<%@ Language=JavaScript %> ماجد السامرائي رشدي العامل شاعر رومانسي من عصر الحداثة!
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

رشدي العامل شاعر رومانسي من عصر الحداثة!

 

 

 

ماجد السامرائي

 

(صدرت في بغداد «المجموعة الشعرية الكاملة» للشاعر رشدي العامل، وتضم أعماله الشــــــعرية التي صدرت بين منتصف الخمسينيات وأواخر ثمانينيات القرن الماضي. هنا وقفة مع هذا الشاعر المتميز بين شعراءجيله، ومحاولة لقراءة أبرز خصائص قصيدته، الفنية والموضوعية...).
ينتمي الشاعر رشدي العامل (1934ـ 1990) الى جيل من الشعراء العراقيين عرف، بحسب تسمية البعض له، باسم «الجيل الضائع».. ومصدر التسمية يعود الى أنه جيل ظهر في الحقبة الزمنية التي امتد فيها وجود «جيل الرواد» فاتسع أثرهم وتأثيرهم، سواء بما اوجدوا من «بناءات نظرية» لقصيدتهم، كانت بمثابة الكيان التأسيسي لها، أو في حضورهم الشعري الذي سيمتد بمديات من الاهتمام كادت تدفع الى الظل من ظهروا من بعدهم أواسط خمسينيات القرن العشرين.
وإذا كان هذا «الجيل الضائع» سيضم أسماء شعرية مهمة، مثل: سعدي يوسف، ويوسف الصائغ، ومحمود البريكان، ورشدي العامل.. فإن حضوره الشعري، وإن كان معلناً منذ الخمسينيات، لم يأخذ مداه الفعلي من الشهرة والاهتمام النقدي إلا في سنوات متأخرة من ذلك القرن. ويبدو أن إدراكه الحالة التي وجد نفسه أسيرها قد حال بينه وبين اتخاذ مساره الشعري الحقيق به، كما كان لجيل الرواد، فيقرأ تجديده الشعري بما له من أبعاد فنية وموضوعية، مع أن غير شاعر من هذا الجيل كان يمكن لشعره أن يكون ـ كما سيكون له من بعد ـ شعراً ذا مسار خاص به جيلاً، وإن لم ينفصل عن «نظرية الرواد» منهجاً شعرياً.
وإذا كان رشدي العامل، أكثر من أي شاعر آخر سواه من شعراء هذا الجيل، قد اقترن اسمه بالرومانسية: اتجاهاً فنياً، ومضامين شعرية، وأسلوباً تعبيرياً له لغته.. فإن «البواعث الرومانسية» في قصيدته لم تكن بواعث تقليد لذلك التيارـ الاتجاه المؤثر في الشعر العربي الحديث، وإنما سيجمع في تجربته الشعرية بين: حياته، في ما له منها من بعد ذاتي، وأبعاد وجوده الاجتماعي الحامل لفكرة التغيير.. فكانت نظرته الى الفن الشعري نظرة جمالية لها بعدها الموضوعي، الذي يشدد على الارتباط بين «الذات» تكوينا،ً ذا اندفاعات بالغة الحيوية، والعالم بوصفه وجوداً يتسع لحياة أكبر وأوسع وأكثر شمولاً. وهذا ما جعل عملية «الخلق الشعري» عنده تجمع بين الذات، في ما لها من حرية التعبير عن نفسها، والواقع، بما يجمع من عناصر الصراع من أجل القيم الانسانية الكبرى.
وهكذا امتدت «موضوعاته الرومانسية» لتحتضن «البعد الفكري» المؤطر لحياته، والذي سيجعل من قصيدته «سبيكة» قوية التكوين.. فإذا نحن أمام قصيدة تأخذ نفسها بغير يسير من القيم الشعرية الجديدة، فضلاً عن ذلك الروح الرومانسي الذي لم ينكره على نفسه. (فيوم كتبت عنه واسماً شعره بسمة الرومانسية، كتب رداً قال فيه: «نعم.. أنا شاعر رومانسي».. موضحاً أن القصيدة «تتحكم بي الى درجة العذاب، تمزقني، تفري عروقي، وأحياناً تنعطف إليّ، فأحبها في الحالين»..).
غير أن هذا التوجه سيجعل رشدي الشاعر هو نفسه، في شعره الأول كما هو في شعره الأخير، وإن بتطورات نسبية في الرؤية ولغة التعبير. أما بناء القصيدة عنده فيكاد أن يكون هو ذاته، بغنائيته التي جمعت بين «موسيقى الشكل» الشعري و«موسيقى اللغة». فالنظرة الى الواقع تكاد تكون ذاتها، مع تنــامي الاحساس بثقله، والسبيل فيه هي السبيل: محفوفة بالشقاء، ومكتنزة.
بالحرمان، مع شعور بالغربة، وإحساس بالوحدة سيلحق بها تالياً. أما الأماني فهي «حلم طاف ما بين أهدابه» وتمنى لو يطول.. ليظل، في الآخر، مدركاً «أن الكلمات لا تخلق إلا الكلمات»، فتدفعه هذه «الحقيقة» الى التساؤل، وهو يفتح الكتاب: «من يمنح الأسئلة الجواب»؟
المرأة
أما النظرة الى المرأة فلم تختلف عنده جوهراً.. فمرة يجد وجهها هو ما يسحره، ويجدها في أخرى تهزمه (لا أذكر، إلا أن امرأة هزمتني).. وهي، مع ذلك، تشاركه الغربة (أو احساسها، كما يفترض):
«غرباء نحن ياسيدتي/ عرفت كل المتاهات خطانا»
وفي هذا يدعوها الى أن تشد يديها على جرحه (فتكون عوناً ونصيراً). إلا أنه في مفارقة حياة أخرى يقول: «مجنون من يحسب أن امرأة تعشقه وحده».
أما الحزن فيكاد يكون الملازم الأكثر تشبثاً بمشاعره، لنجده يرسل القول وكأن في قلبه، أو في روحه، شوكة منه تسلمه الى الوحدة:
«وحدي أذرع صمت الليل/ أشمّ الأرض/ أجوس الطرقات المهجورة»
ولكنه، مع هذا، يظل إنساناً «يرفع للعالم قلبه».. فـ«يصنع الحلم» حين يعز هذا الحلم واقعاً.
ومع أن الجانب الأعظم من شعره تعبير عن «الوجدان العاطفي» (وكأنه يؤكد مقولة أحد الرومانسيين العرب: «إن الشعر وجدان»...)، إلا أنه لم يكن متنافياً مع فكرة «الوظيفة الاجتماعية للفن». كان شاعراً رومانسياً، ولكنه في غير قليل من شعره كان يتحول بهذه الرومانسية من واقعها الذي ضبطها تعريفاً، في الشعر بوجه خاص، الى أفق آخر ذي نبرة ثورية هي، في حقيقتها، جزء من البناء الذاتي الخاص للشاعر. فقد كانت ميوله الذاتية، في بعديها العاطفي والواقعي، ميولاً واعية، لنجده في رومانسيته، وما يعتمد لها من أساس تعبيري، يؤكد ما كان يهمه تأكيده في المسار الشعري الذي اتخذ، وهو المزاوجة بين الرومانسية لغة تعبير، وصورة الواقع ـ التي أخذت عنده تشكلات تنتمي الى موقف، وتصدر عن هذا الموقف.. وكانت غنائيته بمثابة نفوذ في عمق هذا الواقع، ليكون الشعر ذا دور تأسيسي لشكل من أشكال الوعي بالواقع.
إلا أن هذا التوجه لم ينف طابع «التوهم»من قصيدته، كما نجد التمثيل على ذلك في قصيدة تحمل عنوان «أسئلة»:
«قالت: / ماذا تفعلُ لو غبت الآن؟ / فقالَ: أحدّقُ في كل نجوم الليلِ،
وحين أشاهدُ أحلى نجمة صبحٍ، / تومض في الفجر، أراكِ...
قالت: / ماذا تفعل لو رحلتْ قدمايَ، / الى مدن لا تعرفها عيناك؟
قال: أشدّ جبيني، /أرحلُ في كل زوايا مدن الأرض،
وأبحرُ في كل بحار الدنيا / كل سنين العمرِ،/ وفي ذات صباح،
أفتح عينيَّ، فألقاكِ.
ضحكت عيناها، همستْ: / ماذا تفعل لو متّ الآن؟ / ارتجفت شفتاه،
وضمَّ الى كفيه ضفيرتها السوداء / غمغم: ألثم كفيكِ الذابلتين،
وأترك في الإصبع خاتمَ حبّ / أغرز في شعركِ سوسنةً بيضاءْ
أغمضُ عينيكِ، / وأرحلُ، أرقب موعدنا / بين الفجر القادمِ والظلماءْ».
ويظل حضوره معقوداً بين التوهم والرجاء، إذ يقول في قصيدة أخرى:
«وحيداً، كالظلّ، / خفيفاً كالظل، /قريباً كالظل،/ بعيداً كالظل أتيت الى الصحراء
أنتِ الواحةُ والماء / والخبزَ ندياً، / والرملَ وساداً / لعيوني في الظلماء».
وتتلاحق تداعيات هذا المعنى في قصائد أخرى، ليقول في واحدة من قصائده الأخيرة، وقد اقترب من الحقيقة أكثر:
«حلمٌ مرّ رفيقاً وانثنى / مثلما أقبلَ، /أدناهُ قصيٌّ / قد دعوناه. فما ردّ الصدى»
الاغتراب
ونعود الى رومانسيته: فكما عدّ شعراء الرومانسية، ونقادها، اتجاههم هذا منطلقاً لفن أصيل، وأساساً لنظرية جديدة في الأدب والفن (وهي التي مارست تأثيراً كبيراً في بناء النظرية الأدبية والإبداعية الجديدة، فاتحة الطريق للحداثة، في الشعر بخاصة)، فإنها كانت، بالنسبة لشاعرنا، خاصية إبداعية مميزة، فنياً وموضوعياً، لكتابة شعرية إذا كان «الحلم» و«الوهم» مدارها في جانب، فإن «الحقيقة الانسانية» هي مدارها في الجانب الآخر. ومن هنا جاء تأكيده على عنصرين شعريين جعل لهما دورهما الأساسي في بناء قصيدته، فناً وموضوعاً، وهما: عنصر المضمون واضح التوجه، والإغناء للقيمة الفنية للقصيدة.. وعنصر الأسلوب في عملية البناء الشعري.
ونجد في أعماله الشعرية الأخيرة حساً اغترابياً. فديوانه «هجرة الألوان» حملت بعض قصائده مثل هذا الحس الاغترابي، الذي سيتجلى على نحو أكثر وضوحاً في ديوانه الآخر «حديقة علي» الذي نجد فيه بعداً آخر لهذا الاغتراب ناجماً عن الغربة التي صار يشعر بها مع اغتراب ابنه (علي)، تاركاً له حديقته التي ستمثل له اغتراباً من نوع آخر.
وكان الشاعر يعي اغترابه هذا، ويدرك مدياته، لذلك لم يدع له المجال مفتوحاً الى عقله وروحه فيستبد به كلياً. كان يخرج عليه بالعودة الى الواقع، أو لنقل، بتعبير أدق: الى «ذاته الواقعية».. فهو هنا بين احساس الذات، وزاوية الرؤية، وشمول الموقف.. وقد جاءت جميعها نتاجاً لمعاناته ومخاضات آلامه.
وفي هذا السياق نجده في سنواته الأخيرة كمن كان يعمل، بوضوح وإدراك، على»تخدير»مشاعر العزلة وإحساساتها لديه بوسيلتين، إحداهما الشعر ـ الذي أضحت كتابته بالنسبة له محاولة لهدم جدار العزلة وكسر حاجز الاغتراب من خلال عملية «الادراك الواعي» للحياة، والتعبير عن إحساساته المتنافرة بها، وإزاءها (ما بين الحب وإحساس الألفة، وبين التئام العالم في نفسه وتبدده أمام عينيه...) والثانية الركون الى الوحدة، التي نجد الكثير من ارتداداتها واضحة الأصداء في شعره الأخير بوجه خاص. وهذا ما يدفعنا الى القول: إن مقياس الشعر عنده كان مقياساً شاملاً.. فهو، من جانب، وسيلة لإدراك العالم، من دون أن تفقد القصيدة ـ وهذا هو الجانب الثاني ـ خصائصها الفنية، حيث نجده يركز بشكل واضح على بناء الشكل، واعتماد الأسلوب الشعري الدال على شخصيته الفنية، والعناية بـ«معجمه اللغوي»، الذي هو «معجم رومانسي» بخصائصه ومفرداته، وكل ما له منه من آفاق القول ـ كما في واحدة من قصائد سنواته الأخيرة:
«أتعبتني يا أيها المتعبُ /فحيثما تذهبُ بي، / أذهبُ / أنت شراعٌ هائمٌ في الدجى
يطوي الليالي، / وأنا المركبُ / أتعبك البحرُ وأمواجهُ /لكن أحلامكَ لا تتعبُ
أودعك العالمُ أحزانه /وأنتَ لا تشكو، / ولا تنحبُ / كأن أحزانكَ أرجوحةٌ
راقصةٌ، في ظلها تلعبُ».
وإذا جاز أن نقول عن شاعر إنه، في شعره، لم يجتز عتبة أحلامه، وهي أحلام صغيرة، وطفولية الطابع، يصح أن نقول هذا عن رشدي العامل، الذي سيكتب في الأخير من أيامه عن تلك الأحلام بلغة حزينة التداعيات. فهو كما قال يوم وقف أمام موت شقيقه، الشاعر هو الآخر، معبراً عن ذاته هو أيضاً:
«أيقظ الليل حلمه فتناءى / بين أمواجه، ورفّت عيونه».
ولكنه حتى وهو يقف أمام الموت كان من أكبر المدافعين عن الحياة، حتى يوم فقد القدرة على العيش فيها كما يرجو ويرغب. ولكنه كان كمن يعلن عن قوة ذاته وهو يشاطر الآخرين بقاءهم، حتى حين يراهم وهم يندرجون في عالم الموت ـ كما في ذات قصـــيدة قالها في رفيق درب:
«أنت باقٍ، / خذ الأرض ملحاً، / خذ الناس ملحاً، / ومُتْ، راية في جبين الوطن».
(كاتب عراقي)

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا