<%@ Language=JavaScript %> الفضل شلق السلطة وخديعة التاريخ

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

السلطة وخديعة التاريخ

 

 

الفضل شلق

 

يقال عن بعض كبار مؤرخي اليونان إن علينا أن نهتم بكتابة التاريخ لأن ما سيحدث في المستقبل يشبه ما حدث في الماضي. لو كان القول صحيحاً لما كان تطور وتغير في الحياة البشرية منذ ما قبل التاريخ حتى اليوم. لولا التطور التاريخي لكنا نعيش كما في العصر الحجري، أو ما قبل.

 يقال أيضاً إن التاريخ يكرر نفسه مرتين؛ الثانية كاريكاتور للأولى. لو كان الأمر كذلك لكان معنى الأمر أن التطور التاريخي سلسلة من المهازل.

 يقال أيضاً إن التاريخ يكتبه الغالبون. لو كان الأمر كذلك لما حدثت الثورات، أو في الثورات: المغلوبون والمهمّشون والفقراء والضعفاء، هم الذين يصنعون التاريخ، وبسببهم يحدث التطور.

 يقول آخرون إننا لا نتعلم من التاريخ سوى درس واحد، هو إننا لا نتعلم من التاريخ. لو كان الأمر كذلك لكان التاريخ عشوائياً يستحيل فك طلاسمه.

 يقول آخرون لا نعرف من التاريخ الفعلي سوى ما نكتب عنه. في ذلك استخفاف بالكلمة المكتوبة. فهل نبقى على مستوى النقل الشفهي؟ وهل النقل الشفهي أرقى من الكتابي؟

 يقول آخرون إن التاريخ مدفون تحت التراب، وعلينا الاستفادة من الأركيولوجيا لاكتشاف التاريخ. الأركيولوجيا تدلنا على بعض العظام والنقود والأوراق المنسية في مناطق جافة وبعض الأبنية التي نستطيع منها أن نكتشف حوادث التاريخ، وذلك بعد بحث مضنٍ في دلالة هذه البقايا الأركيولوجية. وهناك خوف دائماً في أننا نجعل هذه الآثار تقول أكثر مما تحتمل.

 يقول آخرون إن التاريخ هو إسقاط الحاضر على الماضي. فهل الحاضر على مثل هذا الثبات كي يتمكن من إعادة رسم الماضي، وربما المستقبل؟ ربما كان الحاضر نفسه هو ما يتعرض للخطر، فماذا نفعل؟

 يقول آخرون لا نعرف عن الماضي سوى أفكارنا عن التاريخ. ألا يعني ذلك إهمال الكيفية التي أدت إلى تشكيل أفكارنا؛ ألا تتشكل أفكارنا بالاستجابة لعوامل موضوعية خارج أدمغتنا؟

 يقول آخرون: لكن هذه المرة تختلف الأمور عما سبق. فكأنه لا سياق للأحداث، وكأن كل ما يحدث هو من وحي إرادتنا، وكأننا نختلف عن كل من سبقنا وما سبقنا، فنحن في كل لحظة نولد من جديد، أو هناك خالق يخلق الكون من جديد ويقرر كل ما يحدث فيه في كل لحظة.

 الذين لا يتعلمون من التاريخ والذين يعتقدون أن إرادتهم أقوى من الأحداث الموضوعية؛ والذين يسعدون بالحاضر دون إرادة تغيير، أو دون اعتراف بتغيير يحدث خارج إرادتنا، هم الطبقة الحاكمة في كل مجتمع. هؤلاء هم الذين، إنهم هم الذين يصنعون التاريخ وإنهم هم الذين يكتبونه، ولولا ذلك لما كانوا هم في السلطة. كونهم في السلطة يعني أن الحاضر دائم وأن السلطة لا بد أن تكون أبدية. أهل السلطة يحبون الملل. لا يملون من البقاء في السلطة. يفرضون عقوبة الملل على شعوبهم. وهذه تسمى عقوبة - يحبون التكرار- ولا يتعلمون حتى من التكرار. لا يحبون الاختلاف. الاختلاف بنظرهم ليس حقاً وليس رحمة للناس. خروج على الواقع البائس، على الحاضر التافه. الخروج بنظرهم على التكرار هو خروج على القانون. القانون وجد أساساً من أجل قمع الاختلاف. القانون وسيلة أخرى بيد السلطة.

 كل النظريات عن التاريخ تسقطها الثورات - ليس لأن التاريخ لا معنى لدراسته، أو لا ضرورة لفهمه، بل لأن التاريخ يحدث شئنا أم أبينا، لأن ما يحدث هو ما يجب أن يحدث، لأنه لم يحدث شيء آخر. وما نتوقع أن يحدث هو مجرد احتمال؛ والاحتمالات متعددة ومعقودة. عقلنا النظري، في غالب الحالات، لا يستطيع، لا يستطيع احتواء كل تعقيدات الاحتمالات التاريخية، إذ أن مدخلات ومخرجات كل حدث متعددة ومعقدة، ومخرجات كل حدث أكثر تعقيداً من مدخلاته؛ وكل حدث هو تركيب لأحداث أخرى. وكل نظرية هي تبسيط للأحداث كي نفهم؛ لا تفهم إلا بالتبسيط، العقول الأكثر فهماً هي العقول الأكثر تعقيداً بموازاة الأحداث والوقائع. علينا أن نبسط الأحداث كي نفهمها؛ في التبسيط تضيع أو تلغي تعقيدات كثيرة. في التبسيط تضيع أجزاء كثيرة، من الأسباب والنتائج، من المدخلات والمخرجات، للحدث الواحد. فهل يعني ذلك أننا لا نستطيع أن نفهم ما جرى ويجري وسوف يجري؟

 يقول بعد الحداثيون إننا لا نستطيع أن نفهم، وإننا لا ندرك سوى أفكارنا وإنها منا. لماذا إذن نمارس الفلسفة؟ يقول آخرون إننا نستطيع أن نجعل من الفلسفة علماً دقيقاً كالعلوم المادية، نستطيع الوصول إلى فهم مستوى الوصول إلى الكيمياء والفيزياء. كان ذلك طموح الفلسفة في مطلع القرن العشرين، لأن الطموح أدى إلى نتائج ملموسة كالتي طمحوا إليه في بداية القرن الواحد والعشرين، أي بعد مضي مئة عاماً.

 إذا كان الحكام العرب لا يتعلمون من التاريخ فهل يتعلمون من الجغرافيا؟ جغرافيا الثورة العربية تشتمل كل مكان عربي. الجغرافيا علم صعب، فهل يتعلمون من الحاضر ما حدث لغيرهم من حكام الأمة في مواضع أخرى؟

 طريق الفهم صعب، يتطلب عناء الدرس وتشغيل الذهن وحسن السليقة، وذلك لمدة طويلة. عندما استقدم أحد حكام سيركواز في صقلية أقليدس كي يعلم ابنه الرياضيات، عن أقصر الطرق لتعلم الرياضيات. أجابه أقليدس: سيدي ليس هناك طريق إمبراطوري للرياضيات.

 لم تتعلم أوروبا الإمبريالية من حروب التحرر الوطني، فأبقت على الاستعمار الجديد، أبقت على نفوذ كي تتسلل الإمبريالية الجديدة بأشكال أخرى. لم تتعلم الولايات المتحدة من هزيمتها في فيتنام، فغزت العراق. آخر الذين كانوا ينتظر منهم أن يتعلموا من التاريخ والجغرافيا كان الفرعون، إلا أن سقط مستلقياً في غرفة المحاكمات في مصر.

 واجب الطبقات العليا أن تتعلم من التاريخ. الدرس الذي تتعلمه هو أن عليها أن تسقط قبل أن يسقطها التاريخ.

 واجب الطبقات المحكومة أن تتعلم من التاريخ. الدرس الأساسي الذي عليها أن تتعلمه هو أن متابعتها النضال من أجل الحرية تؤدي إلى إسقاط الحكام مهما كانوا عتاة وأشداء، تؤدي الثورات إلى سقوط الحكام وإلى تغييرات لا يمكن الرجوع عنها، حتى لوجود الاستبداد نفسه، وحتى ولو تدخلت الإمبريالية باستدعاء الخونة لها.

 يسقط الحكام وأتباعهم إلى غير رجعة، تتتالى موجات الثورات من أجل التحرر وتتوسع في مطالبها وتتوسع قواعدها الشعبية. الزلازل لا تعيد الأرض كما كانت. تخلق أرضاً جديدة. الثورات تصنع مجتمعات جديدة. التاريخ في اللحظات الثورية، التي يمكن أن تمتد إلى سنوات، يصنعه المغلوبون ويكتبه المغلوبون. المغلوبون بؤساء الأرض، مشردو الأرض، مهمشو الأرض، فقراء الأرض، يؤكدون أنفسهم، يرفعون راية هويتهم الطبقية في اللحظة التاريخية ويفرضونها على التاريخ.

 لولا الثورات لما تغيّر التاريخ ولما تطوّر ولما تعدّل مساره. في اللحظات التاريخية يعدّل المهمّشون والمغلوبون مسار التاريخ، حتى ولو عاد الاستبداد بطرق أخرى وعن طريق انتخابات تنتج تيارات دينية وسلفية.

 قضايا الناس غير القضايا المطروحة في الانتخابات؛ مسار الثورة غير مسار الانتخابات. بمقدار ما تكون الثورة مستمرة تتغير كل المسارات الأخرى بما في ذلك مسار الانتخابات التي تخدع الثورات وتمكّن الطبقات العليا من القبض على مسار الثورة ومسار الشعب ومطالبه.

 تراكم الثورات يصنع التاريخ الفعلي. العرب الآن يصنعون تاريخهم. يحظى من يحكم ويعتبر نفسه أنه ما زال يعمل في صناعة التاريخ.

 التاريخ خادع، يخدع الحكام وحسب. لا يخدع غيرهم.

 

السفير 9/12/2011

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا