<%@ Language=JavaScript %> خلفيات الفيتو الروسي - الصيني وتداعياته خليل حسين
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

خلفيات الفيتو الروسي - الصيني وتداعياته

 

 

خليل حسين *

 

 

وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمجلس الأمن يكفي اعتراض دولة دائمة واحدة لإجهاض صدور مشروع قرار في أمر معين، إلا أن اللافت هو اعتراض دولتين: روسيا والصين على مشروع قرار ضد سوريا على خلفية الأحداث الجارية . فما خلفيات الاعتراض المزدوج؟ وهل هي تعبير عن حالة خاصة بكلا البلدين أم لها ارتباطات أخرى متصلة بظروف النظام العالمي، وبخاصة البيئة المستعملة في إطار الأمم المتحدة بشكل خاص؟ أم لها حسابات إقليمية متصلة بإعادة رسم جغرافيا سياسية إقليمية ذات أبعاد إستراتيجية دولية أيضاً؟

أولاً إن الاعتراض المزدوج على قرار ما جرى التصويت عليه في مجلس الأمن ليس بسابقة، بل ثمة سوابق مماثلة وإن كانت قليلة نسبياً، ذلك يعود إلى الحرج السياسي الذي يرافق أي عملية اعتراض من أي دولة دائمة أمام الرأي العام العالمي أو الرأي العام ذي الصلة بهذا الموضوع أو ذاك . وبالتالي تحاول الدولة صاحبة التوجه باستعمال الفيتو استنفاد كل الوسائل قبل اللجوء إلى هذا الخيار، فما الذي دفع دولتين لاتخاذ هذا الإجراء معاً .

بصرف النظر عن مضمون مشروع القرار وإلى من يوجه ولأي أسباب تم التعاطي به، وعما إذا كان مشروعاً أم لا، ثمة أسباب عامة وخاصة يمكن الالتفات إليها، أولها طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تتسم بها العلاقات السورية - الروسية من جهة وكذلك ولو بنسب أقل السورية الصينية، فضلاً عن موقع أطراف آخرين في الجغرافيا السياسية للمنطقة وأدوارها الواقعية أو المحتملة، ومن بينها إيران وتركيا، إضافة إلى بيئة مشاريع اتخذت سابقاً لجهة مواقع بعض هذه الدول في تكتلات قارية ذات أبعاد أمنية وسياسية . 

في الجانب الأول، لا شك أن علاقة موسكو بدمشق ما زالت تصنف ضمن أطر العلاقات الاستراتيجية التي تحرص عليها القيادة الروسية لما لموقع سوريا في الحسابات الاستراتيجية ذات الطبيعة العسكرية والأمنية، ومن بينها قاعدة طرطوس وهي الوحيدة المتبقية لروسيا عملياً في المياه الدافئة، وهو الحلم القديم الذي لا يمكن لموسكو التخلي عنه ولو في أحلام اليقظة، وبخاصة في ظل إعادة تشكيل سياسي وربما جغرافي لكيانات منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن العلاقات التجارية القائمة بين البلدين . إضافة إلى تلك الميزات الناظمة للعلاقة . ثمة بُعد روسي آخر يتمثل في إعادة التركيبة السياسية الروسية اللاحقة العام المقبل في إطار عودة فلاديمير بوتين المحتملة بقوة إلى الرئاسة، الشخص الذي أعاد تموضع روسيا في النظام العالمي القائم بعد ضمور وضعها إبان الفترة الانتقالية التي حكمها بوريس يلتسن، الأمر الذي سيعزز موقف القيادة الروسية في مجابهة خصومها التقليديين على المستويين الدولي والإقليمي، عبر إدارة أزمات إقليمية ذات طبيعة استثمارية عالية ومن بينها الوضع الداخلي السوري .

وفي السياق نفسه يتطابق الاعتراض الصيني في مجلس الأمن مع الأسباب الروسية ولو بوجهات أخرى من بينها ضمان حصة بكين من الاستثمارات الشرق أوسطية المتنامية بشكل متسارع، فضلاً عن ضمان البيئة نفسها في القارة الإفريقية بعد الدخول الغربي اللافت عبر البوابة الليبية . وهنا من الصعب تجاهل أو استبعاد العلاقات الإيرانية الروسية وكذلك الصينية في هذا المجال، وما يشكله من إطار داعم للوضع السوري في مواجهة الضغوط الدولية . فإيران التي تشكل ساحة استثمار لافتة لبكين وموسكو ترتبط أيضاً بعلاقات استراتيجية دقيقة مع دمشق ومن مصلحتها بالضرورة ممارسة هذه الورقة لتعزيز دور دمشق في المواجهات الإقليمية والدولية الحاصلة حالياً .

إضافة إلى تلك الخلفيات ثمة مؤثر واضح في عملية الاعتراض المزدوج، على قاعدة السماح التركي لنشر رادارات الناتو على أراضيها، الأمر الذي يشكل تحدياً استراتيجياً مزمناً لموسكو، كادت سابقة له أن تشكل بيئة ملائمة لنشوب حرب نووية إبان أزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا عام ،1961 حيث حُلت الأزمة آنذاك بسحب الصواريخ الأمريكية الموجهة إلى أراضي الاتحاد السوفيتي السابق من الأراضي التركية، مقابل سحب الصواريخ الروسية في كوبا والموجهة إلى أراضي الولايات المتحدة . ويأتي الاعتراض الروسي اليوم رسالة اعتراض أولية من الممكن أن تليها رسائل أشد عنفاً على الإجراء الأطلسي في تركيا عبر الكثير من الأزمات كالتي تحصل حالياً في سوريا .

إن الاعتراض الروسي في مجلس الأمن يشكل حالة من الإجراءات التنفيذية المعتادة التي تسير بها موسكو عادة في المسائل المتعلقة بالأمن أو المجال الحيوي الأمني والسياسي الذي يخصها، ومن بينها المنطقة الجنوبية المتصلة بتركيا وما تشكله من تحكم بمضيقي الدردنيل والبوسفور، شريان المياه الدافئة الذي تتمسك به روسيا في سياساتها الخارجية الاستراتيجية . كما أن خلفيات الموقف الروسي هو مؤشر واضح لرؤية موسكو تجاه النظام السوري القائم على قاعدة أنه ما زال يستحق من الناحية المصلحية دعمه وعدم التخلي عنه كما حدث مع ليبيا، فضلاً عن تقديرها أنه ما زال قادراً على الصمود والمتابعة من دون قطع العلاقة مع بعض أطراف المعارضة السورية .

جانب آخر يفسر الاعتراض المزدوج في مجلس الأمن، على قاعدة الامتعاض والتذمر الصيني والروسي على إدارة الأزمات الدولية بهذا الشكل والأسلوب، وكذلك الآلية أي عبر الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن الذي بات اليد الطولى لواشنطن في تنفيذ سياساتها الغليظة والناعمة على المستويات الإقليمية والدولية في الوقت ذاته .

وبصرف النظر عن هذه الخلفيات، ثمة تداعيات لهذا الاعتراض أولها ظهور رغبة روسية صينية متجددة لإعادة التموضع الدولي من الممكن أن يؤدي إلى زيادة حِدّة فواعل الحروب الباردة وبالواسطة، فضلاً عن فوضى إدارة الأزمات الدولية وتسببها بمزيد من التوترات الداخلية هنا وهناك، لا سيما أن عصر التحركات الشعبية بات خاضعاً لمزاجات خارجية تعرف من أين تؤكل كتفها، في وقت تلهث فيه أنظمة وشعوب على كسب ود هذه القوة أو تلك عبر سباقات بدل تريح فاعليها لكن تتعب شعوبها بالتأكيد .

 

* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا