ألف دولار، ووافق عليه "ويزنر Wisner" في نيسان، لكنه أضاف شرطاً واحداً: لا بد من أن يختفي "لاسكي Lasky"، و"جيمس بيرنهام James Burnham" عن الأنظار حتى لا يعطي وجودهما مبرراً لهجوم النقاد الشيوعيين، كان لدى "لاسكي Lasky"، و"بيرنهام Burnham" ما يوصف بأنه اهتمام مهني بالخطة. وقد دافع "جوسلسون" عن "لاسكي Lasky" عندما أبلغ بتحفظات "ويزنر" وأبرق إليه: "لا أحد آخر هنا، وبالتأكيد لا يوجد أي ألماني كان يمكن أن يحقق مثل هذا النجاح في هذه المرحلة"، كان "لاسكي" قد مضى بعيداً بحيث لا يمكن كبح جماحه، كان قد أعلن نفسه سكرتيراً عاماً للمؤتمر القادم الذي سوف يُسمى "مؤتمر الحرية الثقافية The Congress for Cultural Freedon" وكانت الدعوات تصدر باسمه وباسم "رويتر Reuter" عمدة "برلين الغربية"، وكذلك كانت توضع البرامج. وفي العلاقات العامة انضم "أرنولد بيكمان" الى "لاسكي" وكان "بيكمان" "قد ظهر في التوقيت المناسب في والدورف".
وفي أميركا كان "جيمس بيرنهام" و"سيدني هوك" مشغولين بوضع ترتيبات الوفد الأميركي، كلاهما كان على علم بتورط مكتب تنسيق السياسات "
OPC" (بالرغم من أن "هوك Hook" لم يذكر ذلك في مذكراته، وربما كان لا يراه مهماً)، تذاكر سفر المشاركين الأميركيين قام بشرائها الـ"OPC" والذي استخدم لذلك عدداً من المنظمات الوسيطة كوكلاء سفريات، وزارة الخارجية كانت أيضاً من بين المشاركين في الإعداد، وزير الخارجية المساعد للشؤون العامة "جيسي ماكنايت Jesse Macknight" كان سعيداً بالعملية كلها لدرجة أنه طلب أن ترعى وكالة المخابرات المركزية "CIA
" المؤتمر بشكل دائم حتى من قبل عقد الاجتماع السري في "برلين"، وللمرة الأولى لم يكن التفاؤل في غير موضعه.

(عن شبكة البلاد)

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا