<%@ Language=JavaScript %> اسكندر حبش «قصائد مختارة» للنرويجي كنوت أوديغار ترجمها فؤاد رفقة كتابــة مسكونــة بـ«جوقــة بريــة» وحــرارة نافــرة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

«قصائد مختارة» للنرويجي كنوت أوديغار ترجمها فؤاد رفقة

 

كتابــة مسكونــة بـ«جوقــة بريــة» وحــرارة نافــرة

 

اسكندر حبش

 

عن «دار نلسن» صدرت مؤخرا ترجمة عربية للشاعر النرويجي كنوت أوديغار بعنوان «قصائد مختارة» قام بها الشاعر فؤاد رفقة (من اللغة الانكليزية)، وهي ربما الترجمة الأولى المتكاملة لهذا الشاعر الذي يعتبر واحدا من أهم وأشهر شعراء النرويج في العصر الحديث. هنا مقالة حول الكتاب والشاعر.
من بين أجمل الآداب الاسكندينافية التي لا تزال مجهولة لدى القارئ العربي، نجد من دون شك الآداب النرويجية. قد يكون الأمر خسارة حقيقية، لأن هذا الأدب ليس سوى أدب صاف، أقصد الأكثر تفردا في الشمال الأوروبي الثلجي. ربما يجيء تفرده من كونه الأقل تأثرا بالتيارات الأوروبية المركزية (أي الفرنسية، الانكليزية، الخ... وهذا ما لا نجده في أدب أشقائه الشماليين الآخرين، الذين نحوا في كتاباتهم، إلى اللحاق بهذه التيارات، وحيث أفردوا لها مكانة واسعة في تجاربهم المعاصرة.
أدب يبدو أقرب إلى البحر، إلى الأزقة البحرية، إلى المستنقعات المائية، إلى النجد الصخري، أي بمعنى آخر هو أدب يحاول أن يكون أكثر إخلاصاً لهذا المعنى القديم للإنسان في مواجهته مصيره، والذي يحدد جيدا هذه «الساغا» الشمالية (حكاية تاريخية أو ميثولوجية في الأدب الاسكندينافي). هو أيضا، أدب، يريد أن يبدو الأقرب إلى واقع الإنسان والحيوان والأشياء. من هنا تجيء كتاباته المتعددة صافية و«قاسية» مثل هذه الكتل الجليدية التي تنتصب في عزّ فصل الشتاء، بكل ما تعكسه من اختراقات ضوئية، وما تحمله معها من تكسرات لونية، جديرة بأن تحيل هذه العاديات التي تشاهدها العين، إلى «نُصب» خرافية. نُصب، قد تندهش العين أمامها، إلا أنه من الصعب أن تعيد الكلمات تشييدها.
بالتأكيد ثمة عملية تثاقف، لا بد أن تكون ظاهرة وواضحة في هذا الأدب. وبالتأكيد أيضا، ثمة «جمالية» مرهفة عرفت كيف تستفيد من كلّ النظريات الخاصة بهذه «الفلسفة الاستيتيقية»، وثمة، من جانب آخر، أبحاث «شكلانية» عليمة، كما نجد ذلك الحضور الانسيابي للتيارات الميتافيزيقية، إلا أن ذلك كله يترك مكانه ـ وبشكل طبيعي بعيدا عن أي تصنع ـ إلى اندفاعات الغريزة الأرضية، إلى حرارة الدم، إلى مشهد الشمس. كأن ذلك ليس سوى «اتفاق»، أو لنقل إنه «تواطؤ» دائم يمنع عنه الأشكال التجريدية والتشريحية. أدب يذهب رأساً إلى هدفه المباشر، حين يتعرف إلى نفسه في اكتماله. قد يحدث أحيانا بدون ثقل، لكنه يحمل دوماً هذا الحس الأسمى للحقيقة الإنسانية والطبيعية. ثمة «جوقة برية» تتردد أصواتها في قلب هذه الكتابة، (إذا ما استعدنا عبارة شهيرة للكاتب كنوت هامسون)، جوقة تجمع بين الشعراء على اختلاف انتماءاتهم «الجغرافية الداخلية» أو الفكرية. قوة هذه النداوة، قوة هذه الحرارة النافرة التي تأتي من دون تصنع وتكلف، هما ما «يسحرنا» دفعة واحدة في شعر النرويجي «كنوت أوديغار».
يقال إنه شاعر على قدر كبير من الشهرة في بلاده وذلك «لأنه يتناغم جيدا مع روحه» (على قول الناقد ريجيس بواييه). لذلك، تأتي ترجمة كتابه إلى العربية، بمثابة فرصة حقيقية لأن نتعرف إليه، لأن نتعرف إلى أنفسنا من خلاله. قد يكون هذا هو السبب الرئيس في هذه «المختارات» التي يقدمها إلينا الشاعر فؤاد رفقة. مختارات، لا بد أن تضع أمامنا، نحن القراء، تدفق الشلالات المهيبة التي تشكل جزءاً من جغرافية تلك المنطقة. تضع أمامنا، «بتولية» تلك المساحات الجليدية الكبيرة «المتغطرسة»، قوة الشجر المنتصب، غضب البحر الكبير، هذه «المساحات» التي تخفي أسرارها العميقة وراءها. لكن ما يتعذر شرحه من ذلك كله، نجده يخاطبنا دفعة واحدة، عبر صورة غير متوقعة في بساطتها. ثمة «تحالف» غريب ما بين الكلمات اليومية. هذه الكلمات التي تشكل عماد تجربة كنوت أوديغار الشعرية، إذ إنه يختار «كلام الريف» وسيلة للتعبير، وهذا ما لم يسهل الترجمة إلى العربية، وبخاصة أنها تأتي عن لغة وسيطة، الانكليزية، لكنها لا تزال تحتفظ بقسم كبير من هذا الماء الداخلي. «كلام الريف»، أي هذا الكلام المباشر والواضح، لا لأنه عدو الحداثة وإشكالياتها المتعددة، بل لأن الشاعر متعلق جدا بفكرة إنقاذ الكائن البشري الواقف خلف التقنية و«التكنوقراطية» والمعلوماتية و«السيبرنيتيكية» وما إلى هناك من أمور «قاتلة» في عصرنا الراهن، على الأقل هذا ما نجده في «فلسفة» الشاعر الذي يحاول لا أن ينأى عن ذلك فقط، بل أن يجد موقفا فكريا معارضا له.
سيرة
لو عدنا إلى بعض تفاصيل سيرة الشاعر، لوجدنا أن كنوت أوديغار ولد في مدينة «مولدي» الواقعة في الجنوب الشرقي للنرويج، العام .1945 منذ بدايته الكتابية، خص مدينته هذه بالعديد من القصائد، وبخاصة كتابه الشعري الخامس. ومثلما حدث، في العديد من البلدان الصناعية الأخرى، تخلت عائلته عن الأراضي، التي يعتبرها أوديغار ميراثه الوطني، لتذهب وتبحث عن عمل في المدينة الكبيرة. هناك تابع دراسته من دون أن يهمل حبه لآلتي «الفلوت» و«البيانو»، اللتين نسمع ألحانهما، وبخاصة الآلة الأولى، في أعماله. في البداية، حاول أن يدرس في جامعة أوسلو «علم اللاهوت»، إلا أنه سرعان ما اكتشف أن الأدب هو الذي يعنيه أكثر من غيره. عمل في النقد الأدبي منذ العام ,1968 تولى مسؤولية جميع الأنشطة الثقافية في جنوب ـ ترونديلاغ، أي كان شخصا مؤثرا في الحياة الثقافية في النرويج. له العديد من الكتب، من بينها عدد لا بأس به من الترجمات الشعرية إلى النرويجية وبخاصة ترجمته للشعر الأيسلندي المعاصر.
لو أردنا أن نصف تطور تجربة أوديغار الشعرية، لوجدنا أنها تعمقت من قصيدة إلى أخرى، أي لم يتوقف هذا «المشّاء» من أن يصعد، بصبر، نحو نبع أحلامه، لذلك نجدها تبتعد عن أي تعديل حقيقي. يرى العديد من النقاد، أن كلّ ما يتعلق بمفهوم الكتابة الشعرية عند أوديغار، من حيث المناخات والإطار الفكري العام، قد اقترحه الشاعر منذ العام ,1967 أي منذ كتاباته الأولى. قد يبدو ذلك مصدر «القوة الشعرية»، من هنا هذه الطمأنينة الموجودة في كتابته، والتي نتيقن منها عند قراءتنا لهذه القصائد. هذه القوة تمدّ جذورها، إلى القيم الاسكندينافية القديمة. قيم لا تُقتصر بالطبع على الإطار (الديكور) الطبيعي، بل هي قيم ثقافية بالمعنى الواسع المعطى لهذه الكلمة في تلك البلاد: إذ تتشكل «الثقافة» هناك، بدءا من شكل الملعقة، مرورا بالثياب «الفولكلورية» وصولا إلى القضايا اللاهوتية أو الشعرية. إذ قد يخبرنا مستودع قديم للبواخر أكثر مما يستطيع القيام به أي خطاب سياسي. وهذه نقطة تجب الإشارة إليها: لا تشكل التوجهات السياسية القاطعة اللون الأكبر في هذا العمل الشعري. فإذا كان الشاعر يأسف على «هذا الاقتلاع من الجذور» ـ وهو عمل يبدو سمة العصر الحديث ويصفه أوديغار بالانتحاري ـ وإذا ما كان «يسُوط» أيضا ما يُزعم بأنه التطور، فإن ذلك يأتي بشكل خفر، «بمزاج»، بسخرية «خشنة» تشكل طريقة الشاعر في الكتابة.
يعرف الشاعر أننا نعيش في عالم قاس، وهذا سبب إضافي كي ندافع عن حقوق الإنسان، لكن من دون أي «تمترس» وراء الشعارات المعروفة والمستهلكة. يقوم بذلك، باسم الحياة فقط. فالماضي والحاضر، هما بالنسبة إليه، عبارة عن سلسلة من المتعذر تدميرها تقع في وسط طبيعي خاص (يحيلنا في ذلك على منطقة شرق «رونزدال»)، لذلك شكلا له نوعا من وعي جماعي يريد أن يكون هو نفسه «متعهده».
لكنه في ذلك كله، لم يتوقف عند المظاهر وإن كانت تشكل راهنا حارقا. هوسه الحقيقي، هو هذه القوى اللاواعية التي تأخذنا معها إلى أكثر المشاهد اليومية عادية من خلال تأمله رغبات البحر أو الريح أو نبع الماء. ما نراه في قصائده، هذا الوصول إلى موضوعة القدر، الفردي والجماعي، إلى الأسئلة الكبيرة الأبدية التي بقيت من غير جواب أي تلك التي يطرحها وجودنا حول الموت و«المجهول». من هنا يقترب أوديغار كثيرا من الشاعرة الفنلندية ـ السويدية إديث سوديرغران، من حيث أنه ينحدر من بلاد «لم تعد موجودة»، وهذا بالضبط عنوان احد أشهر كتب هذه الشاعرة. إزاء ذلك كله تبدو رحلة كنون أوديغار وكأنها رحلة بحث دائم عن هذا الشيء الآخر، البعيد عن الواقع، هذا الشيء الإنساني والطبيعي الذي يجعله شاعرا.
بمعنى من المعاني، استطاع الشاعر أن يحل مشكلة السر هذا، أو على الأقل في أن يجد مقتربا له، عبر هذه المسيرة الشكلانية. ما بحث عنه هي هذه الكثافة، هذه الصورة الكثيفة، تماما على طريقة «الهايكو» اليابانية أي في صفاء هذه اللغة وبساطتها التي لا تتكون إلا عبر الانعكاسات الأدبية. بهذه الطريقة نجح في تغيير كل ما كان يراه، بما فيه هذا الواقع الذي كان يظهر له ميتا. ربما بهذه الطريقة نفهم عمل أوديغار، لأن القصيدة، هي بالنسبة إليه حاجة ضرورية كي يستطيع عبرها أن يُكَون موقفا تجاه الوجود.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا