<%@ Language=JavaScript %> سامي حسن الاستبداد وانهيار الدول
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الاستبداد وانهيار الدول

 

 

سامي حسن

 

لا شك أن هناك أسباباً عديدة ومتداخلة، تفسر تفكك الدول وانهيارها. لكن ما سوف نتناوله هنا هو علاقة طبيعة الأنظمة السياسية، وتحديداً، المستبدة منها، بذلك الانهيار. ففي ظل أنظمة الاستبداد، تغيب دولة القانون والمؤسسات والحريات لتحل مكانها الدولة الأمنية بقوانينها الاستثنائية، وتنتشر ظواهر الفساد والمحسوبية والتزلف والانتهازية والإحباط واللامبالاة، وتنتعش الولاءات ما قبل المدنية (الطائفية والمذهبية والعائلية والعشائرية و...) الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إضعاف الدولة والمجتمع معاً. وهو ما يشكل الأساس الذي يمكن الدول القوية من الانقضاض على هذه الدول المستبدة الضعيفة والسيطرة عليها، إما بالطريقة الكلاسيكية المعروفة أي الاحتلال العسكري المباشر، وإما بالاحتلال غير المباشر عن طريق الهيمنة الاقتصادية وغيرها من أشكال الهيمنة.
النظام المستبد يستجلب استبدادا من نوع آخر هو الاحتلال، الذي تمارسه دولة بحق دولة أخرى. وفي حالة الاحتلال المباشر الذي تمارس فيه دولة الاحتلال القتل والقمع والإرهاب والنهب، تولد مقاومة الشعب الذي يتمكن طال الزمن أم قصر من هزيمة الاحتلال وانتزاع الاستقلال. فتخضع الدولة المستقلة في تطورها لثنائية الديموقراطية ـ الاستبداد. فإن سارت على طريق الديموقراطية ضمنت تطورها وتقدمها. أما إذا اختارت الاستبداد فإنها ستسير باتجاه إعادة إنتاج خصائص الدولة الضعيفة والمفككة والقابلة للخضوع والتبعية والاحتلال.
الأمثلة عن دور الاستبداد في انهيار الدول والامبراطوريات كثيرة، نذكر منها ما ترتب على الحرب الباردة من نتائج حيث انتصرت الدول (أوروبا الغربية، الولايات المتحدة) التي سارت على طريق تلك الديموقراطية، وحافظت على تقدمها واستقرارها، وعادت ألمانيا الشرقية لتلتحق بشطرها الغربي، لتكونا دولة ألمانيا الموحدة، بينما كان حصاد الأنظمة الستالينية المستبدة (الاتحاد السوفياتي، دول أوروبا الشرقية) التفكك والانهيار. كما نشير إلى تجربة أميركا اللاتينية، التي شهدت منذ مطلع هذا القرن، تقريباً، تحولات تمثلت في التخلص من الأنظمة الديكتاتورية المدعومة من الامبريالية العالمية، والسير في طريق الديموقراطية، ووصول أحزاب يسارية إلى السلطة، الأمر الذي أدى إلى تحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية، والحياة المعيشية لغالبية المجتمع.
هنا لا بد من التأكيد على أن استمرار الديموقراطية الناشئة وتطويرها، وليس محاولات التضييق عليها، كما يجري في فنزويلا اليوم، هو الضمان للاستقرار السياسي واستمرار النهوض الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيزها. ولعل أقرب مثال حي، ما زالت فصوله ماثلة أمامنا، حول دور الاستبداد بانهيار الدول، هو ما حصل في العراق من احتلال وانهيار دراماتيكي للدولة والنظام.
السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: هل يصح تعميم علاقة الاستبداد بانهيار الدول ورفعها لمستوى القانون العلمي؟ من الواضح ان هناك من يرفض ذلك مستشهداً ببعض التجارب، كتجربة الصين مثلا، التي تبدو وكأنها تنفي كل الكلام السابق، حول علاقة الاستبداد بانهيار الدول، حيث حافظت الامبراطورية الصينية على وحدتها، وصمد نظامها الشمولي في وجه رياح التغيير، بل إنها اليوم، تزداد قوة ونمواً وازدهاراً، في ظل نظامها الاستبدادي.
الحقيقة ان الصين، هي بالفعل استثناء. لكنه لا ينفي القاعدة. فالسماح بحرية النشاط الاقتصادي، أدى إلى تزايد الفوارق الطبقية، التي مكنت عدد من الرأسماليين الجدد من الانضمام إلى نادي كبار أثرياء العالم، بينما يستمر حظر الحريات السياسية، ويمنع الشعب الصيني من التعبير الحر عن رأيه بالسياسات الاقتصادية الجديدة. وما دام الحديث ليس عن نشوء الدول ونهضتها فقط، بل عن ديمومتها دولا عظيمة متقدمة، ودور الاستبداد في قطع هذه الديمومة. فإن من الصعب التنبؤ بمستقبل الصين في ظل استمرار ثنائية الانفتاح الاقتصادي والانغلاق الديموقراطي.
نختم باستحضار المفكر عبد الرحمن الكواكبي (الذي تصادف هذه الأيام ذكرى رحيله، حيث توفي في 14 حزيران 1902) وكتابه الشهير «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» الذي يقول فيه حول مصير الدول التي ابتليت بالاستبداد: «فحينئذ إما ان تغتنم الفرصة دولة أخرى فتستولي على البلاد، وتجدد الأسر على العباد بقليل من التعب، فتدخل الأمة في دور آخر من الرق المنحوس، وهذا نصيب أكثر الأمم الشرقية في القرون الأخيرة، وإما أن يساعد الحظ على عدم وجود طامع أجنبي، وتكون الأمة قد تأهلت للقيام بأن تحكم نفسها بنفسها، وفي هذه الحال يمكن لعقلاء الأمة أن يكلفوا المستبد ذاته لترك أصول الاستبداد، واتباع القانون الأساسي الذي تطلبه الأمة. والمستبد الخائر القوى لا يسعه عند ذلك إلا الإجابة طوعاً، وهذا افضل ما يصادف. وإن أصر المستبد على القوة، قضوا بالزوال على دولته، وأصبح كل منهم راعياً، وكل منهم مسؤولا عن رعيته، وأضحوا آمنين، لا يطمع فيهم طامع، ولا يغلبون عن قلة، كما هو شأن كل الأمم التي تحيا حياة كاملة حقيقية».

([)
كاتب فلسطيني

* السفير 16/6/2011

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا