<%@ Language=JavaScript %> أ.د. محمد الدعمي محنة البعثيين العراقيين
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 


محنة البعثيين العراقيين

 

 

أ.د. محمد الدعمي


(2)

 

تبلورت محنة البعثيين العراقيين في اللحظة التي دخل فيها الأميركان، الذين دفعوا بالبعثيين إلى السلطة سنة 1963 (حسب إعلانات لأمين سر الحزب علي صالح السعدي والمغفور له الملك حسين)، إذ وجدوا أنفسهم بين هذه المطرقة الثقيلة من ناحية، وبين سندان الشعب الغاضب الذي اذاقوه مر العذاب والقحط والحروب والحرمان والتمييز. ومرة ثانية، سقط الرفاق في خيال جديد مفاده البحث عن ملجأ لهم في قلعة البعث بسوريا، بينما توجه البعض الآخر من أصحاب الؤهلات الوظيفية للعمل في اليمن. المفارقة تكمن في أنهم عندما توجهوا إلى الشقيقة سوريا نسوا انهم كانوا يعدون رفاقهم البعثيين السوريين ألد أعدائهم حتى سنوات قليلة مضت، والأنكى أن من بين من وجد ملاذاً في سوريا هم بعض من ضباط المخابرات والأمن والإستخبارات الذين كانوا حينذاك يشرفون على إعداد السيارات والشاحنات المفخخة المرسلة إلى المدن السورية، إضافة إلى مثابرتهم على تشويه الطبقة الحاكمة في دمشق عبر الإعلام وإرسال الكتب الغامضة المصدر إلى العوائل العراقية.
وهكذا عاد المناضلون "الأشاوس" أدراجهم، أي إلى مقاهي دمشق حيث تأسس الحزب سنة 1948، فأخذت هذه المقاهي "تعلكهم" و تلوكهم على أنغام ورنات أقداح الشاي العراقي الثقيل وتحت سحب دخان النارجيلات وهم يحيون تيارات الوعي المرتدة إلى الماضي، ليس في تجربة ذكية لممارسة النقد الذاتي وشجاعة تصحيح أخطاء الماضي، وإنما في تجربة لإجترار الأحقاد والإتهامات البينية التي لم تجد نهاية لنفسها إلا بالإنشطار الأول لحزب البعث، إذ راح "الخوارج" الجدد يدعون أنهم يمثلون القيادة الشرعية، بينما راحت الكوادر القديمة التي ترادفت مع سود السنين والحروب تدعي الشرعية لنفسها من أجل قيادة الحزب.
وإذا لم يستفد الرفاق من أمراض وإختلالات حزبهم عندما بقي في حكم العراق لأكثر من خمس وثلاثين سنة، فان قياداته سرعان ما استحضرت أمراضها الداخلية والوراثية ونظرتها الدونية للرفاق من البعثيين الشيعة الذين يمثلون سواداً أعظماً في تنظيمات الحزب، زيادة على أنهم المسؤولون عن تأسيس فرعه بالعراق! وهكذا بدأ البعثيون الشيعة يشعرون بالإغتراب الحزبي مضاعفاً خاصة بعد أن اتهمهم رفاقهم بـ"الصفوية"، كناية عن إنهم موالون لإيران ومؤيدون للسلطة الجديدة في العراق، ولكن في الخفاء.
وهكذا راحت الإنقسامات تتوالى تترى وعلى أسس طائفية ومدينية وشللية وعشائرية مجهرية، بينما راح التراشق بالأحذية و"المدس" إضافة للتنابز بالألقاب يهيمن على "الأجواء الرفاقية" الدرامية حتى أخذ البعثيون الذين وقعوا تحت خيال "إمكانية العودة" للسلطة، فأسسوا "حزب العودة"، يبيعون ما إشتروه من منازل وإقطاعيات عبر المناطق السياحية في سوريا كي يلتحقوا برفاقهم الأكثر إغتراباً من البعثيين الشيعة الذين قطعوا الأمل بالعودة إلى السلطة ومعه العودة إلى صفوف الحزب، فأخذوا يتزاحمون على الحدود الأردنية واللبنانية والتركية من أجل إيجاد منافذ جديدة لهم بعيداً عن ضجيج الإنقسامات الداخلية والتظاهرات اليومية في المدن السورية! وهنا كانت المحنة الحقة.. الإلتجاء إلى العدو اللدود السابق على أمل الحصول على الأمن والأمان، ثم إكتشاف حقائق تآكل الحزب عبر الإنقاسامات والتمييز الطائفي والعرقي، وهي الأمراض التي قادت إلى تسليمهم العراق للقوات الأجنبية عام 2003 بكل كفاءة وفاعلية وعنفوان وشموخ، إذا ما شئنا استخدام مفردات البعثيين المفضلة!

 

 

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
(جريدة الوطن - عمان 9/5/2011)

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا