<%@ Language=JavaScript %> د. لبيب قمحاوي من الوجدان إلى العقل : الإصلاح و التغيير
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

الأردن

 

من الوجدان إلى العقل : الإصلاح و التغيير

 

بقلم: د. لبيب قمحاوي

18-04-2011

lkamhawi@cessco.com.jo

 

      الشعب لا يرغب و لا يريد أن تتم ثورة الإصلاح و التغيير في الأردن من خلال مخاضٍ دامٍ على الطريقة الليبية أو اليمنية . فما دام سقف مطالب الإصلاح في الأردن ما زال ضمن إطار الشرعية الدستورية التي تنادي ببقاء نظام الحكم و لكن ضمن معادلة دستورية جديدة ، فإنّ عملية الشد العكسي التي يقوم بها النظام و مؤسساته تضحى غير لازمة و غير ضرورية بل و مُسْتَفِزّة كونها تهدف إلى حرمان الشعب من الوصول إلى أهدافه، و هي أهداف مشروعة و هادئة . إنّ استمرار النظام في عملية الشد العكسي قد يؤدي إلى تفاقم الأمور بشكل يخرجها عن إطار السيطرة ، كما تشهد مناطق أخرى مثل اليمن ، و التي دفعت قوى الشد العكسي المتبادل فيها إلى تصعيد شعارات الثورة و حصرها في كلمة واحدة غير قابلة للتفاوض و هي " إرْحَل " .

      لا يوجد ما هو أسهل من خلق الأعذار و المبررات لبقاء الوضع على ما هو عليه من فساد و عفن سياسي و مالي ، و استهتار واضح بالمواطن و آماله و أحلامه و مستقبله و مستقبل الأجيال الجديدة . الحرية تعادل الروح بل و الحياة نفسها . و لحظة الحقيقة قادمة ، و هي اللحظة التي ينتظرها الكثيرون . إنها اللحظة الفاصلة بين قبول واقع جديد أو رفضه . و كذا بالنسبة للحكام ، هي أيضاً لحظة الحقيقة ، إذا اغتنمها الحاكم أصبح حكيماً ، و إذا لم يغتنمها يكون قد سَطَّرَ نهايته بيده .

        يستطيع أي حاكم مستبد أن يُسَخِّر موارد الدولة كما يريد ، من أجل تعزيز حكمه بأي ثمن. وبهذا يحاول الحاكم أن يخلق لنفسه عالمَاً يعيش فيه بوهم أنه محبوب و أنّ شعبه يريده كما هو ، بِعَجَرِه و بَجَرِه ، حتى لو كان حاكماً ظالماً فاسداً أنانياً يعتبر أنه هو البداية و هو النهاية . و لكن هل يستطيع الوهم أن يهزم الحقيقة ؟ و لمصلحة من أن ينتصر الوهم على الحقيقة؟

       كل حاكم مطلق يرغب في أن يحكم إلى الأبد . و قد حَذرَنا التاريخ مراراً و تكراراً بأنّ شراء وهم القبول الشعبي من خلال دعم و تأييد كاذبين لن يؤدي ، في النهاية ، إلا إلى الكارثة . و استبدال حقيقة ثورة التغيير بوهم التأييد الكاذب و الفعل المضاد لن يجعل الحقيقة تختفي حتى لو تم استعمال الحديد و النار .

       الأردن هو احد دول المنطقة التي تصر على عدم استيعاب الدروس مما يجري حولها . و الأردن يحاول شراء الوقت و الالتفاف على مطالب الجماهير من خلال المماطلة و محاولة تسليم قيادة التغيير ، مع أنه تغيير شكلي ، لعناصر كانت قائدة و متنفذة في حقبة الفساد المالي و الاستبداد السياسي . و ما حكومة الأردن الحالية و لجنة الحوار الوطني إلا أمثلة على ذلك . إنّ فاقد الشيء لا يعطيه . وكثير ممن تمت تسميتهم لقيادة مرحلة التغيير إنما هم في الواقع جزء من المشكلة و من المستحيل أن يكونوا ، بالتالي ، جزءاً من الحل. إنّ مثل هذا الموقف يعكس إما جهلاً مطبقاً بديناميكية التغيير و عوامله ، أو استهتاراً مقصوداً بالناس و عقولهم .

       إنّ مصر و ثورة مصر ، كما تونس و ثورة تونس ، قد قدمتا الدليل الحي و الملموس بأنّ قادة حقبة الفساد المالي و السياسي لا يمكن أنْ يكونوا قادرين على قيادة حقبة التغيير و الإصلاح ، بل لا يجب السماح لهم بذلك . و على الأردن أنْ يتعظ من غيره عوضاَ عن الإصرار على تعلم دروسه على حسابه و بثمن قد يكون باهظاً . و على النظام أنْ يتعلم خطأ و ظلم ممارساته المعتادة و التي استندت إلى مبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا . و بالتالي ، من لم يكن مع النظام  فهو غير موجود حتى و لو كان مواطناً حياً يرزق . فالمُوَاطَنَةُ بالنسبة للنظام لا تكفي و الأساس هو الولاء الأعمى . مَنْ ذَاكَ الذي يستبدل المواطنة الحَقَه بالولاء الأعمى ؟ أمرٌ عجيبٌ و يدعو إلى الغضب . فالولاءُ هو للوطن . و كل من أحب الوطن و حَمَاهُ و خَدَمَهُ هو المواطن الحقيقي الذي يحق له التمتع بكافة الحقوق . اللهُ أكبرُ على كلِّ ظالمٍ . الولاءُ للوطن حتمي و لا خيار فيه ، و لكن الولاء للحاكم و نظام الحكم اختياري و هو جزء من العملية الديمقراطية . لكل مواطن الحق في المعارضة دون أن يؤدي ذلك إلى التشكيك في وطنيته أو مواطنته . لا ولاء أعمى لأي نظام بل تأييد أو معارضة طبقاً لسياسات هذا النظام أو ذَاكَ . أما أنْ ترتبط حقوقُ المواطنِ بولائه لنظام ما ، و ليس للوطن ، فهذا من سماتِ الأنظمةِ الديكتاتورية التي نحاربُ جميعاً الآن من أجل إسقاطها .

       و هنا تكمن الفلسفة الحقيقية في المطالبة بالتعديلات الدستورية في الأردن وذلك حتى يكون الملك فوق السياسة و المساءلة و المحاسبة و حتى تكون الحكومة هي المعرضة لكل ذلك، و حتى يكون موضوع الولاء بالتالي  محسوماً لصالح الوطن و تكون المعارضة حقاً دستورياً و لأي مواطن أن يمارس حقه الدستوري في أن يُسقِط هذه السياسة أو تلك من خلال العمل على إسقاط هذه الحكومة أو تلك .

       إنّ ممارسة الحكم و المساءلة و المحاسبة أمور لا يمكن الفصل بينها . و الكويت مثال على ذلك . فالأزمة النيابية المستفحلة في الكويت أساسها أنّ النظام الكويتي لا يريد لولي العهد،  وهو رئيس مجلس الوزراء ، أن يُسْتَجوَب من قبل مجلس الأمة ، و المجلس يُصِّرُ على حقه الدستوري في ذلك . و كان الخيار إما أنْ يُشكّل الحكومة شخص من خارج العائلة المالكة أو أنْ يخضع رئيس الحكومة ولي العهد للاستجواب و هذا ما كان . لا ممارسة للحكم دون مساءلة . مبدأٌ بسيط و لكنه حاسم و عادل و ديمقراطي .

       إنّ استمرار تعنت أي نظام حاكم ، و رفضه التعامل مع مطالب الإصلاح بصدق و جديّة، سيؤدي بالنتيجة إلى رفع سقف تلك المطالب بشكل قد يدفع الأمور باتجاه الحسم القاصم . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنّ الغضب و الإحباط الجماهيري من سياسات التجاهل قد يؤدي إلى تقوية يد بعض التنظيمات المتطرفة و يشجعها على محاولة ركوب الموجة و قيادة التحرك الجماهيري في اتجاهات أخرى لا يريدها أحد . إنّ مطالب الشعب ليست محصورة بالإصلاح السياسي و الاقتصادي كما يزعم الحكم في الأردن ، و لكنها أشمل من ذلك و تطالب بالإصلاح الدستوري و مكافحة الفساد و الفاسدين ، و وضع حد لاستفحال نفوذ و تَغوُّل الأجهزة الأمنية و تدخلها في حياة المواطنين . فالأنظمة الجائرة غالباً ما تلجأ إلى استعمال سلاح البطش و القهر كوسيلة لتطويع شعوبها . لكن سواء طال الزمان أم قصر ، فإنّ هذا الوضع يبقى مؤقتاً و يعتمد على قدرة هذا النظام أو ذاك على الاستمرار في قهر الشعب ، و على مدى استعداد الشعب لقبول مثل ذلك الظلم . و من أجل تحقيق ذلك ، حرصت تلك الأنظمة على تطوير أجهزتها الأمنية وإمدادها بعناصر القوة حتى أصبحت الدولة تجسيداً لذلك الواقع وبرز مفهوم الدولة الأمنية . لقد تصدت الثورة المصرية للمؤسسة الأمنية بشجاعة و ذكاء و أعطت الأولوية للقضاء على تلك المؤسسة الشرسة و الشريرة و التي كانت الذراع الضاربة لنظام فاسد استطاع تدمير أعظم و أعرق دولة عربية و تحويلها من قائدة للعالم العربي و أفريقيا إلى رجل المنطقة المريض و المستباح . و كباقي الدول العربية ، فإنّ الجهاز الأمني في الأردن قد اتخذ مساراً مشابهاً لباقي الأجهزة الأمنية العربية . لقد آن الأوان لأنْ يعود جهاز المخابرات العامة في الأردن إلى ممارسة دوره الأساسي و الطبيعي في حماية أمن الوطن عوضاً عن إدارة شؤون الوطن و التحكم في حياة المواطن كما هو عليه الحال الآن .

       الشعب يبقى و النظام الجائر يزول . أما الأنظمة التي تبقى فهي التي تعبّر عن شعوبها و تلتصق بها . فشرعية أي نظام لا يتم التعبير عنها من خلال قدرة النظام على البقاء و الاستمرار، و لكن من خلال القبول الشعبي الحر و قدرة النظام على التعبير عن الأماني الوطنية و الإرادة الحرة للشعب . و الأردن ليس بمعزل عن كل ذلك . فثورة الإصلاح قائمة و معادلة الإصلاح ما زالت بسيطة ، فإمّا أنْ يكسب الشعب و يكسب النظام ، أو أنْ يخسر الشعب و يخسر النظام . و حتى الآن لا أحد يريد أنْ يرى تغييراً على هذه المعادلة . 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا