<%@ Language=JavaScript %> فايز سارة  موارد مادية عالية

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            


 موارد مادية عالية

 

 

فايز سارة *

 

كيف تبدو صورة المثقف العربي اليوم؟ هو سؤال مهم وضروري، ليس فقط من أجل تحديد موقع المثقف العربي في خريطة المجريات العربية، وهو أمر ضروري القيام به، بل أيضا من أجل رؤية ما يمكن أن يقوم به المثقف العربي من دور مستقبلي في عالم عربي يقف اليوم امام تحولات عاصفة، سوف تنقله الى واقع مغاير ومختلف، وقد شرعت بعض بلدانه في ذلك فعلا على نحو ما يحدث في تونس ومصروليبيا.
والتدقيق في ملامح صورة المثقف العربي اليوم، تؤشر الى توزع المثقفين العرب الى ثلاث مجموعات، مجموعة منخرطة في مشروع السلطة الذي يمكن القول، انه مشروع بلغ حد الفوات الذي لا أمل منه، وليس له مستقبل سوى مزيد من الترديات، ولن تنفع فيه أية "اصلاحات" سواء كانت عبر رشاوى مادية واجرائية على نحو ما تقوم به بعض السلطات في بلدان عربية تملك موارد مادية عالية. كما لن تنفع فيه منهجيات الديماجوجيا والتضليل الذي تتابعها سلطات فاسدة ومستبدة مستندة الى عواطف شعبية، وتقوم في خلالها بحملات تعبئة ذات أبعاد وطنية وقومية جوهرها قول حق يراد به باطل.
هذه المجموعة من المثقفين العرب، ليست اكثر من بنية موظفة في اطار مشروع سلطوي، وأساس وظيفتها أمران، اولهما ان توضع في الترسانة الفكرية والايديولوجية للنظام بدل ان تذهب الى خصومه وناقديه، والثاني توظيفها في خدمة التبرير والتنظير الضروري الذي تحتاجه السلطات في معركتها الحفاظ على وجودها ودعم سياساتها، وبصورة اجمالية، فان هذه المجموعة من المثقفين الذين يعشعشون في دوائر الانظمة في المجالات كافة ولاسيما في الدوائر الثقافية يرضون بالقليل من المنافع المادية والمعنوية، رغم أن بعض السلطات تمارس حيال بعضهم سياسة اغراق مادي لاتتجاوزها الى مكانة اجتماعية مرموقة، حتى لايتحولوا الى قوة فعل وتأثير في بلدانهم.
والمجموعة الثانية من المثقفين العرب لها نزعة نقدية، تجعلها في موقع المختلف مع الأنظمة دون ان تذهب الى التناقض والاختلاف او التوافق الكلي معها، وأغلب المنتمين الى هذه المجموعة مثقفون أسسوا أنفسهم عبر مسارات متعددة، البعض بذل جهوداً مضنية ولاسيما في المجال الثقافي والمعرفي والاكاديمي لأخذ مكانة وموقع في الخريطة الثقافية لبلده وفي الخريطة الثقافية العربية وفي الأبعد منها العالمية، وبعضهم تطورت مكانته تحت تأثير العوامل السياسية بجوانبها السلبية والايجابية وبتفاعلاتها، والتي كانت على مدار عقود طويلة بوابة لافراز وتطوير نخبة تتجاور في داخلها المكونات السياسية والثقافية، يشكل مثقفون من هذه المجموعة بعض شخصياتها.
وغالبية المنتمين الى هذه المجموعة وجدوا طريقهم الى مواقع الخبرة نتيجة علاقاتهم، فصاروا خبراء لدول وهيئات ومنظمات في أطر عربية وإقليمية ودولية، عززت حضورهم ودورهم المستقل بدرجات متفاوتة، لا تستثني في بعض الحالات سياسات دولهم وحكوماتهم، دون ان يذهبوا الى معارضة جدية لاي واحدة من السياسات، حتى لو تصادمت مع مصالح واحتياجات قطاعات او فئات واسعة.
اما المجموعة الثالثة من المثقفين العرب، فهي الأوضح، والأكثر تعبيراً عن هوية المثقف بوصفه قوة في تغيير الواقع الذي يحيط به الى درجة يمكن القول، إن هذه المجموعة تنتمي الى تيار المعارضة الذي لايقتصر في طبيعته على المعارضة السياسية، بل والثقافية، وقد يمزج بينهما في نسيج واحد، يتضمن الى جانب الهوية السياسية والثقافية هوية اجتماعية واقتصادية.
وميزة هذه المجموعة من المثقفين العرب أنها من قطاعات شعبية ناهضة وخصوصا من أبناء الطيقة الوسطى، وأكثريتها من الشباب، الذين أغلقت الأنظمة القائمة بطبيعتها وسياساتها وممارساتها أفق التطور والتقدم أمام الفئات الشعبية وبخاصة أبناء المدن الصغرى وأبناء الأرياف المحيطة بالمدن، والتي تعرضت لانتهاكات وتهميش من كل الالوان والمستويات، مما دفع المثقفين للانخراط العملي والكثيف في قضايا مجتمعية تختلط فيها السياسة بالثقافة، وتقدمت طلائع من هذه المجموعة لتلعب دوراً ظاهراً في أحداث العام الأخير في العديد من البلدان العربية سعياً وراء تغييرات جوهرية في حياة سكان تلك البلدان.
لقد كشفت (ثورات الربيع العربي) واقع الانقسام الحاد داخل النخبة الثقافية العربية. وجعلت تجاذبات جماعاتها او مجموعاتها اشد وضوحاَ, ودفعت الى مواجهات ولاسيما بين المؤيدين والمعارضين للسلطة من المثقفين، فيما سادت حيرة الموقف التي شوشت أذهان الجماعة الوسطى من المثقفين، دون أن يمنع ذلك من حدوث تناقلات بين المجموعات الثلاث، وان اختلف الحال بين بلد وآخر.
واذ أدت (ثورات الربيع العربي) عند انطلاقتها وفي المراحل الاولى الى تناقلات بين المنتمين للمجموعات الثلاث من المثقفين العرب، فان انتصار بعض تلك الثورات ادى الى تطور اهم، وهو توسيع قاعدة المجموعة المعارضة من المثقفين، صاحبة المشروع البديل، والتي انضم اليها معارضون عاشوا فترات طويلة تحت خيمة السلطة، وآخرون ممن اتسمت مواقفهم بالنقدية من تلك السلطة، لكن الجميع وفي ظل انتصار ثورات بلدانهم، فتحوا الابواب مشرعة للقيام بدور جديد يقومون به في خدمة بلدانهم وشعوبهم، التي لاشك أنها بأمس الحاجة الى رؤى وأفكار ومشروعات وطاقات، تخرجها مما خلفته سلطات الاستبداد والاستئثار، التي مكثت طويلا على صدر الشعوب.



* كاتب سوري
f.dib50@gmail.com

 




 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا