<%@ Language=JavaScript %>
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الصين القومية حيث تحولت الماوية إلى ذكرى

 

 

 رغيد الصلح

 

يحتفل الحزب الشيوعي الصيني اليوم بعيد ميلاده التسعين وسط حملة تنظمها قيادة الحزب من أجل إعادة ترسيخ التزامه والتزام أعضائه البالغ عددهم ما يفوق الثلاثين مليون صيني وصينية بالمبادئ التي أسس عليها في شنغهاي عام 1921 . وتؤكد الحملة التعبوية بصورة خاصة الولاء للماوية كمدرسة فكرية على مفهوم الثورة الدائمة، ومحاربة كل التناقضات الدينية والعرقية والقومية التي تزرع الشقاق والحروب بين البشر وتوطد للاستغلال وللهيمنة .

 

ورغم اتساع نطاق هذه الحملة، فإن المعتقد أن نتائجها لن تتجاوز إعادة تجديد الولاء إلى شخص ماو كأعظم وأهم قائد في تاريخ الصين الحديث . ما عدا ذلك فإن هناك شبه إجماع على أن الحزب الشيوعي الصيني قد تغير كثيراً عبر السنوات التسعين . لقد تغيرت نظرة الحزب إلى أشياء كثيرة وخاصة إلى القومية . بلغ التغيير في النظرة إلى المسألة القومية حداً جعل هنري كيسنغر يقول في كتابه الأخير “حول الصين” إنه بعد 1989 وانتهاء الحرب الباردة، “أصبحت سياسة الصين الخارجية أقرب إلى سياسة بسمارك منها إلى سياسة ماو” .

 

ويؤكد منظرون للحزب الشيوعي الصيني هذا التغيير وتسرب النظرة القومية إلى مواقف الحزب وسياساته عبر الإشارات المتكررة إلى “خصوصية” التجربة الصينية وفرادتها . في هذا السياق يعتبر كيو يانبنغ، أحد مفكري الحزب البارزين “أنه لم يعد مقبولاً بالنسبة إلى قوة كبرى تصعد سلم السياسة الدولية بسرعة ألا تكون لديها نظرية في العلاقات الدولية” .

 

ويسعى جاو تنغيانغ، وهو مفكر صيني آخر تأثر به هو جنتاو، زعيم الحزب الشيوعي الحالي، إلى سد هذا النقص في الفكر السياسي الصيني عبر مفهوم “تيانكسيا” . ويستمد هذا المفهوم من التاريخ الصيني القديم ومن التعاليم الكونفوشية . ويصف المفهوم العلاقات بين دولة صغيرة محدودة القوة ولكنها تشكل قدوة لغيرها من حيث تمثلها للقيم الأخلاقية في سياساتها الخارجية، وبين الدول الأخرى التي تمحض هذه الدولة احترامها وتتبعها وتتمثل بها . وينفي جاو المعروف باتجاهه الليبرالي والإنساني، أن تكون “تيانكسيا” دعوة إلى التراتبية في العلاقات الدولية . بالعكس إنها دعوة إلى المساواة بين الدول، وإلى الترابط الطوعي في ما بينها طالما أن الدولة الأكثر نفوذاً هي الأقل قوة والأصغر حجماً .

 

ويعتبر جنغ وي، وهو مفكر صيني ثالث أصدر أخيراً كتاباً بعنوان “صعود الدولة الحضارية” أن الصين مؤهلة للاضطلاع بهذا الدور الذي رسمه جاو لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي “تمكنت من الجمع بين حضارة عريقة من جهة، وبين دولة حديثة ضخمة وقوية”، من جهة أخرى . هذه الدولة هي الأكثر جدارة بالوقوف في وجه الهيمنة الأمريكية، وربما إنهاء نظام الهيمنة كلياً .

 

هذه النظريات والمواقف لا تنفي الأساس القومي الذي يقف عليه النظام الدولي الحالي . إنها تقر- كما يقر زعماء ومفكرو الغرب- أن العلاقات الدولية هي علاقات بين دول قومية . ولكن زعماء الصين ومفكريها يعتقدون أن القومية الصينية لن تكون مثل غيرها من القوميات التي انتشرت في الغرب، والتي انتهت إلى التحول إلى مصنع ومصدر للإمبريالية ولاستغلال الأمم القوية للشعوب الضعيفة . فالعلاقات بين الدول في إطار النظام الدولي الذي شيده الغرب قامت أساساً على موازين القوى وعلى المصالح البحتة والأنانية لهذه الدول، أما النظام الدولي الذي تطمح الصين إليه وإلى المشاركة في بنائه فهو قائم على المساواة بين الأمم .

 

ولئن كانت المساواة لا تلغي التراتبية حيث إن المساواة لا تلغي التفاوت بين قدرات الشعوب والدول، فإن التراتبية، في المفهوم الصيني المقترح، لا تقوم على أساس القوة العسكرية، بل على الاحتكام إلى القيم الأخلاقية وتقديمها على أي عنصر آخر في تقييم وتحديد مكانة الدول في الهيكل الدولي . في ظل المفاهيم المتداولة في الصين سوف تقدم “القوة اللينة” على القوة العسكرية . ولكن هل تنفع هذه الوعود والتمنيات رغم صدقها؟ هل من ضمانة أن تكون القوة الصينية الصاعدة المؤهلة لاحتلال مركز القوة الأولى في العالم ملتزمة بمقاييس العدالة وأن تسترشد بالقيم الإنسانية؟

 

عندما يراجع المرء تاريخ صعود القوى الجديدة في العالم، فإنه سوف يلاحظ أن كلاً منها حمل معه الرسالة نفسها . فالإمبرياليات الأوروبية بدأت رحلة الهيمنة بالحديث عن الرسالة التمدينية التي ألقيت على عاتقها . والولايات المتحدة بدأت رحلتها إلى الهيمنة بتقديم مشروع وودرو ويلسون حول الحق في تقرير المصير والقوميات كأوراق اعتماد إلى المجتمع الدولي . فهل تكون الصين شيئاً مختلفاً عن هذه الشعوب والأمم؟

 

أجاب لي جاوكسينغ وزير خارجية الصين عن هذا السؤال في مؤتمر لدول جنوب شرق آسيا انعقد خلال العام الفائت، إذ خاطب أقرانه الوزراء قائلاً: “إن الصين دولة كبيرة بينما الدول الأخرى هي دول صغيرة . وهذه من الحقائق الثابتة” . هذه الحقائق الثابتة سوف يترتب عليها نتائج مؤكدة، طال الزمن أم قصر . أي أن الدولة العظمى سوف تنساق إلى الاضطلاع بدور مهيمن . الخيار الأفضل للشعوب والأمم التي تشكو من هذه الظاهرة هو أن تتجمع في تكتلات إقليمية وأن تعمل في الوقت نفسه على ترسيخ المنظمات الدولية . ما يحصل اليوم هو عكس المطلوب، أي أننا نرى أن الأقوياء والكبار هم الذين يتجمعون في منظمات دولية (الاتحاد الأوروبي، بريكس)، أما الشعوب الصغيرة فإنها تزداد تفككاً وتشرذماً كما هو حال الأمة العربية ومنظماتها الإقليمية .

 

دار الخليج 1/7/2011

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا