<%@ Language=JavaScript %> د. سعد ناجي جواد خيارات الشعب العربي المحدودة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

خيارات الشعب العربي المحدودة


د. سعد ناجي جواد *

 

قبل احتلال العراق منذ ثماني سنوات، وبالتحديد في نهاية كانون الثاني (يناير) 2003، دعتني شخصية عراقية نافذة ومتنفذة الى عشاء شخصي. وكنت متأكدا قبل قبول الدعوة انها لم تكن حبا في شخصي البسيط وانما سعيا لمعرفة آرائي المتواضعة في ما يحصل حول العراق ومعه.
وتأكدت ظنوني اثناء اللقاء الذي ما ان انتهت بداية المجاملات المعتادة منه حتى سألني الرجل عما يدور حولنا من تصعيد ودق طبول الحرب، الى آخر ذلك من احداث متسارعة. وأحسست حينها بان الرجل كان يعيش حالة مزدوجة، فمن ناحية كان يعتقد، كما كان النظام يوحي به له وللشعب عامة، ان ما سيحدث هو تكرار لما حدث في عام 1991، اي قصف وتدمير لفترة محددة على أمل ان يحدث ذلك ارباكا وفوضى داخلية ستؤدي الى الاطاحة بنظام البعث، وهذا ما لم يكن الرجل يتصور حدوثه، اي تغير النظام بهذه الطريقة، لان النظام بامكانياته واجهزتة الامنية والعسكرية قادر على الحفاظ على نفسه ودوامه.
ومن ناحية اخرى، وبحكم متابعته للقنوات الفضائية، التي كانت متاحة له ولرفاقه فقط، كان يشعر بان المسألة اخطر واكبر مما حدث في عام 1991 ولكنه لا يستطيع ان يصرح بذلك، على الاقل امامي وانا الاستاذ الجامعي المستقل والبعيد عن دائرة صنع القرار.
وحاولت بلباقة ان اشرح له الوضع الدولي والاقليمي بشيء من التفصيل المباشر. واذكر اني قلت له ان كل الدلائل تشير الى ان خطة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا هي اكبر وابعد هدفا من حرب 1991، وان النيات والاهداف المعادية للعراق اكثر وضوحا الان، واعترف بأني اخبرته بانه رغم كل هذه الدلائل الا ان هناك شيئا في داخلي يقول لي بان عقلاء السياسة الامريكية والبريطانية سوف يحاولون جاهدين منع المخططات الرامية الى الهجوم على العراق واحتلاله، لا حبا في العراق والعراقيين، ولكن بسبب شعورهم بان مثل هذا العمل سيكون بمثابة زلزال يدمر العراق ويقود المنطقة بأسرها الى هاوية ونتيجة لا تحمد عقباها. ولكي لا يشعر بالاطمئنان لهذا القول اردفت قائلا بانه يجب ان يعلم بان الرئيس الامريكي انذاك جورج بوش الابن هو شخص نزق ومتهور وقد لا يستمع لاراء العقلاء، وانه يمكن ان يقدم على هذه المغامرة، من دون اي اعتبار للعقلانية، وانه مسير من قبل المحافظين الجدد الذين يمتلكون رؤية واضحة لما يجب ان يحصل في العراق من احتلال وتغير للنظام وربط البلاد بالعجلة الامريكية، من اجل اهداف معلنة وغير معلنة.
المعلن منها هو الاطاحة بالنظام الرافض للسياسة الامريكية واحداث تغير ديمقراطي في العراق (كذا) وازاحة عقبة امام المشروع الامريكي لشرق اوسط جديد، وغير المعلن منها، وهو الاهم والمتمثلة بالسيطرة على الثروة النفطية العراقية الهائلة وحماية أمن الكيان الصهيوني.
ولقد اثار هذا الحديث فضوله وقلقه اكثر فسألني بصورة مباشرة، على غير عادته، وما هو برأيك الحل؟ ترددت لوهلة في كيفية الرد على هذا السؤال، ولكنني قررت ان اجيبه بوضوح، فقلت له والله يا اخي لا ادري كيف اجيبك على هذا السؤال ولكني سأصارحك. الحل، رغم تأخره كثيرا، يكمن في اجراء اصلاحات سياسية داخلية كثيرة، وهي ليست صعبة ومستحيلة، خاصة ان قيادة حزبكم تحدثت عنها منذ عام 1991 ونشرت في كتاب لاعضاء الحزب محدود التداول بعنوان 'الديمقراطية و التعددية في العراق' حسبما اذكر. وذكرته بان هذا النقاش جرى في عام 1991 ولم يتحقق اي شيء في هذا المجال، ثم كرر وما الحل الان وما دوركم انتم كنخبة مثقفة ومعارضة داخلية، كما تصرحون وتكتبون. فقلت والله لا ادري ما اقول لك، لقد وضعتمونا وامثالنا امام خيارين احلاهما مر. فمن ناحية انتم ترفضون الاصلاح السياسي والانفتاح وتصرون على سياستكم، وفي كل مرة تقولون ان الوضع غير مناسب لاجراء اية تعديلات على سياستكم بسبب نوايا العدوان الخارجية والظروف التي يمر بها البلد، ونحن لا نستطيع ان نضع يدنا بايديكم وانتم مصرون على هذا النهج، وفي نفس الوقت نحن نعلم جيدا انه لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا اغلب الدول المحيطة بالعراق المتعاونة معهما تضمر اي خير للعراق والعراقيين، وان نتيجة عملهم ستكون تدميرا للعراق وتسليط عملاء لهم عليه، ونحن لا يمكن ان نقبل بهذا الخيار او نتعاون معه.
ونحن نعلم بانكم ستظلون تساوركم الشكوك حولنا وحول امثالنا ولن تفسحوا لنا اي مجال للمشاركة بأية خطوة انفتاحية، وان الدول التي ستعتدي على العراق ستظل تعتبرنا اعوانا لكم لاننا رفضنا دعم سياستهم او مغادرة العراق والالتحاق بقطار العمالة الذي يسير باتجاهنا قادما من الغرب.. وهكذا يا اخي الكريم انتم تضعوننا امام خيارين احلاهما مر. ولذا فنحن اثرنا ان ننزوي ونكتفي بالنصح رغم علمنا بالنتائج المدمرة لما يجري. طبعا ما لم اقله له هو ان النظام انذاك عمل على عدم فسح المجال لاية جهة سياسية وطنية لكي تلعب اي دور في الساحة العراقية، مما جعل المتعاونين مع الولايات المتحدة وايران يبرزون كقادة للمعارضة التي تتحدث باسم الشعب العراقي، وهي لا تحظ بأي تأييد حقيقي في الداخل. تذكرت هذا الحديث وانا الاحظ ما يجري في وطننا العربي ولشعبنا في ليبيا واليمن وسورية. طبعا انا اتحدث عن الثورة الشعبية والطموحات الجماهيرية للشعب العربي في هذه الاقطار، ولا اتحدث عن المعارضات التي هرعت بمجرد ان رأت ثورات الشباب العربي الى دعوة الغرب لمساعدتها في تغيير الانظمة في تلك الاقطار، لا بل والاكثر من ذلك بدأت تنفذ مخططات الغرب في بلدانها. وهكذا فان الاغلبية العربية الشعبية والشبابية توضع مرة اخرى بين خيارين احلاهما مر، فالانظمة غير راضية او مهتمة باجراء اية تغييرات ديمقراطية حقيقية وانهاء الفساد المستشري وتغيير الوجوه الكالحة والفاسدة، في نفس الوقت الذي يصر فيه الغرب على فرض عملائه متجاوزا ومستغلا الثورات الشعبية الحقيقية والضعيفة الامكانيات المادية، خشية ان يؤدي نجاحها الى احداث ثورات ديمقراطية حقيقية في المنطقة ستحمل بالتأكيد اهدافا وطنية لا تنسجم مع السياسات الغربية او الاسرائيلية.
وهذا ما يبقي الخيارات الشعبية العربية ضيقة ومحاربة بشراسة، سرا وعلنا، من دول الغرب واسرائيل التي ستقف امام هذه الطموحات والنجاحات الشعبية العربية بكل شراسة من اجل افشالها واعادة الامور تحت سيطرتها. سيبقى هذا الصراع هو الامتحان الحقيقي للثورات الشعبية العربية العظيمة ومقياس نجاحها الحقيقي. فهل ستنجح في هذا التحدي وتتجـــــنب الخيار العـــــراقي الذي لم ينتج عنه احتلال بغيض فقط وانما تدمير للمجتمع وللدولة والسيادة بصورة كاملة، ام انها ستستمر في مسارها الصحيح من اجل مستقبل افضل؟
 

القدس العربي
* اكاديمي عراقي

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا