<%@ Language=JavaScript %> الفضل شلق نحو مجتمع مفتوح أساسه الإنتاج والحوار
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

نحو مجتمع مفتوح أساسه الإنتاج والحوار

 

 

الفضل شلق

 

يبدي الأخوان المسلمون وغيرهم من جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي مواقف جديدة تعبر عن القبول بالديمقراطية وخيارات الناس والقبول بالتعددية لناحية حق ترشيح النساء وغير المسلمين للرئاسة، مما يعني أنه لم يعد لازماً تضمين الدستور مواد حول دين الدولة، أو المصدر الديني للتشريع، أو دين رئيس الدولة.
لنقلها صراحة إن المناخ الاقتصادي- الاجتماعي السائد هو مناخ الليبرالية الجديدة. بخياراتها الداعية إلى الخصخصة وتصغير حجم الدولة وإعادة الهيكلة الاقتصادية والمالية بما يتناسب مع متطلبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهذا ما يطبقه الإسلاميون في البلدان التي يحكمونها، سواء في تركيا أو في إيران. لم تعد الاستقطابات القديمة هي الأساسية، لا بين العلمانيين واليساريين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، ولا بين أنظمة القمع الديكتاتورية وجمهور الناس (المؤمنين) من جهة أخرى. تشتعل نار الثورة العربية، وسيكون للإسلام السياسي دور كبير في السلطات الجديدة، كما يبدو من تجربة مصر وغيرها.
آخر ما تحتاج إليه الأمة هو استبعاد فريق، أو استئثار فريق بالسلطة، في دولها. ما تحتاجه الأمة هو التوحد، هو تغليب عوامل التوحد، على عوامل الانقسام في منطقة شديدة التنوع الديني والإثني والقبلي والقومي. إعطاء الأولوية لعوامل التوحيد يستدعي تنازلات من جميع الأطراف. ليس المطلوب من الإسلاميين التنازل عن مسائل عقدية إيمانية، بل فسح المجال للاجتهاد في أمور الدنيا، علماً بأن معظم نصوص الكتاب المؤسس متشابهات، وجميعها تحتاج إلى تفسير. تختلف التفسيرات، ولولا ذلك لما كثرت المذاهب، وكثرت الاختلافات. الاختلاف رحمة، لكنه يمكن أن يكون مبعثاً للتعصب في غير محله، وأن يكون مبعثاً للفتنة، وهذا أمر وارد.
وذلك ما سوف يحدث لو قيل أن النص المؤسس هو أساس القانون، والشريعة أساس التشريع. وسيختلف المسلمون حول التفسير والمذهب الذي سوف يتبعونه، وقد اختلفوا حول التفسير خلال تاريخهم. صحيح أن النص مقدس، لكن تفسيراته بعد أن تمر عبر العقل البشري ليست مقدسة.
يدور نقاش واسع بين الجماعات الإسلامية حول هذه المواضيع، وهي جديرة بالمناقشة، ومن المأمول أن تبقى الخلافات حولها في إطار الحوار والنقاش. لكن الأمر الذي يغيب عن بال الكثيرين هو أن الأجيال الجديدة، ما تحت 30 عاماً، يتجاوز أعدادها جميع الفئات العمرية الأخرى للمجتمع. هذه الأجيال الجديدة لا تهتم بهذه القضايا التي لا تعنيها، وسيكون الحوار حولها مفروضا عليها. وقد حدثت الثورة العربية لأن الأنظمة العربية فشلت في التواصل معها والتجاوب مع التحديات التي تطرحها مطالبها. كان عجز الأنظمة أمام الشباب قد فضح عجزها أمام المجتمع ككل، وإلى سقوط بعضها وإلى تعرض بعضها إلى السقوط، والحبل على الجرار. وهناك خوف من تحول الثورة إلى حروب أهلية في بلدان عربية كثيرة. سوف تنشأ موجات جديدة من الثورة العربية، وستحتاج إلى أن يجد أصحابها مكاناً لهم في المجتمع، إذ لا يعقل أن موجات من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 أو 40 سنة، الذين يشكلون عماد المجتمع، سوف يبقون خارج النظام أو على هامشه. إن خطاب السلطات السائدة لهؤلاء الشباب لم يكن مفيداً. وخطاب السلطات القادمة، إذ اقتصر على إيديولوجيا الإخوان المسلمين، وغيرهم من الجماعات الإسلامية، سوف يكون أكثر بعداً عن ملاءمة هؤلاء الشباب، أي سيكون هذا الخطاب معزولاً عن جمهور المجتمع. وستكرر موجات الثورة، وستكرر عوامل عدم الاستقرار والفوضى التي تتزامن معها. لا تحتاج السلطات الجديدة، الرسمية او غير الرسمية، التي سيطرت على السلطة او لم تسيطر بعد، ان تعيد خطاب وممارسات الانظمة التي سقطت او التي سوف تسقط.
يمكن تلافي ذلك كله إذا شيدت السلطات الجديدة مجتمعات مفتوحة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. اقتصاديا، يحتاج المجتمع إلى برامج وخطط تنمية جدية تزيد فرص العمل المنتج للسلع والخدمات الأساسية، بما يتجاوز أعمال السمسرة والكومسيون وربح العقارات، وربح المؤسسات والتحويلات من الخارج.
يحتاج كل مجتمع إلى خطة اقتصادية تجعله قادراً على إنتاج ما يستهلكه، وقادراً على التصدير وولوج العالم باقتصاد قوي منتج ومصدر للسلع الجاهزة للاستهلاك.
وسياسياً يحتاج كل مجتمع عربي إلى أن يتحول إلى مجتمع مفتوح في كل النواحي والعلاقات بين الرجال والنساء، وفرص العمل والمساواة للجميع، والديمقراطية، والحوار الحي حول كل القضايا. الديمقراطية أصبحت ضرورة كي يصير المجتمع مفتوحاً وكي يؤدي الحوار إلى تحديد قضايا الناس، وكي تصل قضايا الناس إلى الباحث كي يحضر الدراسات، وإلى الحاكم كي يحضر القرارات.
واجتماعياً يحتاج كل مجتمع عربي إلى نظام مفتوح يسمح بالحركة الاجتماعية وبارتقاء السلم الاجتماعي كي لا تبقى جماعات واسعة من الشباب خارجه. المجتمع المفتوح يحتاج إلى اقتصاد مبرمج يأخذ بعين الاعتبار التطورات السكانية، ويعتبر أن لهذه التطورات السكانية آثارا سياسية، وأن المشاكل السياسية لم تعد قابلة للحل بأساليب أمنية، كما في السابق. الديمغرافيا سبقت السلطات، وعلى السلطات الجديدة أن تلحق بالديمغرافيا الجديدة بغير الأساليب القديمة. إن أعداداً كبيرة من الشباب المتعلمين من دون عمل ستشكل قنبلة موقوتة في أي مجتمع في العالم. وهناك حاجة إلى إدماج هذه المجموعات في المجتمع عن طريق العمل، وإلا ستبقى خارج المجتمع؛ ولن ينفع حوار معها.
إذا كانت الثورة العربية، التي تنتقل من بلد عربي إلى آخر، لم تؤد إلى تشكيل المجتمع المفتوح مع اقتصاد قادر على النمو والتوزيع وإدماج الفئات الشابة التي تشكل غالبية المجتمع، فإن السلطات الجديدة سوف تكون عبئاً على المجتمع وسوف تضطر إلى ممارســة أنواع القـمع التي مارستها السلطات التي سبقتها.
والثورة ليست انتقال السلطة من فرد الى فرد، او من فرد إلى مجموعة، او من مجموعة إلى مجموعة أخرى. هي بالأحرى انتقال في طريقة عمل السلطة والتحويل من أساليب قديمة لم تعد ذات فائدة إلى أساليب جديدة تساهم في طرح القضايا الجدية للناس وفي إنتاج مجتمع جديد يتيح إمكانية بناء علاقة سوية بين الحكام والجمهور. لا تقوم علاقة سوية بين السلطة والجمهور إلا بالنمو، بزيادة الإنتاج والتوزيع العادل. لم يعد ممكناً حل قضايا سياسية بأساليب أمنية. لقد فاض عدد السكان عن عدد قوى الأمن، وبقية البلطجية، التي يمكن استخدامها في السيطرة على الجمهور. انكسر حاجز الخوف لأن الجموع العاطلة عن العمل، أو التي تعمل وتشعر بالتهميش، فاض عددها باضعاف على كل الأجهزة الأمنية الموجودة، والتي يمكن أن توجد. لم يعد ممكناً السيطرة على المجتمع إلا ببناء علاقة سوية بينه وبين السلطة، والعلاقة السوية بينهما تعتمد لا على السيطرة الأمنية ـ العسكرية، بل على العمل والإنتاج، ويعتمد العمل والإنتاج أيضاً على الحوار. وكل ذلك يمكن وضعه تحت عنوان المجتمع المفتوح، المجتمع الذي لا يبقى مغلقاً في حواراته وفي موارده وفي جباية الموارد وانفاقها.
كلٌّ يريد مكانه في المجتمع. يجدد المجتمع نفسه، وتجدد الدولة نفسها، بأن تجعل الجميع يشعرون أنهم جزء من المجتمع والسلطة عن طريق الإنتاج والحوار.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا