<%@ Language=JavaScript %> سمير كرم تحويل الثورة إلى إصلاح
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

تحويل الثورة إلى إصلاح

 

 

سمير كرم

 

علينا التسليم ـ بداية ـ بأن الثورات هي موضوع دراسة التاريخ.
التاريخ وحده هو الذي يمكن ان ينبئنا وأن يعلمنا سمات الثورات وأدوارها والتحولات التي تطرأ عليها لتنضجها او لتقلصها، تحت تأثير احداث وتطورات، بعضها يقع ضمن اطار ارادتها، وبعضها الآخر خارج هذه الإرادة مفروض عليها من قوى داخلية فيها او خارجية عنها.
لا يعني هذا ان كل من وصف الاحداث الكبرى التي تمر بها الامة العربية والتي آثر الغرب ان يطلق عليها وصف الربيع العربي انما استبق التاريخ وتعجل. فإن السمات التي بدأت بها ثورات تونس ومصر وبعد ذلك اليمن وليبيا ثم سوريا، تشهد بأننا ازاء ثورة في كل من هذه الحالات. ولكن الشهور لم تكد تمضي حتى بدأت العوامل الداخلية والخارجية ـ الخارجية بصفة خاصة ـ تحدث تاثيراتها. وإلا كيف يمكن ان نفسر حالات الارتباك التي عمت الوضع الثوري العربي، بما في ذلك الثورة الأوضح والأنضج، وموقع الأمل الكبير للأمة العربية، وهي ثورة 25 يناير في مصر.
وصحيح ان الارتباك كان قد اصاب الغرب ـ اميركا وأوروبا ـ فور وقوع احداث الثورة او الربيــع العربي، الا في حالة وحيدة هي حالة الثورة في ليبـيا. فإن الغرب في هذه الحالة لم يسمح لنفــسه بأن يرتبك او يتأخر في التدخل للتحكم في اتجاه هذه الثورة وبالتالي في مصيرها. لقد اختار الغرب طريق التدخل العسكري الجماعي تحت رايات حلف الاطلسي، واستند الى قرار من مجلس الامن، لم يلبث ان تجاوزه وتخطى نصوصه ومقتضياته بينما العالم ـ عدا روسيا والصين ـ يقف موقف المتفرج، مسلما لحلف الاطلسي بكل ما يفعل بما في ذلك فشله في «حسم الامور».
ولا يعني هذا ان خطة الغرب في مواجهة الثورات العربية تستثني ليبيا، بسبب اهمية ليبيا كمصدر اساسي للنفط ونوعية النفط الليبي، انما جاء التدخل العسكري السريع من حلف الاطلسي لتأكيد عزم الغرب ـ مدعوما بتأييد عربي خليجي ـ على انه حيث تتاثر المصالح الغربية تأثرا مباشرا فانه لا مجال للتردد.
لا يعني هذا ان الغرب بعيد عن الثورات العربية الاخرى، يرقبها فحسب، ويبدي استحسانه في هذه الحالة او تلك ويصدر توجيهاته الدبلوماسية في غيرها.
ان للغرب، بأساليب التدخل المباشر وغير المباشر المختلفة، سبله للتأثير على الربيع العربي وثوراته. ان للغرب خطة شاملة بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة هذه الثورات. ولا نستطيع ان نتبين ملامح هذه الخطة وأهدافها اذا لم ندرك ان النفوذ الغربي على البلدان التي انطلقت فيها ثورات الربيع العربي، لا يزال قويا وقادرا على الحركة والتأثير، مستخدما قواته وقواه السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والثقافية.
لقد نجحت الثورة المصرية في الوصول الى ابعاد واسعة في تحقيق اهداف الثــورة قبل ان يبـدأ الغرب تنفيذ خطته. وساعد على ذلك ان الغرب بأجهزته المخابراتية وقدراتها الفائقة اصيب بدوار نتيجة المفاجأة التي المت به في تونس ومصر. الامر الذي مكّن الثورة من ان تزيح النظام القديم الذي اقامه وجلس على قمته حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس. ولان الغرب لا يهتم كثيرا بحلفائه مهما طالت فترات تحالفه معهم (30 عاما في حالة مبارك) فانه قبل هذا التغيير، بعد ان بدا انه لا يقبله في الايام الاولى. ومن نقطة القبول بالتغيير الذي احدثته الثورة بدأ تنفيذ خطته للتعامل مع الثورة.
اول بنود هذه الخـطة تعمل من اجل حــصر تأثيرات كل من هذه الثورات داخل حــدودها الوطنية. اما اهم بنودها فهو مطاوعة الثــورة في خطواتها الاولى والتظاهر بمساعدتها اقتصاديا وعرض هذه المساعدات فعليا وبأرقام محددة على الحكومات التي اتت بها هذه الثورة وتلك. وينطبق هذا كما هو واضح على ثورتي مصر وتونس. ولكن ما الهدف من هذه الخطوات اللينة التي تظهر تقبل الثورة هنا وهناك في حدود التغيير الذي تم بالفعل لا اكثر؟
الهدف هو على وجه التحديد السير مع خطوات الثورة الى المدى الذي يمكن احتماله ثم الاستفادة منه. الهدف هو على وجه التحديد وقف الثورة عند حدود الاصلاح. بالاحرى ان هدف الخطة الغربية بقيادة الولايات المتحدة هو تحويل الثورة الى حركة اصلاحية. فيمكن قبول اسقاط النظم والحكومات واقامة نظام جديد وحكومة جديــدة باعتباره اصلاحا. وبطبيعة الحال، فان الاصـلاح يمكن ان يشمل اجراءات اخرى يقبلها الغرب ويتفــهمها. يمكن ان تشمل هذه الاجراءات فتح ابواب الحوار بشأن الديموقراطية وأسسها الدستـورية، ولا بأس في هذا الصدد بوجه خاص اذا طرحــت الديموقراطية الاميركية نموذجا وطرح الدستور الاميركي مرجعاً.
ويمكن ان يشمل الاصلاح ايضا تعديلا في الحد الادنى للاجور. وربما مضى الى حد تحديد حد اقصى لها اذا لم تتوفر وسيلة لرفع الحد الادنى من دون خفض الحد الاقصى.
ويمكن ان يشمل الاصلاح اطلاق حرية تأسيس الاحزاب السياسية بغير حدود تقريبا، بحيث تشمل الاحزاب الدينية او التي تدمج الدين بالسياسة، ما دامت تقبل نوعية العلاقات القـائمة بين البــلد المعني والولايات المتحدة. وهذه الاحزاب بطبيعة حركتها السياسية وعلى مدى تاريخها كلـه ـ في مصر خاصة - اثبتت انها تملك استعـدادا غير محدود لاقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة، لان الولايات المتحدة تقبل حدود التغيير التي تقبلها الولايات المتحدة. وما ينطبق على الاحزاب الدينية ينطبق بالمثل على الاحزاب الراديكالـية اليسارية (بما فيها الاحزاب الشيوعية) فهذا وضع قائم في الولايات المتحدة ودول اوروبا ايضا، وبالتالي فانه مقبول ولا بأس من قبوله في دول اخرى منها الدول العربية.
كذلك يمكن ان يشمل الاصلاح في اي من بلدان الثورة، ادخال القدر الملائم من التغيير على الحياة النقابية ان كانت عمالية او مهنية. ولا يتعارض الاصلاح من وجهة النظر الغربية ومن زاوية المصالح الغربية ايضا مع دور للقوات المسلحة يبقي على الحماية اللازمة للأوضاع الامنية ويصون الاهداف العامة التي نادى بها الشعب في مظاهرات الثورة. وعلى اي الاحوال فان ثقة الجماهير في قواتها المسلحة تبلغ مقاما رفيعا، يمكن القوات المســلحة من ان تبدي رغبتها في تسليم السلطة في اسـرع وقت ممكن. ولا يعني هذا انها لن توافق على مد الفترة الانتقالية لشهور قليلة، فهي باقية بعد الفترة الانتقالية قادرة طوال الوقت على أداء دور حامي اهداف الشعب.
يمكن ان يسمح الاصلاح إما بأولوية الانتخابات أو بأولوية الدستور في الاجراءات الديموقراطية ولا يمس هذا بطبيعة العلاقات بين البلد المعني والولايات المتحدة او اوروبا. الا يبدو ان النقاش حول اولوية الانتخابات، او اولوية الدستور، تتحول الى نقطة الخلاف الاساسية بين القوى السياسية القديمة والجديدة في مصر؟ ايا كان الحال فان مثل هذا الخلاف لن يدفع الثورة الى ابعد من خط الاصلاح. وهذا هو المطلوب.
كما يمكن ان يسمح الاصلاح بتبــني عدد ـ ربما نقول اكبر عدد ممــكن من الشــباب، الذين قاموا بدور القيادة في الثــورة في مرحلتها الاوليــة، مرحلة «ميدان التحرير». هؤلاء يمكن استـضافتهم في الولايات المتحدة او في اوروبا لفترات تطول او تقصر، حسب نتائج تنفيذ خطة احلال الاصلاح محل الثورة.
كل هذه وغيرها تغييرات يمكن ان تقبلها وان تستوعبها خطة الغرب لتحجيم الثورة الى حركة اصلاحية. لكن ما هي الحدود التي لا يقبــلها الغرب ولا يمكن ان يستوعـبها النــفوذ الغربي والتي تتخطى حدود الاصلاح وتتوغل في نطاق الثورة؟
كل ما يمكن ان نسميه تغيير النظام. ففي الثورة لا يعني تغيير النظام مجرد الاطاحة بالحاكم وحكومته ومعاونيه والسيدة الاولى والوريث المختار لتولي الرئاسة ... ان تغيير النظام يعني الاخذ بنظام اقتصادي مختلف، يحقق العدالة الاجتماعية، يقضي على ظاهرة الفقر، ويعطي للفقراء فرصة الصعود في الحراك الاجتماعي. ان تغيير النظام يعني بالدرجة الاولى وقبل اي شيء آخر الاطاحة بنظام التنمية الرأسمالي القائم، على شلل رجال الاعمال وحرية السوق لهم، لتكوين الارباح على حساب كل العاملين في الارض وفي المصانع وفي المكاتب. هذا ما لا يقبله الغرب الرأسمالي. ليس فقط لان هذا النظام في بلدان العالم الثالث هو مصدر ثراء للدول الرأسمالية الكبرى ـ اميركا واوروبا ـ انما ايضا لان النظام الراسمالي في مواطنه الكبيرة الاصلية، يعاني من اعتراضات شعوب هذه البلدان التي تعاني من السقوط الى هوة الافلاس وتحاول كالعادة انتشال نفسها من هذه الهوة على حساب الفقراء وليس على حساب الاغنياء.
ممنوع على جمــاهير الربــيع العربي ان تمضي في طريق الثورات لتسبق العالم الرأسمــالي الى علاج ثوري لمشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.
ممنوع على جماهــير الثــورات العــربية ان يذهب تفكـيرها الى ثورة تغير نظام الحياة الاقتــصادية ـ الاجتــماعية على النحــو الذي يمـكن ان تكون اميركا اللاتيـنية قد اصبــحت نموذجا له.
لهذا فان «حكومة الثورة» في مـصر تؤكد كل يوم وكل ساعة تمسكها بنظام حرية الســوق نظــام رجال الاعمال انما مع العمل على تخليصه من الفساد. ان النظام الرأسمالي هو الممكن الوحيد في رأي حكومة مصر الحــالية ولا يتــعارض في رأيها ـ ولا في رأي معظم الاحزاب السياسية القديمة والجديدة ـ مع الثورة ولا مع الاهداف التي من اجلها قامت.
ان الوضع الراهن في بلدان الربيع العربي، بلدان الثورة العربية، حتى اكثرها نجاحا وتقدما ينبئ بصراع مرير بين الثورة والاصلاح، بين ما تريده الجماهير الشعبية التي ساندت الثورة وسقط منها الشهداء ضحايا من اجلها وبين ما تريده عواصم الرأسمالية العالمية وما تسمح به. وحتى الآن لا بد ان نلاحظ ان السلطات الجديدة الحاكمة في مصر من المجلس الاعلى للقوات المسلحة الى الحكومة التي يرأسها عصام شرف، الذي اختير من وسط جماهير «ميدان التحرير»، الى الهيئات التنفيذية المختلفة الى لجان الحوار الوطني والوفاق القومي، كلها تمارس عمليات اصلاحية وان اطلقت عليها صفات الثورة.
ان النزعة الاصلاحية تزحف نحو السيطرة على الوضع في مصر، تساعدها قوى خرجت الى الوجود بفعل الثورة، ومنها احزاب قديمة مثل الاخوان المسلمين، الذين سبق لهم ان دخلوا برلمان النظام السابق باتفاق معه، واحزاب جديدة مثل تلك التي اختارت لنفسها أسماء اوروبية مثل الحزب الديموقراطي الاجتماعي.
هل سيذكر التاريخ الربيع العربي على انه ربيع الثورات العربية التي تمكنت من الانتــصار على خطط محاصرتها في حدود الحركـات الاصــلاحية؟ ام ان التاريخ سيتــعامل معها بعد الدراســة الجادة والعميقة على انها حركات اصلاحــية اخفقت في ان تبلغ من الرقي مستوى الثورات؟ بتعبير آخر هل تنتصر الثورات العربية ام ينتصر النظام المعادي الذي يخشى ان تنتقل اليه تأثيرات الثورات العربية؟

 

http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1884&ChannelId=44413&ArticleId=5&Author=سمير كرم

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا