<%@ Language=JavaScript %>  محمد نور الدين تركيا وسؤال الهوية المزمن
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

تركيا وسؤال الهوية المزمن

 

 

محمد نور الدين

 

لا تنفصل السياسة الخارجية لأي بلد عن سؤال الهوية . عندما تحدد هويتك بدقة لا تجد صعوبة في تحديد خياراتك الخارجية . إحدى مشكلات السياسات الخارجية لتركيا منذ ثمانين سنة أنها لم تنطلق من هوية محددة .

هل نحن إسلاميون؟ هل نحن غربيون؟ هل نحن جزء من العالم التركي؟ أم نحن غير ذلك؟ أم خلطة من كل هذه العوالم؟

ليس من مجتمع في العالم مر باختبار تعدد الهوية مثل المجتمع التركي . الهوية العثمانية المعطوفة على ثقافة اسلامية سادت 600 سنة، ثم جاء أتاتورك بثقافة الحضارة الأوروبية، أو ما اعتقد أنها الحضارة الأوروبية، من استبدال الطربوش بالقبعة إلى تغيير الأبجدية .

في الهوية الأولى كانت أوروبا هي الآخر والعدو بالنسبة إلى تركيا . في الهوية الثانية كان العالم الإسلامي هو الآخر بالنسبة إلى تركيا .

الهوية الثانية امتدت على حقبتي أتاتورك والحرب الباردة: اعتراف ب”إسرائيل”، عضوية في الناتو، معارضة لكل حركات التحرر العربية .

بين هذه وتلك جاءت عثمانية طورغوت أوزال لترسم حدوداً جديدة للهوية من الأدرياتيك إلى سور الصين .

بعد ذلك جاءت الهوية الثالثة او الرابعة مع حزب العدالة والتنمية: “خلطة” من كل الهويات السابقة . تعبيرات هذه الهوية في السياسة الخارجية تجلت في عنوان مركزي هو “تعدد الأبعاد” . تركيا ليست ذات بعد واحد بل متعددة الأبعاد، جغرافياً وثقافياً، وعملت تركيا على ترجمة هذه الأبعاد عبر عناوين فرعية أبرزها “تصفير المشكلات” .

كان الرهان كبيراً والتحدي غير مسبوق . استمر ذلك عدة سنوات . لكنه في لحظة ما ومكان ما، كان لابد لهذه الخلطة ان تفشل في الجمع بين النار والماء . لا يمكن أن تكون جزءاً بنيويا في الناتو وفي الوقت نفسه حليفاً لإيران، وأن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي فيما تصف الحضارة البيزنطية المسيحية بالحضارة السوداء، وأن تكون مع الديمقراطية في سوريا وتحجبها عن فئات كبيرة داخل تركيا نفسها . وأن ترفع شعار العلمانية نظرياً فيما هو لا يمارس عملياً على أرض الواقع .

كان رهاناً . لكنه كان أشبه ما يكون بلحظة يتحتم فيها اصطدام الصفائح الجوفية من الكرة الأرضية فيحصل الزلزال على سطحها . لم يكن ممكناً في عالم تصطرع فيه الهويات والخيارات والأدوار الاستمرار في “خلطة” الهوية الجديدة . كان لابد للزلزال أن يأتي ويسقط حجارات الخلطة واحداً تلو الآخر .

قلنا في مقالة سابقة إن تركيا عادت إلى صورة البلد “المحاط بالأعداء” والبلد الذي يلوّح ب”القوة الخشنة” مع قبرص و”إسرائيل” وسوريا وحتى مع إيران وينظر اليه بريبة معظم الجوار، وتحول العنوان الأشهر “تصفير المشكلات” إلى “تصفير للثقة” .

خسرت تركيا شركاء محتملين في المنطقة وفي الوقت نفسه لا يمكن القول إنها تربح من الربيع العربي . لا يمكن أن تعرف أنك تربح أو تخسر قبل أن تتبلور صورة الأنظمة الجديدة وخياراتها الاستراتيجية . الديمقراطية وحدها ليست معياراً في الموقف من الثورات العربية . كما أن الديمقراطية ليست معياراً لتكون الخيارات الاستراتيجية الجديدة لدول الربيع العربي هي مع تركيا أو ضدها أو مع تلك الدولة أو ضدها .

الديمقراطية ليست الأساس في العلاقات والأخلاقيات الدولية بل المصالح، وفي الصداقات ليست الديمقراطية أيضاً هي المعيار، العدالة هي الأساس .

أليس الغرب الديمقراطي هو الحاضن الأول للأنظمة الدكتاتورية في العالم . من كان يدعم حسني مبارك وزين العابدين بن علي؟ ومن كان يتواطأ مع معمر القذافي؟ أليس الغرب الديمقراطي هو الحاضنة والشريك بل الخالق لأكبر دولة عنصرية وإرهابية ودينية واحتلالية في العالم أي “إسرائيل”؟

عندنا في لبنان رئيس حكومة سابق (سليم الحص) يردد مقولة مشهورة وهي أنه عندما تقول أمريكا يعني “إسرائيل” وعندما تقول “إسرائيل” يعني أمريكا .

اللعبة مكشوفة وواضحة إلى هذا الحد . وتركيا ليست استثناء في لعبة الأمم والمعايير .

لا أعتقد أن خسارات تركيا تتعلق بآليات الدور الذي تريده تركيا في محيطاتها الإقليمية . المشكلة هي أن تركيا، رغم كل الصورة التي تُعطى لها في الغرب بأنها اسلامية أو عثمانية، لاتزال تعاني من مأزق تحديد هويتها . لا يمكن للمجتمعات أن تكون لها هويتان فكيف بثلاث أو أكثر . مع الإشارة، ومنعاً لأي التباس أو تفسير خاطئ، بأن الانتماء لهوية واحدة لا يعني القطيعة مع الآخر أو العداء والدخول في حروب ومواجهات أبداً .

وحدها الهوية ترسم الدور، وارتباك تركيا وخساراتها في الأشهر الأخيرة لا يعود بالدرجة الأولى إلى خلل في آليات تطبيق الدور بل في أن الدور يفتقد لهوية حضارية واضحة وحاسمة سواء في هذا الاتجاه أو ذاك .

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا