<%@ Language=JavaScript %> معتصم حمادة "عن الرباعية".. وسياساتها
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

"عن الرباعية".. وسياساتها

 

معتصم حمادة

 

حسناً فعلت اللجنة الرباعية، على لسان ممثلها، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، حين انتقدت القرار الإسرائيلي بحجز أموال الضرائب الجمركية، على المعابر، ومنع وصولها إلى خزينة السلطة الفلسطينية، في سياق الرد على توقيع الأطراف الفلسطينية اتفاق المصالحة في القاهرة.

وكما هو معروف، فإن المعابر إلى مناطق السلطة الفلسطينية ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية. وأن سلطات الاحتلال، وبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي، تفرض على البضائع إلى مناطق السلطة ضرائب جمركية، تساوي إلى حد كبير الضرائب المفروضة على البضائع إلى المناطق الإسرائيلية، وبحيث تتساوى الأسعار بين مناطق السلطة والمناطق الإسرائيلية، بذريعة منع تهريب البضائع الخاصة بالفلسطينيين إلى إسرائيل. هذا النظام وضع على حساب المستهلك الفلسطيني، حيث أن الدخل في المناطق الفلسطينية أقل منه في إسرائيل، ومع ذلك فالأسعار شبه متساوية.

وبدلاً من أن تتعامل سلطات الاحتلال مع البروتوكولات والاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، باعتبارها خطوة نحو "السلام"، الذي يكثر الإسرائيليون الحديث عنه، تراها تتعامل مع هذه الاتفاقات باعتبارها سلاحاً بين يديها، تلجأ إلى استعماله كلما أرادت أن "تعاقب" السلطة الفلسطينية على بعض المواقف التي لا ترضي الجانب الإسرائيلي، فتعطل العمل ببعض هذه الاتفاقات أو البروتوكولات، للضغط على السلطة لتتراجع عن تلك المواقف التي أثارت "غضب" الإسرائيليين.

ولعل الفترة الأطول التي لجأت فيها سلطات الاحتلال إلى "فرض عقوبات" على السلطة الفلسطينية، من خلال تعطيل العمل بالاتفاقات الموقعة، كانت إبان الانتفاضة الثانية التي اندلعت بعد وصول مفاوضات كامب ديفيد الثانية (تموز 2000) إلى الطريق المسدود. يومها حجزت إسرائيل ملايين الدولارات الخاصة بالفلسطينيين من جباية الضرائب على المعابر، ولم تحولها إلى الخزينة الفلسطينية.

هذه المرة أغضبت المصالحة الفلسطينية حكومة نتنياهو، في تناقض غريب في مواقف المفاوض الإسرائيلي، الذي لم يكشف عن التشكيك بتمثيل الرئيس محمود عباس للفلسطينيين، وقدرته على الالتزام باتفاقات "السلام"، في إشارة إلى انشقاق حركة حماس وتفردها بالسيطرة على قطاع غزة. حتى أن حكومة أولمرت، أصرت على أن تدون في تفاهمات أنابوليس مع عباس بنداً يؤكد على تعليق العمل بأي اتفاق يتم التوصل إليه "إلى حين أن يسترد الرئيس عباس سيطرته على قطاع غزة". ها هي ورقة المصالحة تفتح الطريق لاستعادة وحدة المؤسسات الفلسطينية بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وها هي حكومة نتنياهو تعلن "غضبها"، وتفرض "عقوبتها" على السلطة، فتحجز عنها أموال الضرائب على المعابر. وهو ما دفع بلير إلى انتقاد هذا السلوك والطلب إلى حكومة نتنياهو التراجع عنه.

***

الموقف الإيجابي الذي اتخذته اللجنة الرباعية، على لسان ممثلها توني بلير، لا يلغي سياسة الكيل بمكيالين، في تعاملها مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وفي هذا السياق يمكن إيراد العشرات من الأمثلة. لعل أهمها:

·                     حين نجحت حركة حما س في الانتخابات التشريعية عام 2006، وتولت تشكيل الحكومة الفلسطينية، اتخذت اللجنة الرباعية، وبضغط أميركي (وإسرائيلي) فاقع قراراً بوقف تحويل أموال المانحين إلى السلطة الفلسطينية بذريعة منع وصول هذه الأموال إلى يد "الإرهاب" الفلسطيني. وهو ما اضطر السلطة الفلسطينية إلى اللجوء إلى صيغ مختلفة للحصول على المال، كإحالة أموال المانحين إلى الدائرة الاقتصادية في م.ت.ف، وبحيث يتولى الرئيس عباس، بصفته رئيساً للجنة التنفيذية في م.ت.ف تحويل دفعات من المال إلى حكومة السلطة (بضمان منه ألا يتحول هذا المال إلى عمل "إرهابي") وأن يقدم بالمقابل، إلى الجهات المانحة كشوفات بالمصاريف، بحيث تتأكد هذه الجهات من "حسن صرف أموالها" الممنوحة إلى السلطة. في إجراء فيه من الإذلال (للفلسطينيين) والاستكبار (من طرف المانحين)ما يمس إلى حد بعيد الكرامة الوطنية الفلسطينية. حتى أن جامعة الدول العربية لم تجد وسيلة تحول فيها أموال المساعدة العربية إلى مناطق السلطة إلا عبر الشبكة المصرفية التي نشرتها اللجنة الرباعية حول مناطق السلطة لاصطياد المال المحول إلى هذه المناطق وفرض الرقابة عليه، بذريعة عدم تحوله إلى "عمل إرهابي".

·                     مثال آخر. رغم أن المجتمع الدولي، في قراراته، أكد أن الاستيطان عمل غير قانوني، وانتهاك للقانون الدولي؛ فإن اللجنة الرباعية لم تستند إلى هذه القرارات لإلزام الجانب الإسرائيلي بالتوقف عن الاستيطان. صحيح أن اللجنة الرباعية أصدرت في آذار (مارس) من العام الماضي بياناً واضحاً وصريحاً، يدعو إسرائيل إلى التوقف عن الاستيطان، كواحد من متطلبات استئناف العملية التفاوضية، لكن الصحيح أيضاً أن هذه اللجنة سرعان ما تراجعت عن وضوحها هذا في بياناتها اللاحقة خاصة في دعوتها الأطراف المتفاوضة إلى استئناف العملية التفاوضية في أيلول من العام نفسه. وصحيح أيضاً أن موقف اللجنة الرباعية بقي في إطاره اللفظي في انتقاد الاستيطان والمطالبة بوقفه،دون أن تتقدم خطوة واحدة على طريق اتخاذ إجراء عملي يلزم إسرائيل بموقف اللجنة الرباعية. فبقي الموقف يكرر نفسه، ثم تلاشى هذا الموقف، مع تراجع "الراعي" الأميركي عن اعتباره الاستيطان عملاً غير شرعي، والتراجع عن اعتباره واحداً من متطلبات استئناف العملية التفاوضية.

 ذيلية مواقف اللجنة الرباعية للسياسات الأميركية لم تقف فقط عند حدود الموقف من الاستيطان، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين صار قرار انعقاد اجتماعات اللجنة الرباعية رهناً بالمواقف الأميركية. والدليل على ذلك أن اللجنة الرباعية، عطلت، مؤخراً، اجتماعاتها، لمرتين على التوالي، بناء على قرار أميركي، علما  أن الأزمة التفاوضية، وبسبب من تواصل الاستيطان، تتطلب أكثر من أي وقت مضى أن تتحرك اللجنة الرباعية، وأن تتحمل مسؤولياتها. المفارقة اللافتة للنظر أن اللجنة الرباعية تغيب عن مسرح الأحداث والفعل حين تحتاجها العملية التفاوضية وبحيث يمكن للبعض أن يتهم اللجنة الرباعية أنها تحولت إلى مجرد أداة بيد الراعي الأميركي يتلاعب بها وببياناتها وقراراتها كما يرغب وكما يشاء، وبما يخدم الجانب الإسرائيلي دون غيره.

 ***

هذا الانتقاد لسياسات اللجنة الرباعية، لا ينتهي، بالطبع، إلى المطالبة بإلغاء اللجنة. بل يدعو، في السياق، إلى إعادة النظر بالسلوك الفلسطيني الذي يكفل وضع اللجنة أمام واقع جديد، يدفع بها إلى إعادة النظر بسياساتها لصالح سياسات بديلة متوازنة.

الجانب الفلسطيني المفاوض، وفي مواجهة الصلف الإسرائيلي، يتبع سياسات يحاول من خلالها على الدوام تأكيد حسن نواياه، وتأكيد التزامه بالاتفاقات الموقعة، وكأنه يشعر بعقدة الذنب، وكأنه يشعر بأنه متهم، وأن عليه أن يثبت براءته. علماً أن إسرائيل هي التي تحتل الأرض الفلسطينية، وهي التي تصادر الأرض الفلسطينية لتوسيع المستوطنات، وهي التي تعتقل الفلسطينيين، وتقتلهم، وتعطل سير حياتهم اليومي، وتمنع عليهم قيام دولة مستقلة واقتصاد وطني، وبالتالي أن يعيشوا بكرامتهم الوطنية والفردية. وبالتالي، بات على القيادة الفلسطينية- خاصة بعد أن بدأت مسيرة استعادة الوحدة الداخلية- أن تعيد النظر بسياساتها إزاء اللجنة الرباعية، وأن تضع هذه اللجنة أمام واجباتها، مدركين تماماً أن هذه اللجنة تعكس توازنات في العلاقات الدولية ( الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا الاتحادية، والأمانة العامة للأمم المتحدة). ومدركين في الوقت نفسه أن التوازنات الدولية لا تكون دائماً لصالح الجانب الأميركي. فثمة متغيرات في العالم، وفي المنطقة العربية خاصة، تجاوزت التوقعات والرغبات الأميركية، بل فاجأت الإدارة الأميركية، وبات على الفلسطينيين أن يركبوا قطار التغيير الذي انطلق في المنطقة العربية وأن يضعوا حداً لسياسة انتظار من يدعوهم ويمسك بيدهم لركوب هذا القطار.

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا