<%@ Language=JavaScript %> سمير كرم الثورات السياسية والثورات الاجتماعية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 


الثورات السياسية والثورات الاجتماعية

 

سمير كرم

 

حين يكون المرء جاداً في محاولة فهم الأحداث والظواهر الكبرى المحيطة به في زمن محدد قد لا يتكرر، وحين يكون جاداً في محاولة التوصل الى تحليل سليم موضوعي وواضح، يتعين عليه في وسط هذا الجهد ان يعود الى الأصول، الى المصطلحات والتعريفات والمفاهيم الاساسية، وقد يتعين عليه ان يستعيد ما درس ـ سواء درس في الجامعات او في متون الكتب ـ من نظريات يفترض ان معرفته تجاوزتها بدرجة او اخرى.
ليست الثورات استثناء من ذلك، بل الأحرى ان نؤكد ان هذا ينطبق على الثورات اكثر مما ينطبق على اية احداث او ظواهر اساسية اخرى. ذلك ان محاولة فهم اتجاهات الثورات ومصائرها تتأثر بشدة بالميول الشخصية، بل والرغبات الفردية للشخص، بحكم الانتماء الوطني والقومي والفكري والعقائدي. فهذه امور لا يمكن الإفلات منها، خاصة بالنسبة لأوطان، نعتقد اعتقادا جازما، ان لها خصوصيتها التي تجعل منها ذات ادوار فكرية او دينية او ثقافية على مدى التاريخ. ويصدق هذا بشكل خاص في حالة الاوطان التي توجد على اراضيها آثار قديمة لها هيبتها في تأكيد الدور التاريخي لهذه الاوطان.
ويصدق هذا بصفة اخص حينما تتعاقب الثورات زمنياً بدرجة لا يمكن معها استبعاد التأثيرات المباشرة للسابق منها على اللاحق. وبصفة اكثر خصوصية حين تكون تلك الثورات قد طال انتظارها وتأخرت سنوات حتى تقع، او تأخرت في فرز نتائجها المنتظرة لأسباب او لأخرى.
ما الذي تقوله لنا التعريفات والمصطلحات الاساسية والمفاهيم الرئيسية حينما نكون بصدد التفكير في الثورات العربية؟
ان الثورات العربية توقفت عند خمس ـ تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا ـ وقد كان المنتظر ان تتوالى بأسرع من هذا المنوال. ولكن لا بد ان نلاحظ ان ما اصاب الثورات الاخيرة منها من عنف، تحولت معه الى حرب اهلية (ليبيا) او ما يشبه الحرب الاهلية (اليمن وسوريا) انما هو نتيجة عفوية لهذا التحول عن المسار السلمي، بصرف النظر عن اسبابه، ما قد يكون منها ايجابي وما هو بالضرورة سلبي. وهذا يعني ان عامل الخوف من العنف وطول الصراع الذي يمكن ان يحيد بالثورة عن اهدافها قد تدخّل لدى جماهير البلدان العربية الاخرى ليؤجل الثورة. وهكذا يكون التدخل النفسي الواعي واللاشعوري معاً من جانب الجماهير من اجل تأجيل الثورة قد احدث الاثر نفسه الذي احدثه التدخل الخارجي في حالة البحرين فأخفاها عن العيون وعن الاعلام في عصر الفضائيات والعدسات الواسعة والعميقة، والذي احدثه التدخل الخارجي (الاطلسي وبعض المشاركة العربية في هذا التدخل) في حالة ليبيا، فأطال الصراع وكشفه للفضائيات ليصبح درساً قاسياً لأي ثورة منتظرة عن امكانية تحولها الى حرب داخلية/اهلية، وحرب عدوانية/خارجية.
وقبل ان نترك هذه الملاحظة الجانبية ـ على اهميتها في تفسير تأجيل الثورات العربية المنتظرة - لا بد من ان نؤكد ان العامل ذاته الذي يؤجل الثورات يمكن ان يعكس اتجاهه فيسرّع بها اذا طال الى ما فوق احتمال الشعور واللا شعور العربي.
فاذا عدنا بعد هذا الى ملاحظتنا الاولى، عن ضرورة الاستعانة بالمصطلحات العلمية والمفاهيم التي تعلمناها عن الثورة، نجد امامنا على الفور تلك القاعدة التي تؤكد ـ وتؤكد التجارب التاريخية معها ـ ان الثورات نوعان: ثورات سياسية وثورات اجتماعية. وأن الثورات السياسية لا تكون إلا سياسية بحتة كأي ثورة تقصد فقط الى تغيير نظام الحكم من الملكية الى الجمهورية اومن الدكتاتورية الى الديموقراطية. اما الثورات الاجتماعية فإنها تكون بالضرورة اجتماعية وسياسية في آن معاً. فالثورات التي تهدف الى تحقيق هدف العدالة الاجتماعية ـ الإطاحة بحالة الفقر او الإطاحة بالتفاوت المرضي بين الاغنياء المسرفين في الثراء والفقراء في حالة انعدام اساليب الحياة الطبيعية ـ تجد نفسها مضطرة لتحقيق هذا الهدف الاجتماعي لأن تقوم بالجانب السياسي من الثورة، حيث يكون نظام الحكم هو الحائل بين الشعب والوصول الى هدف العدالة الاجتماعية.
في حالة الثورة السياسية، تعلمنا نظريات العلوم السياسية، لا ينال التغيير إلا من البنى السلطوية، بينما تبقى انماط السيطرة ـ الطبقية او النخبوية مثلا ـ كما هي من دون تغيير. هذا ما حدث في الثورة الاميركية التي كانت معنية اساساً بالتخلص من الحكم الاستعماري الملكي البريطاني، ولكنها ابقت على التركيب النمطي للسلطة الطبقية والنخبوية. اما في حالة الثورة الاجتماعية فإن انماط السيطرة هي هدف التغيير ولا بد ان تتغير لكي تعتبر الثورة قد حققت هدفها الرئيسي. وهذا ما حدث في الثورة البلشفية (الروسية) التي جمعت بين الثورة السياسية والثورة الاجتماعية، لأنه ما كان يمكن إلغاء انماط السيطرة الطبقية والنخبوية من دون القضاء على نظام الحكم القيصري.
في الحالتين الهدف هو السلطة. لا بد من تغير السلطة سواء تغيرت انماط السيطرة او لم تتغير. والسلطة هي القرار او بالاحرى اجهزة اتخاذ القرار.
فما الذي يمكن قوله في ضوء هذا الطرح النظري عن الثورات العربية؟
انها جميعا ثورات اجتماعية وتهدف الى تغيير اجهزة صنع القرار لتعمل لصالح تحقيق عدالة اجتماعية بين فئات الشعب او طبقاته. وهي في الوقت نفسه سياسية لأنه من الضروري لتحقيق الهدف الاجتماعي التخلص من النظام السياسي بنقل السلطة من الدكتاتور المستبد الى نظام منتخب ديموقراطياً ليمارس عملية اتخاذ القرار بطريقة ديموقراطية. الشرارة التي اطلقت ثورة تونس ـ والتي تمثلت في انتحار الشاب بوعزيزي ـ كانت اجتماعية بحتة، ولكن وعي الشعب استعان بضرورة التخلص من الدكتاتور ومن ظواهر الفساد المتحكمة في عملية اتخاذ القرار، لوضع نظام اكثر ديموقراطية من اجل تحقيق التغيير الاجتماعي. وصحيح ان الثورة التونسية لم تستقر بعد على نظام تطمئن اليه جماهير الشعب لكنها قطعت المسافة الاساسية نحو التغيير، ولا تزال الثورة في حالة تأهب.
وبالمثل فإن ثورة 25 يناير بدأت بحوافز اجتماعية من مضامين الفقر والتفاوت الطبقي والفساد الاجتماعي والاقتصادي، ولم تلبث ان رفعت شعارات الثورة السياسية لتحقيق التغيير من نظام يقوده دكتاتور فاسد، وتحيط به طغمة من أصحاب القرار الفاسدين المستفيدين من التفاوت في الثروة ومن زيادة إفقار الفقراء. وعلى الرغم من ان مشروع التوريث لعب دوراً أساسياً في أسباب الدعوة السياسية الى إقصاء نظام مبارك، فإن الثورة الاجتماعية والثورة السياسية في مصر تداخلتا عند هذه النقطة بصورة ربما لم يسبق لها مثيل. فالشعب عمل من اجل إسقاط الوريث ـ وهذا جزء من الثورة السياسية للإطاحة بنظام اراد ان يلغي الفروق بين الملكية والجمهورية ضمن ما الغى من قواعد الديموقراطية ـ وأكد ضرورة إسقاط هذا النظام باعتبار ان التوريث اصبح جزءا من الفساد الاجتماعي وداعياً من دواعي استشراء التفاوت بين الاغنياء والفقراء وطريقة لتأبيد الثراء وتأبيد الفقر ايضاً.
ينطبق هذان المثلان للثورة الاجتماعية - السياسية على ثورة ليبيا وثورة اليمن وثورة سوريا. الثورة بجناحيها الاجتماعي والسياسي ولا يمكن الاستغناء عن احدهما اكتفاءً بالآخر. بل اننا نستطيع ان نتوقع هذا الدمج بين الاجتماعي والسياسي فيما لو تفجرت ثورات عربية اخرى وعاد المسلسل الى نشاطه ليوحد العرب في الثورة كما لم يوحدهم من قبل منذ ان فرقهم الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين وبعد ذلك في اربعينيات القرن نفسه بمشاركة اميركية واكبت تأسيس الدولة الصهيونية على ارض فلسطين.
هل نلاحظ تأخر الثورة الاجتماعية او الثورة السياسية في مسار هذه الثورات العربية القائمة؟ وماذا يمكن ان يعنيه هذا التأخر او ذاك؟
يمكننا ان نلاحظ تأخر تحقيق اهداف الثورة الاجتماعية في كل هذه الحالات الخمس. بل يمكننا ان نلاحظ وان نسجل تقدم اهداف الثورة السياسية فيها جميعا. وان نندهش ازاء تأخر الاهداف الاجتماعية في اكثر هذه الثورات نجاحاً حتى الآن وهي الثورة المصرية. لقد استطاع تحالف الشعب والجيش ـ الذي تسلم السلطة السياسية فور تنحي رئيس النظام السابق مبارك ـ ان يوجد صيغة للحوار بين قيادات الثورة الشابة والمجلس الاعلى للقوات المسلحة تضمن ـ الى حد لا يمكن إنكاره ـ التوصل بالفعل أو إمكان التوصل خلال وقت قصير، هو زمن الفترة الانتقالية الى انماط وهياكل ديموقراطية لممارسة السلطة وممارسة اتخاذ القرار. ولكن هذه القوى نفسها عجزت عن إيجاد صيغ مرضية لأصحاب المصلحة في الثورة الاجتماعية تضمن ازالة التفاوت الطبقي وإنهاض الفقراء من حالة انعــدام الوزن والـدور والقرار وإلغاء الثراء المستفز الذي ارتكن طوال ثلاثين عاماً على سلطة النظام القديم.
يمكننا ان ندّعي انه لا توجد بوادر ـ حتى وإن كانت اولية ـ على ان الثورة الاجتماعية ستجد ابواباً مفتوحة امامها في مصر، بعد كل ما امكن تحقيقه من فتح ابواب الثورة السياسية. وقد يكون السبب في هذا، ان النظام الذي سقط كان قد نجح في اقامة علاقات معقدة وشديدة التشابك مع النظام الاقتصادي الرأسمالي في مرحلة اتسمت بالعولمة. لقد ربط النظام الساقط مصر بقيود الاستثمارات الاجنبية وشروطها وأهدافها على نحو يصعب التخلص منه. ولهذا فإن الثورة الاجتماعية المصرية لا تجد الطريق ميسراً الى علاقات عالمية مع المؤسسات المالية والدول الكبرى المتحكمة في مساراتها. ولا يعني هذا فقط شروط الحصول على القروض بل يعني أيضاً كيفية استخدامها. واذا كانت الثورة الاجتماعية تتطلب استخداماً يفيد الفقراء، فإن هذا لا يعني الدول الرأسمالية ـ اميركا واوروبا ـ في كثير او قليل. هؤلاء يفضلون إحباط الثورة الاجتماعية المصرية اكتفاءً بما حققته الثورة السياسية لمصر من تغيير.
ينبغي ان لا يغيب وعي الوحدة عن وعي الثورة. لقد اثبتنا استعدادنا للثورة ويبقى ان نضيف استعدادنا للوحدة. والثورة افضل سبلها.

 

* السفير 17/6/2011

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا